بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
قراءات قرآنية - الدرس : 16 - من سورة الأنفال - وصف المؤمنين.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحكمة من وصف المؤمنين :
أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة يصف المؤمنين ، والقصد من وصف المؤمنين في القرآن الكريم أن يكون هذا الوصف معياراً ، وأن يكون هدفاً ؛ أي أن يكون معياراً لإيماننا ، وهدفاً نسعى إليه .
فالله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين في أول الأنفال . قال :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[سورة الأنفال:2]
أدق ما في الآية أن كلمة إنما تفيد القصر ، أي ما لم تشعر بالوجل إذا ذكر الله عز وجل ، وما لم تزدد إيماناً إذا تُليت عليك آيات الله ؛ إن آياته الكونية ، أو آياته التكوينية ، أو آياته القرآنية ؛ آياته الكونية ما بث الله في السموات والأرض من دلائل على وجوده ، ووحدانيته ، وكماله ، وآياته التكوينية أفعاله :
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[سورة الأنعام:11]
وآياته القرآنية كلامه .
ما لم يوجل قلبك إذا ذكرت الله عز وجل ، وما لم تزدد إيماناً إذا تليت عليك آياته القرآنية ، والتكوينية ، والكونية فلست مؤمناً :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[سورة الأنفال:2]
معية الله معيتان ؛ عامة و خاصة :
الله سبحانه وتعالى يطمئن المؤمنين ويقول :
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[سورة النحل:97]
وربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الأنفال:19]
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
[سورة البقرة:194]
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
[سورة البقرة:153]
وهذه المعية أيها الأخوة معية خاصة ، لأن المعية العامة :
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد:4]
أي أن الله يعلم ما أنتم عليه ، لكن المعية الخاصة معية النصر ، والتأييد ، والحفظ، والتوفيق :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾
[سورة الأنفال:3]
لم يقل الله عز وجل : الذين يصلون . قال :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾
[سورة الأنفال:3]
وإقامة الصلاة تعني أن تمهد لها بالطاعة ، أن تمهد لها بالاستقامة ، أن تمهد لها بالعمل الصالح ، أن تمهد لها بالإخلاص :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
[سورة الأنفال:3]
الحظوظ درجات نرقى بها أو دركات نهوي بها :
ما من إنسان على وجه الأرض ، إلا وقد آتاه الله حظاً من حظوظ الدنيا ؛ هذا بقوته الجسمية ، وهذا بعلمه ، وهذا بخبرته ، وهذا بقوة إقناعه ، وهذا بماله ، وهذا بجاهه .
ما من إنسان على وجه الأرض إلا وآتاه الله حظاً من حظوظ الدنيا ، أو أكثر من حظ من حظوظ الدنيا ، هذه الحظوظ ينبغي أن تنفق في سبيل الحق ، والدليل الآخر : الله سبحانه وتعالى يقول مخاطباً قارون :
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾
[سورة القصص:77]
الحظوظ التي آتاك الله إياها ، إنها درجات ترقى بها ، أو دركات تهوي بها ، والله سبحانه وتعالى يبين أن الإيمان ، أن النعمة التي تتوهمها نعمة ، ليست نعمة ، وليست نقمة ، إنما هي ابتلاء موقوف على نوع استخدامه .
إياكم أن تظنوا أن المال نعمة ، نعمة إذا أنفقته في طاعة الله ، أما إذا أنفق في المعاصي فيصبح نقمة ، إياكم أن تظنوا أن القوة التي يمنحها الله جلّ جلاله لبعض الأشخاص إنما هي نعمة ، نعمة إذا كانت عوناً للمظلوم ، فأي حظ من حظوظ الدنيا يكون نعمة إذا ابتغي به وجه الله ، وأنفق في طاعة الله عز وجل .
إذاً : ما لم يوجل قلبك إذا ذكر الله ، وإذا تليت عليك آياته ، وما لم تقم الصلاة كما أراد الله ، وما لم تنفق مما أعطاك فلست مؤمناً ، هذا معنى إنما .
