بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
قراءات قرآنية - الدرس : 20 - من سورة الرعد - غذاء العقل وغذاء القلب.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الآيات الكونية الدالة على عظمة الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ؛ آيات كونية كثيرة وردت في هذه السورة ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول تعقيباً على بعض هذه الآيات :
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[سورة الرعد:3]
أي يتفكرون بها ، صار في كل آية كونية بالقرآن الكريم عنوان لموضوع تفكري ، أي هذه الآية فكر فيها ، الله ما أعطى الجواب ، لكن لفت نظرنا إلى الآيات :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي هذه الأرض تدور حول الشمس ، ما الذي جعلها تدور حول الشمس بمسار مغلق ؟
الأجسام إذا تحركت في الفضاء ، تأخذ سرعة ثابتة ، مبدأ العطالة أن الجسم المتحرك يرفض أن يقف ، وأن الجسم الواقف يرفض أن يتحرك ، هذا مبدأ في الفيزياء ، فالأرض تدور حول الشمس ، لكن ما الذي جعلها تدور حولها في مسار مغلق ؟ قوة جذب الشمس لها .
لو أن هذه الأرض تفلتت من أثر الشمس ، وانطلقت في الفضاء الخارجي ، وأردنا أن نعيدها إلى الأرض ، ماذا نحتاج ؟
قال : نحتاج إلى مليون مليون كبل فولاذي ، قطر كل شبر خمسة أمتار ، نزرعها بين الأرض والشمس بمسافة مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر .
أي نحتاج إلى مليون مليون كبل ، كل كبل قطره خمسة أمتار ، والكبل هذا يقاوم قوة شد تقدر بمليوني طن .
حسب الرياضيون قوة جذب الشمس للأرض فوجدوها مليونين ، ضرب مليون مليون طن ، قال : كل هذه القوة من أجل أن تحرف الأرض في حركتها في الفضاء عن مسارها المستقيم ثلاثة ميلي في الثانية ، معنى هذا أنه يوجد قوة تجاذب كبيرة جداً ، مليون مليون كبل ، كل كبل قطره خمسة أمتار ، من أجل أن تحرف الأرض عن مسارها المستقيم ، وأن تبقى في مسار مغلق حول الشمس ، ثلاثة ميلي في الثانية ، يشكلون مساراً مغلقاً حول الشمس ، إذاً هذه الأرض تدور بمسار إهليلجي ، معنى هذا أنه يوجد قطر أعظم ، وقطر أصغر ، بالقطر الأصغر تزيد السرعة ، لينشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، بالمسار الأطول تقل السرعة ، تزيد السرعة لئلا تنجذب ، وهناك تقل السرعة لئلا تتفلت ، والزيادة والبطء بتدريج شديد ، لو كان التسارع شديداً لانهدم كل ما على الأرض ، أي نحن أمام آيات كونية . والله قال : تفكروا فيها .
فلا يكفي أن أقرأ الآية ، لأقول : سبحان الله ، أنت ما فكرت ، قرأت عنوان فصل، لكن يجب أن تقرأ ما في هذا الفصل من دقائق .
مثال ثان ؛ نستطيع أن نأتي بقطعتي مغناطيس متساويتين تماماً ، نضع قطعة معدنية في الوسط ، ولتكن كرة ثقيلة ، والسطح أملس ، وضع هذه الكرة في مكان متوسط بين الكتلتين بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا ، يحتاج إلى حسابات بالغة في الدقة ، لو زاحت عشر الميلي تنجذب ، أما أن تبقى هذه الكرة بين الكتلتين دون أن تتكافأ قوى الجذب هنا وهناك ، والمحصلة استقرار ، فهذا الشيء فوق طاقة الإنسان ، لو كانت الكتلتان متفاوتتين في الحجم ، أي في قوة الجذب ، صار أصعب ، تصبح الحسابات أدق ، لو كان عندي أربع كتل ، و الكتل متحركة ، ويجب أن تتجاذب تجاذباً يؤدي بها إلى الاستقرار المتحرك ، ليس اضطراباً ، لأن أي خلل في الكون يصبح الكون كتلة واحدة ، هناك قوى جذب ، الأكبر يجذب الأصغر ، لو كان هناك خلل بالنظام ، أصبح الكون كله كتلة واحدة ، حتى يبقى الكون مجرات ، وكواكب تدور حول بعضها بعضاً بمسارات مغلقة ، معنى هذا أن القضية في منتهى الإعجاز ، أن تتصور كيف أن الكون يتحرك وهو مستقر استقراراً حركياً ؟ التوازن الحركي أصعب من التوازن الساكن . فالله عز وجل قال :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي بعمد لا ترونها ، هناك أعمدة ، لكنها غير مرئية . مرة كنت أراقب في كلية الطب ، البناء عشرة طوابق في القبو ، قلت هل من الممكن أن هذا البناء يقف على أعمدة هوائية ؟ أنا من أين أخترقها ؟ هذا فوق طاقة البشر ، بناء شامخ عشرة طوابق ، يصبح مستنداً على أعمدة ليس لها جسم ، أنا من أين أمشي عبرها ؟
هكذا الكون ، هناك قوة جذب ، لكن غير مرئية ، لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على الأرض - حبال الفولاذ- من أجل أن نربطها بالشمس ، إذا زرعناهم بالوجه المقابل للشمس، سيكون بين الكبلين فقط مسافة كبل واحد ، نحن أمام غابة من حبال الفولاذ ، هذه الغابة تعيق أشعة الشمس ، تعيق الحركة ، تعيق الزراعة ، تعيق البناء ، تعيق كل شيء ، انتهت حياتنا ، أما الأرض فهي مربوطة بالشمس بقوة كبيرة جداً ، غير مرئية بالعين ، يبدو أن الأرض لوحدها تمشي ، أحياناً إنسان يأتي بمغناطيس تحت كرتونة ، يضع فوقه مسمار ، يحركه من الأسفل ، يمشي المسمار كأنه مثل ألعاب السحر ، هناك قوة جذب من أسفل إلى أعلى تحرك المسمار ، فلذلك : هذه الآية دقيقة جداً ، هذا الكون مترابط بقوى التجاذب ، فلو كان الكون غير متحرك لأصبح كتلة واحدة ، حركته تمنع تجمعه ، الحركة معها قوة نابذة ، القوة الجاذبة متكافئة مع القوة النابذة ، فتجد أرضاً ، وشمساً ، وأقماراً ، فأي خلل بالكون ، يتجمع الكون في كتلة واحدة ، وتنتهي الحياة من على سطح الأرض .
