"مهندس وحدة الساحات" و"الرجل الاستراتيجي”، كما يصفه الإعلام الإسرائيلي. من تنسب إليه سلطات الاحتلال المسؤوليةَ عن تحريك الضفّة الغربيّة وإشعالها، وهو من أوائل الذين أسسوا كتائب “الشهيد عز الدين القسّام” في الضفّة، الشيخ الشهيد صالح العاروري، نائب رئيس المكتب السياسيّ لحركة "حماس”، استُشهد مساء يوم الثلاثاء 2 كانون الثاني/ يناير 2024 خلال معركة “طوفان الأقصى”1.
الخليل: سلّم الصعود
قبل حرب حزيران، وتحديداً عام 1966، وُلِد الشيخ لعائلةٍ من الفلاحين، باسمٍ يدلّ على محياه: صالح محمد سليمان خصيب، وعُرف بـ "العاروري" نسبةً إلى قريته عارورة، الواقعة إلى الشمال الغربيّ من مدينة رام الله.
منذ الطفولة بدأ ارتباط العاروري بالمسجد، إذ كان كثير التردّد لمسجد حارتهم المعروف بـ"الكبير". وكان والده محمد متديناً يحفظ القرآن الكريم. من هنا، كان تديُّن الشيخ مساراً طبيعيّاً لتنشئةٍ اجتماعيّةٍ تعرّض لها من أجواء العائلة والقرية.
بداية الثمانينيّات، وقبل تأسيس "حماس"، ارتبط العاروري بجماعة "الإخوان المسلمين"، وذلك عن طريق إمام مسجد القرية الشيخ سعيد معطان، الذي تعود أصوله إلى قرية برقة شرق رام الله.
لاحقاً، انتقل العاروري إلى مدينة الخليل، مُلتحقاً بكلية الشريعة في جامعتها. وخلال فترة دراسته، كان من أبرز نشطاء الكتلة الإسلامية، التي تشكّلت قبل سنوات قليلة من التحاقه بالجامعة عن طريق عددٍ من نشطاء الإخوان المسلمين. كان وجوده في المدينة التي تعدّ من أبرز معاقل الإخوان (ولاحقاً "حماس") في الضفّة الغربيّة، مرحلةً هامّةً في تكوينه الشخصيّ، فمن هنا سيبدأ ابن قرية عارورة الصعودَ على سُلّم الحركة إلى أن يصبح الرجلَ الثاني فيها.
مع عادل عوض الله وإبراهيم حامد
حين كان في أوائل العشرينيّات من العمر، اندلعت الانتفاضة الأولى في كانون الأول/ ديسمبر من عام 1987، وتأسست معها حركة "حماس". دفع ذلك القدرُ الشابَ إلى مساراتٍ جديدةٍ في العمل الإسلاميّ، لم تعد تقتصر على النشاطات والفعاليّات، إذ لعب دوراً في تأسيس الحركة في منطقة قرى شمال رام الله، خاصّةً في قريته عارورة، التي نقل إليها البيانَ الأول للحركة. أما حلقة وصله مع قطاع غزّة، فكانت عبر الأستاذ خليل القوقا، وهو قائد في الحركة وكان من أبرز دعاة الإخوان المسلمين، قبل أن يُبعَد إلى خارج فلسطين.
لم يكن العمل على تعزيز حضور "حماس" في قرى رام الله سهلاً كحال مناطق أخرى، إذ كان اليسار في ذلك الحين يمثّل قوّةً جماهيريّةً وتنظيميّة، تجعل من مساحات التنافس على اكتساب الزخم الجماهيريّ بين القوّتين محتدماً.
يرى الذين عاصروا الشيخ في تلك المرحلة، بأنَّ فلسفته في العمل التنظيميّ لتثبيت وجود الحركة في المنطقة، ارتكزت على حشد الكوادر حتى وإن كانت دون الشروط التنظيميّة المطلوبة. وهكذا كان يفعل في العروض (شبه العسكريّة) التي كانت تُنظّمها الحركة في منطقة شمال غرب رام الله (عارورة، نعلين، شقبا، قبيا، بدرس، رنتيس…) لإظهار قوّتها ووجودها، وكانت المناطق المختلفة تساند بعضها من خلال إشراك كوادرها في هذه العروض بهدف الحشد.