إنما أداة قصر وحصر ، أي المؤمن هكذا ، فإن لم يكن كذلك فليس مؤمناً ، لذلك : الإنسان لا يتوهم ، ويعطي نفسه حجماً أكبر من حجمه ، عندئذ يصاب عند وقت ما بخيبة أمل مرة .
آيات قرآنية تصف المؤمنين :
حسناً : أنا سأسألكم سؤالاً : هل تذكرون آية قرآنية أخرى تصف المؤمنين لتكون هذه الآية معياراً ومقياساً لنا نقيس بها إيماننا أو هدفاً نسعى إليه ؟ :
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾
[سورة الفرقان:63]
أي في تأمل ، في تبصر ، في إدراك ، في تفحص ، في رجوع إلى كتاب الله ، سؤال عن حكم الله في هذا الموضوع ، هوناً .
أيضاً :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
[سورة المؤمنون:1]
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
[سورة المؤمنون:2]
الخشوع في الصلاة من فرائض الصلاة لا من فضائلها .
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
[سورة الحجرات:15]
لا يوجد شك ، لا يوجد تردد ، كما قال الشاعر :
زعم المنجم والطبيب كلاهمـــا لا تبعث الأموات قـلـــــــت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***
هذا ليس إيماناً ، الإيمان فيه قطع ، فيه يقين :
﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾
[سورة التكاثر:5]
﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾
[سورة التكاثر:6]
في علم اليقين أن ترى دخاناً وراء الجدار ، تقول : لا دخان بلا نار ، هذا علم اليقين ، وأما حق اليقين فأن تأتي إلى وراء الجدار ، فترى النار ، هذه حق اليقين ، وأما عين اليقين فأن تقترب من النار فتشعر بحرارتها ؛ فلا ينجي الإنسان الظن ، والتردد ، والريب ، لا ينجيه إلا عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين . أيضاً :
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
[سورة الأحزاب:36]
بارك الله بك :
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
[سورة الأحزاب:36]
تختار أنت هذا البيت ، أو ذاك البيت ، هذه الفتاة كي تقترن بها ، أو هذه الفتاة ، أن تسافر ، أو ألا تسافر ، أن تتوظف ، أو أن تتاجر ، أما أن يكون لك خيرة في موضوع حكم الله به ، وقال : هو حرام ! فالإنسان إذا حكَّم عقله فيما أخبر الله به ، فليس مؤمناً ؛ أي إذا أراد أن يقبل أو لا يقبل ، أن يعترض ، أن يتردد في قبول حكم الله عز وجل فليس مؤمناً .
أيضاً أخ أحمد :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
[سورة الحجرات:10]
ما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين ، فلست مؤمناً . أيضاً بالغيب أي يؤمن بالله عز وجل من آثاره ، آثاره تدل عليه ، والذي لا يؤمن إلا بحواسه ، هو في مستوى البهائم ، أما الإنسان فقد آتاه الله عقلاً استدلالياً ، فيرى المؤثر من الأثر ، والخالق من الخلق ، والنظام من المنظم ، يرى المسير من التسيير . هذا أيضاً :
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج:23]
الدعاء ، والذكر ، والتسبيح ، وما إلى ذلك ، وهناك في السنة النبوية المطهرة أحاديث تصف المؤمنين .
مرتبة الإيمان مرتبة علميّة و أخلاقيّة و جماليّة :
أخواننا الكرام ؛ الملاحظة الدقيقة جداً أن صفات المؤمنين في الكتاب والسنة ، من أجل أن تتخذها معياراً لك ، من أجل ألا تتوهم أنك مؤمن ، وفي الحقيقة أقل من ذلك أوصاف القرآن الكريم للمؤمنين في الكتاب ، وأوصاف النبي لهم في السنة معيار ، أو لو أن هذا المعيار استخدمته ، طبقته على نفسك ، وجدت نفسك لست بهذا المستوى ، إلى ماذا ينقلب هذا الوصف؟ إلى ماذا ينقلب ؟
أولاً : وصف الله المؤمنين بصفات كيت وكيت ، جئت بهذا المقياس ، طبقته على نفسك ، فوجدت نفسك بعيداً عن هذا المستوى .