التفكر أحد أعلى أنواع العبادات :
يوجد آية ثانية تؤكد هذه الآية :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
[سورة فاطر:41]
الزوال ، يقول لك : حان وقت الظهر ؟ ما معنى الظهر ؟ تكون الشمس في كبد السماء ، حينما تزول عن كبد السماء درجة واحدة يقع وقت الظهر ، يقول لك : وقت الزوال زالت ؛ أي انحرفت ، فلو أن الكوكب انحرف في مساره انتهى ، الأرض إذا انحرفت عن مسارها انتهت الحياة ، السبب : ستمشي في طريق مستقيم ، لم يبق هناك شمس ، أصبح الكوكب متجمداً ، تنتهي الحياة على الأرض لو خرجت عن مسارها ، لأنه إذا انحرفت زالت ، والأجسام إذا بلغت درجة حرارتها مئتين وسبعين تحت الصفر ، تقف حركة الذرات ، فمع البرودة الشديدة تتلاشى المادة نهائياً :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
[سورة فاطر:41]
لو انحرفت لزالت :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
هذه إنما : أداة قصر ، أي العلماء وحدهم ، ولا أحد غيرهم يخشون الله ، إذاً : إذا أردت أن تعرف الله ، فعليك بطلب العلم ، العلم وسيلة وحيدة ، لا يوجد وسيلة أخرى ، طريق آخر لا يوجد :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
والإنسان مكرم بهذه القوة الإدراكية التي أودعها الله فيه ، فالذي لفت نظري سورة النحل كلها آيات ، ماذا نفعل بها ؟ المطلوب منا التفكر بها . قال :
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾
[سورة التكوير:1]
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾
[سورة الشمس:1]
فأنت مكلف أن تفكر ، لذلك : أحد أعلى أنواع العبادات التفكر ، فإذا الإنسان جلس صباحاً ليذكر الله عز وجل ، الأولى أن يأخذ وقتاً قصيراً في التفكر في آية من آيات الله ، وما أكثرها في القرآن ، والأولى أن تجعل الآيات الكونية موضوعات للتفكر ، أن تسترشد بما ذكرك الله به ، الله قال لك : قكر بهذه الآية :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي نحن لا نرى بعيننا قوة الجذب ، فقط المد والجزر ، ما هو المد والجزر ؟ المد والجزر قوة جذب القمر للمياه ، وهناك أبحاث حديثة للقمر ، يجذب القشرة الأرضية - اليابسة - سنتيمترات ، طبعاً هناك حركة ، و لأن الماء سائل فحركته أوضح ، فالمد والجزر هي قوة جذب القمر للأرض ، هناك تجاذب بينهما ، موضوع التجاذب وحده من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله ، التجاذب وحده :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
إعراب ترونها : جملة فعلية في محل جر صفة لعمد ، والصفة قيد ، أي إذا قلنا : عمد ، عمد لا ترونها ، أي هناك أعمدة ، لكنكم لا ترونها ، ليس معنى هذا لا يوجد أعمدة ، هناك أعمدة لا ترونها ، والإنسان ممكن أن يفكر بطعامه ، بشرابه ، بأصله ، ما من داع ليكون عنده اطلاع واسع جداً بالعلوم ، لكن هناك آيات صارخة ، صارخة جداً ، فهذه إذا فكر بها ، ازداد حجم معرفته بالله عز وجل ، فالإنسان إذا عرف الله معرفة جيدة ، يعد للمليون قبل أن يعصيه ، تصبح المعصية كبيرة جداً ، أنت تعصي خالق الكون .
لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت .
آيات أخرى من آيات الله الدالة على عظمته :
يوجد آية ثانية . قال :
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾
[سورة الرعد:4]
ائت بتوت ضعه على الطاولة ، وجانبه مشمش ، ودراق ، وإجاص ، وتفاح ، وتمر، هل تستطيع أن تصف لي طعم كل واحد ؟ كلها ذات طعم حلو ، هل تستطيع أن تصف هذا الطعم من دون أن تقول : هذا تين ؟ لا تستطيع ؛ التين له طعم ، الإجاص له طعم ، الدراق له طعم ، المشمش له طعم ، التمر له طعم . قال :
﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾
[سورة الرعد:4]
حسناً : من صمم هذا النبات بهذا الطعم ؟ بهذه الدرجة من السكر ؟ بهذه النكهة الخاصة ؟
النبات مادة ، المادة عاقلة ؟ كيف أن هذا الجذر يأخذ من التربة المعادن ، والمواد الخاصة ، وكيف أن الورقة معقدة جداً ، تأخذ من الهواء بعض الغازات ، ومن الشمس الطاقة ، وهناك مادة خضراء ثم يصنع النسغ النازل فيشكل الفواكه ، هذه آية ثانية .
أي هذه الفواكه تربة واحدة ، ماء واحد ، سماد واحد ، البستان فيه مشمش ، ودراق، وإجاص ، وتفاح ، كل شجرة لها طعم .
الآن التفاح مئتا نوع تقريباً ، العنب ثلاثمئة نوع ، القمح ثلاثة آلاف وخمسمئة نوع ، أي لا يوجد فاكهة أو خضرة إلا لها أنواع ، لا تقل عن مئة نوع ، هذا يقول لك : نسيج لحمي كثيف ، هذه ماؤها كثيف ، هذه للاستعمال السريع ، هذه للعصير ، هذه للسفرة ، البرتقال أمامكم، هناك شيء خاص بالعصير ، شيء حلو ، شيء لونه أحمر ، شيء أبو صرة ؛ وهناك برتقال يافوي ، و شموطي ، كم نوع للبرتقال يوجد أمامكم ؟ التفاح كم نوع ؟ :
﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
[سورة الرعد:4]
فهذه النقطة أعلى عبادة على الإطلاق ، التفكر أعلى عبادة على الإطلاق ، فإذا الإنسان أحب أن يأكل ، لا يعطل فكره ، قعد على مائدة فيها ألوان منوعة من الطعام ، هذا التمر يتألف من ست وأربعين مادة غذائية ، صيدلية قائمة بنفسها ، لا يتلوث لأن تركيز السكر في التمر كبير لدرجة أن أي جرثوم يقف عنده ، السكر الشديد يحل ماء الجرثوم ، وينتهي ، يعطي التمر أسرع مادة غذائية من الفم للدم بعشرين دقيقة .
شخص أكل ثلاث تمرات ، وصلى المغرب ، رجع مثل الإفطار ، لا يوجد جوع شديد، أكل بهدوء ، فكر بالتمر ، بالفواكه ، فكر بالحليب ، فكر بالشمس ، بالقمر ، بالنجوم ، تقول : من هو الله ؟
أحياناً الإنسان يرى خمس غرف نوم ، هذه من يفعلها ؟ شيء فخم جداً ، الصانع يعرف من صنعته ، فإذا نحن لا يوجدعندنا إمكان أن نرى الله عز وجل ، عندنا إمكان أن نرى خلقه ، نعرفه من خلقه ، فصار الكون طريقاً وحيداً لمعرفة الله عز وجل ، فالإنسان إما أن يعمل وقتاً خاصاً يتفكر فيه ، أو يتفكر دائماً .
جلست للطعام ، لاحظت ملاحظة ، وجدت قوس قزح ، معنى هذا أن الضوء الأبيض سبعة ألوان . إذاً تحلل الضوء يدل على أن هناك سبعة ألوان بأشعة الشمس .
إذاً هناك آيات لا تعد ولا تحصى في الفلك ، في السماء ، في الأرض ، في النجوم، في الطعام ، في الشراب ، في خلق الإنسان ، لذلك موضوع التفكر موضوع مهم جداً .
ما يسمو بالإنسان أن يكون في حاجة الله وحاجة رسوله :
هناك نقطة أريد أن أذكرها البارحة ، مرت معنا بدرس الجمعة : لما النبي – صلى الله عليه وسلم- في بيعة الرضوان ، الصحابة لما بايعوا تحت الشجرة ، بعد أن بايعه الصحابة جميعاً ، وضع يده اليمنى على يده اليسرى ، وقال :
((هذه عن عثمان ، اللهم إنه في حاجتك وحاجة رسولك))
الله له حاجة ؟ هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ما من أحد يجرؤ أن يقول : الله له حاجة ، لكن النبي قالها ، ما دام قالها إذاً هناك معنى دقيق جداً ، الله غني عن العالمين، له حاجة ؟
أنا لي حاجة ، أنا لي مليون حاجة ، يقول لك : يا قاضي الحاجات ، هل يوجد إنسان ليس له مليون حاجة ؟ بحاجة ليزوج ابنه ، بحاجة ليزوج ابنته ، بحاجة ليوسع بيته ، بحاجة ليكبر دخله ، لا يوجد إنسان ليس له حاجات ، لكن الله له حاجات ؟
إذا شخص قال : هذه شطحة ، لا ، النبي قالها ، قال له :
(( إنه في حاجتك وحاجة رسولك))
سيدنا عثمان ، وهذه عن عثمان ، تفسير الحاجة الوحيد أن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق ، رحمته المطلقة ، رأفته مطلقة بالعباد ، فالعباد إذا عرفوه ، وسعدوا بقربه ، هذه حاجته ، حاجته أن يسعد خلقه ، حاجته أن يرحمهم ، فكل إنسان يتحرك في الحياة حركة تقرب الناس من ربهم ، تعينهم على طاعة ربهم ، تعينهم على الإقبال عليه ، تيسر لهم طريق سعادتهم، فهذه الإنسان في حاجة الله ، وفي حاجة رسوله ، فالإنسان لا يكون في حاجة ذاته ، لا يكون أنانياً ، كل نشاطه ينصب على مصالحه الشخصية ، مما يسمو بالإنسان أن يكون في حاجة الله ، وحاجة رسوله .
طبعاً سيدنا عثمان في القمم ، لكن الإنسان إذا الآن لم يصل للكل فعليه بالجزء .
ما لا يُدرك جله لا يدرك كله . إذا كنت لم أستطع أن أصل لمستوى الصحابة الكرام لكن أقل ما يكون في الحركة ، حركة لوجه الله ؛ تكون في حاجة الله ، تكون عنصراً مقرباً إلى الله ، تكون عنصراً محبباً إلى الله ، عنصراً تعين على طاعة الله ، تمسك بالكتاب .
اللهم إنه في حاجة الله وحاجة رسوله .
الفرح الحقيقي هو الفرح بالآخرة :
يوجد نقطة :
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾
[سورة الرعد:26]
يجب أن تفرح بالآخرة ، تفرح بالمعرفة ، تفرح إذا الله عز وجل أجرى على يدك العمل الصالح ، تفرح إذا فهمت كتاب الله ، تفرح إذا أطلق لسانك بالحق ، هذا الفرح الحقيقي ، لأن هذا الفرح يبقى ، وما سواه لا يبقى :
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[سورة الرعد:28]
خالق الكون خالقنا ، هو الخبير ، كأنه يقول : يا عبادي لن ترتاحوا ، ولن تطمئنوا، ولن تستقروا ، ولن تسعدوا إلا بذكري :
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[سورة الرعد:28]
هناك قلق ، قلق مبهم ، خوف مبهم ، ضياع مبهم ، تشتت ، تبعثر ، شعور بالحرمان ، شعور بالقهر ، هذه كلها أمراض القلب . قال :
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[سورة الرعد:28]
العلم غذاء العقل و الذكر غذاء القلب :
لذلك : العلم غذاء العقل ، لكن الذكر غذاء القلب ، أنت بحاجة إلى الذكر كما أنت بحاجة إلى العلم ، حصّل العلم وأكثر من الذكر ، سألني أخ سؤال : هل يعقل إذا الإنسان جلس في اليوم ، وذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ، تساوي هذه حجة ؟ قلت له : معقول ونصف، لأن الحجة عشرون يوماً ، أما ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً تستيقظ على صلاة الفجر ، وتذكر الله حتى الشمس ، فهذا عمل ليس سهلاً ، معنى هذا أنك تملك إرادة قوية جداً ، وعندك شوق إلى الله كبير جداً ، وعندك رغبة أن تكون مع الله دائماً ، فإذا الإنسان وطن نفسه كل يوم أن يصلي الفجر في جماعة ، وأن يذكر الله حتى تطلع الشمس ، هذه كحجة تامة تامة تامة ، الحجة كلها عشرون يوماً ، أما هذه فثلاثمئة وخمسة وستون ، كل يوم جلسة ذكر ، وأعلى أنواع الذكر التفكر ، فإذا الإنسان ذكر الله بالمسجد ، أو في بيته ؛ استغفار مئة مرة ، تسبيح ، تحميد، تهليل ، تكبير ، وذكر الله باسمه المفرد ، وعشر دقائق تفكر ، وخمس دقائق دعاء ، وصلى الضحى ، وانطلق إلى عمله . قال : فهو في ذمة الله .
((من صلى الفجر في جماعة ، فهو في ذمة الله))
[الطبراني في المعجم الكبير عن أبي بكرة]
أي أنت محمي اليوم ، معك ضمانة ، خالق الكون يرعاك ، أنت في ظله .
القرآن الكريم كلام الله :
آخر آية :
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾
[سورة الرعد:43]
كيف الله يشهد للناس أن هذا الكتاب كلامه ؟ سؤال دقيق جداً ، أنا أجبت عنه كثيراً سابقاً ، هل يعقل أن نسمع كلام الله نحن ؟ هو يتكلم ، الله من صفته التكلم ، هذا الكتاب كلامه، حسناً أنا كيف أريد أن يشهد الله لي أن هذا الكلام كلامه ؟
الأحداث تأتي محققة لوعده ووعيده ، معنى كلامه أي الأحداث ، لأنها بيده ، الأفعال بيده ، عندما تجد الفعل يتحرك فهذا لتأكيد ما في هذا القرآن . قال :
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾
[سورة الرعد:43]
قراءات قرآنية - الدرس : 20 - من سورة الرعد - غذاء العقل وغذاء القلب.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الآيات الكونية الدالة على عظمة الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ؛ آيات كونية كثيرة وردت في هذه السورة ، لكن الله سبحانه وتعالى يقول تعقيباً على بعض هذه الآيات :
﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾
[سورة الرعد:3]
أي يتفكرون بها ، صار في كل آية كونية بالقرآن الكريم عنوان لموضوع تفكري ، أي هذه الآية فكر فيها ، الله ما أعطى الجواب ، لكن لفت نظرنا إلى الآيات :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي هذه الأرض تدور حول الشمس ، ما الذي جعلها تدور حول الشمس بمسار مغلق ؟
الأجسام إذا تحركت في الفضاء ، تأخذ سرعة ثابتة ، مبدأ العطالة أن الجسم المتحرك يرفض أن يقف ، وأن الجسم الواقف يرفض أن يتحرك ، هذا مبدأ في الفيزياء ، فالأرض تدور حول الشمس ، لكن ما الذي جعلها تدور حولها في مسار مغلق ؟ قوة جذب الشمس لها .