حسناً : هذا الوصف الآن ماذا يفيدك ؟ يصبح هدفاً ، هو معيار وهدف ، فإذا طبقته كمعيار ، ولم تكن في المستوى المطلوب ، اجعله هدفاً واسع إليه ، مرتبة الإيمان مرتبة عالية جداً جداً ، إنها مرتبة علمية ؛ ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه ، ومرتبة أخلاقية؛ الإيمان حسن الخلق ، ومرتبة جمالية ؛ المؤمن من أسعد الناس ، لأنه عرف الله عز وجل .
المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص :
من السنة المطهرة : أخ مصطفى :
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))
[البخاري عن أنس بن مالك]
وهناك رواية ثانية لها : " وحتى يكره له ما يكره لنفسه ". نعم هذا معيار . أيضاً : " والله ما آمن من بات شبعان ، وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم " .
أخواننا الكريم ؛ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ؛ متعاونون ، متكاتفون .
((وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في ، والمتحابون في جلالي على منابر من نور ، يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة))
[الترمذي عن أبي إدريس الخولاني]
أيضاً :
((المُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبِعْضِهِمْ نَصَحَةٌ مُتَوَادُّونَ وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاذِلُونَ ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ))
[البيهقي في الشعب عن أنس]
((المؤمن أخو المؤمن ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يسلمه ، ولا يحقره))
[البخاري عن أبي هريرة]
هذه علامة الإيمان ، إذا الإنسان فرح بمصيبة أصابت مؤمناً ؛ ما تكلم ، ولا نطق ، ولا شمت ، إلا أنه فرح من أعماق نفسه لمصيبة أصابت مؤمناً ، أين هو ؟ في خندق من ؟ في خندق المنافقين ، لقوله تعالى :
﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾
[سورة التوبة:50]
الإنسان إذا فرح بمصيبة أصابت مؤمناً ، وضع نفسه مع المنافقين وهو لا يدري ، من علامة إيمانك أن تفرح لخير أصابت مؤمناً .
((كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه))
[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
إذا أعان المؤمن أخاه فهذا دليل إيمانه .
لا يؤمن أحدكم ، حتى يكون قلبه ولسانه شركاء ، لا يوجد ازدواجية : " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ". "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " شيء جميل .
((لا يؤمن أحدكم من لا يأمن جاره بوائقه))
[البخاري عن أبي هريرة]
شيء جميل .
الأحاديث والآيات معيار دقيق للوصول إلى الله :
إذاً : أخواننا الكرام ، آية أظن أنها جامعة مانعة :
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾
[سورة التوبة:111]
المؤمن باع نفسه لله عز وجل ، وبذل المال مقدم على بذل النفس في ثماني عشرة آية إلا في آية واحدة ، هي هذه الآية قدمت فيها النفس على المال ، لأن الموضوع بيع قطعي ، وفي البيع القطعي يقدم الأهم على المهم .
الذي أرجوه منكم أيها الأخوة كلما مررتم على آية فيها وصف للمؤمنين ، هذا هو التدبر ، اكتبوها على ورقة ، أو على دفتر ، واجمعوا الآيات التي تصف المؤمنين ، وإذا قرأتم الحديث النبوي الشريف الصحيح ، اجمعوا الأحاديث الصحيحة التي تصف المؤمنين ، فإذا كان معكم دفتر في وصف للمؤمنين في الكتاب والسنة ، هذه الأحاديث والآيات إنما هي معيار دقيق، وهدف بعيد ، من أجل أن نصل إلى هذا المستوى ، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا .
قراءات قرآنية - الدرس : 16 - من سورة الأنفال - وصف المؤمنين.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الحكمة من وصف المؤمنين :
أيها الأخوة الكرام ؛ ربنا سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ، والنبي عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة يصف المؤمنين ، والقصد من وصف المؤمنين في القرآن الكريم أن يكون هذا الوصف معياراً ، وأن يكون هدفاً ؛ أي أن يكون معياراً لإيماننا ، وهدفاً نسعى إليه .