لو أن هذه الأرض تفلتت من أثر الشمس ، وانطلقت في الفضاء الخارجي ، وأردنا أن نعيدها إلى الأرض ، ماذا نحتاج ؟
قال : نحتاج إلى مليون مليون كبل فولاذي ، قطر كل شبر خمسة أمتار ، نزرعها بين الأرض والشمس بمسافة مئة وستة وخمسين مليون كيلو متر .
أي نحتاج إلى مليون مليون كبل ، كل كبل قطره خمسة أمتار ، والكبل هذا يقاوم قوة شد تقدر بمليوني طن .
حسب الرياضيون قوة جذب الشمس للأرض فوجدوها مليونين ، ضرب مليون مليون طن ، قال : كل هذه القوة من أجل أن تحرف الأرض في حركتها في الفضاء عن مسارها المستقيم ثلاثة ميلي في الثانية ، معنى هذا أنه يوجد قوة تجاذب كبيرة جداً ، مليون مليون كبل ، كل كبل قطره خمسة أمتار ، من أجل أن تحرف الأرض عن مسارها المستقيم ، وأن تبقى في مسار مغلق حول الشمس ، ثلاثة ميلي في الثانية ، يشكلون مساراً مغلقاً حول الشمس ، إذاً هذه الأرض تدور بمسار إهليلجي ، معنى هذا أنه يوجد قطر أعظم ، وقطر أصغر ، بالقطر الأصغر تزيد السرعة ، لينشأ قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة ، بالمسار الأطول تقل السرعة ، تزيد السرعة لئلا تنجذب ، وهناك تقل السرعة لئلا تتفلت ، والزيادة والبطء بتدريج شديد ، لو كان التسارع شديداً لانهدم كل ما على الأرض ، أي نحن أمام آيات كونية . والله قال : تفكروا فيها .
فلا يكفي أن أقرأ الآية ، لأقول : سبحان الله ، أنت ما فكرت ، قرأت عنوان فصل، لكن يجب أن تقرأ ما في هذا الفصل من دقائق .
مثال ثان ؛ نستطيع أن نأتي بقطعتي مغناطيس متساويتين تماماً ، نضع قطعة معدنية في الوسط ، ولتكن كرة ثقيلة ، والسطح أملس ، وضع هذه الكرة في مكان متوسط بين الكتلتين بحيث لا تنجذب لا إلى هنا ولا إلى هنا ، يحتاج إلى حسابات بالغة في الدقة ، لو زاحت عشر الميلي تنجذب ، أما أن تبقى هذه الكرة بين الكتلتين دون أن تتكافأ قوى الجذب هنا وهناك ، والمحصلة استقرار ، فهذا الشيء فوق طاقة الإنسان ، لو كانت الكتلتان متفاوتتين في الحجم ، أي في قوة الجذب ، صار أصعب ، تصبح الحسابات أدق ، لو كان عندي أربع كتل ، و الكتل متحركة ، ويجب أن تتجاذب تجاذباً يؤدي بها إلى الاستقرار المتحرك ، ليس اضطراباً ، لأن أي خلل في الكون يصبح الكون كتلة واحدة ، هناك قوى جذب ، الأكبر يجذب الأصغر ، لو كان هناك خلل بالنظام ، أصبح الكون كله كتلة واحدة ، حتى يبقى الكون مجرات ، وكواكب تدور حول بعضها بعضاً بمسارات مغلقة ، معنى هذا أن القضية في منتهى الإعجاز ، أن تتصور كيف أن الكون يتحرك وهو مستقر استقراراً حركياً ؟ التوازن الحركي أصعب من التوازن الساكن . فالله عز وجل قال :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي بعمد لا ترونها ، هناك أعمدة ، لكنها غير مرئية . مرة كنت أراقب في كلية الطب ، البناء عشرة طوابق في القبو ، قلت هل من الممكن أن هذا البناء يقف على أعمدة هوائية ؟ أنا من أين أخترقها ؟ هذا فوق طاقة البشر ، بناء شامخ عشرة طوابق ، يصبح مستنداً على أعمدة ليس لها جسم ، أنا من أين أمشي عبرها ؟
هكذا الكون ، هناك قوة جذب ، لكن غير مرئية ، لو أردنا أن نزرع هذه الحبال على الأرض - حبال الفولاذ- من أجل أن نربطها بالشمس ، إذا زرعناهم بالوجه المقابل للشمس، سيكون بين الكبلين فقط مسافة كبل واحد ، نحن أمام غابة من حبال الفولاذ ، هذه الغابة تعيق أشعة الشمس ، تعيق الحركة ، تعيق الزراعة ، تعيق البناء ، تعيق كل شيء ، انتهت حياتنا ، أما الأرض فهي مربوطة بالشمس بقوة كبيرة جداً ، غير مرئية بالعين ، يبدو أن الأرض لوحدها تمشي ، أحياناً إنسان يأتي بمغناطيس تحت كرتونة ، يضع فوقه مسمار ، يحركه من الأسفل ، يمشي المسمار كأنه مثل ألعاب السحر ، هناك قوة جذب من أسفل إلى أعلى تحرك المسمار ، فلذلك : هذه الآية دقيقة جداً ، هذا الكون مترابط بقوى التجاذب ، فلو كان الكون غير متحرك لأصبح كتلة واحدة ، حركته تمنع تجمعه ، الحركة معها قوة نابذة ، القوة الجاذبة متكافئة مع القوة النابذة ، فتجد أرضاً ، وشمساً ، وأقماراً ، فأي خلل بالكون ، يتجمع الكون في كتلة واحدة ، وتنتهي الحياة من على سطح الأرض .