فالله سبحانه وتعالى وصف المؤمنين في أول الأنفال . قال :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[سورة الأنفال:2]
أدق ما في الآية أن كلمة إنما تفيد القصر ، أي ما لم تشعر بالوجل إذا ذكر الله عز وجل ، وما لم تزدد إيماناً إذا تُليت عليك آيات الله ؛ إن آياته الكونية ، أو آياته التكوينية ، أو آياته القرآنية ؛ آياته الكونية ما بث الله في السموات والأرض من دلائل على وجوده ، ووحدانيته ، وكماله ، وآياته التكوينية أفعاله :
﴿قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾
[سورة الأنعام:11]
وآياته القرآنية كلامه .
ما لم يوجل قلبك إذا ذكرت الله عز وجل ، وما لم تزدد إيماناً إذا تليت عليك آياته القرآنية ، والتكوينية ، والكونية فلست مؤمناً :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾
[سورة الأنفال:2]
معية الله معيتان ؛ عامة و خاصة :
الله سبحانه وتعالى يطمئن المؤمنين ويقول :
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً﴾
[سورة النحل:97]
وربنا سبحانه وتعالى يقول :
﴿ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
[سورة الأنفال:19]
﴿ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ﴾
[سورة البقرة:194]
﴿إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾
[سورة البقرة:153]
وهذه المعية أيها الأخوة معية خاصة ، لأن المعية العامة :
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد:4]
أي أن الله يعلم ما أنتم عليه ، لكن المعية الخاصة معية النصر ، والتأييد ، والحفظ، والتوفيق :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾
[سورة الأنفال:3]
لم يقل الله عز وجل : الذين يصلون . قال :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ ﴾
[سورة الأنفال:3]
وإقامة الصلاة تعني أن تمهد لها بالطاعة ، أن تمهد لها بالاستقامة ، أن تمهد لها بالعمل الصالح ، أن تمهد لها بالإخلاص :
﴿ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾
[سورة الأنفال:3]
الحظوظ درجات نرقى بها أو دركات نهوي بها :
ما من إنسان على وجه الأرض ، إلا وقد آتاه الله حظاً من حظوظ الدنيا ؛ هذا بقوته الجسمية ، وهذا بعلمه ، وهذا بخبرته ، وهذا بقوة إقناعه ، وهذا بماله ، وهذا بجاهه .
ما من إنسان على وجه الأرض إلا وآتاه الله حظاً من حظوظ الدنيا ، أو أكثر من حظ من حظوظ الدنيا ، هذه الحظوظ ينبغي أن تنفق في سبيل الحق ، والدليل الآخر : الله سبحانه وتعالى يقول مخاطباً قارون :
﴿وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ﴾
[سورة القصص:77]
الحظوظ التي آتاك الله إياها ، إنها درجات ترقى بها ، أو دركات تهوي بها ، والله سبحانه وتعالى يبين أن الإيمان ، أن النعمة التي تتوهمها نعمة ، ليست نعمة ، وليست نقمة ، إنما هي ابتلاء موقوف على نوع استخدامه .
إياكم أن تظنوا أن المال نعمة ، نعمة إذا أنفقته في طاعة الله ، أما إذا أنفق في المعاصي فيصبح نقمة ، إياكم أن تظنوا أن القوة التي يمنحها الله جلّ جلاله لبعض الأشخاص إنما هي نعمة ، نعمة إذا كانت عوناً للمظلوم ، فأي حظ من حظوظ الدنيا يكون نعمة إذا ابتغي به وجه الله ، وأنفق في طاعة الله عز وجل .
إذاً : ما لم يوجل قلبك إذا ذكر الله ، وإذا تليت عليك آياته ، وما لم تقم الصلاة كما أراد الله ، وما لم تنفق مما أعطاك فلست مؤمناً ، هذا معنى إنما .
إنما أداة قصر وحصر ، أي المؤمن هكذا ، فإن لم يكن كذلك فليس مؤمناً ، لذلك : الإنسان لا يتوهم ، ويعطي نفسه حجماً أكبر من حجمه ، عندئذ يصاب عند وقت ما بخيبة أمل مرة .
آيات قرآنية تصف المؤمنين :
حسناً : أنا سأسألكم سؤالاً : هل تذكرون آية قرآنية أخرى تصف المؤمنين لتكون هذه الآية معياراً ومقياساً لنا نقيس بها إيماننا أو هدفاً نسعى إليه ؟ :
﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً﴾
[سورة الفرقان:63]
أي في تأمل ، في تبصر ، في إدراك ، في تفحص ، في رجوع إلى كتاب الله ، سؤال عن حكم الله في هذا الموضوع ، هوناً .
أيضاً :
﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾
[سورة المؤمنون:1]
﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾
[سورة المؤمنون:2]
الخشوع في الصلاة من فرائض الصلاة لا من فضائلها .
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾
[سورة الحجرات:15]
لا يوجد شك ، لا يوجد تردد ، كما قال الشاعر :
زعم المنجم والطبيب كلاهمـــا لا تبعث الأموات قـلـــــــت إليكما
إن صح قولكما فلست بخاسر أو صح قولي فالخسار عليكما
***
هذا ليس إيماناً ، الإيمان فيه قطع ، فيه يقين :
﴿كَلَّا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ﴾
[سورة التكاثر:5]
﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ﴾
[سورة التكاثر:6]
في علم اليقين أن ترى دخاناً وراء الجدار ، تقول : لا دخان بلا نار ، هذا علم اليقين ، وأما حق اليقين فأن تأتي إلى وراء الجدار ، فترى النار ، هذه حق اليقين ، وأما عين اليقين فأن تقترب من النار فتشعر بحرارتها ؛ فلا ينجي الإنسان الظن ، والتردد ، والريب ، لا ينجيه إلا عين اليقين ، وعلم اليقين ، وحق اليقين . أيضاً :
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
[سورة الأحزاب:36]
بارك الله بك :
﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ﴾
[سورة الأحزاب:36]
تختار أنت هذا البيت ، أو ذاك البيت ، هذه الفتاة كي تقترن بها ، أو هذه الفتاة ، أن تسافر ، أو ألا تسافر ، أن تتوظف ، أو أن تتاجر ، أما أن يكون لك خيرة في موضوع حكم الله به ، وقال : هو حرام ! فالإنسان إذا حكَّم عقله فيما أخبر الله به ، فليس مؤمناً ؛ أي إذا أراد أن يقبل أو لا يقبل ، أن يعترض ، أن يتردد في قبول حكم الله عز وجل فليس مؤمناً .
أيضاً أخ أحمد :
﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾
[سورة الحجرات:10]
ما لم تشعر بانتمائك إلى مجموع المؤمنين ، فلست مؤمناً . أيضاً بالغيب أي يؤمن بالله عز وجل من آثاره ، آثاره تدل عليه ، والذي لا يؤمن إلا بحواسه ، هو في مستوى البهائم ، أما الإنسان فقد آتاه الله عقلاً استدلالياً ، فيرى المؤثر من الأثر ، والخالق من الخلق ، والنظام من المنظم ، يرى المسير من التسيير . هذا أيضاً :
﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ﴾
[سورة المعارج:23]
الدعاء ، والذكر ، والتسبيح ، وما إلى ذلك ، وهناك في السنة النبوية المطهرة أحاديث تصف المؤمنين .
مرتبة الإيمان مرتبة علميّة و أخلاقيّة و جماليّة :
أخواننا الكرام ؛ الملاحظة الدقيقة جداً أن صفات المؤمنين في الكتاب والسنة ، من أجل أن تتخذها معياراً لك ، من أجل ألا تتوهم أنك مؤمن ، وفي الحقيقة أقل من ذلك أوصاف القرآن الكريم للمؤمنين في الكتاب ، وأوصاف النبي لهم في السنة معيار ، أو لو أن هذا المعيار استخدمته ، طبقته على نفسك ، وجدت نفسك لست بهذا المستوى ، إلى ماذا ينقلب هذا الوصف؟ إلى ماذا ينقلب ؟
أولاً : وصف الله المؤمنين بصفات كيت وكيت ، جئت بهذا المقياس ، طبقته على نفسك ، فوجدت نفسك بعيداً عن هذا المستوى .