التفكر أحد أعلى أنواع العبادات :
يوجد آية ثانية تؤكد هذه الآية :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
[سورة فاطر:41]
الزوال ، يقول لك : حان وقت الظهر ؟ ما معنى الظهر ؟ تكون الشمس في كبد السماء ، حينما تزول عن كبد السماء درجة واحدة يقع وقت الظهر ، يقول لك : وقت الزوال زالت ؛ أي انحرفت ، فلو أن الكوكب انحرف في مساره انتهى ، الأرض إذا انحرفت عن مسارها انتهت الحياة ، السبب : ستمشي في طريق مستقيم ، لم يبق هناك شمس ، أصبح الكوكب متجمداً ، تنتهي الحياة على الأرض لو خرجت عن مسارها ، لأنه إذا انحرفت زالت ، والأجسام إذا بلغت درجة حرارتها مئتين وسبعين تحت الصفر ، تقف حركة الذرات ، فمع البرودة الشديدة تتلاشى المادة نهائياً :
﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا﴾
[سورة فاطر:41]
لو انحرفت لزالت :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
هذه إنما : أداة قصر ، أي العلماء وحدهم ، ولا أحد غيرهم يخشون الله ، إذاً : إذا أردت أن تعرف الله ، فعليك بطلب العلم ، العلم وسيلة وحيدة ، لا يوجد وسيلة أخرى ، طريق آخر لا يوجد :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
والإنسان مكرم بهذه القوة الإدراكية التي أودعها الله فيه ، فالذي لفت نظري سورة النحل كلها آيات ، ماذا نفعل بها ؟ المطلوب منا التفكر بها . قال :
﴿إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ﴾
[سورة التكوير:1]
﴿وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا﴾
[سورة الشمس:1]
فأنت مكلف أن تفكر ، لذلك : أحد أعلى أنواع العبادات التفكر ، فإذا الإنسان جلس صباحاً ليذكر الله عز وجل ، الأولى أن يأخذ وقتاً قصيراً في التفكر في آية من آيات الله ، وما أكثرها في القرآن ، والأولى أن تجعل الآيات الكونية موضوعات للتفكر ، أن تسترشد بما ذكرك الله به ، الله قال لك : قكر بهذه الآية :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
أي نحن لا نرى بعيننا قوة الجذب ، فقط المد والجزر ، ما هو المد والجزر ؟ المد والجزر قوة جذب القمر للمياه ، وهناك أبحاث حديثة للقمر ، يجذب القشرة الأرضية - اليابسة - سنتيمترات ، طبعاً هناك حركة ، و لأن الماء سائل فحركته أوضح ، فالمد والجزر هي قوة جذب القمر للأرض ، هناك تجاذب بينهما ، موضوع التجاذب وحده من أكبر الآيات الدالة على عظمة الله ، التجاذب وحده :
﴿اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا﴾
[سورة الرعد:2]
إعراب ترونها : جملة فعلية في محل جر صفة لعمد ، والصفة قيد ، أي إذا قلنا : عمد ، عمد لا ترونها ، أي هناك أعمدة ، لكنكم لا ترونها ، ليس معنى هذا لا يوجد أعمدة ، هناك أعمدة لا ترونها ، والإنسان ممكن أن يفكر بطعامه ، بشرابه ، بأصله ، ما من داع ليكون عنده اطلاع واسع جداً بالعلوم ، لكن هناك آيات صارخة ، صارخة جداً ، فهذه إذا فكر بها ، ازداد حجم معرفته بالله عز وجل ، فالإنسان إذا عرف الله معرفة جيدة ، يعد للمليون قبل أن يعصيه ، تصبح المعصية كبيرة جداً ، أنت تعصي خالق الكون .
لا تنظر إلى صغر الذنب ، ولكن انظر على من اجترأت .
آيات أخرى من آيات الله الدالة على عظمته :
يوجد آية ثانية . قال :
﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾
[سورة الرعد:4]
ائت بتوت ضعه على الطاولة ، وجانبه مشمش ، ودراق ، وإجاص ، وتفاح ، وتمر، هل تستطيع أن تصف لي طعم كل واحد ؟ كلها ذات طعم حلو ، هل تستطيع أن تصف هذا الطعم من دون أن تقول : هذا تين ؟ لا تستطيع ؛ التين له طعم ، الإجاص له طعم ، الدراق له طعم ، المشمش له طعم ، التمر له طعم . قال :
﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾
[سورة الرعد:4]
حسناً : من صمم هذا النبات بهذا الطعم ؟ بهذه الدرجة من السكر ؟ بهذه النكهة الخاصة ؟
النبات مادة ، المادة عاقلة ؟ كيف أن هذا الجذر يأخذ من التربة المعادن ، والمواد الخاصة ، وكيف أن الورقة معقدة جداً ، تأخذ من الهواء بعض الغازات ، ومن الشمس الطاقة ، وهناك مادة خضراء ثم يصنع النسغ النازل فيشكل الفواكه ، هذه آية ثانية .
أي هذه الفواكه تربة واحدة ، ماء واحد ، سماد واحد ، البستان فيه مشمش ، ودراق، وإجاص ، وتفاح ، كل شجرة لها طعم .
الآن التفاح مئتا نوع تقريباً ، العنب ثلاثمئة نوع ، القمح ثلاثة آلاف وخمسمئة نوع ، أي لا يوجد فاكهة أو خضرة إلا لها أنواع ، لا تقل عن مئة نوع ، هذا يقول لك : نسيج لحمي كثيف ، هذه ماؤها كثيف ، هذه للاستعمال السريع ، هذه للعصير ، هذه للسفرة ، البرتقال أمامكم، هناك شيء خاص بالعصير ، شيء حلو ، شيء لونه أحمر ، شيء أبو صرة ؛ وهناك برتقال يافوي ، و شموطي ، كم نوع للبرتقال يوجد أمامكم ؟ التفاح كم نوع ؟ :
﴿ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ﴾
[سورة الرعد:4]
فهذه النقطة أعلى عبادة على الإطلاق ، التفكر أعلى عبادة على الإطلاق ، فإذا الإنسان أحب أن يأكل ، لا يعطل فكره ، قعد على مائدة فيها ألوان منوعة من الطعام ، هذا التمر يتألف من ست وأربعين مادة غذائية ، صيدلية قائمة بنفسها ، لا يتلوث لأن تركيز السكر في التمر كبير لدرجة أن أي جرثوم يقف عنده ، السكر الشديد يحل ماء الجرثوم ، وينتهي ، يعطي التمر أسرع مادة غذائية من الفم للدم بعشرين دقيقة .
شخص أكل ثلاث تمرات ، وصلى المغرب ، رجع مثل الإفطار ، لا يوجد جوع شديد، أكل بهدوء ، فكر بالتمر ، بالفواكه ، فكر بالحليب ، فكر بالشمس ، بالقمر ، بالنجوم ، تقول : من هو الله ؟
أحياناً الإنسان يرى خمس غرف نوم ، هذه من يفعلها ؟ شيء فخم جداً ، الصانع يعرف من صنعته ، فإذا نحن لا يوجدعندنا إمكان أن نرى الله عز وجل ، عندنا إمكان أن نرى خلقه ، نعرفه من خلقه ، فصار الكون طريقاً وحيداً لمعرفة الله عز وجل ، فالإنسان إما أن يعمل وقتاً خاصاً يتفكر فيه ، أو يتفكر دائماً .
جلست للطعام ، لاحظت ملاحظة ، وجدت قوس قزح ، معنى هذا أن الضوء الأبيض سبعة ألوان . إذاً تحلل الضوء يدل على أن هناك سبعة ألوان بأشعة الشمس .
إذاً هناك آيات لا تعد ولا تحصى في الفلك ، في السماء ، في الأرض ، في النجوم، في الطعام ، في الشراب ، في خلق الإنسان ، لذلك موضوع التفكر موضوع مهم جداً .
ما يسمو بالإنسان أن يكون في حاجة الله وحاجة رسوله :
هناك نقطة أريد أن أذكرها البارحة ، مرت معنا بدرس الجمعة : لما النبي – صلى الله عليه وسلم- في بيعة الرضوان ، الصحابة لما بايعوا تحت الشجرة ، بعد أن بايعه الصحابة جميعاً ، وضع يده اليمنى على يده اليسرى ، وقال :
((هذه عن عثمان ، اللهم إنه في حاجتك وحاجة رسولك))
الله له حاجة ؟ هذا كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ما من أحد يجرؤ أن يقول : الله له حاجة ، لكن النبي قالها ، ما دام قالها إذاً هناك معنى دقيق جداً ، الله غني عن العالمين، له حاجة ؟
أنا لي حاجة ، أنا لي مليون حاجة ، يقول لك : يا قاضي الحاجات ، هل يوجد إنسان ليس له مليون حاجة ؟ بحاجة ليزوج ابنه ، بحاجة ليزوج ابنته ، بحاجة ليوسع بيته ، بحاجة ليكبر دخله ، لا يوجد إنسان ليس له حاجات ، لكن الله له حاجات ؟
إذا شخص قال : هذه شطحة ، لا ، النبي قالها ، قال له :
(( إنه في حاجتك وحاجة رسولك))
سيدنا عثمان ، وهذه عن عثمان ، تفسير الحاجة الوحيد أن الله سبحانه وتعالى كماله مطلق ، رحمته المطلقة ، رأفته مطلقة بالعباد ، فالعباد إذا عرفوه ، وسعدوا بقربه ، هذه حاجته ، حاجته أن يسعد خلقه ، حاجته أن يرحمهم ، فكل إنسان يتحرك في الحياة حركة تقرب الناس من ربهم ، تعينهم على طاعة ربهم ، تعينهم على الإقبال عليه ، تيسر لهم طريق سعادتهم، فهذه الإنسان في حاجة الله ، وفي حاجة رسوله ، فالإنسان لا يكون في حاجة ذاته ، لا يكون أنانياً ، كل نشاطه ينصب على مصالحه الشخصية ، مما يسمو بالإنسان أن يكون في حاجة الله ، وحاجة رسوله .
طبعاً سيدنا عثمان في القمم ، لكن الإنسان إذا الآن لم يصل للكل فعليه بالجزء .
ما لا يُدرك جله لا يدرك كله . إذا كنت لم أستطع أن أصل لمستوى الصحابة الكرام لكن أقل ما يكون في الحركة ، حركة لوجه الله ؛ تكون في حاجة الله ، تكون عنصراً مقرباً إلى الله ، تكون عنصراً محبباً إلى الله ، عنصراً تعين على طاعة الله ، تمسك بالكتاب .
اللهم إنه في حاجة الله وحاجة رسوله .
الفرح الحقيقي هو الفرح بالآخرة :
يوجد نقطة :
﴿اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ﴾
[سورة الرعد:26]
يجب أن تفرح بالآخرة ، تفرح بالمعرفة ، تفرح إذا الله عز وجل أجرى على يدك العمل الصالح ، تفرح إذا فهمت كتاب الله ، تفرح إذا أطلق لسانك بالحق ، هذا الفرح الحقيقي ، لأن هذا الفرح يبقى ، وما سواه لا يبقى :
﴿الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ﴾
[سورة الرعد:28]
خالق الكون خالقنا ، هو الخبير ، كأنه يقول : يا عبادي لن ترتاحوا ، ولن تطمئنوا، ولن تستقروا ، ولن تسعدوا إلا بذكري :
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[سورة الرعد:28]
هناك قلق ، قلق مبهم ، خوف مبهم ، ضياع مبهم ، تشتت ، تبعثر ، شعور بالحرمان ، شعور بالقهر ، هذه كلها أمراض القلب . قال :
﴿أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ﴾
[سورة الرعد:28]
العلم غذاء العقل و الذكر غذاء القلب :
لذلك : العلم غذاء العقل ، لكن الذكر غذاء القلب ، أنت بحاجة إلى الذكر كما أنت بحاجة إلى العلم ، حصّل العلم وأكثر من الذكر ، سألني أخ سؤال : هل يعقل إذا الإنسان جلس في اليوم ، وذكر الله عز وجل حتى تطلع الشمس ، تساوي هذه حجة ؟ قلت له : معقول ونصف، لأن الحجة عشرون يوماً ، أما ثلاثمئة وخمسة وستون يوماً تستيقظ على صلاة الفجر ، وتذكر الله حتى الشمس ، فهذا عمل ليس سهلاً ، معنى هذا أنك تملك إرادة قوية جداً ، وعندك شوق إلى الله كبير جداً ، وعندك رغبة أن تكون مع الله دائماً ، فإذا الإنسان وطن نفسه كل يوم أن يصلي الفجر في جماعة ، وأن يذكر الله حتى تطلع الشمس ، هذه كحجة تامة تامة تامة ، الحجة كلها عشرون يوماً ، أما هذه فثلاثمئة وخمسة وستون ، كل يوم جلسة ذكر ، وأعلى أنواع الذكر التفكر ، فإذا الإنسان ذكر الله بالمسجد ، أو في بيته ؛ استغفار مئة مرة ، تسبيح ، تحميد، تهليل ، تكبير ، وذكر الله باسمه المفرد ، وعشر دقائق تفكر ، وخمس دقائق دعاء ، وصلى الضحى ، وانطلق إلى عمله . قال : فهو في ذمة الله .
((من صلى الفجر في جماعة ، فهو في ذمة الله))
[الطبراني في المعجم الكبير عن أبي بكرة]
أي أنت محمي اليوم ، معك ضمانة ، خالق الكون يرعاك ، أنت في ظله .
القرآن الكريم كلام الله :
آخر آية :
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ﴾
[سورة الرعد:43]
كيف الله يشهد للناس أن هذا الكتاب كلامه ؟ سؤال دقيق جداً ، أنا أجبت عنه كثيراً سابقاً ، هل يعقل أن نسمع كلام الله نحن ؟ هو يتكلم ، الله من صفته التكلم ، هذا الكتاب كلامه، حسناً أنا كيف أريد أن يشهد الله لي أن هذا الكلام كلامه ؟
الأحداث تأتي محققة لوعده ووعيده ، معنى كلامه أي الأحداث ، لأنها بيده ، الأفعال بيده ، عندما تجد الفعل يتحرك فهذا لتأكيد ما في هذا القرآن . قال :
﴿وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَسْتَ مُرْسَلاً قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ﴾
[سورة الرعد:43]