حسناً : هذا الوصف الآن ماذا يفيدك ؟ يصبح هدفاً ، هو معيار وهدف ، فإذا طبقته كمعيار ، ولم تكن في المستوى المطلوب ، اجعله هدفاً واسع إليه ، مرتبة الإيمان مرتبة عالية جداً جداً ، إنها مرتبة علمية ؛ ما اتخذ الله ولياً جاهلاً ، لو اتخذه لعلمه ، ومرتبة أخلاقية؛ الإيمان حسن الخلق ، ومرتبة جمالية ؛ المؤمن من أسعد الناس ، لأنه عرف الله عز وجل .
المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص :
من السنة المطهرة : أخ مصطفى :
((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه))
[البخاري عن أنس بن مالك]
وهناك رواية ثانية لها : " وحتى يكره له ما يكره لنفسه ". نعم هذا معيار . أيضاً : " والله ما آمن من بات شبعان ، وجاره إلى جانبه جائع وهو يعلم " .
أخواننا الكريم ؛ المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص ؛ متعاونون ، متكاتفون .
((وجبت محبتي للمتحابين في ، والمتجالسين في ، والمتباذلين في ، والمتزاورين في ، والمتحابون في جلالي على منابر من نور ، يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة))
[الترمذي عن أبي إدريس الخولاني]
أيضاً :
((المُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ لِبِعْضِهِمْ نَصَحَةٌ مُتَوَادُّونَ وَإِنِ افْتَرَقَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ ، وَالْفَجَرَةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ غَشَشَةٌ مُتَخَاذِلُونَ ، وَإِنِ اجْتَمَعَتْ مَنَازِلُهُمْ وَأَبْدَانُهُمْ))
[البيهقي في الشعب عن أنس]
((المؤمن أخو المؤمن ، لا يظلمه ، ولا يخذله ، ولا يسلمه ، ولا يحقره))
[البخاري عن أبي هريرة]
هذه علامة الإيمان ، إذا الإنسان فرح بمصيبة أصابت مؤمناً ؛ ما تكلم ، ولا نطق ، ولا شمت ، إلا أنه فرح من أعماق نفسه لمصيبة أصابت مؤمناً ، أين هو ؟ في خندق من ؟ في خندق المنافقين ، لقوله تعالى :
﴿إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ﴾
[سورة التوبة:50]
الإنسان إذا فرح بمصيبة أصابت مؤمناً ، وضع نفسه مع المنافقين وهو لا يدري ، من علامة إيمانك أن تفرح لخير أصابت مؤمناً .
((كان الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه))
[ابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه]
إذا أعان المؤمن أخاه فهذا دليل إيمانه .
لا يؤمن أحدكم ، حتى يكون قلبه ولسانه شركاء ، لا يوجد ازدواجية : " ذو الوجهين لا يكون عند الله وجيهاً ". "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به " شيء جميل .
((لا يؤمن أحدكم من لا يأمن جاره بوائقه))
[البخاري عن أبي هريرة]
شيء جميل .
الأحاديث والآيات معيار دقيق للوصول إلى الله :
إذاً : أخواننا الكرام ، آية أظن أنها جامعة مانعة :
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ﴾
[سورة التوبة:111]
المؤمن باع نفسه لله عز وجل ، وبذل المال مقدم على بذل النفس في ثماني عشرة آية إلا في آية واحدة ، هي هذه الآية قدمت فيها النفس على المال ، لأن الموضوع بيع قطعي ، وفي البيع القطعي يقدم الأهم على المهم .
الذي أرجوه منكم أيها الأخوة كلما مررتم على آية فيها وصف للمؤمنين ، هذا هو التدبر ، اكتبوها على ورقة ، أو على دفتر ، واجمعوا الآيات التي تصف المؤمنين ، وإذا قرأتم الحديث النبوي الشريف الصحيح ، اجمعوا الأحاديث الصحيحة التي تصف المؤمنين ، فإذا كان معكم دفتر في وصف للمؤمنين في الكتاب والسنة ، هذه الأحاديث والآيات إنما هي معيار دقيق، وهدف بعيد ، من أجل أن نصل إلى هذا المستوى ، نرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا .