فلسطين مكس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


حدّث مخك
 
البوابةالرئيسيةس .و .جبحـثالمجموعاتالتسجيلدخول

 

 ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:51 am

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نقدم لكم رواية منقولة
ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة
للكاتبة simpleness!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:51 am

بسم الله الرحمن الرحيم
السلامُ عليّكم ورحمة الله و بركاته

بدايةً،رُبما الذي سأكتبه لا يهمكم،و لكن أحتاج أن أُدرج هذا الحديث مع الرواية
لا أدري في أي ترتيب تُصنف هذه الرواية،هل هي العاشرة أم الخامسة عشر ؟!
كُنت أكتب ثم أفرغ كتاباتي في سلة مُهملات حاسوبي المسكين الذي في النهاية أنهى خدمته مُحتفظاً بكتابات للأسف لا أملك نسخة منها،ولا أتذكر منها حرف !
و كأنه يُعاقبني على عدم ثقتي بحروفي وعدم تقديري لها..

لذلك قررت أن أنشر هذه الرواية لكي لا تلقى مصير أخواتها،و لسبب ما سيرون أبطال هذه الرواية النور من بين كُل أبطالي السابقين..

لستُ مُحترفة ولا أقتبس أسلوب غيري من الكُتاب، بل لا أُصنف نفسي كاتبة،فأنا هاوية فقط... أكتُب لأستشعر تلك اللذة الخاصة..

*فللكتابة رجفة لا تُصيب إلا عاشقيها !

قد أستعين بالخيال في رواتي وهذا لا بُد منه،و أتمنى أن لا أُسهب في خيالي..هي رواية واقعية يتخللها خيال اضطراري ليربط أحداثها ويُقنع القارئ..

سأبدا اليوم بأول أجزائها،راجية من الله أن يُعينني لإنهائها دون أي عقبة..

أنتظر رأيكم وانتقاداتكم،و أرجو أن لا يأتي الحُكم سريعاً..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:51 am

أريحيني على صدرك
لأني مُتعب مثلك
دعي اسمي و عنواني و ماذا كنت
سنين العمر تخنقها دروب الصمت
و جئت إليك لا أدري لماذا جئت؟
فخلف الباب أمطار تطاردني
شتاء قاتم الأنفاس يخنقني
وأقدام بلون الليل تسحقني
وليس لدي أحباب
ولا بيت ليؤويني من الطوفان
وجئت إليك تحملني
رياح الشك..للإيمان
فهل أرتاح بعض الوقت في عينيك؟
أم أمضي مع الأحزان؟
وهل في الناس من يعطي
بلا ثمن..بلا دين..بلا ميزان؟
،

*فاروق جويدة





،


فَقدُ ذّات

نَظرت إلى وجهه،لم يَكن شبيهاً بالأمس،يُحيطهُ غموض مُوّحش أشبه بليلٍ نامت فوقَ قَمَرِه حبات ثلجٍ صعيقية أغشت ضوءه وجعلته ضبابياً يُعمي القلوب قبل العيون..
كان غريباً وجـداً !
عندما احتضنته كانت رائحته كغُربته،لم تكن كتلك التي احتفظ بها قميصه النائم قُرب قلبها لثلاثة عشرَ عاماً..

تخبَط قلبها في صدرها..فهي لا ترى نفس العينين اللتان نظرتا لوجهها أولاً،و اليدان باردتان قد غابت الحياة عنهما و حل مكان الدفئ شتاء أسود أرجفها مُحذراً أنه ليس هو !
تساءلت وهي تنظر لفمه المُطبق و شفتيه المزمومتين بضيق لا تعرف مصدره،أما زالت تلك الأحرف الثلاث تحمل النغمة نفسها في صوته؟
تلك الكلمة التي تقلّصت من أربعة أحرف حتى ثلاث،و انتقلت من البراءة إلى النضوج،وفَى فيها حرف واحد فقط،تحوّلت من "ماما" إلى يُمه"...هل لا زال لسانه يعرف كيف ينطقها ؟

تركت يده وهي تنفرها بعيداً كمن أصابهُ تماس كهربائي..و كأن السحابة التي مرّت وظنّت أنها مُحمّلة بغيث كان نتاج انتظارها له "سُكّر،ضغط،و آلام مفاصل"،ألقت ببرّقِها على قلبها بدل أن تُلقي قطراتها !
خَرَجَ صوتها مُرتعشاً هامساً بخيبة أمل فاض على إثرها نهر عينيها الحزينتين،:هذا مو ولّــدي









الجزء الأول



ماضٍ



تتعالى ضحكتها و تزداد كُلما شعرت باصطدام قَدماها بأوراق أشجار الخريف المتساقطة على الأرض بانتشار أشبه بغزو قضى على ملامح الأرض بعد صيفٍ لم يَكن مثلما توقعت..كان الصوت الذي يُسببه تكسر الأوراق الخريفية يعجبها و يجعلها تضحك ببراءة كما تقول والدتها و بغباء كما يقول أخاها..!
تتذكر صوته وهو يُحاول إغاظتها،:غبيــة غبية على شنو تضحكين؟ما يضحك ما يضحك يا غبيـــة
و ترتفع ضحكته على حديثه الذي يعتبره مُضحكاً أكثر من صوت تكسر الأوراق..!
تنظر له بطرف عينها بغرور تُدير عنقها بقوة يتحرك معها شعرها مُلامساً طرف خدها بنعومة،تجري مُبتعدة عنه و تواصل أذنها سماع الصوت الذي بات كنوتة موسيقية تطربها و تثير ضحكتها العالية..
رُبما كانت تلك أجمل ذكرى لها..ليس ربما بل أنها بالتأكيد كانت اجمل ذكرى لها...كان آخر خريف تركض فوق أوراقه،و كان آخر خريف تسمع فيه الأشجار صوت ضحكتها بهذا العلوّ،على الرغم أنه كان هناك صوتاً عالياً بقي صداه بين شقوق جذوعها..إلا أنه لم يكن صوت ضحكات بريئة...أو غبية !


،


أغلقت النافذة بعد أن رسمت خلفها منظراً يتكون كُلما سقطت عيناها على بُقعة خالية كالتي تُطلّ عليها نافذة غرفتها،منظر تعيش مواقفه و كأنها الآن،تسمع أذنها الأصوات و ترى عينيها تحركات الأجساد أمامها،أما أنفها فتختلط عليه الروائح لتصل الى درجة عدم تمييز ما تستنشقه،تَطَغَى رائحة على الأخرى..يزيد تركيز تلك الرائحة و تشعر بها تلتف حول عُنقها كحبل مشنقة يُلف لإعدامها..،تدمع عينيها من قوة الرائحة ويحترق أنفها ويحمرّ..تصل الى بلعومها فتفقد سيطرتها على نفسها،يرتفع من حلقها سائل مُرّ تكرهه..يتناثر على الأرض بالقرب من ركبيتها المرتجفتين،تبكي بقهر لازدياد ضعفها،روحها الهشة تُنهك وفمها لا يتوقف عن إفراغ جوفها من الذكرى التي تتجدد كُل ثانية دون أن تنضب و كأنها أقسمت أن تبقى فيها خالدة...أقسمت أن تُعذبها،أن تستلّ سيفها المسموم وتمرره على جراحها الغائرة،أقسمت أن تحجب عنها كُل لحظة فرح حتى باتت تتمنى الموّت أن يُعجّل بقدومه إليها ليُنهي استبداد الذكرى على مملكتها المُحتلة..!






حاضر



جَمعٌ غفير من الناس و أصوات تداخلت حتى تشابكت بطريقة مُزعجة آلمت أُذنها،يديها المُتعرقتين تتحركان بتوتر في حضنها ورجلها لم تتوقف عن الاهتزاز مُنذ ساعات..تقف ثُمَ تجلس وبين الوقوف و الجلوس مشقة،فهي عليها ان ترفع الثقل الذي ترتديه حتى لا تتخبط منه..كان ثِقلاً على جسدها وعلى روحها..بياضه النقي لم يشفع لهُ فهي و قبل أن ترتديه قد كَرِهته....
نظرت للمرآة أمامها،تأملت ملامحها وهي تتذكر كلمات نساء أهلها،قُلن جميـلة،و البعض قال مُبهرة..وبعضهن نطقت اعينهن إعجاباً قبل ألسنتهن،ارتعش نَفَسَها في صدرها واحترق أنفها حتى أحمرّ،تشوشت الرؤية فعينيها باتت تغرق،سقطت أوّل دمعة مع دخول ابنة عمها..سمعت شهقتها وهي تقترب قائلة..
،:حنـين ليش الدموع لا تخربين المكياج مسكينة البنت ساعتين وهي تشتغل
توالت الدمعات وهي تجلس على الأرض امامها مُمسكة بيدها المُزينة بنقش الحناء الأنثوي،و بحنية تقول،:يا عمري ما تعبتين من الدموع..اليوم لازم الدمعة ما تزور هالعيون الجميلة،ابتسمي حبيبتي هالليلة ما بتنعاد
حركت رأسها بالنفي وخصلات شعرها المُصففة بعناية تحركت معها تصطدم بوجنتيها وجانب عنقها المُحاط بعقد فخم..
بهمس مُتقطع،:مـ ـا اقدر،جنان ما ابي انزف لــ ــه
اتسعت عينيها بصدمة،:شـلون ماتبين تنزفين؟! ما يصير يا حنين شنو تبين الناس تقول
سحبت يدها من بين يديّ جنان بقوة وهي تقف غير مُبالية هذه المرة بفستانها البغيض..بحشرجة قالت،:ما يهموني النـ ـاس انتوا تذبحوني يا جنان..محد فيكم حاس فيني حـ ــرام عليكم
وقفت لتُقابلها و بجدية،:يا حنـين احنا نبي مصلحتش انتي قاعدة تتبعين عواطفش وهذا خطأ
بحدة خرج صوتها من بين الدموع،:عواطفي وكيفي محد له دخل فيني انا ادرى بمصلحتي
بتأنيب قالت،:حتى عمي ماله دخل يا حنين ؟!
مالت شفتيها للأسفل وكتفيها ارتخيا بقلة حيلة،انفلتت منها شهقة شعرت بها تجرح حلقها..جلست بتعب على سريرها ويديها ترتفعان لرأسها تضغطان بقوّة..نطقت بألم ،:ابوي ذبحني مرة و اللحين يبي يذبحني للمرة الثانية

،:ابوش فعلا ذبحش مرة بس هالمرة يبي يرجّع النفس و الروح للجسد اللي ذبحه

رفعت رأسها للصوت،كانت والدتها تقف عند باب الغرفة بكامل زينتها المُحتشمة،اقتربت منها حتى وقفت امامها..أمسكت بذقنها لترفع وجهها، وبهدوء تخلله حنان احتاجته في هذه اللحظات،:يا بنتي كل الا سواه ابوش وقاعد يسويه اللحين لمصلحتش،انتي بنته و بجره "البكر" ما بيظلمش لو شنو صار
عينيها تتحركان على وجه والدتها بضياع،التمست الحنان في صوتها..وشعرت بالدفئ في عينيها..همست لها برجاء مُتمنية أن تستجيب لها..
،:يُمه انا طاوعت ابوي وما رفضت اي شي يقوله..بس هالمرة خلوني على راحتي مابي زفة مابي ادخل على الناس ولا ابيه يجي عندي اهني
عقّدت والدتها حاجبيها باستغراب،:شلون جذي حنين شهالعرس؟!وين تبينه يجيش ؟
هزت رأسها بالنفي،:مابيه يجيني ولا في أي مكان
نظرت لها والدتها وجنان بحيرة قبل أن تنطق..
سحبت نفس عميـق،:أنا بروح لــه





تحترق هي و يحترق صدره...ينفث دُخانها فيشعر براحة مُزيفة..كانت الثالثة لهذا اليوم..واحدة في الصباح و الثانية عند الظهر و هذه الآن ليلاً و القمر شاهد عليه..و كأنه يُخبرها بأحداث كل ساعات اليوم..لتكون على دراية بالموقف لتعرف كيف تسحب التعب منه..كيف تُزوّده بالراحة التي يعلم أنها لا تمتلك منها ولو ذرة..
لكــن !
ابتسم بسخرية وهو يرميها على الأرض و يسحقها بقدمه ناسياً أنها قبل ثوانٍ كانت مُتنفسه،احترقت من أجله،من أجل أن تستمع لصوت نفسه المُتعب..!
زفر بضيق ويده ترتفع لتُرخي ربطة عُنقه السوداء،نظر لساعته بعد أن فتح زرار قميصه الأول..شعر بالهواء يداعب عضلات عُنقه المتحررة ...مضى على خروجه من المجلس ربع ساعة،يعلم أنهُ تصرف خاطئ وغير محترم ولكنه لم يستطع أن يواصل مُسلسل المجاملات..كان يحتاج الى ان يستنشق هواءً نقياً بعيداً عن رائحة البخور و العود و القهوة !
بارك لخاله وزوج ابنته ولم ينسَ جده الذي مد طرف يده له وهو يُشيح وجهه عنه حتى لا يُعطيه أي مجال ليُسلّم كباقي احفاده..حرك كتفيه،فهو لم يهتم ابداً،فقد اعتاد على هذا الصد منه ولا يستغربه..فصده بالنسبة لجهله في مَحلّه !
،:الى متى بتظل واقف اهني ؟!
استدار للصوت..ابتسم وهو يقترب منه ويديه تختبئ في جيب معطفه الرسمي،وقف أمامه و بهدوء خرج صوته كعادته،:اللحين بدخل،بس كنت اشم هوا شوي
قال وعينيه تنظر لوجهه،وبشك طغى على صوته،:ليش كنت مختنق داخل ؟!
رفعَ حاجبه وفي داخله يعرف الى اين يُريد أن يصل،فببرود قال يُنهي الموضوع قبل أن يبدأ،:لا تشغل بالك بأشياء تافهة،كنت احتاج اشم هوا نقي بعيد عن الفوضى لا غير
ارتخت ملامح وجهه مُتحررة من علامات الشك،أنزل عينيه ينظر إلى عُنق الذي أمامه،أصبح أوضح بعد أن أرخى ربطته وفتح زراره،تنهد وهو يُبعد عينيه الى السيارات المركونة خلفه وفي داخله تصارعت أفكار غير مفهومة..فقط أطراف خيوط لا يعرف كيف يربطها !
عادت عينيه لوجهه وهو يسمع صوته،:عبد الله تبي تقول شي ؟
عاد ونظر لعُنقه المشدود،عضلاته الواضحة و
،:عبد الله !
أبعد عينيه وبهمس قال،:ولاشي محمد
رفع مُحمد يده يُغلق زراره ويعيد ترتيب ربطة عُنقه وبسخرية يقول،:مشكلتك انك واضح ما تقدر تجذب
مشى أمامه بعد أن انتهى،:تعال خل ندخل..مو توك تأنبني على وقفتي ؟!



ماضٍ

كان كمن قد أُخرج قلبه من صدره و فُتحت شرايينه وأصبح ينزف دماً من كُلّ مسامٍ في جلده المُزرّق!
النَفَس يخرج بلهاث مبحوح مُتعب...قليلٌ من ريقه الجاف كان يتجمع عند زاوية فمه وعلى ذقنه المنتشرة فيه شعيرات كثيفة فقدت صبغتها خلال ثلاثة أشهر انقلب فيها عُمره،تقدم رقم و تأخر رقم وانقلب كيانه بأكمله!
خُطوات ثقيلة تضرب على الأرضية الباردة المتسخة بقوة ألمها يكاد يُمزق طبلة أذنه التي تخزنت فيها أحاديث و أسرار لو انكشفت ستحدث ضجة كبيرة في البلد!
توقفت قدمان ضخمتان تغوصان في حذاء جلدي رفيع أسود يُخفي بُقعاً تحكي وجعاً و ألماً و صرخات استغاثة بُترت أمواجها على أيدٍ تعلّمت نهب كُل ما هو مُلك لغيرها قبل أن تتعلم كيف تخط حرفاً..!
أغمض عينيه بعد أن تلقى ضربة بتلك القدم في خاصرته المُتصلبة بإعوجاج،ارتعشت أطرافه عندما استقبل المخ إشارات الألم الذي يُصبح حاداً أكثر كُلّما فقد قدرته على التحمّل..
فتح تلك العينين الغائبتين تحت ليلٍ لم يعرف القمر،ليلٌ سرمديّ لم يكن فيه عاشقاً ينتظر محبوبته ليهديها قُبّلة كان يحلم بها في منامه..بل كان أسيراً،أسير الظلم و الجشع و انعدام الإنسانية..!
كان و لأول مرة يتعرّف على جنس آخر من البشر،جنس جسده إنسان وروحه شيطان!
رفع عينيه ببطئ شديد.. فالجفن قد أثقلهُ الدمّع!..فتح فمه و حرّك لسانه و نطق شيئاً لم يُسمع و لم تقرأه عينان مُحبتان تفهمه..،أغلقه بعد أن اصطدم صوته بروحه ولم تلتقطه أُذنه،ظلّت عينيه مُركزة على الواقف فوق رأسه..
ثوانٍ و وصله صوته الخشن الغائص تحت أكوامٍ من الأتربة المُحمّلة بروائح موّت و أجساد مُعذبة..،:قوم....حررناك
اتسعت عينيه و مع اتساعهما سقطت إحدى الدمعات المتجمعة،فتح فمه بذهول وكلمة "الحرية" التي نطق بها جعلت دقاته تُرفرف كجناحين طير حُرّرَ من قفصه..!
كان طيراً ليلتها،بجناحيه المعكوفين و منقاره المكسور و رجليه الباقي فيهما أثر القيّد..
كان طيراً،و لم تستطع أن تحتمل روحه المثقلة بالأوجاع ثقل فرحة الحرية،ما إن رفرف مرّتين و أصبح مٌعلقاً بين السماء و الأرض،حتى انقلّب رأساً على عقب و جذبته الأرض إليها...هذه المرة ليس فوق الأرضية الباردة...بل إلى الأسفل،حيثُ يُنثر التُراب فوق جسده...و الروح ترتفع هاربة من الإختناق في أرض لم تجد فوقها رحمةً قطّ..!



حاضر

اتصلت إليه عمّته ، كما اعتاد أن يُسميها منذ شهر،اخبرته ان يخرج ليُقابلها قُرب المسبح،شعر بشيء من الحرج وهو يخرج من بين الرجال رافعاً "بشته" الذي خلعه ما أن خرج من المجلس..أخبر والده أنه سيعود بعد دقائق..وصل الى المسبح.. رآها تقف سارحة و كفيّها مُتحاضنان ، اقترب منها حتى وقف أمامها ...انحنى قليلاً ليُقبّل رأسها..سمع صوتها الأنثوي الشبيه بصوت والدته..
،:الله يخليك يا ولدي ويبارك لكم ويسعدكم ان شاء الله
اتسعت ابتسامته لدُعاءها وقال ونبرة الفرح تتخلل صوته الرجولي،:ان شاء الله ياعمتي الله يسمع منش..آمري بغيتي شي
تقلّصت إبتسامتها حتى غابت..ظهرت تجاعيد التوتر على جبينها وبدأت بفرك يديها و العبث في أصابعها..عقّد حاجبيه من قلقها الواضح..أعاد كلامه..
،:آمري عمتي
تنهدت ويدها تُرتب حجابها على شعرها،:ما يآمر عليك عدو يا ولدي بس حنيـن
وقطعت كلامها وهي تعض على شفتيها تمنع الأحرف من الخروج..
دق قلبه بتوجس وسأل ويده تمسك بكتفها،:شفيها حنين يا عمتي ؟
حاولت أن تبتسم له وهي تمسك بيده فوق كتفها،:مافيها الا العافية يا ولدي
تنفس براحة وهو يُغمض عينه للحظة ثم يفتحها قائلاً،:زين قولي لي يا عمتي شنو السالفة
تركت يده وهي تبعد عينيها عن عينيه بخجل من طلب ابنتها ،وافقتها رُغماً عنها خوفاً من تَبُعات قد تحصل لو لم تفعل ما تريد..لم تُخبر والدها بعد..لا تعلم كيف ستتحمل عاصفته لوحدها
خرجت كلماتها سريعة قبل أن تتردد مُجدداً،: حنين رافضة الزفة تقول لك بعد ما يطلعون المعازيم انتظرها في السيارة وهي تجيك عشان تروحون شقتكم
صمّــت
انتظرت منه ردّ..اعتراض او حتى صراخ ... تشجعت ورفعت عينيها تنظر لوجهه،كان عادياً لا يوحي بشيء..لم تصدر منه ردة فعل سوى أنه أنزل يده عن كتفها..نادته بقلق
،:بسـام
انحنى مرة أخرى وقبّل رأسها..استدار وقبل أن يبتعد همس
،:خل تنزل اللحين ماله داعي بعد ما يطلعون المعازيم،انا انتظرها في السيارة



قُرابة الساعة مضت وهي جالسة في غرفتها،على سريرها فرشت الصور..تستعيد الذكرى كُلّما كانت وحيدة..عينيها تتحركان على الصور ببطئ ونظرة عدم التصديق واضحة فيهما...لامست بأطراف أصابعها إحدى الصور..شعرت بحريق في عينيها و المنظر يقترب منها،انفلتت منها شهقة حادة فرفعت يدها الحرة تُكبحها..بدأ مركز الذاكرة في عقلها باستعادة الأصوات المركونة في صندوق في زاويته الذي لم يتسنى وقت للغبارأن يتجمع عليه ولا أن تنسج العنكبوت خيوطها فوقه،فهي اعتادت أن تفتحه طوال عشرون عاماً..ليلاً ونهاراً..عند الفرح و الحزن..

"يقولون كان تاجر مخدرات نصب على شركائه فذبحوه"

"استغفر الله كنت اشوفه يرجع في أنصاف الليالي يبين كان سكران،مشيته مو زينة اكيد جذي بتكون نهايته"

"بشماتة،:بنشوف اللحين شنو بتقول مريمو بعد ما انفضح زوجها،حرامي وراعي مخدرات "وبضحكة عالية" واكيد السالفة فيها بنات"

"بغى يذبح ولده،طلع مجنون ما عليه شره زين أنه مات قبل لا يذبح كل عايلته"

سقطت الصورة من يدها بملامح جامدة..عبثت بالذكريات حتى اخفضت درجة حرارة جسدها لتفقد الإحساس،لتنجرح دون أن تشعر بوخزة ألم.. ليكون بمقدورها العودة لهذا الصندوق من جديد،لرُبما اكتشتف سرّ من أسراره ! فهو لا يزال مُبهماً كصفحة بيضاء،لا خطوط عرضية و لا طولية،لا تعرف بدايتها من نهايتها..هي في متاهة دون أسوار تصطدم بها وهذا ما يؤرقها و يُشعرها بالاختناق..أن تكون حُرة لا تُكبلها سوى قُيود وهمية فرضتها عليها الذكرى..
آه من الذكرى،تشعبت في الروح بأطرافها الحادة حتى أدمتها..ليتهُ حُلم تصحو منه لترى نفسها لا زالت في عُمرها الخامس تلعب بعروستها وتنام بين والديها ليلاً خوفاً من الضيف المضيء الذي يزور نافذتها كُل ليلة !

ابتسمت شفتيها الزهريتين للذكرى السعيدة،رفعت عينيها للساعة المُعلّقة على جدار غرفتها الأبيض،كانت تقترب من العاشرة و النصف..جمعت الصور بالمقلوب،لا تُريد أن تُتعب قلبها مجدداً،لتترك التعب للغد..أغلقت الصندوق بعد أن وضعت آخر محتوياته..السلسال الفضي المُبهم !
قامت واقفة من على السرير وفي يدها اليُمنى الصندوق الأسود..صندق الأسرار الغير مكشوفة مُنذُ أعوام ! وهي تضعه في الدرج قُرب رأسِها سمعت صوت إغلاق باب الشقة ثم تلاه صوت والدتها..
رتبت شعرها قبل أن تخرج من غرفتها،فتحت الباب ليظهر أمامها وجه والدتها وظهر الداخل للتو..سلّمت بهمس وهي تقترب لتقف خلف الأريكة التي يجلس فوقها..وضعت يدها على كَتِفه وهي تقول..
،:وينك يومين ما مريت ؟
استدار لها بإبتسامة صغيرة تكاد أن لاتبان وبهدوء،:انشغلت ويا الدوام و البيت الجديد
دارت حوّل الأريكة حتى جلست بجانبه،:للحين ما خلصتون تأثيث ؟
حك أنفه بسبابته وهو يقول،:البيت واجد كبير شفتين مساحته،يحتاج وقت لين ما نخلص
تساءلت والدته،:وينها حور ليش ماجت وياك؟
نظر لساعة معصمه قبل أني يُجيب،:معزومة على عرس صديقتها،انتظرها تكلمني اذا خلصت عشان امرها
رفعت هاتفها تفتحه وهي تقول،:ايي طرشت لي صورتها،تجنن ماشاء الله "نظرت لأخيها" شفتها يُوسف ؟
زمّ شفتيه و حرّك رأسه بالنفي،ثُمَّ همس،:راحت مع امها وخواتها ما شفتها
ابتسمت له بخبث،:خلاص مدام جذي ما بخليك تشوفها،شوفها اذا رجعتون البيت
،:اشوفها ملاك
وقفت متوجهة لوالدتها،أعطتها الهاتف وجلست بجانبها،اتسعت ابتسامتها وهي تسمع مدح والدتها..
،:ماشاء الله قمر قمر،ناعمة ما تتكلف "نظرت لأبنها و بحنية دعت" يارب اشوف ولدك قريب
رفعت ملاك يديها للأعلى وبصوت عالي،:ان شاء الله يــارب "أنزلت يديها وهي تقول موّجهة الحديث لأخيها" قوول ان شاء الله يوسف
تنقلت عينيه بين والدته و أخته بصمّت وفرجة صغيرة تكونت بين شفتيه..
،:يُوسف يُمه قول ان شاء الله
أغلق فمه..تنهد ثُمَّ،:ان شاء الله يا يُمه ان شاء الله ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:52 am

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله




،

فَقدُ ذّات

تَنَاوَلَ مِعطَفَهُ الجلّدي الأسوّد،قرّبهُ من أنفه يبحثُ عن رائحة كانت دِفئِه في شتاءاته الماضية..تَبَسّمَ بألم لرائحة مسحوق الملابس الذي وبعد عدّة محاولات فاشلة استطاع أن يعرف كيف يستخدمه بطريقة صحيحة...

ارتداه وهو واقف أمام المرآة،يتأمل قامته الطويلة،عندما جاء قبلَ ستّ سنوات كان أقصر بعشرة سانتيمترات أو أكثر من الآن! و كأن الحنين تراكم تحته حتى أصبح جبلاً ،يرتفع فيرتفع هو اشتياقاً ..!

زَفرَ بضيق وقدماه تقودانه لنافذة غُرفته الصمّاء،الخالية من أي تعريف للنفس،ليس لها دخل به ولا بشخصه،هي صامتة مِثلُه..فقد يكون لديها حنين من نوع آخر !

فتح نافذته ليصطدم وجهه بالصعيق في الخارج،ذرات ثلج ناعمة حَطّت على أنفه،مسحَ عليه بإبهامه يُبعدها،ذابت بين أصابعه حتى استوت ماءً،رَفعَ رأسه لسماء شمسها كانت أسيرة في سجن السحاب،شُعاعها يتلصص يبحث عن ثغرة من بين غيوم بيضاء قاسية ليتحرر..

الحُرية..

كَلِمة ليس لها تفسير و لا معنى عنده،شُطبت من قاموسه مُنذ أكثر من ثلاث سنين،فُصِلت حروفها و ضاعت في بحرٍ لا قاع له،بحر مُظلم كُلّ يوم يزداد فيه غرقاً،يجذبهُ للأسفل حيثُ الخلاء و الصمّت،لا شيء هناك سوى صوّتان..دقات قلب و تحطم روح مُغتربة !
أغلق النافذة يبتعد عن أفكارٍ لا جدوى منها سوى قهر يَكسر ظهر شاب كان خطأه الأكبر أن يَحُلم...لم يعلم أن الحُلم قد يَخون في يومٍ من الأيام !

قَطَعَ أفكاره صوّت هاتفه،تناوله من على السرير،رفعهُ لأذنه يجيب بصوت بارد..
،:صباح الخير
صوت مَرِح يَضُجُّ بالحياة على عكسه،:أيّن أنت انا انتظرك مُنذ ربع ساعة
تنهد وهو يخرج من الغرفة مُتوجها لباب شقته الصغيرة القابعة في أحد أحياء موسكو الباردة..أجاب بعد أن أقفل الباب،:سأكون عندك قريباً
،:انا بانتظارك،"وبضحكة" فالقارب مُمتلئ اليوم
مالت زاوية فمه بسخرية قبل أن يُعَقّب وهو ينزل الدرجات،:إذاً الغرق أعمق اليوم
وصله صوت ضحكته العالية وهو يقول بسخرية،:حاول أن تنجو بنفسك

وقف في مكانه دون حراك،السماء من فوقه و الثلج اختار لهُ مكان فوق كَتفيه العريضين...يد في جيب معطفه والأخرى تمسك الهاتف فوق أُذنه..عينيه تركزت على الأرض، انعكست فيهما صورة بَهُتت ألوانها حتى اختفت وجوهها...هَمَسَ بصوت كان لَحنُهُ يأس..

،:سأنجو.....سأنجو بذات ضائِعة !






الجزء الثاني

إشارتان تُبعِدَهُما عن الحيّ حيثُ منزلهما الجديد...الأرض الكبيرة التي اشتراها لها والدها قبل سنوات،انتهى بناؤها مُنذ أربعة أشهر و اسبوعان وخمسة أيام تماماً..
لم ينتهِ تأثيث المنزل بعد،فهوكبير جـداً...لماذا لاتدري ؟ فنَفَسَان فقط يَضُخّان ثاني أكسيد الكربون في أنحاءه !

تُرَجّح أن السبب وراء حَجمِهِ المُبالغ فيه هو حَجم غرور أبيها...!استوحى من غُروره الفائض هذا المنزل الأشبه بساحة حرب تسبح فيها دماء باردة لا لون لها،دماء تجري فوق أرضه وعلى جدرانه تترك آثاراً عجز ساكنيّه أن يُفصحان عنها بكلمات وجُمل قد تترك صدى صوتيهما بين زواياه..
حـرب بين أُنثى وذكر،قٌدّر لهما أن يرتبطان برباط مُقدّس يُسمّى الزواج...لم يُسجَّل فيها مُتنصر ولا مهزوم،ولم يستسلم أحد قطّ..فلا زالت الدماء تنضح والصوّت يختبئ كفريسة جبانة في صدوٍر أثقلتها تنهيداتٍ لا يَسمَعُهَا سِوى ليلٍ يَخلو من قُبّلة !

زَفرت بِضَجَر وهي تخرج من السيارة، بعد أن أركنها في الموقف الخاص في باحة المنزل....مشت قبله ويديها تبحثان عن المفتاح في حقيبتها الصغيرة..تأفأفت عندما لم تجده،و عقلها تذكرهُ مُلقى بإهمال بين حاجياتها المُبعثرة...أسندت كتفها الأيسر على الباب تنتظر وصوله ليفتحه..نظرت له وهو يَمشي بخطوات هادئة تُناقض ضجيج دقاتها..أيّ تَحرُّك بسيط،تافه وقد لا يُحدث تغيير في الوضع الفيزيائي للحياة يَصدُر منه يُشعل الفوضى داخلها..يُربك حواسها و يُخِلّ استقرار روحها..

ازدردت ريقها وهي تُشيح وجهها عنه..مسافة صغيرة تفصلهما عن بعضهما،عِطره أحكَمَ سيطرته على رئتيها،حبست النفس في صدرها،لا تُريد الموّت مُختنقة بعطره في هذه الساعة المُتأخرة من الليل..لا تُريد أن تذهب لسريرها و جسدها يرتدي تلك الرائحة وعقلها قد أَسّكَرَهُ استنشاقها..

تسارعت خُطواتها ما إن فتح الباب،توجهت للمطبخ تبحث عن كأسٍ من الماء بأنفاس لاهثة،فالروح لا بُدّ أن تُروى بعد احتكاكها بجفاف تزداد قسوته كُلّما كان أقرب...جلست على كُرسي طاولة الطعام بعد أن شربت كأس بالكامل،أنزلت حجابها عن رأسها فتحررت خصلاتها مُعانقة أطراف وجهها المُزيَّن بمساحيق بسيطة أبرزت ملامحها الناعمة..إتَّكأت بكوعيها على الطاولة ويديها ترتفعان إلى جبينها..
غطّت عينيها بكفيها وأصابعها تُمسّد بخفة على مُقدمة رأسها مُحاولة أن تتخلص من الزوبعة التي تَخَبَّطت فيها مُندُ ان استقلّت السيارة معه..

شيئاً فشيء حتى غاب عقلها إلى صديقتها..عدم زَفّها لزوجها أقلقها..لم تُسنح لها الفرصة لرؤيتها لذلك هي غير قاردة على معرفة ما حصل،تُراودها شكوك وهي تتمنى أن لا تكون صائبة !
أنزلت يديها ليظهر وجهها بملامح قَلقة وحاجبين معقودين..لا تكوني انتِ حنيـن.،فــ

قطعت أفكارها بشهقة وهي تراه يقف أمامها عند باب المطبخ..وضعت يدها على صدرها وهي تشعر بقلبها يكاد يخرج من بين أضلاعها...أنزلت رأسها بضيق تهرب من عينيه..تكره نظراته لها،فهي لا تفهمها...بل لا تستطيع أن تستقبلها..فعينيها تنفران من عينيه..لا تدري لخوف أم لخجل أم لشيء آخر..شيء مدفون في الذاكرة،يمنع عينيها من أن تلتقي بعينيه..!

تراجعت إلى الخلف لتُسند ظهرها إلى الكرسي عندما بدأ بالاقتراب من مكان جلوسها..سحب الكُرسي المقابل وجلس برجلين مفتوحتين وظهر مُتقدم للأمام... ذراعيه تستقران على فخذه بارتخاء وأصابع يديه مُتشابكة..همس بصوت التقطته أُذُنَهَا فاشتد عِرق في عُنُقِها..

،:توقعت تتأخرين أكثر..ما توقعت تتصلين قبل الوحدة !

رفعت يدها اليُمنى إلى عُنقها تمسح عليه تُحاول أن تُخفف من التنمُّل الذي سببه صوته..تنحنحت تبحث عن صوتها..و ببحة أجابت..
،:فجأة تكنسلت زفة المعاريس،بس تعشينا وجينا،من جذي ما اتأخرت
تساءل باستغراب،:ليش تكنسلت الزفة،عسى ماشر ؟!
حركت كتفيها وشفتيها المصبوغتان بلون باهت تميلان للأسفل،:ما ادري انا بعد استغربت

وقفت بعد أن أنهت جُملتها وعينيه ارتفعتا لوقوفها..كانت لا زالت ترتدي عباءتها،فقط خلعت حجابها كاشفة عن شعرها المرفوع بنعومة وبعض خصلاته تَمَرَّدت لتُلامس عنقها الطويل وجانب وجهها..

بتردد نطق وهو يراها توليه ظهرها،:وين رايحة؟

توقفت دون أن تستدير له وسؤاله الغير مُتوَقع أوجسها..عَضّت على شفتها السُفلى بقهر لارتباكها الذي تُشعله اسألته وتصرفاته المُباغتة..لا تستطيع أن تتوقع الخطوة القادمة لهذا الرجل..تكره أن تكون بهذا الضياع في حضوره،بسهولة يستطيع أن يُخرجها من دائرة أمانها..هيَ ولثلاث سنوات لم تستطع أن ترى في عينيه نظرة ارتباك أو هروب كما يَصدُر منها !

حَرَّرَت شفتها من أسنانها..بللتها بلسانها قبل أن تُجيب بذات البَحَّة،:بروح أنام...تصبح على خير
،:و أنتِ من أهله..

ابتعدت قبل أن تسمعها..كانت خطواتها أسرع من لسانه المُتَرَدد..

زفرَ بإحباط ورأسه مُطأطئ للأسفل..رفعَ يده لتتخلل أصابعه خصلات شعره و من ثُمّ تستقر خلف عُنُقِه..أغمض عينيه وإبتسامة شاحبة ارتسمت على شفتيه.. همس وعقله يستذكر صورتها قبل ثوانٍ بما لم يتجرأ أن يَنطُقُه أمامها..

:اتعبتيني يا حنين !



الساعة الثانية بعد مُنتصف الليل،هو،هـي وأبيها...يَجلسون في غرفة جلوس عَشَهُما الزوجي الذي من البداية يبدو أن غُصّن الشجرة الذي أُسِسَ فوقه ليس مُستقراً ورياح خفيّة تُهدد سقوطه..

مرّت ساعة وأبيها لم ينتهِ من حديثه...أوبالأحرى تأنيبه،هو من جانبه التزم الصمّت..لا يُريد التدخل بينها وبين والدها..وفي الوقت نفسه لا يستطيع أن يتركهما وحيديّن..فهي ومن وجهها المُحتقن بدموع يبدو أن مزاجها أبعد مما يكون عن مزاج عروس ليلة زفافها..و والدها بعروقه النافرة من عُنُقِه وتقطيبة جبينه جعلته يصرّ على بقائه بينهما..فهو لا يدري ماقد تحثهُّ نفسيّ الأب وابنته وسط هذا الجوّ المشحون بطريقة غريبة..!

،: بدون مُراعاة للناس ولا للأهل تصرفتين تصرف ماادري شلون امش وافقتش عليه...حرمتيني من إحساس الأبو وهو يزف بنته لزوجها

فتحت فمها تُريد أن تنطق وعينيها تفيضان بألم،لكن يده الكبير ارتفعت أمام وجهها وبقهر قال..
،:مابي اسمع اي تبرير..وادري ان مافي اي سبب ممكن يقنعني
بحسرة وضع كفيه على وجهه وبصوت زاد الثقل على قلبها،:تمنت يدي تصفع خدش بدل لا تضمش في يوم عرسش
أنزل كفيه ونظر له بتأنيب،:وانت بعد طاوعتها يا بسـام

وقف كَمن لُدِغَ من أفعى باغتته في أسعد لحظات عمره..بقهر أب تحَطَمّ َحُلّمه على يد أنثاه المُفضلة..ابنته الوحيدة،هَمَسَ وعينيه غرقتا وسط دمعٍ نابع من بئر ظَنَّ أنهُ دفنه في الماضي..

،:مشكورة ياحنين..مشكورة يا بنتي الوحيدة

واستدار خارجاً وبسام من خلفه يُناديه لكنه أغلق الباب بقوة جعلت بسام يقف في مكانه مُتراجعاً عن قراره للحاق به...انتبه لشهقات من خَلّفُه،تنهد وهو يعود الى حيثُ تجلس، بتعب جلس أمامها..لكنها لم تسمح لهُ بأي تصرف فما إن جلس حتى وقفت تجري هاربة الى الغرفة مغلقة الباب بالقوة ذاتها...

ظلَّ جالساً في مكانه،فردة فعلها طبيعية جداً..

استند إلى الأريكة الرمادية..فتحَ أزرار ثوبه وخلعه وهو جالس في مكانه..رماه بإهمال على الأرضية الخشبية،فَمَهُ مُطبق بحيرة من الحديث الذي جرى بين عمه وحنين..كلام مُبَطَن لم يفهم معناه..
لا زالت أصوات الليلة تُشَوّش عقلهُ وتفكيره،مضت أكثر من ثلاث ساعات على انهيار ليلة عُمره،بدأ الانهيار بطلب حنين الذي أوصلته عمته..ثُم قدومها خِلسة الى السيارة بحجابها وعباءتها التي ظنَّ أن ثوباً كبيراً سَيَنّحَشِر تحتها..لكنه تفاجئ مُجدداً من بِنطالها الواضح طَرَفُه من الأسفل..ووجهها الباقي فيه آثار مساحيق يبدو أنها مسحتها على عجل،بعد وصولهما للشقة لَحِقَ بهما والدها و بدأ بسيل كلماته الغريبة..

ليلة سوداء كانت طويـلة لكن عقله المذهول شَعَرَ بها ثوانٍ مرّت حتى أتعبت رأسه..ليلة سوداء لم يَزُرّهَا بياض فستان انتظر أن يرى عَرُوسه ترتديه...!



التاسعة و النصف صباحاً

أفرغ مُحتَوَى كوب القهوة في فَمَه..كانت ساخنة لَسَعت لسانه و لكنهُ واصل في شُربها و كأنه أعتاد أن يُلّسَع منها كُلّ صباح حتى بات لا يتألم..

وضع الكوب على مِنضَدة المطبخ،قُرب هاتفه المقلوب على وجهه..رَفَعَهُ بهدوء ثُمّ فتحه،اتجه للرُزنامة..نظر للتواريخ بشفتين مزموتين،بَقي ثلاثة أيام فقط عن التاريخ المحدد..

زفر وهو يُغلقه ويُعيده الى مكانه،رفع الكوب وشرب الباقي من القهوة دفعة واحدة،غسله قبل أن يخرج من المطبخ تاركاً هاتفه هناك..دخل مكتبه بخطوات واسعة وتوجه مباشرة إلى اللوحة المُعلقة على الجدار،فَوقها قد أُلصق عدة صور بأحجام مُتفاوتة..صور لأشخاص..نساء ورجال تتراوح أعمارهم مابين الثلاثين الى نهاية الخمسين...

وضع يده على إحدى الصور ووجهه اقترب أكثر يُدقق في ملامح صاحبها،أغمض عينيه لخمس ثوانٍ ثّم فتحها،أعاد النظر للصورة وأصابعه تتحرك بسرعة عليها،أغمض عينيه مُجدداً لعدد الثواني نفسها..

ابتسم بسخرية قبل أن يفتحها وهو يتراجع للخلف حتى رَمَى بجسده على الكرسي وراءه...

ظلّ جالساً وعينيه تتحرك على اللوحة ببرود وملل وابتسامة السخرية لم تترك شفتيه..ثبّت قدميه على الأرض واحدة أمام الأخرى وبدأ بتحريك الكرسي ذو العجلات حتى مكتبه..تناول قلماً وقصاصة ورق صفراء،كتب بعض الكلمات بالإنجليزية ومعادلة حسابية قصيرة نهاية القصاصة..عاد وحرّك رجليه الى اللوحة..ألصق الورقة يمين الصورة السابقة..

وقف ويديه تستقران في جيب بنطاله الخلفي،بسخرية نطق وعيناه في عينيّ صاحب الصورة..

Welcome number 26



استوقفني صوته..كتغريد طيّر عند نافذتي في الصباح..يَنتَشِلَني من سريري و يُخلّصني من بعثرتي..أهفوا إليه بعجل على أطراف أصابعي،أُباعد ستائري الشفافة البيضاء كنقاء قلبي..كما قال لي ذات يوم !

افتح نافذتي فابتسم له..يمشي بزهو حيثُ فُتحت يدي الصغيرة تستقبله..احتضنه فيرتعش كُلّي فاعرف أنني لا زلت لم أجدني..فأنا ولا أدري إلى متى ضائعة فيه !

،:متى اللقــاء ؟

ابتسمت بنعومة ورأسها يميل ليستقر على كَتِفَهَا الأيسر،بهمس أجابته وعينيها مُغَمضَتان تستشعر اللحظة و الهواء يُداعب وجهها وصوت أنفاسه يُداعب روحها..

،:ابيك تشتاق لي..بعدين بيكون اللقاء

عَضّت على طرف شَفَتَها السُفلى لصوت تنهيدته،ثّم جاء صوته تَتَخَلَّلَهُ ضِحكة..

،:صرت متيقن انش تحبين تشوفيني متعذب !

ضحكت بخفة وهي تفتح عينيها ورأسها يرتفع لتقول بحاجب مرفوع بغرور،:يا عمري انت من يومك متعذب فيني،مافيها شي لو زدت العذاب شوي
محاولاً إغاظتها،:شنو هالغرور،ترى مااحبه
أرجعت خصلة وراء أذنها وبذات الغرور قالت،:عـادي بخليك تحبه مو صعبة عليّ
ارتفع صوت ضحكته فابتسمت هي بنشوة..همس من بين ضحكته،:ما في فايدة ماتتغيرين
ردّت بهمس،:طبعاً حبيبي مو تحسب لأني أحبك بستجيب لتغييراتك
،:مابي اغيرش ابيش مثل ما انتي "وبرجاء" بس شوي حني عليّ خلينا نتاقبل لو نص ساعة
أغمضت عين واحدة وفمها يميل للجانب،:امممم..خلني افكر في موضوع اللقاء على قولتك وبرد عليك
،:زيــن بننتظر ردش الموقر،واللحين قولي لي شخبار عرسكم البارحة

تراجعت للخلف وهي تستدير خارجة،أغلقت نافذة شرفتها المُطلة على حديقة منزلهم،بهدوء أجابت وهي تستلقي على سريرها،:الحمد لله زين..بس ماكان في زفة،بنت عمي رفضت الزفة
،:افا ليش ؟ عروس ترفض تنزف !
هزّت رأسها بالإيجاب وكأنه يراها،:اييي كل من استنكر و الغريب أن زوجها وافق على طلبها،توقعت يرفض !
،:يمكن يحبها فما رفض طلبها
عقّدت حاجبيها بخفة،:مااتوقع،ما مداه يحبها الحب اللي في بالك،ملجوا وعقب شهر صار العرس،وعلى حد علمي ولا مرة طلعوا مع بعض فشلون بيحبها ؟! "انقلبت على بطنها وذقنها الدقيق يستقرّ على ظاهر كفها الأيسر" تصدق لكن
،:شنـو ؟
بتنهيدة همست،:لو كنت مكانها بعد برفض الزفة،صحيح اني معارضة تصرفها..بس اذا افكر واخلي نفسي مكانها احس بسوي مثلها
لم يصلها صوته لذلك أكلمت،:ساعات احس بالذنب اتجاهها،مع ان اذا فكرنا بمنطقية مالي دخل باللي صار..بس بعد احس بالذنب "أغمضت عينيها ورأسها يتحرك بسرعة وكأنها تُبعد الفكرة عن عقلها" ماادري ماادري خلني ساكتة احسن
ضحك بخفة،:اي اندمجتين في الموضوع،المهم الله يهنيهم ويسعدهم وتشوفون اولادهم
ابتسمت بخفة،:ان شاء الله الله يسمع منك
رفعت الهاتف عن أذنها لتنظر للشاشة ثّم أرجعته وهي تقول،:أحمد صار لنا ساعة وربع نكلم بعض وانا اقول ابيك تشتاق لي،يله بسكر
باعتراض قال،:لا عاد ليش صايرة بخيلة حتى صوتش ماتبيني اسمعه
رفعت جسدها وهي تثني رجليها جالسة،:خلاص سمعته كافي،عشان بعد لا اغير رايي عن موضوع اللقاء
همس،:ماعليه حبيبتي بخليش على راحتش بس اذا شفتش اعرف شلون اتصرف معاش
ضحكت،:انتظر هالتصرف..مع السلامة
،:في حفظ الله يا عمري

أغلقت الهاتف و ألقته على السرير بإهمال وألقت بجسدها معه وهي تُدفن وجهها في وسادتها،همست لنفسها بضحكات شقيّة..

،:والله انت بعد واحشني يا عُمري



تتأمله بين يديها،لمعتهُ قوية،رفعت كفها و أنزلته مرتان متتاليتان و كأنها تُقيس حجمه،يبدو ثقيلاً قليلاً على أن يكون فضة،قد يكون ألماس كما تقول والدتها !

سألت والدتها بهدوء وهي لازالت تتأمله،:يُمه متأكدة ابوي ما اهداش هالسلسال من قبل ؟
سمعت صوت تأفأفها قبل أن تُجيب بضيق،:لا يا ملاك،لين متى بتسألين هالسؤال ؟
استدارت تنظر لها وهي مُندمجة في طبخها،:لان يمكن انتِ ناسية يُمه
وضعت ما بيدها بنفاذ صبر وهي تقابلها قائلة بحدة،:من وين له ابوش عشان يشتري لي الماس ؟ ملاك ارجوش مانبي مشاكل واتركي هالامور خلي هالسلسال عنش،وكان يُفضل تسلمينه للشرطة من زمان بدل ما تحتفظين فيه

أدرات رأسها وعادت تتأمله فكلام والدتها لم يعجبها،فهي سنوات تُلقي عليها محاضرات ونصائح لتَكُف عن أفكارها..و لكنها "تُعاند" كما تقول والدتها..

تَنَهَدت وتركته على طاولة الطعام الصغيرة،وضعت كفيّها على خدها وبكوعيها استندت على الطاولة،سَرحت في أفكارها التي عادت إلى عشر سنوات ماضية بالتحديد بعد تخرجها من المدرسة..كانت تُريد أن تَدرُس القانون ليتسنى لها التحقيق في قضية والدها،لكن والدتها رفضت وبشدة وأخيها التزم الصمّت..كما يفعل دائماً عندما يتعلق الأمر بوالديهما..

لو أنها درست القانون لرُبما كانت ستكتشف حلاً للمُعضلة التي استقرت في صدرها كخنجر،كُلّما دقّ قلبها شعرت به يُقَطّع نياطه..فتموت من فرط الحيرة و الألم و الضياع،تحاول بعقلها أن تربط أطراف القضية ليتضح لها سرّ من أسرارها،لكن قُدراتها تخيب وتتساقط أفكارها الصغيرة باستسلام وترى تحطم آمالها أمام عينيها..تضيق الزاوية التي احتمت فيها ويزداد تركيز الضياع في الهواء حولها تستنشقه حتى تختنق فتغيب عن عالمها إلى عالم كان بهِ والدها يرتدي البياض،وإبتسامة حنونة تُزيّن شفتيه،وجهه صافي لم تطمسهُ بُقع دم نَتِنَة ولم تُخفِي ملامحه جروح غائرة..كان أبيها هـي،ولم يكن ذاك الذي أحاكوا قصص وَهمِيَة عنه !

،:مــلاك

انتبهت لصوّت والدتها،مسحت دموعها عن خديّها وهي تشعر بها تجلس بجانبها،أمسكت بيدها قبل أن تهمس..
،:يُمه مـلاك ترى التفكير و التنبيش ورا هالموضوع ما بجيب لش الا التعب و المرض
نظرت لها بعين انكسر الدمع داخلها..وبصوت مُتقطع همست،مــ ـا اقدر يُمه،ابي اثبت لكل الا تكلموا ان ابوي طاهر ونظيف،عمره ما راح للحرام
برجاء،:يا ينتي كلام الناس ما يودي ولا يجيب
رفعت يدها إلى صدرها تضرب بقبضتها على يساره حيثُ المَدمِي ينبض،:يقهرني كلامهم يُمه احـ ـس بقلبي ينقبض كل ما اتذكر جذبهم عن ابوي

أحاطت كتفها بذراعها وهي تُقَرَبها منها و تحتضنها،وجهها في صدرها وشهقاتها تخترق روحها،مسحت على شعرها وهي تهمس في أُذنها مُخَفِفَة..
،:حبيبتي ملاك انا وانتي واخوش و اثقين ان ابوش شريف ماراح للحرام،فكلام الناس مايهم،واللي تكلم بسوء الله بيعيطه جزاءه
قبّلت قمّة رأسها وهي تستمع لصوت شهقاتها،:الله ما بضيع حق ابوش و الحقيقة ان شاء الله بتنكشف
أمسكت برأسها ترفعه..نظرت إلى عينيها الغائبتين وسط بحرٍ من الدموع،مسحت وجنتيها بإبهاميها وهمست بإبتسامة حنونة..
،:ابوش لو كان موجود بيفرح ان بنته واثقة فيه هالكثر وما بيهمه راي وكلام اي احد ثاني
ابتسمت من بين الدموع وهي تسمع والدتها تواصل،:واللحين انا امش ابيش تبتعدين عن هالموضوع وما تحاولين تبحثين فيه
أنزلت عينيها وهي تقول بهمس،:ماادري يُمه.."نظرت لها" ما اوعدش ان اترك الموضوع نهائيا بس اوعدش ان ما اسبب لنفسي مشاكل
تنهدت وهي تهز رأسها بيأس،:ادري فيش عنودة على ابوش،بس اتمنى ما تخلفين هالوعد،لا تخاطرين بنفسش
أمسكت يدها فوق خدها وقبّلت باطنها،نظرت لها بإبتسامة قبل أن تهمس،:ان شاء الله يا يُمه



ماضٍ

اسّتَشعَرَت الألم بجميع حَواسِهَا،ترفع يدها بمحاولة عاشرة ولكن لا يرتفع سوى الوَجَع..!
تنظر إلى المُلقى بعيداً عنها بعينين نصف مُغلَقَتِين سَكَنَ الدمع أطرافهما،رمشت لتسقط إحدى الدمعات،ميلان رأسها جعلها تميل عن وجنتيها لتسقط على الأرض أسفل رأسها حيثُ تَجَّمَع نهرٌ من الدموع،ترى في صفحة ماؤه نزيف جروحها و انكسارات روحها...

استنشقت من هواء الغرفة الملوّث بذكرى بدأت بنسج خيوطها في زاوية عقلها،تكسرّت جزيئات الأكسجين في صدرها الذي ارتعش،أخرجت الزفير مُشتعلاً كاشتعال روحها..مع كُل شهيق وزفير يتجدد الألم،و مع ذرف كُل دمعة ينعكس حالها المرير أمامها،دورة ألمها تُؤكد لها أن ما يحدث واقـع..ليسَ حُلماً مثلما تمنت عندما شعرت بأول وَخّزَة ألم..!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:52 am

بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته

توّكلتُ على الله






،

فَقدُ ذّات


شيءٌ من الوِحدة يُخنِق أنفاسه كدُخان حَرِيقٍ أضْرَمَته نُفُوس أنانية..هو كان ضحية نفسه،ضحية حُلم خائن..حُلم قاده لفقدٍ موجع يَتَشَعّبْ بين عُرُوقِه كمرضٍ خبيث يستنزف روحه المُشتاقة لعينين يرى من مكانه وبُعده المُرّ لمعة الدمع وسطهما..

رَفَعَ قارورة الماء المملوء نصفها إلى فمه..أفرغها وهو يشرب الباقي،كان الماء بارداً شعر به يسري في حلقه يُثلج حرائق صدره..أنزلها وكَفّهِ الحاملة لها ارتفعت ليمسح فمه بظاهرها..رمى القارورة في كيس القمامة القريب،أمسك أداته وباشر عمله وعقله يغرق أكثر مُتجاهلاً أطواق النجاة التي تُلقى إليه..

لا يُريد الراحة لعقله،يُريد أن يغيب وسط ذكرياته، أن يضيع صوت عقله بين أصوات الماضي...أصوات يَحُبُّها و يخاف يوماً أن يستيقظ وهو قد نساها...نسى نبرتها ولحنها المميز..
وجوه محفورة وسط إطار بات يصغر كُلّما مضت السنين..إطاراً زواياه أصبحت بقايا تُنذِر بسقوطها..سقوطها الذي يهدد بغياب تلك الوجوه..أطفال في ذاكرته و هُم واقعاً نسوا الطفولة،يتشبث بحبلٍ قديم تراكم الغُبار عليه وتباعدت خيوطه وبات لا يحتمل ثِقل جسده الرجولي..

هو كناجٍ من غرق،رمته سفينته وسط أمواج تلاطمت وتعاضدت و حملته فوقها حتى ألقته على شاطئ مقفر..ينظر لأجساد تغرب مع الشمس..ينطفئ نورهم معها،يرفع يده مُلَوّحاً فاتحاً فمه يبحث عن صوته الضائع بين خيبات الزمن، يركض برجليه الحافيتين يحاول الغرق ليصلهم لكن القدر يعود ويرميه فوق الرمال..تُريد الحياة أن تلتهمه كصيّدٍ غنيم تُمارس قسوتها وجبروتها عليه..تنهش لحمه وتفصله كُل يوم عن عظمه،تُعذبه أقسى عذاب،تُجبره أن يعيش و الذكرى من فوقه تتلاشى كما يتلاشى السحاب بعد الغَيّث..

Hallo maestro

لم يلتفت للصوت و كأنه لا زال مُتعلقاً كمسكين على باب عقله يَدُقَّهُ لينهل من الذكرى..واصلت يداه حركتها الرشيقة،بِتَمَرُّسْ يحركهما و كأنه يعزف على آلة موسيقة..هذا هو فَنُّه الذي يُجيده،أَحَبَّ ما ينشغل فيه وسط غُربته..

سمع الصوت القريب الواقف صاحبه على يمينه،:كيف هي ذراعك ؟
ترك مابيده و استدار له وعينيه تنظر إلى يديه وهو يمسحهما بالخرقة بعد أن تناولها من فوق كتفه،:بخير..ليس بالشيء الكبير
عاد الصوت لكن هذه المرة بنبرة مُتعجبة،ابتسم بسخرية لكلماته،:كيف ليس شيء كبير؟احتاج الجرح ثمان غرز !

و كم تحتاج روحه من الغُرَز !

رفع الخِرقة يمسح جبينه عن زخات العرق المُتكونة فوقه وأبدلها بلون أسود كان قد ترك أثر على ملابسه..رماها على كَتِفه بعد ان انتهى وبهدوء قال..
،:صدقني أنا بخير،لا اشعر بالالم الآن "و بمرح قال وعيناه تنظر إلى وجه صديقه" لقد اكتشفت أنك جبان،تخاف من الدماء كفتاة صغيرة
ضحك بخفة وهو يرى علامات القهر على وجه صديقه ويده ارتفعت ليضرب بقبضته كتفه وهو يقول،:كنت خائف عليك ليست الدماء السبب

ابتسم له ولم يُعَقّب على كلامه،على الأقل يوجد شخص يهتم لأمره هنا !

،:أنا جائع الآن لم آكل منذ الصباح،دعنا نذهب للغذاء
رفع رأسه للساعة المُعلقة،:فقط نصف ساعة فلدي عمل كثير
وهو ينظر للسيارات من حوله،:هذا واضح..لا تخف لن نتأخر،فقط نصف ساعة وعُد لمحبوباتك




الجزء الثالث


الساعة تجاوزت الثانية ظُهراً ولم يَسمع أيُّ صوت صادر من الغرفة،لم يُفتح الباب ولم يَفتحهُ هو !

بعد أن عاد من صلاة الفجر تَوَسّدّ الأريكة وغطَّ في نوم عميق يهرب فيه عن الأفكار و التساؤلات التي غزت عقله بعد الهدوء الذي أحاطه وحيداً..استيقظ عند الساعة العاشرة و النصف،لم يَستوعب في البداية أين هو،تساءل لماذا الجدران بيضاء من حوله،أين جُدران غُرفة نومه الداكنة ؟

التَقَطَت عيناه ثوبه المُلقى على الأرض،وفوق الأريكة كان "لبشته" النهاية نفسها...تنهد بعد أن استعاد عَقله الأحداث الماضية،و بدأت الكلمات المُختلطة بالدموع تعود أصواتها إلى أُذنه..قضى وقته إلى الآن وحيداً،لم يَجرُأ أن يُحدِث كيمياء بينهما قد تؤدي لإنفجار يَجهل مُخلّفاته..

نَظرَ للساعة مُجدداً..الثانية و ثلاثة عشرَ دقيقة،عادت عينيه إلى الباب ليتأمله ثانيةً و يستذكر تفاصليه الدقيقة التي حَفظها بعد تأمل امتد لثلاث ساعات متواصلة..زَفرَ بضيق وهو يسمع صوت هاتفه بجانبه،لم يَنظر له ولم يرفعه..يعلم من المُرسِل..فهي قبل نصف ساعة كانت تُحادثه،لم يَرغب أن يَرُدّ عليها فأسئلتها ليس عندهُ جواب لها،وهي بهذه الأسئلة تزيد من توتره وقلقه من الليلة الغريبة..فهو حاول بالقدر الذي أستطاعه عَقله اليَقِظ أن يُكذب على نفسه ويُقنعها أن ماحدث كان أمراً طبيعياً قد تَمُرّ به أي أنثى ليلة زواجها..

لكن تساؤلات أخته وشكوكها باتت الآن تأخذ حيزاً من عقله المُقترب من الانفجار،يّتذكر المُحادثة بينهما و التي أنهاها هو بعد أن تصلّب لسانه وأُطبِق فمه و الكلمات بُترت لم يعرف كيف يجمعها ليُشكل جواباُ لائقاً يُكبِح أسئلتها..

،

:عروس ترفض تنزف بيوم عرسها وتسميه شي عادي ؟ بسام انت جاد في حجيك لو شنو ؟!
بهدوء أجابها،:يا منال أنا كل الا سويته وافقت على طلب البنت ماادري هي بشنو تفكر،يمكن البنت تستحي
بتعجب لم يُقنعها جوابه،:و شنو هالحيـا الا يخليها ما تنزف ؟! كلنا نستحي ويوم عرسنا مارفعنا عيوننا حتى في عيون أهلنا بس انزفينا والحمد لله ما سوينا هالدراما كلها !
زمَّ شَفتيه وهو يغمض عينيه للحظات قبل أن يقول،:منال كل بنت و تختلف عن غيرها،يمكن هي حياها كبير يوصل لدرجة انها ترفض الزفة،و بعد أنا الا خبرتني امها،و امها مرأة كبيرة ما اتوقع بتوافق على طلب بنتها اذا كان السبب شي تافه..
أصدرت صوت يدل على عدم اقتناعها وهي تقول بنبرة شك،:والله يا خوي شكلك اتدبست في هالزواج،انا ما كان قلبي مرتاح لهالبنت قلت لك خذ ندى بنت خـ
قاطعها قبل أن تُكمل بحدة كان يجب ان يستخدمها مُنذ بداية المُكالمة،:اسمعي يا منال،حنين اللحين زوجتي وفي بيتي و انا ما ارضى ان تصدرين في حقها أي شكوك عقيمة،و لا ارضى تقارنينها بأحد..
،:و انا شقلت بسام ؟!
،:قلتين ولا ما قلتين،خلاص الموضوع انتهى وصار اللي صار الكلام ما بيغير شي،اللحين بسكر اتوقع ما عندش شي مهم،مع السلامة
أغلقه ولم يستمع لردها،يكفيه أفكاره المُقيّدة في عقله لا يتحمل قُيود أخرى تزيد من وَجَعِه ..

،

مَسَحَ على وجهه بحيرة وكَفيه ارتفعا إلى شعره،شّدّهُ بخفة قَبلَ أن يَقِف قاصداً باب الغرفة..نعم ليس الأمر طبيعياً لكن يَعلم أن سبباً مُقنع يَقبَعَ وراء هذا الطلب..و هذا يُفَسّر موافقة والدتها لها،لكـن ما معنى حَديث والدها ؟! عينيّ الرَجل لا يزورها دَمع إلا لسبب فعلاً آلمَ عِرقاً خَفيّاً في قَلبه..و أيُّ سبب هذا وماهو حجم هذا الألم ؟!

زَفرَ بعد أن فَشلَ مُجدداً من الهروب من أفكاره،كُل فِكرة وإن كانت بعيدة تقوده إلى ما حدث البارحة..
وَقَفَ أمام الباب،قّرّبَ رأسه إليه..ألصقَ أُذنيه يسترق السمع رُبماً صوتاً لنَفَسِها يَصله يُخبِرُه أنها لا زالت كائناً حيّاً يُشاركه المكان..

هّزَّ رأسه بعدم اقتناع،لا يَجدي لصق أذنه كسارق،رفع يده و بهدوء طَرق برؤوس أصابعه الباب،طرقتان ولم يَصِلُه الردّ..نادى بصوّت تستطيع سَماعُه..

،:حنيــن

لا ردّ..
مؤكد لن تُجيبه..بماذا يُفكر ؟ هو و الذي يَجهل حقيقة ماحدث لم يستطع أن يَخرُج من قوقعة الأفكار..بالطبع هي في وضع لا يَسمح بالمناقشة..لكنها لم تأكل شيء منذ البارحة..و إن لم يَكن حالهما طبيعي فهي مع ذلك "عروس" لا يَجب أن تَمُرّ ساعات يومها الأول معه خلف باب مُقفل وتفصلهما خطوات بُعدها كسنوات ضوئية !

نادى بصوّت أعلى ويده على المقبض،لا يُريد أن يَفتحه دون أذن منها،على الرغم أنها غُرفته معها،و لكن قد تكون في وضع لا تحب أن يراها عليه..!

،:حنيـن مُمكن أكلمش شوي

تّنهّد بحيرة ويده ترتفع لخِصره و الأخرى لا زالت مُمسكة بالمقبض،أنزل رأسه وأغمض عينيه وهذه المرة خَرج صوته أقرب للهمس..

،:حنـين

ثانية..ثانيتان..ثلاث
و في الرابعة شَعَرَ بالمقبض يتحرّك..رَفعَ رأسه بسرعة وعينيه تعلّقت بالباب وهو يُفتَح بهدوء..تراجع خطوة للخلف يُفسح لها المجال لتُقابله،انتظرها ولكن لم يُفتَح سوى الباب وليس أمامه سوى الغرفة خالية..عقّد حاجبيه ورجليه تخطو للداخل ولسانه يُناديها..

،:حنيـن انتِ وين ؟

هَمّس أنثوي تَحَرّرَ من دموع الليلة الماضية،أصبح أنقى و نعومته جليّة كشمسِ تُشرق بعد ليلٍ كان طوله كسنة..

،:اهنـي حنيـن

استدار للصوت ليراها تقف بثوب ناعم قصير..كانت تقف ويديها الاثنتان تُمسِكان بمقبض الباب،رأسها مرفوع بإستقامة تُلغي انحناءه بالأمس،وجهها بارد لا تُغلفه ملامح بُكاء و يُلطخ بياضه إحمرار..عينيها للأسفل،ردة الفعل الوحيدة التي ميّزها..خَجل طفيف لم تستطع تجاوزه...ازدردَ ريقه و إبتسامة خَفِيّة لم يكشف عنها سوى تجعيدة خفيفة عند زاوية فَمه اليُمنى..فهو للتوّ استوعب أنه لم يراها هكذا دون حجاب أو عباءة،أنثاه حلاله لا تفصلهما قيود..على الرغم أن عقد قرانهما كان قبل شهر !

انتبه لهمسها يعود مُجدداً و أذنه بدأت تعتاد لصوّتها الجديد على حياته..

،:بغيـت شي ؟!



يرتفع البخار من القهوة بتكاثف بعيداً عن الكوب بسانتيمترات قليلة..يَرّفُض الإنحكار وسط هذا الكوب الورقي،يُفضّل الشتات و الضياع في الغرفة على أن يُسجَن في قعر كوبٍ لن يبقى فيه سِوى تَصَدُّعات سوداء مُرّة !!

رفعت الكوب ترتشف بعينين سارحتين تكادان لا ترمشان،عَقلها يسبح في بحرٍ تركزت فيه الأملاح وتجمعت على جروحٍ لا يَقِف نَزفُها،جروح كانت ناتجة عن عملية انتحار كُبرى..

،:كله قهوة قهوة،ما تتمللين ؟!

رفعت رأسها للصوت القريب..ابتسمت لها ببرود وهي تراها تجلس أمامها،أبعدت عينيها بذات البرود للكوب تُكمل تأملها الذي قاطعته صديقتها..،زمّت شفتيها وهي تسمع صوتها مُجدداً
،:ادري تبيني اقوم بس عناد ماني قايمة
همست بضيق قبل أن تقف،:لا تقومين انا اللي بقوم
أمسكت يدها مُعارضة،:نـور بلا هالتصرفات مو أطفال احنا،قعدي كلها جم دقيقة وبيخلص البريك
بحدة همست،:ما ابي اقعد لان ادري بتجيبين لي وجع راس بأسئلتش اللي مالها داعي
رفعت حاجبها وبضحكة،:و من جاب طاري أسئلتي " اللي مالها داعي " ابداً ماكان الموضوع في بالي "و بخبث أكملت" إلا إذا انتِ تفكرين فـ
قاطعتها بقهر وصوتها ارتفع قليلاً،:سارة خـلاااص
حَبست سارة إبتسامتها التي بانت في عينيها المُتنقلتان على ملامح صديقتها،هَمست ورأسها يقترب منها وعينيها تعلقتا بعينيّ من أمامها..
،:فعلاً ما كانت بفتح هالموضوع ولا بسأل أسئلتي الا ماتحبينها..بس الواضح أن الموضوع اساساً ما يغيب عن بالش..ويهمش مو مثل ما قلتين مايشغل تفكيرش

اضطرب بؤبؤها ورمشيّها بدأت حركتهما السريعة..ثَقُل النفس في صدرها وقلبها انقبض لدرجة آلمتها،لا تريد أن تكون مكشوفة لهم،تكره أن تكون أفكارها عُرضة لهم..يستطيعون أن يفهمون ما بدخلها من عينيها ومن رجفة يديها المُتَعَرّقتين..تكره ضِعفها وهشاشتها اللذان أوصلاها لهذا الكَسر الذي لا يُجبر..ارتعش نَفسَها كما يَرتعش نَفسَ الأطفال عند البُكاء..الدموع تناثرت في ساحة عينيها الواسعتين وشفتيها الصغيرتان تميلان للأسفل لتزيدان من اهتزاز ذِقنَها..

رفعت يدها لجبينها وشهقة خفيفة انفلتت منها عَنوة،جعلت الدموع تزداد فوق خدّها..أرادت أن تتكلّم أن تنفي هذا الضعف البغيض،لكن ألماً في حلقها منعها من أن تَنطق،صوتها لم يُسعفها،كان مُتآمراً ليفضح ضِعفَهَا..

شعرت بيد صديقتها تُمسك بيدها المُرتجفة فوق الطاولة الصغيرة،سمعت هسمها المُرتبك..
،:نور والله آسفة ما كان قصدي،حبيبتي لا تصيحين

سحبت يدها بقوة نصفها قهر..تناولت المنديل لتُخفي فضيحتها عن التي أمامها وعن نفسها..شعرت بحرقة خفيفة وهي تمسح خدها بقوة ،مسحت أنفها وبدأت باستنشاق هواء جديد يُعيد ترتيب الفوضى التي أُحدثت داخلها..كوني أقوى نور كوني أقوى..

أخرجت الزفير بهدوء وهي تَشعر بانسلال الرجفة عن جسدها،و إن بَقيَ القليل في قلبها ولكن لا يُهم..فالقلب مَخفي وسط حُجراته لا يُمكن لأحد أن يطّلع على خفاياه ويكشف مستوره..

رَفعت عينيها لها بعد أن ارتدت البرود مُجدداً،تصالحت مع شتائها الصعيقي،وقفت وهي تقول بهمس بـارد كان يسخر بألم..
،:اللي تبينه صار،و ظنونش تأكدت،مرتاحة اللحين؟
بأسف نطقت،:نـوور
رفعت يدها أمامها،:مابي اسمع ولاشي سارة،ارجوش مرة ثانية اذا ماكان عندش سالفة لا تجين تكلميني،عن اذنش

مشت مُبتعدة عن سارة وعن المشاعر السلبية التي جاءت بها..كانت جالسة بهدوء وسط أفكارها،لكن قدومها القوي ونظراتها المُشككة أكدت لها أنها لا زالت واضحة للجميع..حاولت أن تختفي وراء البرود و اللامُبالاة لكن حواسها تفضحها..برجفة أو دمعة او ارتعاشة نَفس !

لن تبكي أمام أحد مُجدداً،ستكون أقوى،ستتجلد الى أن تَفقد شعورها وينطفئ إحساسها،ستغوص في بحٍر بعيداً عنهم،بحر يخلو من ترددات أصواتهم المُزعجة،ستنسى نور الضعيفة..نور التي تبكي لكلمة ينطقونها أو نظرة شفقة يوجهونها لها..ستكون أقوى بإذن الله ستكون أقوى..



ماضٍ

أمام بحرٍ لا نهاية له،وصوت أمواجه يضرب في قلبه ببرودة أرجفته وهو المعتاد على صعيق برلين الذي يضرب في العظم،،كان يقف مع رفيق الشباب و الشيب المتخلل في الشعر،شريك الأمس و اليوم،حافظ السرّ الأمين..

له ساعة ويديه مختبئتان في جيب بنطاله الأسود يبحث عن دفئٍ بسيط علّه يشعل حطب الروح المتصلب بجليد الأسى..

همس بعد صمتٍ أطبق ضجيجه على أُذن رفيقه:ابي أرجع برلين

تقدم خطوة حتى أصبح يُقَابِله،يقرأ عينيه المغلفتين بزجاج عاكس ترى فيه نفسك بحيلة اكتسبها منذ صغره،تراك ولا تراه..مهما حاولت !

بذات الهمس الذي يبدو أنه شعار الأصدقاء في هذا الليل الساكن:من متى صرت تترك الأمور وتهرب؟!

ظهرت تجاعيد عند زاوية فمه وبرزت ابتسامته الجانبية لتقتل الصمت وتُفنِيه وتكتب مافي القلب على أوراقٍ اصفرّت بإشتياقٍ الى حبرٍ يُسكَب عليها،يغرقها بكلماته وحروفه المعقودة حتى النهاية:مو بس اهرب الا اتمنى الموت..

سأل محاولاً جعله يعرض عن قراره الذي قد يعصف بقلب تلك البائسة التي وقفت على أبواب السماء سنوات،:و أهلك،أمك وأخوانك..بتروح وبتتركهم بكل سهولة؟!

أخيراً أخرج يديه المسكينتين من حضنهما القماشي المزيف، ويا للأسف لا زالت أصابعهما متجمدة أطرافها،رفع تلك اليدين اليتيمتين ومسح بهما وجهه بضياع أنهكه منذ أن تفجرت أمامه عيون الماضي،

وبتنهيدة مُثقل شهيقها:ما ادري ما ادري "انزل يده و أخذ يتلفت هنا وهناك" مافي طرّاد اهني؟ ابي طرّاد ابي اي شي يرميني وسط البحر
ضحك رفيقه بخفة:انت من صدقك تتكلم؟من وين تبي طرّاد الساعة ثنتين وربع الفجر

عقّد حاجبيه وهو يرفع معصمه ليتأكد ،انصدم من سرعة مرور الوقت،و كأنه بسرعته يقتل بقاياه المتناثرة عند بوابة الزمن،يقتلها ليقطعها بقسوة،يحرقها فتنتشر رائحتها النتنة ليفيق عقله من غفلته المريضة..

نظر له باعتذار:آسف أخرتك على بيتك والله ما حسيت بالوقت
بمزاح قد أراد به تلطيف الجو قليلا و إبعاد الكآبة عن صاحبه:لو جاي بسيارتي جان من زمان تركتك بروحك ورحت لسريري بس شسوي جاي وياك

ابتسم له وهو يستدير ويخرج مفاتيحه متجه لسيارته القريبة وسط نظرات رفيقه الحائرة و المتسائلة،نصف الموضوع بحوزته لكن نصفه الآخر عتمة بالنسبة له،سطور مُشَفّرَة لم تُترجم بعد..





يتبع

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:52 am

حاضر

مساءً..أحد مجمعات التسوق

انتهى عشاءهما و انطلقا من جديد لتسوقهما الاعتيادي،كُل واحدة تشتري ماينقصها..ويا ليت ما ينقص الروح يُشترى !

رفعت فستان ماروني طويل ليس به أكمام يكشف عن الكتفين بطريقة أنيقة عاري الظهر تُغطيه قطعة من الدانتيل الراقي،أعجبها،بسيط ويُناسب ذوقها،لكن أين تلبسه ؟!
ضحكت بخفة وهي تقول..

،:عجبني الفستان بس للأسف مافي مناسبة عشان اشتريه
ردت بصوتها الناعم دائماً،:عادي مو لازم مناسبة اشتريه في المستقبل بتحتاجينه
هزت رأسها بالرفض،:لااا ما استحمل اشوفه عندي و ما البسه
بمزاح قالت،:البسيه لنفسش عادي مافيها شي
ضحكت وهي تنظر للسعر،:ادفع هالمبلغ عشان بس البسه لنفسي !
،:و لعمتي بعد
،:اييي عشان تتأكد أمي من جنون بنتها،اقعد لها بفستان حفلة بدون سبب "وهي تتذكر" الا على طاري الحفلة..شنو قال لش يوسف البارحة؟
عقدت حاجبيها وتساءلت وهي تَدَّعِي عدم الفهم،:ما فهمت؟ شنو قال لي؟
استدارت لها بكامل جسدها وهي تخفض صوتها و إبتسامة خفيفة على شفتيها،:يعني اقصد ما علق على شكلش..كنتِ ما شاء الله تجننين
إبتسامة حسرة تكونت على شفتيها حاولت بجهد ان لا تنتبه لها ملاك،:لا ما قال..تعرفينه اخوش ما عنده هالسوالف
تأفأفت،:ولا بيتغير هاليوسف..ما يعرف يقول كلمة حلوة حتى لش انتِ زوجته !
حاوت أن تضحك بمرح،:عادي تعودت عليه،لو بيقول مثل هالكلام بانصدم
ابتسمت لها بصدق، وعيناها تنظر لها بحب:الحمد لله انش كنتِ من نصيبه..ما اتوقع ان وحده غيرش ممكن تتحمل يوسف وغرابته

اختفت ضحكتها المصطنعة،و كلمتها أثارت شيء في داخلها..

غريب عنها وهي عنه غريبة..لم يلتقيان إلى الآن،لا زالا عالقان وسط زُحَام الغَيّبَة،ضائعان حيث لا مرآة تعكس دواخلهما..
الغربة بينهما ترتفع كأسوار تحيط بهما حَدَّ حَجب نور الشمس عنهما،لم تستيقظ مدينتهما فسباتها دائم في جحرٍ تختبئ عن صعيق شتاءهما الأزلي..لم تنتهِ رحلتها الإستكشافية بعد..شدت الرحال وحيدة تبحث عنه..تبحث عن الإنسان داخله،تبحث عن شيء آخر غير اسمه وعمره و عائلته...تبحث عن رَجُل لم تكن أنثاه قطّ
تُزَعزِع رحلتها رياح ساخنة ينفثها هو،يجعلها تتعثر بنظراته فتسقط لتحاوطها رمال تُمَهّد لقبرها المحفور بيديه،قبر موحش اختار لها ان تسكُنَه،أن تختنق فيه حيث لا هواء،فقط برد موجع ينخر عظامها الراجفة بضياع..
هي ضائعة فيه..في غُربته هي غريبة !

،:حــور !

تنهدت..لا وقت لهذا يا حور..لا المكان و الوقت مناسب،لا تثيري استغراب ملاك،تناسي ذاك الغريب..تجاهلي اسمه و تجاهلي كل ما يتعلق به،عيشي و لو للحظة بعيداً عن فوضاه !

نطقت بابتسامة واسعة زينت شفتيها ولم تصل لعينيها،:هــا شنو قلتين،بتشترين الفستان ؟

،

فتحت الباب بمفتاحها وهي تحاول حمل الاكياس دون أن تسقط،لقد استنفذت كل طاقتها في التسوق،غرقت بين أكوام الملابس المعلقة بأناقة مُفرِطَة تدفعك إلى تَحَسُس قماشها و معرفة أي المناسبات خُيطت لها..

اشترت واشترت دون تفكير ودون قياس،تخيلت نفسها فقط ترتدي هذه الملابس،تخيلت شعرها ومساحيق التجميل الخفيفة في وجهها،حتى انها اشترت العطور الخاصة لكل قطعة،كعبها العالي الذي لا تستغني عنه الا للضرورة انتعلته في مخيلتها..

لكن…في كل المناسبات كانت وحيدة،لا يشاركها اللحظة غير أكياس المحلات الفارغة وأحمر الشفاه الضائع غطاءه،وعطرها الذي لا يزال يلتصق بعنقها لم يُستًنشَقَ بعد..

توجهت مُباشرة للأعلى حيث غرفة نومها...و غرفة نومه الإحتياطية،ابتسمت بسخرية وهي ترمي الأكياس على السرير،خلعت حجابها وعباءتها ورمتهما على الأكياس..زفرت وهي ترفع قميصها الشفاف لتتحرر منه لتبقى بالقميص الداخلي الخفيف الكاشف عن ظهرها وذراعيها.
.
رفعت يدها و بأطراف أصابعها أزالت ربطة شعرها و تناثرت خصلاتها كريش جناحين طيّر تُرفرف على كتفها ساترة ظهرها،خصلاتها الفاتحة عانقت بدر وجهها الخالي من المساحيق..ملامحها مُستقِرَّة لا تُبعثرها فوضى،جلست على السرير وهي تتناول حقيبتها من على الأرض و أخرجت هاتفها،نظرت للساعة وأغلقته ثم رمته و الملل بدأ يأخذ حَيّزاً من وجهها..بانت تجاعيد خفيفة على جبينها كجرس إنذار يُحَذّر من تَخَلُّخل إستقراره القصير..

رفعت ركبتيها و ذقنها استقر فوقهما وبذراعيها أحاطت رجليها..أغمضت عينيها بهدوء كان أقرب للبرود،سكون الغرفة أبعدها عن واقعها،أغمضتهما وعقلها اختار السواد نفسه،و كأنه ارتفع مُحلقاً بعيداً عن جمجمتها،شعرت بخفة في رأسها الذي مال جانباً..و نفسها الثقيل انتظم..غفت بعد ان استشعر قلبها السكينة تُحيط به،أرسل عقلها إشاراته إلى أعصابها أن استرخي،اغتنمي الفرصة و حلقي بعيداً عن الاشتداد الذي جَرَّكِ الى فُوَّهة الشلل..

كفيها تباعدا قليلاً عن تشابكهما وذراعيها خففا من احتضانهما لرجليها المتنملتين من طريقة نومها الخاطئة.. داعبت أنفها رائـحة قوية يُخالطها نسيم بارد يحمل قسوة أصلُها رُكام ماضٍ مُشَوّش..

أصدرت صوّت يدل على ضيقها من حركة مُزعجة تقترب منها..اقتربت الرائحة أكثر حتى دخلت حلقها..عقدت حاجبيها بإنزعاج وسُعال خفيف قطع سكونها..أرادت أن تُحرك قدميها لتبتعد لكن عدم شعورها بهما جعلها تفقد توازنها وعقلها الباطن أوهمها أنها ستقسط من علوّ..شهقت بخوف وذراعيها تحركتا باضطراب تبحثان عن شيء تمسك به،اصطدم كفها الأيمن بقطعة قماش وبكل قوتها أمسكت بها وهي تسحبها دون دراية بماهيتها..سقطت على جنبها الأيمن و هي تفتح عينيها بفزع..

تنفست بلهاث و جسدها تزوره رجفة خفيفة تضامنت مع دقاتها السريعة..أخرجت زفيرها وهي تغمض عينيها براحة للحظات وفي سرها تشكر الله أنها لم تسقط حقيقة..عادت وفتحت عينيها و هي تشعر بالدم يسري في عروقها بعد أن جَفَّ خوفاً لدقيقة..استيقظت حواسها أكثر و ألم بسيط في معصمها نبهها للذي تمسك به..التفت بهدوء وعينيها على يدها،ارتفعت بخفة للأعلى..ازدردت ريقها وعدستها انعكس فيها صورة عُنق رجولي تنتشر أعلاه شعيرات قصيرة...استنشقت الهواء بصعوبة وهي تشعر بذرات الأكسجين تتكسر بحدة في صدرها،فتحت قبضتها تاركة قطعة القماش التي لم تكن سوى قميصه الأسود،ابتعدت يدها للخلف واستقرت باختباء في صدرها..أدارت وجهها و انكماش أغشى ملامحها بعد أن أفرزت مسامها زخات الإسترخاء على شكل عَرَق مُرتبك..

هَمست،:روح عني

شهقة حادة شَقّت طريقها من صدرها حتى خرجت من فمها وهي ترى ذراعيه تحيطان بجسدها..تحركت بمحاولة أن تتملص من بين يديه وحريق قُبّلاته على وجهها ألهبها،ارتعش صوتها و نفسها خرج متقطعاً،أمطرت عينيها وهي تحرك وجهها بتعب يمينا شمالاً و لسانها الثقيل يحاول أن ينطق بكلماته..

،: يــ ـ وسـ ـف الله يـ ـخليـ ـ ــ ـك اتركنـ ـ ـي .. الله يخـلـ ـ

ماتت كلماتها من طعنة شهقة موجعة..أنفاسه الحارة اختلطت بأنفاسها اللاهثة..داخلها يركض محاولاً الفرار من قَيّد ذراعيه اللتان كسوط تَحُطّان على جسدها الطَريّ..قُبّلاته كذرات ملح تنتثر على جروحها،شفتيه تطبعان قُبلات متفرقة على وجهها كختم يُوَثِق ملكيته لها..اشتد وثاق ذراعيه و جسدها اعتصر بين أضلاعه القوية،تَمَنّت لو أن يشعر برنين قلبها ويعتقها،لكنه واصل وجبينه يلتصق بجبينها..أغمضت عينيها وصمته ينقطع ليخرج صوته هامساً

،:حـور لا تحرميني منش..بس خمس دقايق،محتاج والله محتاج،شوي بـــس شوي يا حــور

نطقت باعتراض،:اتركني ما ابيـــ ـك مــ ـ

بترت كلماتها مجدداً،زادت دموعها بقهر،شهقاتها ترفض إفصاحها،كُلما ارادت أن تُعَبّر عن رفضها له وبغضها الكبير له تُعاندها وكسيف تقطع كلماتها..

ارتفعت كفيّه تحتضنان وجهها الغارق بالدموع،مال وجهه قليلا،داعب أنفها المحمرّ بأنفه وبرجاء همست شفتيه لشفتيها المرتعشتين..

،:ثواني بــس حـور طلبتش ثــواني

لم يترك لها مجال لتعارض وشفتيه بلهفة أكبحت لجام كلماتها..تجمدت في مكانها وشعرت للحظة بتوقف نبضها،تيبس فضيع أصاب أطرافها وشدّ مؤلم أحاط فقراتها من أسفل ظهرها إلى نهاية عنقها..كان بقبلته يسحب جزءاً آخر من روحها،يمتص رحيق صبرها،يستنزف طاقتها الهَشّة..

ابتعد بعد أن سيطر على أحاسيسها التي قبل دقائق ظنت أنها نجحت في سيطرتها عليها..نظرت له بتأنيب مُتعب..مال رأسها وكتفيها يرتفعان بقلة حيلة حتى لامسا أطراف أذنيها وجانب وجنتيها..

،:حــ ـرام عليـ ـ ــك

أنزلت رأسها و انفجرت تبكي بمرارة ولسانها يُردد "حرام عليك" "حرام الا تسويه فيني"
رفعت كفيها لوجهها تغطيه تُخفي بؤسها ودموعها وانشطار روحها الواضح في عينيها الغائرتين..

أما هو فاقترب منها وبكفيه أمسك رأسها قَرَّبَه من صدره وهي لم تحاول ان تعارضه،فطاقتها كُلها انهاها مع قبلته..لا تريد قربه ولا تريد أن تلتصق رائحتها الرجولية بها..ضعيفة هي امامه ويا للأسف لا حيلة لها..كطير مكسور الجناحين تبكي في حضنه ورأسها مرمي فوق قلبه،تبكي منه وبين يديه..داخلها يصرخ اتركني وجسدها مناقضاً يتلوّى بِوّجَع وسط حضنه..

تنهيدة طويلة،حائـرة خرجت من صدره ولثقلها لم ترتفع وعادت لتسكن صدره من جديد،فلا خلاص من الوجع...أنزل رأسه لرأسها..طبع قُبّلة عميقة عليه وبصدق خالص همس..

،:سامحيـــني يا حــور

حَرَّرَهَا من بؤرة عذابه..أنزل جسدها على السرير وترك رأسها فوق وسادتها الصديقة،المحتفظة بأرشيف من دموعٍ وعبرات مخنوقة..

هي ما إن ابعدها عنه تكومت على نفسها وذراعيها احتضنتا جسدها كجنين،أغمضت عينيها بقوة و الإرهاق أخذ مأخذه منها،صوتها انسلخ من شهقاتها الحادة،أخرجت النفس بأنين طويـل دُفن بين طيّات وسادتها..شعرت بثقله يترك السرير،لم تفتح عينيها وهي تسمع صوت خطواته السريعة.. ثوانٍ وصوت إنغلاق الباب يصلها،عضت على شفتها السفلى وانقلبت على بطنها لتبدأ نوبة بكاء أخرى..تجددت الدموع و استعادت الشهقات عملها،أغشى واقعها حزنها المرير،و الشعور تطاير ببعثرة..لم يبقى سوى البكاء..أنيس ليلها و حكايتها ماقبل نومها !

،,

تنظر لظهره بسرحان..وعقلها يسترجع ما حدث ظُهراً،توقعت منه حديثاً مربك و أسئلة استفسار سيوجهها لها،لكن و كأن شيئاً لم يقع، و كأن ماحدث كان طبيعياً لا يثير تساؤل رجل يرى أنثاه في أول ليلة لهما عارية من فستان أبيض والدموع كحل عينيها..

تنهدت بخفة و عيناها ملتصقة بظهره،محظوظ هو،استطاع أن ينام مجرد ان وضع رأسه على الوسادة..وهي ساعتان مستلقية ولم تنم،الساعة تجاوزت الواحدة و هي لا زالت عالقة بين ساعات الظهر..

،

كانت قد استيظت في تمام الواحدة و النصف،بعد جهد استطاعت أن تنام بتقطيبة جبينها و عقدة حاجبيها..
استَحَمّت وغيّرت ملابس البارحة المشؤومة وهي كارهة لقميصها الأبيض وبنطالها الأزرق..ارتدت فستان بيتي قصير يصل إلى أسفل ركبتيها مباشرة،أصفر ذو أكمام قصيرة و منفوخة،يضيق حتى أسفل الصدر ثم يتوسع إلى نصف ساقيها النحيلين ،لونه أضفى على بشرتها رَوّنَق خاص..رفعت شعرها ذيل حصان و لم تلتفت لمساحيق التجميل المرتبة بعناية على تسريحتها..

صلت فرضها وهي تستغفر لتأخيرها،ثم رحت تتجول في الغرفة..غرفة الملابس ودورة المياه،لم يكن لها أي تدخل في الأثاث ولون الجدران ولا أي شيء آخر..و كأنها ضيفة على هذا المنزل،شيء في أعماقها يقنعها أن بقائها هنا لن يطول..خاصة بعد ما حدث البارحة !

هاتفت والدتها و اطمأنت عليها،و انكسر قلبها لرفض والدها الحديث معها..يجب أن تطلب السماح منه،دموع عينيه كانت السبب الأكبر في درأ النوم عنها...تعلم أنها مخطئة في طلبها و لكنها لم تشأ أن تُزف و الإنكسار على وجهها،لم تشأ أن يُشمت بها..فهي لم تنسَ ضحكات التَشَمُّت قبل سنوات..لا تريد أن ترى فرحة الانتصار على وجوه أعداءها..وهي لا تملك القدرة على أن تتصنع الفرح أمامهن..

وهي غارقة وسط أفكارها،سمعت صوت طرق الباب..

التفت بقوة له،ازدردت ريقها بارتباك..بالتأكيد هو،لا أحد غيره..سمعت صوت الطرق من جديد..وقفت بتردد،ماذا تقول له عندما يسألها...كيف ستواجهه..لا تعرف لا تعرف !

أَنّهَرَت نفسها و وبختها على ترددها..هذا ليس من طبعها..ستعرف كيف تجيبه ولن تسمح له أن يتمادى في أسئلته،ليس من حقه أن يعرف شيء..

توجهت للباب و رأسها مرفوع بثقة،تريد أن تمحي صورة الإنكسار التي كانت عليها البارحة..سمعت طرقته،وضعت يدها على المقبض وفتحت الباب وجسدها يتراجع للخلف مع انفتاحه..رأته يدخل وظهره لها..سمعت تساؤله

،:حنيـن انتِ وين ؟
همست بهدوء واثق،:اهنـي حنيـن

دَقَّ قلبها واضطرب،و ببراعة فصلت داخلها عن خارجها..و لكنها لم تتجرأ لترفع عينيها إليه..فهي مع ذلك أنثى و من طبعها الخجل،و لا تستطيع أن تخرج عن هذه الفطرة..

همست مرة أخرى،:بغيـت شي ؟!

نطقت بسؤالها وشعرت بخطواته تقترب منها،زادت من قبضتها للباب..وقف أمامها على بعد خطوتان،انتبهت ليده ترتفع أمامها،أغمضت عينيها بخوف وهي تدير وجهها ولم ترى الإبتسامة التي ظهرت على شفتيه..تنفست بهدوء وهي تشعر بيده فوق رأسها..فتحت عينيها ببطئ..كانت شفتيه أمامها تهمس بكلمات تَبَيّنَ لها أنها دعاء،أنزل يده بعد أن انتهى..

،:ممكن تتوضين عشان نصلي ركعتين
تنحنحت قبل أن تُجيب،:احـم،متوضية
هز رأسه وهو يستدير متقدماً عنها ويهمس،:تمام

بعد ان انتهت صلاتهما..ظلت بثوب الصلاة جالسة تعبث بأصابعها..هو قد جلس على السرير بصمت وَتّرها..سمعت اسمها على لسانه..

،:حنـين

تحفزت لأي هجوم منه وهي تجيب ببرود،:نـعم
،:مشتري غذا..خلينا نتغذا انتي من البارحة مو ماكلة شي
رفعت عينيها له و نظرة التعجب واضحة فيهما..ابتسم لها وهي أنزلتهما بسرعة.. وقفت تخلع الثوب تنشغل به وهي ترد بكلمة واحدة
،:اوكـي

وقف واقترب من مكان وقوفها،لم تلتفت له وهو تساءل،:تبين نروح بيت اهلش المغرب؟
منزل أهلها..يعني أن تقابل والدها..لا لا تستطيع..لم تخطط كيف ستواجهه وماذا ستقول له..بسرعة قالت
،:لاا لا مو اليوم..خلها لباجر احسن
،:مثل ماتبين..انتظرش برا

و تجاوزها خارجاً..جلست هي بتعب على السرير..رفعت يد لجبينها،ضغطت بأصابعها..طوال مشاركته الغرفة لها كانت تنتظر منه هجوم واعتراض واسئلة على ماحدث البارحة..كرهت انتظارها لردة فعله..غير معقول التجاهل الذي يمارسه..و بطريقة ما أثار قهرها !
و عكس توقعاتها لم يفتح الموضوع معها على الغذاء..و الى ان انتهى اليوم !

،

انتبهت من غفلتها عندما انقلب على يساره ليقابلها وجهه..و لتتفادى تأمل وجهه القريب انقلبت هي أيضاً..رفعت الغطاء أكثر ولم يعد يبان سوى رأسها..أغمضت عينيها و شفتيها تحركتا تنطقان بأذكارها..تجاهلت أنفاسه العابرة من الخلف..وتناست أن جسده بحرارته الطبيعية لا يفصله عنها إلا سانتيمترات قليلة..و كالعادة نجحت،و غفت عيناها غير آبهة بالذي يُسمى زوجها..فإن كان هناك رجل يشغل عقلها..فهو بلا شك والدها !


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:53 am

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله


،


فقدُ ذّات

استنتاج صغير لم يَظُن للحظة أنّ عاقبته ستكون وَخِيمَة..و جـداً !

وخيمة إلى درجة أن يكون حاله على ما هو عليه الآن،ذراعيه مرفوعتان للأعلى بشدة تكاد تقطع عروقه وعضلاته..معصميه مُقيّدان بقيّدٍ حديدي أدماهما..ظلامٌ من حوله،فعينيه تُغَطّيهما قطعة قماشية مشدودة على رأسه..تَصِلَهُ من الخارج أصوات حديث بلغة لا يفهمها..

العَرَق يُواصِل مَسِيره على جسده العاري من الملابس..عُرّيَ كُرهاً وغَصَباً،لم تشفع لهُ توسلاته و لا صراخه الذي باح على إثرِهِ صوته..

النَفسَ مُتعب،يتخلله صوتٌ كحنين..فتح فمه يُريد أن ينطق بكلمة قد تُنجيه لكن حشرجة قاطعته ظَنَّ أنها دليل على بُكاءه،فانتظر دمعاً يَهِلّ من عينيه..لكن لا شيء ! لايدري هل ما يُغَطّي عينيه كان حاجزاً للدمع،أم كلماتٍ زُرعت في عقله منذ الطفولة حتى زاد نُموّها ؟!

إذاً متى ستنضج هذه الكلمات ؟ متى سيحين قِطَافها ؟ فَبِهَا البُكاء عَصِيّ... أم أنها سَتَذبُل و تموت لتحيا فوقها ديدان نَتِنَة تلتهمها ؟،و بعدها ربما سيكون قادراً على البكاء..قادراً على أن يَجُرَ الأنين..أن يشعر بالشهقات تجرح حلقه و بخطّ الدموع يَعبر ناصية خَدّه..

حرّك رأسه ببطئ يميناً،ثانيتان و حرّكه يساراً..أعاد ما فعله مجدداً و كأنه يبحث عن خلاصٍ بين كَتِفيه..مع حركته تجدد شعوره بالألم..وهو للحظات نسيّ جِراحه..أصدر آه طويلة خرجت من صدر رَجُل فاقد !

و ليتهُ فقداً و احداً !

سَمِع صوت الباب..كان الصوت آتياً من جهته اليُسرى..خطوات قوية على الأرض تقترب منه،رَفعَ رأسه بتوجس..أنفاس كريهة كانت ترتفع إليه حتى مكانه،سمع صوته ينطق بكلمات لم يعرف معناها..
هل هو الموت ؟

أهذهِ صَوّت أقدامه الخفيّة و هذه رائحته المُخيفة..حتى الصراخ استعصى عليه،كان يضغط على أسنانه و جسده يرتجف بشكل هستيري و هو يشعر بحريق اللهب يَمُرّ كريح ساخنة على جراحه..أيُّ عذاب هذا ؟ و أيُّ صُنف من البَشَرَ هؤلاء ؟!

عروقه نافرة تكاد تخترق جلده..و أعصاب حِسّهِ على مشارف الموّت،تراكم الألمُ على الألم...لم يعد هنالك مجال للشعور..طالت سلسلة الفقد وباتت تُكَبِلُه،لا قدرة لديه على الأنين..العقل أبدى رفضه لأن يَبقى يَقِظاً وسط هذا الهَول من الوجع،تنازل عن صَحوته و أوقف المُخ إرسال إشاراته...

كركودٍ بعدَ زلزال مُدمّر..هدأت رجفته،استرخت عضلاته و استكانت حركته،أسَبل رجليّه كالمَشْنُوق..و رأسه تطأطأ للأسفل مُنكَسِراً وهو في غيبوبته،إعلان صَريح على أن الإنكسار لم ولن يكن في صَحوته !

هَرب من العذاب بعد ان استُنزِفَ كل ما يشعر ويحس فيه..اختار أن تغشاه رمادية مشوشة و أن يطغى السوّاد على عَقلِه..و اُذنيه تُصَمّ عن أيّ فحيح يُنَجّس سَمعه..

فَضّلَ اللاشعور على العيش في سجن قُضبانه الأَسَّى..




الجزء الرابع

ابتسمت بضيق في وجه أُختها التي قابلتها عند بداية السُلّم..كانت لا زالت ترتدي ملابس النوم،زهرية تُناقض بُهت وجهها المُتعب..تقدمتها وهي تنزل ببطئ وجسدها يتمايل بكسل..سمعت صوتها من خَلفها يقول بسخرية..

،:ما دام النومة للحين في راسش ليش نازلة ؟!

لم تُجيبها و واصلت نزولها و توّجهت إلى غُرفة الطعام..كان والدها هناك و والدتها يبدو أنها في المطبخ..قَبّلت رأسه و جلست بهدوء في مكانها الإعتيادي..نظرت للطعام،صدر صوت من معدتها..تنهدت بخفة فلم يدخل بطنها سوى القهوة مُنذّ البارحة..أدمنتها كما تقول والدتها !

،:يُبه نـور سلمي قولي صباح الخير،جذي قعدتين من غير أيّ صوت

اغتصبت الإبتسامة وهي ترفع رأسها تنظر له،:آسفة يُبه..صباح الخير
تنهيدة خرجت منه أتبعتها إبتسامة ثم قال،:صباح النور يا نور..ها حبيبتي شخبارش شخبار الدوام ؟
أنزلت رأسها و تناولت صحنها وبدأت بوضع بعض الطعام فيه،:الحمد لله يُبه كل شي تمام

،:اي يُبه لا تخاف عليها دكتورتنا الذكية

عقّدت حاجبيها و رفعت رأسها للصوت..لم تنتبه لجلوس أختها،عضت على شفتها السفلى لا زال انتباهُها قيّد الإنشاء ! وضعت قليلٌ من الجبن على قطعة الخبز المربعة..جائعة هي حالياً لكن تخاف ان تأكل ويبدأ شعور الغثيان المُقيت..نظرت للخبز للحظة،قرّبته لفمها،سمّت هامسة و تناولت قضمة صغيرة..حركت فَمَهَا بهدوء وعينيها تنظر للأمام و الرؤية المنعكسة لم تكن سوى انعكاس للماضي..

يُحِب تناول الخبز مع العسل في الصباح..حركت عينيها للطاولة،انتقلت على الأصناف العديدة و المنتشرة بترتيب على الطاولة البُنية..رأت العسل قُرب والدها..هي تكره مذاقه و دائماً ما كانت تتساءل كيف يتلذذ الناس عند أكله ؟!

أنزلت عينيها مُجدداً تنظر للخبز رفعته و قضمت قضمة أصغر من سابقتها..عانت وهي تحاول مضغها لتجرَعها..كطفلة كانت و كدواء كان الخُبز..تُغصِب نفسها على تناوله..لم تستطع إكماله فأرجعته للصحن..وضعت باطن كفها على الآخر و بخفة حركتهما لتتخلص من فُتات الخبز..

هَمست وهي تضع كفها على حدود الطاولة رافعة جسدها تستعد للوقوف،:الحمد لله

،:ويـن رايحة نور ؟

رفعت عيناها لوالدتها..متى أتت ؟! لماذا لا تنتبه لقدومهم ؟!

أجابت بهدو وهي تستقيم واقفة،:بروح غرفتي الحمد لله شبعت
،:تجذبين على من ؟كلها لقمتين اللي أكلتيها..يله قعدي كملي الأكل
باعتراض،:يُمـه ما
قاطعتها بحزم،:قلت قعدي..وبصب لش حليب شربيه

جلست باستسلام وملامحها معقودة..لا تستطيع الأكل،على الرغم من جوعها فهي تشعر بالطعام كعلقم يعبر حلقها،يسبب لها الغثيان كُلما تناولته..مدت يدها و تناولت كوب الحليب من والدتها.. وضعته أمامها وهي تنظر للبخار يرتفع،باتت تربطها صداقة قوية مع البُخار !

كُلّما تأملتهُ عيناها تذكرت بُخار قهوته الداكنة..مُرّة على عكسه،يشربها صباحاً وظهراً ومساءً..كانت و بغباء تشعر بالغيرة عندما يُعَبر عن عشقه لقهوته المرة وكيف تستطيع أن تُزيل التعب عنه وتُرخي عضلاته مجرد ما يرتشف منها..!

سمعت صوت والدها هذه المرة،بنصيحة قال،:يُبه لازم تاكلين عدل،شغلش يحتاج طاقة وجهد وانتِ اغلب يومش واقفة لازم يتغذى جسمش
هزّت رأسها،:ان شاء الله
،:تبين احط لش بيض ؟
،:لا يُمه مو مشتهية
صمتت ثوانٍ وعينيها عادت للصحن القريب من والدها..بتردد نطقت
،:ابي عسل
أختها باستغراب،:بس انتِ ما تحبين العسل !
بإصرار قالت،:اشتهيته اللحين ابيـه
رفع والدها صحن العسل وهو يقول،:ولا يهمش حبيبتي وهذا العسل كله حقش

تناولتهُ من يده بكلتا يديها وكأنه هدية يُقدمها لها بعد وعود عديدة...
نظرت له بحنين..لوَهلة شعرت أنها تُمسِك بجزءاً منه، شيء كان يُحبه،حتى ولو كان مُجرد عسل !



تراكمت الأفكار في عقلها كذرات غُبار كُلّما أرادت أن تمسحها تسارعت طائرة إلى أنفها و إلى عينيها تُحِرقها....لا خيوط تستطيع أن تربطها ولا إجابات تُسطِرها أسفل أسئلتها التي استقرت فوق صفحات عقلها سنوات..

هي عاجزة وتعلم ذلك..و هذا ما يُتعبها أكثر..يؤكد لها أن النهاية شيءٌ مُحال،و أن المشي في طريقٍ يخلو من إشارت توجيهية لن يَدلُها للمحطة المنتظرة أبداً !

إذاً ما الحل ؟!

أتَترك الأمر و تتحرر من قبضته الخانقة لقلبها ؟ أتهرب من الدوامة التي أُلقيت فيها غَصباً وهي طِفلة كانت تجهل أغلب المصطلحات التي تُلقى على مسامعها..لم تعرف معانيها ولم تكن تستشعر سُمّها القاتل..ذلك السُمّ الذي وَسّعَ انتشاره في دمها،امتزج به بخَبَث صامت،غزاها في غمضة عين،لم تستفق إلا على الألم بعد أن أنهى اِسْتَفحَاله !

رَمشت عيناها لتظهر لها صورة واقعها،أنزلتهما لساعة معصمها الجلدية،تَبقى خمس دقائق على جرس الطابور الصباحي..وقفت وبيديها رتبت عباءتها الأنيقة الخالية من أيّ ألوان مُلفتة..سوداء بتفاصيل رقيقة و جميلة،كما تَحُب وترتاح له !

مشت خارجة من مكتبها لتلقتي مع أقرب امْرَأة لها هنا..ابتسمت في وجهها وهي تقف أمامها..

،:صباح الخير فطومة
ابتسمت لها بِسِعة وبصوتها المَرِح،:صباح الأنوار آنسة ملاك،شـوو الأخبار؟
وهي تتحرك معها متوجهتان للساحة التي تتجمع فيها الطالبات للطابور،:الحمد لله..ما كلمتيني هاليومين
بتنهيدة قالت،:وين اكلمش يا بنت الحلال،و الا عندي يخلوني اخذ راحتي ؟!
ضحكت بخفة،:حبايبي وحشووني
حركت فمها قبل أن تقول،:اخذيهم عندش يوم بس و بيتغير كلامش
عقدت حاجبيها بخفة و بتأنيب،:حــراام والله انهم يجننون

وقفتا عندما وصلتا للمكان الذي تقف فيه ملاك كعادتها حيث يسمح لها المكان لرؤية جميع الطالبات بوضوح،:والله من شطانتهم ما عندي وقت لأي شي..بس انتظرهم ينامون عشان ارمي نفسي واروح في سابع نومة،من الصبح لين الليل لعب وضحك وصراخ وصياح وطلباتهم اللي ماتخلص "زفرت ثم أكملت" الله يحفظهم
ضحكت،:زين بعد قلتين الله يحفظهم لا تعطينهم عين
ابتسمت،:والله ملوكه ماشاء الله عليهم دائماً في نشاط
،:الله يخليهم يارب "و بمزاح أكملت" وبعد انتِ ما رحمتين عمرش ما تكملين سنة من الولادة الا و حملتين مرة ثانية لين ماصاروا خمسة ماشاء الله
ضربتها بكوعها وهي تعض على أسنانها وبقهر،:ملاكوو بلا نحاسة..شسوي بعد الله كاتب احمل،الحمد لله
ابتسمت بحنية لها،:حبيبتي الله يساعدش ويعينش ويخلي لش هالجميلين
،:ان شاء الله يارب

صوت الجرس القوي قاطع حديثهما وتلاه أصوات الطالبات العالي وضحكاتهن المرحة وهن ينتشرن في الساحة..

فاطمة بعجلة،:خل اروح لطالباتي لا احصل لي كلمة

هزت ملاك رأسها بخفة وهي تبتسم لها..رفعت ذراعيها و عَقَدَتهُمَا على صدرها وعيناها تتحركان بهدوء على الطالبات..كانت تبتسم و ترد السلام على كل واحدة تمر بجانبها سواء كانت مُعلمة أو طالبة أو حتى عاملة..

،:صبـاح الخير آنسة ملاك

عقدت حاجبيها من الصوت القادم من الخلف وسط الأصوات المنتشرة و نبرة الاستهزاء الواضحة أثارت غيظها..استدارت لمن خلفها و ما إن رأتها حتى اعتلى البرود ملامحها وزادت من ضغط ذراعيها على صدرها..

ببرود ردت،:صباح الخير إستاذة ريم

تقدمت ريم خطوة منها و عينيها تنتقل على ملاك من أعلاها إلى أسفلها بنظرة تقييم مُستَفَزة !

ثبتت عينيها في عينيّ ملاك وهي تقول بذات الإستهزاء،:انتِ ما تشيلين هالعباية ؟! ولا مرة شفنا عليش لبس حالش من حال المعلمات

رفعت ملاك حاجبيها بتعجب من هذا السؤال الغريب و التطفل ! وما دخلها ؟!

أنزلت حاجبيها و بذات البرود،:ما اعتقد ان هالشي من اختصاصش استاذة ريم
و الإستهزاء هذه المرة اختلط به نبرة خبث،:اخاف خاشة تحتها سجين تبين تذبحينا يا بنت ابوش

ثم اعتلى صوت ضحكتها برنين مُزعج اصطدم بقسوة في قلب ملاك التي شهقت فاغرة فمها من كلماتها الغير متوقعة..نظرت لها وهي تبتعد غير آبهة بالكلمات التي ألقاها لسانها القذر دون أي مراعاة للمكان..

رمت سهمها وابتعدت و لم تلتفت للدم الذي فاض من قلبها ،كسحابة سوداء مرّت و هاجمت الأرض برعدها المخيف وابتعدت....تلك السكين التي ذكرتها لاتعلم أنها كانت مُعلقة بحرفها الأخير الذي نطقته،غرزتها ببرود وسخرية في جرح روحها الذي اندمل لفترة لم تكن أبدا طويلة..

أرخت ذراعيها و ببطئ يعكس صدمتها ارتفعت كفيّها لوجهها و أحاطت وجنتيها و كأنها تستشعر حرارتها..تُريد أن تُقيس مدى وقع كلماتها الحارقة عليها..مالت يدها اليسرى واستقر باطنها فوق شفتيها وعينيها شاخصتان أمامها..تنظر للفراغ و لاغيره..تنظر إليه وبين زواياه الخفيّة تستعيد الموقف فيزداد وّجعُها،كشريط يُعاد في ذاكرتها ويُعاد ألمها..جملتها الأخيرة كانت العذاب الأشد

،:يا بنت ابوش

أبـي...أبــي..أبـــي !...أيَسعني قَبركَ ؟!...وحشته،ظُلمته و برودته أَحَبُّ إليّ من استنشاق هواء نفثت فيه أنوفهم سموماً قاتلة..

بانت فرجة صغيرة بين شفتيها...سَبيلٌ إلى حياة تكرهها،دخل عن طريقها هواء إلى رئتيها المنكمشتين و ارتعاشة خفيفة تسكن أوصالها..ازدردت ريقها و ازدردت معه واقعها المُحَمّل بهدايا مغلفة بشوك أدمى أصابعها ومحتواها دمٌ استقل قطاراً للزمن ليُلطخ وجهها و تلتصق رائحته النتنة بجسدها كي لا تغفل للحظة عن ماضٍ أصبح قريناً لها !



مطار البحرين الدولي..

يَجُرّ حَقِيبَتِه السوداء الصغيرة من خَلفِه،تَكْفِيه ليَقضِي أربعةَ أيّامٍ في بَرلين،و يَتَمَنى أن تكون أقصر من ذلك أيضاً..رَأسُه مَرفوع للأعلى يُوحِي بالغُرُور لِمَن يَرَاه،و ثِقَة كبيـرة تَبْرُز من عينيه..شفتيه لا تَعرِف سِوَى نوع واحد من الإبتسامات..سُخرية قَدَر هي أجمل إبتساماته !

انتهى من إجراءاته سريعاً،و ذَهَبَ لينتظر المُناداة لِطائِرَته..رفع يده ينظر للساعة المُحِيطَة بِمِعصَمه القويّ البارزة عُرُوقه،كانت قريبة من التاسعة صباحاً..لم يتبقى إلا القليل و سَيُحَلّق إلى بلدٍ عاش فيه تناقضات غريبة، بلد صنعه و هدمه في الوقت نفسه..

يَحمل في قَلّبِه لهذا البلد مَحَبّة شوهتها كراهية مُشوشة تَمَنّاها دوماً حُلماً و إن تكرر زيارته فهو قادر على أن يَقرِصَ نفسه ليستيقظ منه،و أن لا يعيش أبداً مُختنقاً في زاويته الضَيّقَة حيث الأنا لا أثر لها !

تَنَاوَلَ هاتفه الذي أخرجه من جيبه قبل جلوسه..فتحه ليضغط أرقام حَفِظَهَا و نَسِيَّ لزمن ملامح صاحبتها..وضعه على أذنه ينتظر صوتاً عانى جاهداً ليستعيد تلك النبرة الحنونة التي سرقتها هَبات رياحٍ شديدة على غفلة من روحها..

جاء الصوت هادئاً رقيقاً كقطرات ندى،:هــلا حبيبي
تَبَسّمَ،و سين السُخرية تَوَسَّطت ابتسامته،بهمس،:هلا يُمه شخبارش ؟
،:الحمد لله يُمه بخير انت شخبارك،ما شفتك من جم يوم
تنهيدة أرادت أن تهرب من صدره ولكن أحكم إغلاق منافذه جيداً،فلا حُرية لها،:شغل يُمه و انا اللحين متصل اسلم قبل لا اسافر

صمّــت !

أغمض عينيه و رأسه يميل لليمين ويده الحُرّة ارتفعت إلى خلف عُنُقِه يَشُد عليه بأصابعه و بهمس ناداها ولحن صوته سؤال يريد إجابة تعاكس الإجابة التي رَشَّحَهَا عقله..

،:يُمه ؟

هي كانت أشجع منه،و حريتها بين يديها..فتنهيدتها خرجت كاشفة عن أساها،:وين مسافر بعد هالمرة ياولدي ؟..سفراتك اكثر من زياراتك لنا
فتح عينيه ويده تركت عُنُقِه قاصدة فخذه بباطنها تُرّبِت فوقه بخفة،:ادري يُمه بس والله شغل.. بحاول اخلص بسرعة و ارجع
أعادت سؤالها وأضافت آخر كان الأهم،:وين مسافر وجم يوم بتقعد ؟
،:كالعادة برلين..ان شاء الله بس أربعة ايام
باستسلام فلا حيلة لها،:تروح و ترجع بالسلامة ياحبيبي،الله يوفقك ان شاء الله
،:ان شاء الله يُمه،سلمي على ابوي و اخواني
،:يوصل يُمه مع السلامة تحمل بروحك
،:ان شاء الله مع السلامة

أنزل الهاتف ببرود اعتلاه بعد غياب صوتها..بدأ بثورته الجليدية و أحاط نفسه بدرع حصين تمركز فوق قلبه و أعصابه ليردع أي شعور مُخادع قد يُهاجمه..تناسى كُل ما يُسَيّر الحياة من ألم وبكاء وضَحِك و سعادة،و أذاب روحه بلهيب نيران كل يوم يزيد من حطبها ليزداد اشتعالها..

هاتفه يرن..اتصال خارجي،رفعه وهو يجيب ببرود..

،:نعم
،:مايسترو..رحلتك اقتربت هل أنت في المطار ؟
وقف وهو يسمع نداء الرحلة الأول،:و ماذا تعتقد ؟ فهل أستطيع الهروب ؟
وصله صوت ضحكته،:أعلم أنك لن تتخلف عن الأمر.. ولكن أردت أن أقوم بعملي
،:ستراني بعد ساعات..سوف أغلق الآن
،:رحلة سعيدة

بل فقدٌ سعيد !

خطى خطواته إلى الفقد الجديد..فقدٌ لا يعلم كيف ستكون رائحته ولا بأي طريقة سَتُمارَس طُقُوسه الماكرة،برجليه يقود روحه للهلاك..وبكامل قواه العقلية يقبل بأن يُقطَع منهُ عَصَب حِسّي جديد،يخطو على شفير حفرة سوداء يجهل مكنونها،فعيناه لا ترى سوى دماء تتسرب من باطن قدميه تحكي تأوّهاً غاب عن حنجرته المُتَحَجِرة !

سَتُحلق به الطائرة بعد دقائق..لترميه في فقد سيُلقي كلمة قد تكون أخيرة لِتُوَسّدُه القبر أم أخيرة ترفعه فوق أرضٍ مُستوية تخلو من العثرات...أو قد ستكون جديدة فقط دون نهاية !



أشعة الشمس الخفيفة مُنعكسة على أرضية الغرفة الرخامية مُشَكّلة بقعة تعتقد أنها قد تمنحها الدفئ الذي تبحث عنهُ روحها..لكنها فَضَّلت أن تبقى في فراشها مُتَكَوّرة تحت غِطاءها الثقيل الذي يُغَطّيها حتى أسفل أنفها...عينيها تَرمِشَان ببطئ نصفه يأس...عقلها تشعر به قد غادرها،فرأسها فارغٌ و الأفكار لا زالت غير قادرة على ترجمتها...فقط تتأمل النافذة البعيدة

تتمنى لو استطاعت أن تَفُرّ هاربة منها كطيرٍ فُتح قَفَصُه،أن تهرب من واقعها الأشبه بحُلمٍ مُزعج...لماذا لا نستطيع أن نستيقظ من واقعنا كاستيقاظنا من كوابيسنا..نستيقظ من الكابوس للواقع ولكن نستيقظ من الواقع إلى ماذا؟أو إلى أين؟!

هربت منها دمعة وحيدة شعرت بِدفئِها على خَدّها،كأنها تُخبِرها أن لا مهرب من الواقع !

زفرت علّتها المُستديمة..فدواءها لا زال لم تُكتب مُعادلته بعد،فمكوناته الكيميائية نادرة و إكتشافها قريبٌ من المُحال..و عالِمُها الغجري يعيش بين تَصَدعات تُصيبه بِتَشَتُت يجعله ليس هو و هو في آنٍ واحد !

تحركت أصابعها الباردة إلى المنطقة التي ترك آثاره القاسية فوقها،ضغطت بأصابعها فوق شفتيها الجافتين من ملح دموع عانقت خدّها ليلاً و من قُبّلة تنافس فيها جُمود رَجُلٍ غامض مع رِقته المُتلاشية كضوء خافت شارف على الإنطفاء..

تَحَجَّرت دَمعة في عينيها شوشت عليها رؤية الضوء المنبعث من نافذتها،ذلك الضوء الذي قد يُطَهر جسدها من بقايا ذكريات الليلة الماضية...لكن كَيف ستتطهر روحها من أنّاتٍ عَزَفَت مقطوعتها المأساوية على شرايين قلبها الوَهِنة !

رفعت جسدها بتعب و شعرها الطويل تطايرت خصلاته في الهواء من خَلفِها..جمعته بكفيّها و أرخته على كَتِفَها الأيسر..أبعدت غطاءها و أنزلت رجليها من على السرير حتى لامست أطراف أصابع قدميّها الأرضية الباردة..

وقفت وبيدها استندت على مُقدمة السرير..شعرت بشيء من الدوران،أغمضت عينيها و فتحتها عدة مرات بببطئ ويدها اليُسرى ارتفعت تضغط على جانب رأسها..فتحتها وبخفة مشت حافية من نِعلَيّن وحافية من قلبٍ تركتهُ تحت قدمين ذلك الرَجُل !

توجهت إلى دورة مياهها..تغرق تحت ماءٍ بارد يُرجفها و يُجمّد دموع روحها..تُريد أن تُنَشّط دورتها الدموية التي عارض جريانها أنفاسه الثقيلة و التي لا زالت تشعر بأنها تحاوط عُنُقَها..أنفاس ساخنة لا تعرف الدفىء !

،

هـُـوَّ

دَخَلَ غُرفَتها المُشَبّعة برائحتها الأنثوية..رائحة طبيعية تعصف به،طَرقَ الباب مرتان ولم تُجِبه،توقعها نائمة..لكن سريرها كان يخلو من جسدها الذي أضاع خريطته ذات ليلة و دمّ !

التفت لباب دورة المياه وصوت تساقط الماء يَصِلَه،اقترب من السرير..جلس فوقه و انحنى ليُدفن وجهه في وسادتها..مَرَّغَ أنفه فيها وهو يستنشق بأنفاس طويلة بقايا رائحتها العَذبة،ارتجف قَلبه بنشيج..فوِصَالها مُسْتَعْصٍ !

رَفَعَ رأسه عن حافظة أسرارها الوفيّة..المُخَبئ فيها سيول مُقلتيها و شهقات صدرها المكتومة..مَسَحَ بباطن كفه على الجزء المُبعثر من السرير و الواضح أن جسدها تلوّى بإنهاك فوقه حتى حُفِرَ إعوجاج خِصرَها بين طيّاته..

صوّت إنفتاح الباب أيقظه من سَكرته الطفيفة بخيالها..ثوانٍ و بانت أمامه و الماء يُقَطّر منها كحورية...شعرها يُبلل كتفيها وظهرها المكشوف لترتجف هي ويرتجف هو بدوره..

توقفت عندما انتبهت إليه..زمّت شفتيها وشدت على "منشفتها" رفعت حاجبها بإستهزاء و هَمسها خرج مرير..فاقدٌ للأمل !

،:جاي تكمل ؟!

وقف ولم يُجبها و روحه أَثقَلها صوتها الذي أضناه البُكاء.. أكملت وهي تتقدم خطوة

،:شنو ناوي تسوي هالمرة ؟!

حرّك رأسه بالنفي و كأنهُ ينفي أي فكرة سقيمة في عقلها،و بهمس

،:آســـف...

و استدار خارجاً و أغلق باباً جديداً..

بابٌ انضم إلى أبوابه العديدة..التي لم تجد مفتاحها بعد..أبواب أسراره المُبهمة التي يُوصِدُها بعد كُل اقتراب..و إن اختلف شَكلُ ذلك الإقتراب !



الواحدة و عشر دقائق مساءً

أغلقت أزرار عباءتها..رفعت حجابها و لفته كالمعتاد على رأسها،ثبتت حقيبتها على كتفها بعد أن رشت رشتان من عطرها الخفيف..زفرت وهي تنظر للمرآة بارتباك استحوذ عليها مُنذ استيقاظها خصوصاً بعدما أخبرت و الدتها بتردد بقدومها هي و زوجها للغذاء..

توجهت لباب الغرفة خارجة للذي ينتظرها..وجدته على الأريكة يعبث في هاتفه،تأملته قبل أن ينتبه لإقترابها..الى الآن لم تصدر منه أي ردة فعل،و هي تنتظر و قد استعدت كثيراً وتدربت على ما ستقوله عندما يستفسر منها !

تحمحمت تُخبره بوجودها..رفع رأسه بسرعة و إبتسامة تكونت على شفتيه كانت مُستَفَزة بالنسبة لها،غَلَّفت نظراتها بالبرود قبل أن تنطق

،:انا جاهزة

تناول مفاتيحه وهو يقف ويده تُرتب قميصه الفضي الأنيق..يبدو ذوقه جيّداً في الملابس !
ابتسمت بسخرية على أفكارها وهي تمشي خلفه..رُبما هذا أول ما لفتها فيه،لا زالت لا تعرف عنه إلا القليل،فالبُعد الذي اختارته لا يوفر لها أيّ ملعومات عنه..وهو و بشكل يُثير استغرابها يُساير هذا البعد !

نزلا إلى الدور الأول الذي كان يسكنه هدوء كئيب،على الرغم أنها الوحيدة مع والديّها في المنزل إلا أنه لا يكون بهذا الهدوء الموّحش..و كأن البيّت قد تم تجميد حركته..الى الآن لا تعرف من يسكن معهما فيه !

تجاوزا غرفة الجلوس الخالية و المُظلمة إلا من ضوء الشمس المتلصص من زوايا الستائر الكبيرة..خرجا حيث تُركَن السيارة ولا زال الكلام مُنقَطِع بينهما..

دقيقة و كانت السيارة تخرج من المنزل..زَفرت مرة أخرى ويديها تَرّطبتا بالعرق و هي تحرك أصابعها بِوَجل..داخلها يدعو أن يكون اللقاء مع والدها يغشاه الركود فقلبها لا يتحمل نظرة تأنيب وزعل من عينيه الحبيبتين..ابتسمت بحنين وهي تتذكر عينيه،يارب لا تحرمني من نظرته الحنونة..

،:مشتاقة لبيتكم ؟

التفتت لصوته الذي اخترق حديث نفسها بهــدوء مُربِك..كان ينظر للطريق ويده اليمنى مُمسكة بالمقوّد بإحكام و الأخرى ذراعها مُستندة على الباب لترتفع على خدّه بالقرب من فَمَه المائلة شفتيه بإبتسامة...حسناً اعترفت أنها كانت..،جذابة !

عقدت حاجبيها بقهر من الكلمة التي اعترفت بها..حركت رأسها بخفة و كأنها تتخلص من هذه الفكرة...،التقت عيناها بعينيه عندما استدار للحظة لينظُر لها،حينها تذكرت سؤاله..أعادت وجهها للنافذة وبهمس

،:ايــي

لم يُعَقّب على كلمتها الوحيـدة و عاد الصمت ليحشو فراغهما الفسيح..الفراغ الأشبه بمسافة تفصل جبلان عن بعضهما وفي وسطهما لم يجري نهر بل ذكريات ماضٍ أجبرتهُ هيّ على أن يعيشه دون دراية بشيء..مسكيــن هوّ كان ضحية هذا الزواج و خسائره رُبما أكبر من خسائرها... !

،:لا تحاتين،ان شاء الله عمي يكون تخلص من غضب البارحة

أدرات وجهها له بعُنف كملسوعة..و عيناها أرسلت له شراراً مُحَذِراً عن حريق يلتهمه لو فكّر مُجرد تفكير أن يتحدث عن البارحة و ماجرى فيها..نعم هي متناقضة،مُتعطشة لمعرفة ردة فعله ولكن في الوقت نفسه نيرانها تنتظر كلماته لتنهشه و تُصّيَر حُرُوفِه رَمَاداً..

ازدردت ريقها بصعوبة تجانست مع نَبضِهَا المُتسارع..أدرات وجهها وتشنج أصاب جانب عُنُقِها..رفعت يدها برجفة و ظاهرها يُلامس شفتيها وخدّها باضطراب،أغمضت عينيها و زفرة مُرتعشة تخرج منها بخفوت..فتحتها و هي تشعر بغصة في حلقها...

غبيّة و جبانة هيّ،جُملة واحدة منه بعثرت كيانها و عيّشتها في قلق لثوانٍ..كيف وإن أصبحت الجُمل حديث مُطوّل...ينتهي به المطاف عند الحقيقة التي تسعى لأن تدثرها في في صميم ذاركتها وتُغلق عليها بسلاسل هي نفسها لا تستطع كَسرها..

يجب أن لا يعرف..لن تسمح لهُ بأن يعرف !



انتهت من استحمامها الذي استغرق قُرابة الساعة..حاولت أن تتخلص فيه من شُعور الصباح الذي انقلب يومها الدراسي بأكمله بسببه..للأسف لم تستطع ان تَرُد على تلك الوَقِحة،لم تكن تريد أن تُحدِث ضوضاء في المدرسة ولا أن تجعل المشكلة أكبر و التي قد تُدخِلها في مشاكل أخرى هي في غنى عنها...

غَطّت جسدها العاري بروب استحمامها القصير،لفته بارتخاء عليه وهي تخرج من دورة المياه وبيدها منشفة صغيرة تُجفف بها شعرها الطويل..لا تستغني عن استحمامها بعد الرجوع من المدرسة..حتى في الشتاء،فالوقت الذي تقضيه تحت الماء يُساعدها على ترتيب أفكارها و عزل الطاقة السلبية عن روحها..

جلست على الكرسي أمام مرآتها..عيناها مُلتصقة بانعكاس صورتها ويديها مُنشغلتان في تجفيف خصلاتها..خَطُّ ماء شَقَّ طريقه من شعرها أسفل عُنقها حتى استقرّ عند مُنحنى نَحرها، الطريق نفسه الذي عَبرته تلك الكلمات..تنهدت بفُتور وهي تُنَزِل المنشفة فوق فخذها،مَدتها تُغطي رُكبتيها المكشوفتين وشفتيها مزمومتان بشرود..

تحتاج إلى خطوة ثانية..سنين وهي تتأمل الصور وتنتقل من ذكرى إلى أخرى وتنجرح بصمت من هزيمتها النكراء..العَجز يتلبسها من رأسها حتى أخمص قدميها..هيّ وحيـدة و الوحدة تقسم ظهرها نصفين،لا تستطع أن تُجابه إبهام الحقيقة وحدها..لا تملك القدرة و لا الخبرة على سَبر أغوار تلك القضية الشائكة،شيء داخلها دائماً ما تردعه يهمس بِمكر أن الإنتحار هي القضية..كما قالوا و يقولون ! وهذا مالا تُريد أن تُصديقه..

رفعت ذراعها اليُمنى و بكوعها اتكأت على "تسريحتها"..أسندت رِسغها على جبينها بإعياء،أغمضت عينيها بِضعف و رأسها يميل بخفة ليسارها..تنفست بصعوبة فالحِملُ في ازدياد..و هيّ ضعيفة..كورقة خريف هَشّة تتلقفها الريّاح بقسوة..تبحث عن نسيم يجعلها تتهادى بِرقة لِتَحُطّ على أرضٍ خضراء يانعة بعد فصلٍ من البؤس و الوَجع..!

فتحت عيناها بِوهن ورسغها يتحرك لجانب رأسها..التقطت عدستيها الصندوق الأسود،تراجعت يدها للأسفل و اليد الأخرى امتدت له..أمسكته بأصابعها وهي تُقربه منها،فتحته بكلتا يديها لتظهر أمامها لمعة السلسال المَعمية عينها عن سِرّه..تجاهلته وتجاهلت الصور معه،و أصابعها تحركت للمُلقى في الزاوية..تناولته بأطراف أصابعها ثُمَّ أمسكته بكلتا يديها وهي ترفعه أمام عينيها التي ضاقت لتتفحصه...

تَعرف أيُّ قِفل يفتح هذا المفتاح،لكن الجُبْن يُعانقها بِتمَلُّك..لا تعرف كيف تفلت من قَبضته،هي عاجزة و تخاف يوماً أن يُسيطر العجز عليها ويزدرد حَماسها على غفلة منها و يجعلهُ سراب يتلاشى من بين فراغات أصابعها..

زمّت شفتيها بضيـق..أنزلت يديها و أرجعت المفتاح مكانه..أغلقت الصندوق مثل كُل مرة دون أن تُضيف إليه شيء أو تُفرغه من محتوى تكون قد فَكت عُقدته،وقفت بيأس من نَفسها المُغتربة وسط حَشدٍ من الذكريات أنبتت في روحها الأصوات و الروائح واحتفظت بالحقيقة في تلك الغُرفة،مزجتها ببقعة الدماء الكبيرة و سَجنتها بين قُضبان دقائق تلك الساعة المنحوتة على جدار القلب..

،,



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:53 am

إحدى المستشفيات
الرابعة مساءً

،:وين وين؟

أغلقت حقيبتها بعد أن أخرجت مفاتيح سيارتها و هاتفها،،استدارات لصديقتها،كانت تُقابلها بإبتسامة مَرِحة كعادتها،و يبدو من ملامحها المرتاحة أنها قد نسيت كلامهما بالأمس..تنهدت بخفة،هي أيضاً يجب أن تنسى..عليها ان لا تتشنج لوقت طويل أمام كلماتٍ ينطقها مُحبِونها بغرض نصيحتها..ستتناسى حتى لا تخسرهم ..

أجابت باستغراب،:برجع البيت،خلص دوامي
نظرت لساعتها تتأكد من الوقت،:بس للحين ماخلص الدوام،باقي ساعة "أعادت النظر لها و بتفكير" لا يكون ساعتي متأخرة..
ضحكت وهي تحمل حقيبتها ومعطفها الأبيض وضعته بترتيب على ذراعها،:لا مو متأخرة "و أكملت بغرور" بس دكتور فهد قالي لي اطلع اليوم قبل بساعة
وضعت يدها على خصرها باعتراض،:وليش ان شاء الله بس انتِ ؟،،شهالتفرقة الواضحة
بنفس الغرور وهي تحرك عينيها،:والله ياحبيبتي طلب مني شغل وسويته فكافأني بهالشي
عضت على شفتها السفلى بقهر،:دايماً رازة وجهش عنده وتسوين نفسش المثالية و المنجزة اللي تحب تشتغل وتقدم خدمات عشان يعطيش من هالمكافآت وتقهرينا
ضحكت بنعومة،:شفتي شلون،ذكية اعرف شلون افيد نفسي " لوّحت بيدها" يله مع السلامة حبيبتي
ابتسمت لصديقتها التي يبدو أنها قد بدأت باسترجاع قليل من شخصيتها،:مع السلامة

استقلّت المصعد لتصل للطابق الأول،خرجت و توجهت مباشرة لباب الخروج وهي تعبث بهاتفها..
وصلت الى موقفها الخاص و لم تنتبه للسيارة التي توقفت بجانبها ونزل منها أحد الأطباء بلباسه الأزرق الفاتح،اقترب منها وهي لازالت تقف مستندة على سيارتها مواصلة عبثها باندماج تام لدرجة انها لم تشعر به وهو يقف خلفها مباشرةَ !

كان ينظر لساعته وحاجبه الأيسر مرفوع بحركة عفوية عندما قال..

:باقي ساعة على ما ينتهي دوامش ليش من اللحين طالعة ؟

اختفت إبتسامتها عندما وصلها صوته من الخلف،تغيرت ملامحها باضطراب،ضغطت بأصابعها على الهاتف و خطوط صغيرة ظهرت بين حاجبيها تحكي ألمها الذي فجّره صوته..سحبت نفس عميق لتقوى على مواجهته،بقوّة مهزوزة نطقت
،:مو شغلك

و استدارت له،ابتسمت له بإغاظة عندما رأت علامات الغضب واضحة عليه،أكملت بعد ثوانٍ بتردد..
،:و بعدين تعال أنت،حضرتك حافظ مواعيد دوامي كلها ؟!

تجاهل سؤالها وبسخرية قال،:شمسوية هالمرة للدكتور فهد عشان خلاش تترخصين قبل بساعة،شوي و تتركين شغلش و تتفرغين بس لطلبات الدكتور فهد "و أكمل باشمئزاز" و مراهقة الدكتور فهد

رفعت إصبعها المُرتجف بتهديد وهي تتكلم من بين أسنانها:لو سمحت عن الغلط،والله الدكتور فهد دكتوري وصار لي أكثر من سنة اشتغل في قروبه وهو زميل فقط لا أكثر،و اذا في أحد اهني مراهق فهو أنت..

ضحك بصوت عالي وهو يرفع رأسه للأعلى،لم يهتم لنظراتها المقهورة و كان يزيد في الضحك بقصد نرفزتها وإثارة الغضب فيها،يعلم هو كيف ينتقي بدقة الكلمات التي تشعلها و تزيد من حدة عينيها الجميلتين،أنزل رأسه و ضحكته بدأت في التلاشي شيئاً فشيء حتى اعتلاه الجمود،لكن شيء في عينيه لم يَجمُد..ظلّ مشتعلاً شعرت به يحرقها بأكملها،، يذيبها بأكملها و يترك أثراً لايُمحى أبداً..

تنفست بارتباك عندما اقترب أكثر منها،التصقت بالسيارة أكثر حتى شعرت بألم في ظهرها،رفعت رأسها له وهو أنزل رأسه لها،،سانتيميتر واحد يفصلهما عن الإلتصاق !عطره القوي أحاطها بإختناق تكرهه،يُشعرها بوجوده الثقيـل و سيطرته التي لا ترحم،يقتل و يسفك الدماء كُلما حضر،عندما تشعر بقربه تبدأ بحفر قبرها استعداداً لموت جديد،بطريقة جديدة أكثر قسوة،و بسلاح جديد أكثر حدة..!

همس وهو ينقل عينيه بين عينيها اللتان تتصنعا القوة ظاهرياً فقط،:بديتي تلعبين يا نور..انتبهي

غمز لها بإبتسامة وهو يبتعد عنها بخطوات واثقة ليختفي خلف باب المستشفى الزجاجي،شهقت بخفة وهي تجرّ النفس بصعوبة تتصيد الأكسجينات التي بدأت بالاقتراب بعد أن نسفها حضوره القوي..

رفعت يدها إلى وجهها تغطيه بارتجاف،ضغطت بأصابعها بخفة على عينيها لتهدئة حُرقة الدموع المتكونة فيها....نفس عميـــــق،مرة.. مرتان.. وفي الثالثة فتحت عينيها و الدموع لا زالت تسبح فيهما..ضغطت على شفتيها وهي تفتح باب السيارة بسرعة،رَكِبتها بعجلة و أطلقت سراح شهقتها الحـادة..رفعت يدها إلى فمها تُغطيه تُكبح بُكاءها الذي ضاقت منه..

سَئِمت من الضُعف الذي يُشِلّها كُلما حَضر..تعيش يومها في تَذبذُب و السبب هوّ،تبدأ يومها بشخصية وتواصله بشخصية و تُنهيه بأخرى !

ذاتها خليط من شخصيات مُرتبكة وَهِنة الإستقرار..شُطِرت روحها إلى أنصاف عديدة، و كان هو المُجرم... لكن مُجرم دون جَريمة !



بَعدَ مُنتَصَفِ الليّــل

انتظرت حتى الساعة الواحدة لتتأكد من خلود الجميع للنوم...أخاها كان آخر من عاد الى المنزل،والديها قد غَطّا في سُبَات منذ ساعتان..ارتدت عباءتها بسرعة فوق ملابسها المنتقاة بعناية فائقة،فستان بيجي قصير يصل إلى أعلى ركبتيها بكثير..يكشف عن ساقيها الطويلتين، لهُ أكمام طويلة واسعة تضيق عند معصميها،يكشف عن نحرها المُحاط بعقد ذهبي ناعم..

فتحت الباب بهدوء لِصّ مُحترف..خرجت تحمل في يد حقيبتها و الأخرى تمسك حذاءها ذو الكعب العالي..أغلقته بنفس الهدوء ثم ركضت على أطراف أصابعها متوجهة للأسفل..

دقيقة و كانت تُغلِق باب المنزل..دارت حوله حتى ابتعدت عن بوابته الرئيسية..مشت مُسرعة وهي تتلفت حذرة في هذا الوقت من الليل..فتحت باب السيارة ورَكِبت وهي تهمس..

،:بسرعة حرك

تحركت السيارة لأمرها..خرجت منها تنهيدة وأغمضت عينيها براحة فائقة عندما ابتعدا عن المنزل...ابتسمت بخبث ونشوة الانتصار تطغي على مشاعرها..أسندت رأسها للكرسي وضحكة قصيرة تنفلت منها..وصلها صوته..

،:هالكثر فرحانة؟

اتسعت ابتسامتها ثم أدارت رأسها له وبهمس،:اكيد فرحانة ما دام انا وياك

و عينيه على الطريق..مدّ يده لحضنها يبحث عن يدها المرتاحة..تخللت أصابعه فراغتها،ضغط بخفة وهو يشدها له ...قربها من فمه تحت أنظارها العاشقة..تزايدت دقات قلبها من قُبلته التي طبعها على ظاهر كفها..لم يتركها تلتقط أنفاسها اللاهثة وطبع قُبلة في باطنها..كانت أعمق وأطول وأكثر دفئاً..

يعرف كيف يُربِك حواسها..فقط بلمسة دون أن تنظر لها عينيه..بقُبلة هو يُشنج عضلاتها،كيف تتحرك أصابعه فوق أصابعها كأنه يريد أن يفهم أسرار خطوطها..

تحمحمت تبحث عن صوتها الضائع،سألت بهمس،:وين بنروح ؟
نظر لها بطرف عينه وبإبتسامة جانبية،:سِــرّ..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:53 am

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

صباحكم/مساءكم حوائج مقضيّة يـارب

حابة اتكلم عن شيئين بالنسبة للرواية..

أولاً:

حالياً بما اني في إجازة فتقريباً كل جم يوم أنزل جزء،
بالتحديد مافي عدد معين من الأيام يفصل بين تنزيل الأجزاء،
و ما أفضل اقرر يوم خاص للتنزيل لأن الدوام للحين ما بدأ..
فالأفضل انتظر بدء الدوام و اشوف شلون جدولي يترتب عشان اقدر اوازن بين الدراسة و الرواية..
ما احب اوعدكم بشي اللحين واحدد يوم وبعدين اخلف..
تقريبا بعد شهر اذا بديت دوام ان شاء الله نتفق على هالموضوع ..

ثانياً:

بالنسبة للجزئية الا افتتح بها كل جزء و الا هي " فقد ذات " ..،
حبيت أوضح أن المشاهد لفترات زمنية غير متسلسلة،
يعني ممكن اذكر حدث و في الجزء اللي بعده اذكر حدث صار قبله..
فالأحداث الخاصة بهالجزئية مو مرتبة..
المشترك بينهم انها أحداث من الماضي..،ان شاء الله فهمتوا مقصدي =)

،

بعد شوي بينزل الجـزء الخامس..

قراءة ممتعة

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله



،


فَقدُ ذّات

رجليّه تحفزتا للجري..لم يأبه بالجروح التي اتخذت من باطن قدميه مخدعاً لها،كان يركض بأقصى سرعته،و لفحات الهواء الباردة جمّدت أطرافه...،وهو الذي لم يَسَعهُ وقت ليرتدي شيء يبعث في جسده دفئاً يُعينه على هَرَبه..

كان يستديرللخلف بين الفينة و الأخرى..عينيه لا ترى الوجوه لكن أُذنه النافرة بحذر لصوت خطوات العدوّ كانت تلتقط صدى أصوات أمواجها تَبث رُعباً بغيض في روحه..،

هـو لا يخاف..لا يُريد أن يخاف..،وسام الشجاعة الذي قلّدهُ إياه والده عندما كان عُمره لا يتعدى العاشرة بات يتخلخل على صدره مُنذِراً بالسقوط..،وهو الذي لوهلة حَسِبَ أنهُ ضُرغاماً لا يهاب الرياح العاتية..،!

تباطأت خطواته و جسده الهزيل مال بإعياء..كان يرتجف برداً و هَلَعاً غافل أعصابه و استولى على مركز الخوف في مخه..توقف ويده ارتفعت لجدار أحد المحلات المُغلقة في هذا الوقت من الليل..استند بكتفه ولهاث أنفاسه ينفخ بإزعاج في قِربة الليل الساكن..ازدرد ريقه مرات مُتتالية و كفه ارتفعت إلى عُنُقه يتحسس جفاف حلقه المُتَقَرّح من حشرجة بُكاء خائنة تعاضدت مع غَصة قلبه و أيقظا آلامَ روحٍ تمنى لو أنها ترتفع مُغادرة جَسده قبل أن تُسجَن بين ارتعاشاته المُغتَرِبة..،

اتكأ بيديه على رُكبتيه المهتزتان بضعف بعد جري أنهك عضلاته،يشعر بغثيان يحوم في صدره..حاول أن يستخرج مافي بطنه لكنه لم ينجح...،و كأن جَوفِه يرفض الإفصاح عن تعبه مُفضلاً أن يُخنِق تأوهاته في صدره ليُركام الوجع في خَندقه المُنشَأ حديثاً ..!

اعتدل في وقوفه وعينيه تتحرك بضياع..،عقله يُحاول أن يعثر على طريق قد يؤدي به إلى شقته القابعة وسط مدينة بَرلين..لكن عُروقه النابضة في رأسه تشوش على عقله و تقطع سيل أفكاره المُتدفقة..أغمض عينيه بقوة وبكفه ضغط على رأسه..،دوامة سوداء تُهدهِدُه بقوّة،ترمي بعقله وسط صحراء قاحلة،يُحاول أن يَتَشَرَّب من ماء تُربتها خلاصاً يُنقذه من ضياعه لكنه يصطدم بجفاف ينتثر على جراحه..،و كأنهُ كُلّما قصد أرضاً يَتَسَوَّل منها الخلاص يصدمه الواقع بضياع أكثر مرارة وقسوّة..،!

مسح على وجهه بكفيّه،شهيـق أتبعه زفير حــار..حرارة روحه أشعلت هواء بَرلين الصعيقي..،استدار ليخطو خطوة جديدة لم يعلم أنها سَتجُر معها آلاف الخطوات..!

أُحجِبَ عن عينيه ضوء القمر،و أُغلِقَ فمه عن أي حرف..حاول أن يفلت من قبضتهم لكن جسده الضعيف لم يكن ليقوى على مجابهة ضخامة اجسادهم..كبَّلوه وجرّوه كفريسة حرَّموا عليها الصُراخ و الإستنجاد بمن كان شاهداً على ما حدث..جرّوه على الأرض الخشنة و الشتاء الماكر يُضاعف من آلامه..
آخر ما يتذكره صوت تحرّك السيارة التي أركبوه فيها..و بعدها غاب عن الوّعي لضربة وجَّهَهَا لهُ أحدهما على رأسه..،!




الجزء الخامس

نظرت للورقة جيّداً..ركزت في الأرقام وهي تُقرِبها من عينيها التي ضاقت،أرجعت الورقة للخلف و حاجبيها يرتفعان بتعجب !
زمّت شفتيها بحيـرة وهي تضعها على مكتبها فوق أوراق أخرى اطّلعت عليهم قبل دقائق،رفعت عينيها للجالسة أمامها وبنبرة تعجب يشوبها ضيق بدأ يكتنز في قلبها..

تساءلت،:متأكدة هذي أوراق سُميّة ؟!

تنهيدة خرجت من صدر التي أمامها،كاشفة عن ضيقها الأكبر،و الذي قضى أكثر من شهر في بناء مسكنه داخلها،بحسرة أجابت،:اي هذي اوراقها..اسمها مكتوب بخط يدها ورقمها الأكاديمي..انا مثلش انصدمت أول ماشفتهم وقلت يمكن صار غلط بس الاسم و الرقم يأكدون ان أوراقها
زَفرَت ملاك ويدها ترتفع لجبينها و الأخرى ترفع إحدى الأوراق،و بضحكة خفيفة كانت ردة فعل عكسية للذي رأته،:مو معقولة..اربعة من عشرة و سبعة من خمستعش و المنتصف احدعش من عشرين ! "ارجعت الورقة وهي ترفع يديها بعدم تصديق تَجَلَّى في ملامحها" ماني مصدقة..ليش ما قلتين لي من قبل ؟
قَطبت جبينها،:يوم شفت درجة اختبار الشهر توقعت ان مو دارسة عدل أو ما كانت فاهمة قلت عادي يعني الطالب تصيده اوقات يلخبط،بس يوم شفت الدرجات الثانية وخصوصا امتحان منتصف الفصل قلت ضروري اخليش تتطلعين عليهم..ما عرفت اكلم البنت
اقتربت من مكتبها أكثر و أصابعها حَطّت على الأوراق تتلمسهم وبهمس،:درجتين عن الرسوب في المنتصف..يالله !
نظرت لها ملاك و بتساؤل متوجس،:شنو كانت ردة فعلها يوم شافت الدرجة ؟
رفعت كتفيها بشفتين مزموتين،حرّكت رأسها بالنفي وبهمس نطقت،:عكس ما توقعت،ما اهتمت وكانت ردة فعلها البرود !

اتكأت ملاك بكوعيها على سطح المكتب،شبكت أصابع يديها التي استقرت أسفل ذقنها..حاستها السادسة التي اكتسبتها من خبرة أربع سنوات ونصف تَهمس لها أن فقرة من هذه القصة الغريبة محذوفة..بالأحرى مَخفيّة !

هذا الإنحدار المُخيف في علامات سُميّة من أعلى قِمَّتَه يستطيع عقلها أن يلمح بقايا أحداث شطبتها سُمية و خبَأتها داخلها حتى تجمدت ثُمَّ تَلبستها بروداً أسفله تجري دموع صدى نحيبها يتردد في أُذنها !

رَمشت بخفة وهي تُنزِل ذراعيها و أصابعها لم تنفصل،لا زالت تُحيك خيوط أفكارها التي ولّدها عقلها المُتيقظ..رفعت عينيها للتي أمامها و بإبتسامة خفيفة
،:شُكراً استاذة منار..انا باتصرف
هزّت رأسها وهي تقف،:اتمنى تتعدل امورها،سُمية من الطالبات المتفوقات حرام توصل لهالمرحلة
بنبرة مُطَمئنة،:لا تحاتين ان شاء الله ترجع الأمور طبيعية
،:ان شاء الله،عن اذنش

أومأت لها برأسها و عينيها تنظر للباب الذي خَرجت منه..أخرجت النفس بهدوء و الحيـرة بذراتها الثقيلة تواطَأت لتُحيط بمعصميّها كقيّد يُكبلانها..سُميّة الرابعة على المَدرسة و أكثر الطالبات مِثالية، هذا السقوط الكبيـر و المُفاجئ لدرجاتها أصابها بصدمة وهي التي ظلّت لسنتان ونصف تنظر لها بعينيّ الثقة و الإفتخار..على الرغم من كُلّ ظروفها فهي حافظت على تفوّقها ومثاليتها..طالبة اعتادت أن تراها تُكرّم من قِبل كُلّ مُعلمة

لا تستطيع الجلوس هكذا،حَماسها ودوافعها العاطفية قبل العملية تُجبرها على التصرف بُسرعة،فهن يقتربن من نهاية الفصل الدراسي الثاني،و إن استمرَّ سيل هذه الدرجات من القِرْبة التي ظلّت تَملَؤها لسنوات سينتهي بها الأمر ميّتة كَسَمكة مُنقَطِعَة الأنفاس..لا بُدَّ للثقب أن يُسَد !

وقفت و عينيها تعكس تصميماً و ثقة كبيرة..مشت بخطوات متوسطة خارجة من مكتبها قاصدة صف سُميّة البعيد نسبياً..ستعثر على الفقرة الناقصة،بأي طريقة ستَعثُر عليها..لن تسمح لنفسها أن ترى تَحطُم أحلام إحدى طالباتها،و لن تُسامح هذه النفس إن لم تبذل مابوسعها لترميم هذا الحُلم..هي هُنا في هذه المدرسة الأقرب للطالبات و الأكثر اطّلاعاً على أحلامهن و أهدافهن البريئة..كانت الشاهد على حروفهن التي خَطُّوها ببريق خاطف في عيونهن الطامحة لمستقبل واعد..وهي عاهدت نفسها على أن تواصل معهن حتى النقطة الأخيرة بعد أن تنتهي رحلتهن الطويلة..و ستساعد قدرَ المُستطاع،

توقفت أمام الصف المنشود..اقتربت ورفعت يمينها وطرقت طرقتان ثُمَّ فتحته قليلاً حتى استطاعت رؤية المُعلمة وبعض الطالبات..ابتسمت لها وسلّمت وبعد أن سمعت الرد على تحيتها

،:استاذة بغيت سُمية
،:اكيـد استاذة "رفعت صوتها للجالسة في إحدى الزوايا و التي استمعت للطلب" سُمية المشرفة تبيش
تراجعت ملاك للخلف وهي ترى سُمية تقف ببطئ وعينيها للأسفل..تأملتها وهي تمشي للباب..انكسار يلوح في مُقلتيها ! و كأن رمشيّها يميلان من جِراحٍ لم تتوقف انصباباً من عينيها الصغيرتين..
شكرت المعلمة و أغلقت الباب وسُمية تقف أمامها بصمت وملامح جامدة..

تنهيـدة غادرت صدرها وذراعيها ارتفعتا لتنعقدان فوقه..مشت بخطوات بطيئة وقصيرة، وسُمية تَبِعتها و الصمت ثالثُهما..
واصلا المشي حتى ابتعدتا عن الصفوف و اقتربتا من الساحة الكبيرة..توقفت واستدارت تواجه التي لم تُذيب حرارة الشمس شيء من الجمود الغريب الذي يعتريها..

بهـدوء يتخلَلُه حِدّة نطقت ملاك،:سُميّة،ابي اسمع السالفة من البداية..و بدون لف ولا دوران



انقلب على جَنبِه الأيسر،استكانت حركته لكن أنفاسه كانت الإزعاج الأكبر.. ثقيـلة،تضغط بقوّة كُلّما عبرت قصبته الهوائية فيكون شهيقه وزفيره مُضني لروحه قبل جسده المُتعب..تأفأف وهو ينقلب على الجانب الأيمن،وغطاؤه انحشر بين رجليه وتحت ذراعه اليُمنى..زاد من إغماضه لعينيه يضغط على المشاهد في عقله،يعصرها علّهُ يستخرج ماؤها المُلَقح ببذرات الحقيقة التي اعتلَّ عقله من فرط التفكير فيها..

أبعد الغطاء عنه بضيق وهو يَرفع جسده الذي رَفَض ساعات الراحة القليلة بعد وقوف طويل على أجسادٍ مُخَدَّرة جاءت تستعين به بعد الله ليُداويها..وهو الذي أضاع دواؤه بكلمة أُجبِرَ على نطقها بعد أن انكسر صميم القلب خُذلاناً..

زَفرَ وكفيّه يرتفعان إلى وجهه،مَسح عليه وارتفعت أصابعه حتى تخللت خصلات شعره الخفيفة،واصلت طريقها حتى استقرت خَلفَ عُنُقِه..شَبك أصابعه وأسند ظهره للسرير وببطئ تحرّكت عينيه على الغُرفة...غُرفته التي هَجَرها لأكثر من سنتيّن و كرد دين أصبح هو من المهجورين أيضاً ! تجمعت ذرات الغُبار على جسده الذي أصابته حكة شديدة بات على إثرها ينزف جلّده المُشتاق للإنصهار بحرارة جسد أنثوي حَفِظ أسراره عن ظهر غيّب !

أغمض عينيه للحظة وهو يستغفر بهمس،أنزل كفيّه وعينيه تحرّكت للجزء الخالي من السرير..وسادة واحدة فقط،وسادته ولا ثاني لها،لا أعداد زوجيّة تَذُرَ الملح على الجرح،اكتفى بالوّحدة التي تَجُره في لحظة ضُعف ليَقترن بسكة الماضي الجميـل بطريقة مُبكيّة !

تناول هاتفه القريب،نظر إلى الساعة،كانت تقترب من التاسعة...،قضى أكثر من ثلاث ساعات يتقلّب كالمُصاب بجَرَب يبحث عن النوم بعيداً عن طيفٍ انتشل الراحة منه و حاصرهُ كجيشٍ وجَّهَ سِهامه و سيوفه إلى البؤرة التي يتم فيها اجتراع روحه المُتخبطة بلا دراية،الضائعة التي ضلّت الطريق بعد أن انفصلت عن روح اغترَّت بها لزمن و حَسِبتها أنها هي...، ذّاتها
لا اختلاف يُميّزهما و لا فاصل بينهما سوى الموّت !

ضغط بعض الأرقام ورفع الهاتف إلى أُذنه..انتظر لفترة حتى أتاه الردّ الذي مالت لهُ شفتيه بإبتسامة خفيفة..

،:نعم خير شصاير الا متصل لي هالحزة ؟!

خرجت منهُ تنهيدة حملت معها جزء من الأسى المُتَخِذ من روحه مُتكَأً له..

،:عبـد الله متى بتعقل ؟!

ضحك بسخرية على نفسه وهو يرفع رجل واحدة ليتسقر فوقها كوعِه،و بهمس نطق،:و هـي خلّت فيني عقل ؟!

ابتسم لصوّت ضحكته المُتقطعة،وببحة نوم سمعه يقول،:يـــا لله،مادام انت عارف ان مافيك عقل من الأساس ليش متصل مقعدني من النوم ؟
رفع حاجبه و بِتَهَكُّم،:ياخي مايصير انا اتعذب وانت نايم
بإستهزاء،:اووه تتعذب بعد يالعاشق
تجاهل إستهزائه وبتساؤل،:شخبار برلين ؟

بردت نبرته،و السُخريّة تَلَوَّنَت كَحِرباء وخرجت كلمته لاذعة لنفسه أولاً،:زيـــنة

انتبه لصوّته الذي تغيّر،زمَّ شفتيه وهو يُقَطّب جبينه و سؤال واحد يجول في خاطره..ماهو سِرّك.. !

،:بديت الشغل الا انت رايح عشانه ؟
سمع همهمته وحركة خفيفة و كأنه يقوم من استلقائه،ثُمَّ جاء صوته،:اي شوي يعني
بصدق قال وهو يَجهَل مكنون هذا العمل،:مُوَّفق
:،ويّـــاك خــوك...عبد الله بسكر اللحين سلّم على الأهل
تنهد من هُروبه،:ماعليه يوصل،مع السلامة


،


على الجانب الآخر..بعيداً آلاف الكيلومترات و آلاف الحُفر المدفون فيها ماضٍ تحامل على نفسه وجعل ظَهره مُستقراً له،مُتجاهلاً ما يُسببه له من وَجَع !

أبعد غطاء السرير عنه،أنزل قدميه على الأرض الخشبية وهو يرمي هاتفه من خَلفه بإهمال..وقف بهدوء ومشى ببطئ حتى توقف أمام المرآة..
رفع يديه إلى خِصره وعينيه تتأمل صدره العاري المُنعكسة صورته بوضوح مُقيت،تحرّكت عينيه من بداية عُنُقِه حتى أسفل سِرّته..مال رأسه يميناً و عينيه تضيقان بتركيز تتَّبع طريقاً كان فيما مضى شاهداً على رسم خريطته المُحمّلة بكنوزٍ لم تخطر على عقل رَجُل قطّ !..،استدار فجأة ورأسه يستدير لينظر إلى نهاية ظهره وسؤال عبد الله يتردد على مسامعه..
ظهرت إبسامته المُعتادة وهو يُدير رأسه ويمشي بملل لدورة المياه هامساً لنفسه..

:،زيـنة برلين،تجــنن !

استحم سريعاً،بالسرعة التي تتبدد فيها كُلّ ذكرى جميلة،لمح البصر الذي يرددونه يعيش أقصى سُرعته عندما تتعلق الأمور بالذكريات المعقودة بإكليلٍ من الضحكات و الإبتسامات حَسَنَة النوايا ..،وهو لا زال كفقيرٍ يقتات على الذكرى،صباحاً ومساءً..كساعة التنبيه التي يُوَّقِتَها قبل أن يزور النعاس عينيه الغائب عنهما النوم المُريح..و كديكٍ يصيح مع كُلّ فجرٍ يفتقد فيه شروق شمسه التي ستصحو دائماً و أبداً،ستنقذه من ظلامٍ دامس يختبئ بين ظلاله همسات تقطعها أنياب شيطانية جعلت من إبتسامة الليّث مخبأً لها لتُباغِت روحه و هي تَحلُم !

ارتجف جسده تحت الماء البـارد،غسل شعره وهو يفركه بقوّة وعينيه مُغمضتين تهربان من مشاهد أقسمت أن تزوره بين حينٍ و آخر،لتتأكد أن الفقد حاضراً و الذّات لا زالت ضائعة كطيرٍ اغترب عن سَربِه في موسم الهجرة الطويـل !

خَرج وهو يرتدي رداء استحمامه الأسوّد..شعره الغارق بالماء التصقت بعض خصلاته على جبينه و بداية عُنُقِه..خرج للمطبخ،حّضَّرَ مشروبه الصباحي ذو الرائحة العَبِقة،كوب من الحليب و الزعفران تعتلي سطحه حبات هيّل يستنشقها قبل أن يشرب ليستحضر عقله وجهاً نحتته عُروقه على صفحة قلبه قبل سنوات،و لا زال أثره باقياً على الرغم من عوامل التعرية التي عاشها هذا القلب !

عاد إلى الغرفة وفي يده كوبه،خلع رداءه بيد واحدة وبدأ بارتداء ملابسه بسرعة بحركة اعتاد عليها،رفع كفه وبأصابعه أرجع خصلاته للخلف بفوضوية وهو يمشي بخطوات واسعة إلى باب منزله ليخرج..

استنشق بعمق وصدره يستقبل نسمات الهواء الدافئة،مِعطفاً وهمي يُخفف برد عِظامه الأزلي..نزل العتبات الأربع لتستقر قدميه الحافيتين على الحشيش الطريّ،أنزل رأسه ينظر للأرض المُخضرّة و أصابعه العارية تتحرك بمُتعة على الحشيش..خطى خطواته البطيئة ،يد تحمل الكوب و الأخرى خلف ظهره...مشى بصمت و هالة سُكون تُحيطه،لا أصوات بشر يتدثرون خلف مئات من الأقنعة ولا أصوّات إزعاج السيّارات و المركبات الثقيلة...لا تلوّث بصري ولا سمعي ولا إجتماعي !

واصل مشيه و خطواته لم تتحرر من بُطئِها،إسترخاء تام و نسيم مُحمّل بعبق أزهار الصيّف المُنعشة..أصوات ماشية قريبة جعلته يُدير رأسه،أحد المزارعين يُطعم بقره وخرفانه ذات الصوف الكثيف..و آخر يُراقب إوَّزه كيف ترفع ريش مؤخرتها بغرور مُضحك لتسترخي على سطح البحيّرة الراكد ماؤها...ارتشف من كوبه وقدميه حطتا على بُقعة مُبللة،اقترب من شجرة عملاقة ظلّها يسع خمسون وجذعها العريض المُنتشرة فوقه تصدعات عريضة تمسكت جذوره المُسنة بالأرض بالقوة ذّاتها التي تتمسك بها يد الوليد بإصبع أُمّه !

رفع يده للجذع عندما أصبح تحت ظلّها..مَرَّرَ أصابعه على الشروخ و الشقوق العشوائية،يستمع لشكواها ويَدهُ تتحسس جروحها..تشكي خائناً استظل بها وأشبع جوعه بثمرها ثُم أخرج فأسه من خلف ظهره و بدأ يشكرها على طريقة الإنسان الغجري..ابتسم، فهو ويا للغرابة قد فَهِمَهَا،اختلاف تامّ بين خلقيّن من مخلوقات الله،لكن بصمت و لمسة و ضجة سُكون استطاعا أن يتفاهما..فالنار التي أحرقتها ذات يوم أحرقته أيضاً !

استدار و أسند ظهره لجذعها....عينيه تتأمل الريـف الفسيح من حوّله وداخله يُردد التسبيح لخالقٍ أبدع في خَلقه..خلق لا تشوبه أيّ شائبة...،تـلال خضراء يانعة وحشيش تتراقص فوقه قطرات ماءٍ عَذبة،بُحيّرة صافية ترى على سطح ماؤها أجمل انعكاس لصورتك،كوخه الصغير نسبياً يستقر في إحدى البُقع،الريـف يُشبهه كما يقول هاينز !

مؤسف جـداً أن يجتمع في المكان نفسه ذكرى سعيدة و أخرى حزينة..حينها يضطرب القلب لإرتباطه بأسوء قرار..النسيان !جزء منه يُرَجّح التخلي عن ما أشعل فتيل الحُزن وجزء يرفض أن يستغني عن مكان ذات يوم ترددت ضِحكته بين أرجائه..،!

،:المشهد نــاقص !

رَفَعَ الكوب و ارتشف ببرود دون أن يلتفت للذي وقف بجانبه ..،

،:ينقص المشهد أنثى بارعة الجمال رأسها على كتفك وذراعك تُحيط خصرها النحيل..يااااه سيكون منظر مثالي

نظر له و السُخريّة تملئ عينيه..حرّك رأسه باستخفاف للنبرة الحالمة التي نَطقَ بها،تفكيره في بعض الأحيان ينحرف عن الطريق..،

ببرود قال،:هاينز لا تحلم كثيراً عزيزي لكي لا يأتي يوم و تبكي لعدم تحقق هذه الأحلام

تحرك خطوة ليقف أمامه وبجديّة قال،:عزيزي الحُلم لا يطلب جُهد ولا مادة،فلنَحلُم فإن تحقق فهذا شيء جميل وإن لم يتحقق فنحن في النهاية لم نخسر شيء

رَفعَ حاجبيه وفمه يميل للأسفل بتقييم،:كلام رائـع..
ضحك،:قرأته البارحة في أحد الكُتب..أنهُ كتاب مفيد يجب أن تقرأه
أبعد ظهره عن جذع الشجرة التي احتوته لدقائق..تكاشفا هُما الإثنان..هي شكت وهو تقبّل الشكوى بصدرٍ رحب..اعتدل في وقفته و مشى مع هاينز الذي واصل حديثه..

،:توقعت انني سآتي و سأجدك لا زلت نائماً
،:جائني اتصال من البلد و أيقظني
،:هل جهزت كُل شيء
همهم دون كلام
،:ألا تُريد مُساعدة ؟ أنا جاهز لأي شيء
،:لا تقلق هاينز أنا بخير،اهتم بعملك فقط
،:لا تنسى عند السابعة مساءً
،:لا تخف فكُلّي مُتحفز
غيّر هاينز الموضوع،:كيف هي والدتك..لقد وعدتني في زيارتك السابقة أنك ستأخذني معك لتُعرفني عليها هي و والدك
بسخرية همس لنفسه،:اي لان أمي فاضية لك
،:ماذا قُلت ؟
،:اقول ان والديّ ليسا اجتماعيين..لا اعتقد انهما سيُرَحّبان بك ترحيب يليق بك
نظر لهُ بطرف عينه،:انا اعلم انك في داخلك لا تريدني أن اتعرف عليهما..لكن لا يهم سآتي الى بلدك
،:حيـّاك
بضيق،:تكلّم الألمانية،أشعر بالغباء عندما تتحدث بلغتك
ضحك بصوت عالٍ،:انت في كُل الأحوال غبي
،:هذا ليس مُضحكاً موهاميـد !

توقفا أمام كوخه،رفع رأسع وعينيه ضاقتا من قوة شعاع الشمس المُتوزع بكُل حُرية على المكان..خَرجَ صوّته بعـيداً،مُنحشراً بين دقائق الساعة السابعة..،

،:الشمس قوية اليوم..اتمنى أن تنتصر على الظلام !

أنزلَ رأسه ونظر لهاينز الذي كان يتأمله بإيتسامة تتستر على خوفٍ فضحته عينيه الواسعتين كاتساع عينيّ طفل بريئ..

زمَّ شفتيه وأصدر صوّت مُستنكر قبل أن يقول،:لا تخف هاينز،كل الأمور ستكون بخير.."و أكمل بالعربية" ان شاء الله

تقدمه وركب عتبات كوخِه وهو يقول مُحاولاً تغيير الجوّ..

،:بالمُناسبة ليس موهاميـد بل مُحَمَّد...تحتاح إلى تدريب مُكثَّف لتتقن نطق اسمي !



صوت حركة خفيـفة تداخلت مع أحلامه القابعة عند فجر الأمس المُتَلَبِس بهمسات أنثوية داعبت مسامعه و أيقظت ذلك العِرق الذي غَفَى على وَجل ينتظر تلك التي عاهدت بالبقاء قبل أن يقطع طريقها قمراً ظنَّ أن بضوءه سيُنير حياتها حتى بابعادها عنه ..!

فَتحَ عينيه و تعقيدة بين حاجبيه الكثيفين..أغمضها لثانية ثم فتحها لتعتاد على ضوء الشمس القوّي،حرّكها ببطىء نُصفه نُعاس مُتكاسل..توقفت عدستيه عليها،مُديرة ظهرها له..شعرها الداكن الذي تَلَّحَفه صدره قبل ساعات مُسترسل بتَمَوّجات جريئة على كتفيها وظهرها،أنفه لا زال يحتفظ برائحة أريجه بعد انقطاع طويـل لفصل إِزْهَارِه..،

رفع ظهره قليلاً و بذراعه اتكأ على السرير،كانت ترتدي ملابسها على عجل..نطق بتساؤل مبحوح

،:بتمشين ؟

استدرات له وصوته المُحبب لقلبها أوقف تَحَرُّكها..عَضَّت على شفتها السفلى وهي تقترب منه..همست بعد أن جلست على السرير بجانبه..

،:آســفة أزعجتك

تراجع ظهره وهو يستلقي مُجدداً و كفه استولت على أصابعها و احتضنتها بشدة مُتَرَقِقَة،ابتسمت له بنعومة ويدها الحُرَّة ارتفعت لشعره المُبعثرة خصلاته من النوم..آثار النُعاس بادية على وجهه الوسيـم..عيناه تَرمشان بكسل أثار نبضها الذي لم يُكفيه ارتواء ساعات الفجر الخاطفة للأنفاس..،فالظمأ في حضرته و غيابه أكبر أسقامها !

تساءل ثانية،:بتمشين؟

تنهيـدة باغتت شهيقها و خرجت بكآبة بالغة أضحكته..انتقلت أصابعها لخده و قرصته بخفة وهي تهمس من بين اسنانها..

،:أحمــد،لااا تضحك..ادري فيك تتطنز

رفع حاجبه بمكر،:ليش تعاندين..عيونش تقول ان تبين تبقين
مدت شفتيها بحيرة قبل أن تقول،:بس ما اقدر أبقى..اخاف ماما تنتبه

أنهت جُملتها ثَّم زَفرت الضيق الذي في قلبها،تعانقت عينيها بعينيه..وهو استشف ذلك الضيق..التف خيّط كَذِبها حوّل إبرة التأنيب و بدأت بوخز ضميرها المُتَجَليَّة معالم أَسَفه على وجهها الحائرة ملامحه..،قَرَّب يدها من شفتيه التي قصدت باطن أصابعها لتُلقي تعويذة سِحرها بقبلات سريعة ،كهمسٍ عذب ارتعشت لها أعصاب حسّها..مال رأسها وعينيها انغلق نصفها من فرط الأحاسيس التي تجمعت فوق جفنيها الراقصة رموشهما بخجل أنثوي يعلم جيّداً كيف يجعله يَتَمَرَّد على شخصيّتها الحافظ لأسرارها..، سحبها بخفة وهي في سَكرَتها لترى نفسها مُحاصَرة برائحة أنفاسه..إدمانها الذي شفت منه لفترة..،

كان خبيراً في القُبَل ..شفتيه تعرف طريقها جيّداً،تتخيّر المواقع التي يلتهب لها جلّدها الرقيق بمُجرد اقتراب جمرة قُبلته..فيلسوفاً هوَّ عندما يُقبلها،يكتب فصولاً جديدة ويستحضر
حروفاً و يعقدها كلمات حُب تُغنيها أنفاسه على لحن نبضها المُتَأرجح على شرايين قلبها الذي تَبَنَتْهُ كفيّه الدافئتين في شتاءٍ ذكراه بَقيت مُخلَّدة..،

صوّتُ رنيـن الهاتف تجسس على خلوتهما،فَصَلَ الإقتراب و أنقذهما من الذوبان في بحر المشاعر السابحان فيه دون حماية و توخٍ من خطر يلوح في الأفق البعيد..ابتعدت عنه بأنفاس لاهثة..عبرت قرون العشق و الوَله في قُبلة ثُمَّ عادت تُنعِش رئتيها المُتشبعتين بعطره القوّي..ارتفع جفنيها كاشفيّن عن عينيها المُضطربة عدستيهما البُنيتين..همست له بعد ان ازدردت ريقها لتسترجع صوتها..

،:حبيـبي لازم امشي،هذي اكيـد ندى

قبّلت ذقنه بخفة قبل أن تبتعد واقفة و أصابعها تُكمِل إغلاق أزرار قميصها المفتوح نصفه،ارتدت عباءتها و حجابها على عجل..جَمعت حاجياتها البسيطة في حقيبتها الصغيرة وهي تستمع لصوته..

،:جَنَّتــي...،كلميني اذا وصلتين البيت
وهي تقترب من الباب،:لا توصي

فتحته ثُمَّ ارتفعت يدها لشفتيها طابعة قُبلة لوّحت لهُ بها وهي تقول،:مع السلامة يا عمري..كمل نومتك

،

أغلقت باب السيارة بهدوء..سلّمت بهمس وجسدها يغوص في الكرسي الفسيح..جانب رأسها
استند بالنافذة و عينيها تلتقط آخر جزء من مبنى الشقة التي تبتعد عنها السيارة شيئاً فشيء..

زَفرت وهي تُدير رأسها لصديقتها لتجد إبتسامة واسعة على شفتيها و يبدو أنها قريباً ستتحول إلى ضحكة عالية !

،:نــدى ليش تبتسمين ؟!

فعلاً..ما ان أنهت جُملتها حتى اعتلى صوت ضحكتها حتى تطافرت الدموع من عينيها..اعتدلت هي في جلوسها ويدها تحركت لكتف صديقتها تضربه بخفة و لسانها ينطق بقهر..،

،:ندى بلا نحـاسة لا تضحكين

رفعت ندى يدها إلى فمها تُكبح ضحكتها القوية و بطرف عينها كانت تلمح القهر على وجه صديقتها..تنفست بعمق قبل أن تقول بصوت لا زالت الضحكة نبرته..

،:خسارة يا جنـان ما كنتِ تقدرين تشوفين وجهش و نظراتش..تقولين طفل مرجعينه غصب من الألعاب !

أشاحت وجهها عنها وهي تعقد ذراعيها على صدرها،:سخيــفة،كلش مايضحك

تحمحمت و هي تمسح دموعها و ببحة قالت،:زيـن خليش من هذا،شهالتطورات بعد،صارت عندكم شقة على البحر،ليش ما قلتين لي ؟!

إبتسامة خفيفة عانقت شفتيها المملوءتين بنعومة قبل أن تهمس،:ما كنت ادري،البارحة فاجئني فيها

رفعت حاجبها و بخبث قالت،:خلاص يعني صارت مُلتقى العشاق بعد سنين من التَشَرُّد ؟

نظرت لها للحظة ثَم أبعدت عينيها وهي تُحرك رأسها بسخرية،:اي تَشَرُّد ؟! شهالحجي ندى..عليش مصطلحات ما ادري من وين تجيبينها !

مالت شفتيها تصطنع الزعل،:والله من القهر ما تعرفين تنطقين ربع الا انطقه "نظرت لساعة السيارة" زين اللحين اذا رجعتين البيت شنو بتقولين لخالو ؟

تنهدت و ذراعيها فكا عُقدتهما بعد أن انعقد شيء موجع في قلبها..رفعت يدها لجبينها مُتحيرة..أغمضت عينيها للحظة قبل أن تهمس

،:اهم شي انها شافت الواتس اب و عرفت أن راسي يوجعني يعني و لا احد يقرب من غرفتي.. "ثم أكملت بقلة حيلة" و اذا رجعت بقول لها طلعت اتريق ويا ندى "ابتسمت وعينيها تحركت لها" كالعادة انتِ المُنقذة ..

بنظرة حادة قالت،:ايــي اللحين المنقذة..بعدين انا بحتاج الى منقذ اذا عرفوا بالبلوة الا انتِ مسويتها !



يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:53 am


الأمس،الثانية مساءً..

كان يجلس مع زوجته في غرفة الجلوس الكبيرة ذات الأرائِك الكلاسيكية،ينتظرون قدوم ابنتيهما الوحـيدة مع زوجها للغذاء،كان غـارق في مشاهد احتوّت ذكريات كُلّما استعادتها ذاكرته أسِف قلبه عليها..،أصابع كَفه تتحرك ببعثرة على فخذه،يرسم بعشوائية على بياض ثوبه سيناريو مُعاكس للخمسة عشر عاماً التي مضت..،خطوط كِبَر السـن لوّن طيّاتها سوّادٍ توشح أسفل عينيه لغياب النوم عنهما لفترة أنهكته نفسياً..فَدْاءُ النفس يجيئ المرء بوجع يُقاس بضعفان من داء الجسد..فجرح الجسد لا بُد أن يندمل..، لكن ثغرة الروح بماذا تُرَمم ؟!

ازدرد ريقه عندما اختلط صوت البُكاء في مَسمَعه،بُكاءان تقلّد كُل واحد منهما فترة زمنية مُنفصلة..هو كان مُسببهما الأول..،اعتصر قلبه للبكاء الأول..و مات في البُكاء الثاني..،برجليه و دون دراية وطأ زَهرته..،أراد أن يُسقيها زُلال لكن أُجاجاً كان سُقياها..،أُجاجٌ سقاها حتى أدمعته عينيها المُحترقتين من ملوحة تمرّغت فوق جرحها الطريّ..

داوى فجَرَح،ثمَّ داوى و ها هو يتربص جُرحاً آخر..يراه مُلوّحاً من بين عينيّ أميرته..،يراه في حركة رمشيّها،و تستشعره كفيّه من ارتعاشة أطرافها..دفئ يديه حاصرته برودة جسدها الصغير النائم كملاكٍ تحت غيّمته المًحمَّلة بأمطار وثلوج قد لا تقواها روحها الهشة..،

،:ابو حنيــن،الجرس يدق بنتك و زوجها وصلوا

رمشت عينيه ثُمَّ رفعهما ببطئ..ظلَّ ينظر لزوجته لثوانٍ بصمّت ..،زَفر بهدوء ثم وقف ليتقدمها بخطوات ثابتة وهو يقول

،:تعالي خل نستقبلهم

رافقته زوجته الى الباب الداخلي..فتحه هوّ و وقف مُقابلاً للداخليّن..ثوانٍ وبان أمام عينيه وجه محبوبته الأولى،تقف بنعومتها بالقرب من الذي أختارهُ زوجاً لها..كان يسمع ترحيب زوجته بهما وهو غائب في تأمله لوجهها الأجمل بالنسبة له..،

يعرفها أكثر من أي شخص آخر،حتى والدتها،يستطيع أن يقرأ التردد الذي تعيشه وهي تُجاهد إبتسامة خائفة..،اهتزاز ذقنها الناعم التوى لهُ عِرق في عُنُقه يتصل مُباشرة بجَوَى القلّب..، و لمعة الدموع في عينيها حَطَّمت المنبر الذي اعتلاه في عقله ليُحادثها من فوقه بجديّة مصطنعة..،لكـنه ضعيــف،و جــداً أمام صغيرته..أنثاه الوحيدة التي تُصيّر أفكاره سراباً،و تُغدِق على روحه بنظرة من عينيها و إبتسامة من شفتيها أزهاراً بتلاتها تشبعت من عطرها الخـاص المُداعب لأنفه مُنذ يومها الأوّل..،

نطقت بحشرجة،:بــابـ ـا

كَتمَ شهقتها في صدره،مكانها الوحيد وملجأها في حزنها و تَرَحِهَا،احتضنها بحنان أب سافر النوّم من عينيه عقاباً لكلمات نطقها في لحظة غضب تناسى فيها هذه الصغيرة...صغيرته و لوّ بعد قرن،!

مَسَحَ على رأسها بكفه العريضة وهو يُشدد من احتضانه لها..،يديها الصغيرتين تضغطان على صدره،فوق قلبه..و كأنهما تُعاتِبانه على قسوّته الغريبة..،رفع رأسها لتتضح له ملامحها المغسولة بالدموع..مسح فيّض عينيها بإبهاميّه،طبع قُبلة على جبينها قبل أن يهمس..

،:آسف حبيبتي..سامحيني حنين

احتضنت كفه بكلتا يديها وهي تقول بصوتها الذي اخترق شهقاتها،:لا بابا انت الا سامحيني "قبّلت يده" ما كان قصدي ازعلك..،آسفة بابا

ابتسم لها تلك الإبتسامة المُتَجَمِلة بحنان الأبوّة..إبتسامته رَشَّحَت ذرات القلق العالقة في قلبها و سهّلت مجرى شهيقها و زفيرها بعد أن قضت ثلاث أيام تَجُرُ النفس من فوق صهوة ضميرها المُقيّد بجدائل من الذنب الخانق..،

،:راضي علييّ

تنهد وقُبلة أخرى تركتها شفتيه على جبينها كتعويض لليلة زفافها المُفتقد لقُبلة أب مُحَمَّلة بدعوات

،:راضي يابنتي راضي

,



استيقظ على أصوات سيّارات توحي بانحصارها وسط زُحام كبيـر..،فتح عينيه ببطئ و هو يشعر بوخز خفيف فيهما..، نظر لمكان استلقائه و علامات استفهام ارتسمت فوق عقله عندما استوعب عقله أنه نائم على الأرض..! رفع ذراعه اليُمنى المُتصلبة..دعك عينه برسغه لثوانٍ ثم أبعدها لتتضح له رؤيتها..
اتسعت حدقتيه وهو يقفز من مكانه بطريقة فاجئت أعصابه المُسترخية..شعرَ بألم في عضلاته لكنه لم يلتفت له..فكُل ذرة في خلاياه تنصبت حواسها للذي فوق يده..،أحمر قاني تشعب بين فراغات يديه حتى نصف ذراعه..رفع يده اليُسرى لتصطدم عينيه بالبقعة الكبيرة في باطنها..،

ارتعاشة عنيفة نالت منه..استسلم لها ونظره يتتبع قطرات الدم المُتفرقة على الأرض..تجمعت في بقعة ثّم انتشرت ببعثرة..،نزل على رُكبتيه قُرب البقعة الكبيرة..انكمشت ملامحه من الرائحة..،حرّك رأسه و الاستنكار تشنج عند صدغيه..،ازدرد ريقه بصعوبة و للحظة شعر بأنه يزدرد الدماء معه..،همس برجاء

،:لا ياربي..لا لا يا ربــي

وقف من جديد وهو يدور حوّل نفسه بتَيّه،ذراعيه تتحركان باضطراب و دموع ضَعف باغتت عينيه المذهولتين..،كان يخطو بضياع و الصدمة جعتله مُستضعف لا حيـلة له..،يبحث عن إجابة بين أنفاسه المُتخبطة و التي رُبما حَملت معها روائح الساعات الماضية..،أوقفه الحائط، وضع جبينه عليه..،أسند يديه بالقرب من رأسه..أرجع جسده للخلف وبقوّة جذب نفسه للأمام ضارباً برأسه عَرضه..أعاد الكرَّة مُتجاهلاً الوَجع..كان يضرب بعنف مَقصده عقاب لفعلته..،يضرب و عقله بدأ بتنشيط ذاكرته ليسترجع جنونه..،تذكر الوجه المُلطخ بالدماء المُغيَّبة ملامحه من الكدمات..،و أُذنه تستمع لشريط الصراخ و التَرَجّـي !

سقطت ذراعيه بجانبه،استدار وجسده يستسلم للقاع بقلة حيلة..،رفع رُكبتيه وهو يجلس برجلين مفتوحتين اتكأ فوقهما كوعيه..وكفيّه تركت زمام الأمور لأصابعها التي بدأت بشدّ خصلات شعره..صـــرخ من أعمق نقطة في روحه وصوت صرخته تردد بين جدران الغرفة التي شهدت على جرائمه..،سقطت من عينه دمعة تجرَّعها مُستشعراً مرارتها..تذوَّق لسانه ضَلَالِه واختلط ريقه بمذاق هَوانه..،مركز الضياع داخله يزداد في جَذب روحه..،ذاته و من زمن لَحِقَت بعداد التائهين..فاتها القطار و بقيّت مُعلَّقة كقطرة غيّث تلاشت سُحابتها قبل أن تستوي بحراً..!


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:54 am


بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله


،


فَقدُ ذّات

العَرق يتصبب من مسامات صدغه النابض فيه عِرق يكاد يخترق جلده من نُفورِه،لُهاث أنفاسه يخرج مُستَلاً معه رُّفات روحه المنسية على باب حُلم...،جسده يرتعش بأكمله و أقصى ارتعاشاته تُعانق يده العائشة زلزالها الأعظم..ازدرد ريقه للمرة الألف و الصوت يعود ليزيد من ثورة ارتباكه..

،:اطلق

أغمض عينيه يَهرب من المشهد..رجلاه تتخبطان على الأرض و جانب جسده يميل باجتذابٍ لقاعٍ لا نهاية له..فتح تلك الغائبتين في بحر لُجِيّ لا مد له يُفرغ صبيبها المالح..زَفرَ بحرارة وصوت نبضاته صمَّ طبلة أُذنه..

،:انتهز الفرصة و اطلق

صَرخ و القهر ينفلت من لسانه بكلمات فقدت صِبغة صبرها،:لا استطيــع،لستُ بمجنون لأقتل روح
اقترب منه بإبتسامة زادت من غضبه..إبتسامة تلوي شفتيه مُكَوِنة خطوط صغيرة حول فمه بين طيَاتِها جليد جارح..،رفع ذراعه التي انخفضت بضعف،ثبت السلاح في يده و رأسه يقترب هامساً في أُذنه
،:رَكز،فقط تذكر ما تعلمته خلال الشهور الماضية..لا تخف فَكُل بشر على هذه الأرض تأتيه لحظة ينسى فيها إنسانيته..يستستلم للشيطان و يبدأ بتطبيق تعليماته
فتح فمه يُريد أن ينطق،أن يُعارض كلماته الخالية من الصحة لكن ذاك واصل بثبات
،:حدد هدفك،و تناسى ضميرك الذي لن ينفعك و الموت ينظر لك بعينيه الشرهتين "و بإصرار" اطلق

ببطئ ارتفعت يده اليُسرى ليستقر السلاح على باطنها..و كأن كلماته مُخدراً أصاب عُروقه بتبلد وليد اللحظة..

،:اطلق

ضغط بأصابعه وسبابته باهتزاز تحسست الزناد..تذكر الصفائح و إصابته للهدف..تذكر الصراخ و الضرب..حتى الرائحة حملتها الرياح وهاجمت شُعيرات أنفه لتَفتح الجرح من جديد..

و كأنه يقرأ أفكاره،:تذكر و اطلق

أغمض عينيه يُصارع ضميره القريب من قبرٍ سيتوسده قريباً،فتحها و وجوه تداخلت عليه مشوشةع ليه الرؤية..نفسه تُجاهد نفسه..و ما اصعب جهاد النفس !

،:اطلق

كلمته حركت عضلة سبابته..أصمَّ أُذنيه عن أصوات تصرخ داخله..ضغط على الزناد ليتراجع خطوة للخلف و السلاح ينفلت من يديه..

صوت إطلاق النار اخترق الغشاء الذي أحاط ضميره..انفلتت منهُ شهقة أدمت حلقه و جَوفه أفرغ التأنيب دماً تناثر على ملابسه..سقط على رُكبتيه و عيناه شاخصتان برُعب على الجسد المُلقى أمامه..هَمس و الضياع رسم بؤسه على وجهه الشاحب بفزع..

،:ذبحــته !





الجزء السادس

تذكرتان للمَنفَى..!

هذه الجملة التي نطقها عقله فور استلامه للتذكرتان اللتان ستقلّانه هو و من أصبحت بين ليلة و ضُحاها عُنصراً خامل يتسكع بين ساعات يومه ببرود دون إرسال أي شرارات أنثوية قد تُحفز رجولته...،رُبما هذه السفرة قد تُحدِث تفاعلاً يُنَشطها و يقضي على التثبيط القابع بينهما..،قرر أن يُنفَى معها،أن يبتعدان عن كُل ما يُحَفِز ذكريات ليلتهما الأولى..تلك الليلة التي بدأت وانتهت دون أيّ اقتراب يُذكَر..،

ابتسم لسخافة أفكاره وهو يلتفت نِصف التفاتة للتذكرتان المَرميتان بعدم ترتيب على المقعد بجانبه..،تُشارِكانِه الفوضى و الإهمال..
زَفَرَ و أصابعه تطرق المقوّد بتفكير حاصره في الأيام الماضية.. شجار الأب و ابنته لا تزال علامات إستفهامه تَحُطُّ على رأسه..،بدأت المُشكلة بينهما وانتهت وهو الجزء المخفي فيها..،لا يَعلم ماهيّتها ولا أسبابها..،فقط شَهِد على فصل يبدو من لقاء الاسبوع الماضي أنهُ الأخير فيها..

رَفضها لِأن تُزف ،انعكاس سواد عباءتها في عينيه ليلة عُمرهما..،بُكاءها و تَجاهلها الواضح..،كُل هذا تجمع في عقله التي بدأت خيوط أفكاره تُحيك وشاحَاً سيتخذ من عُنُقِه ملجأً للإلتفاف لخنق النفَس تحت بوابة الشك !

الشك الذي جاهده و صارع أسوار سِجنه بكل قوّته،تجاهل كلمات أخته المُنهمرة على مسامعه..تغاضى عن الجلّيد المُكتنز في مقلتيّ تلك الغريبة..،حَاولَ أن يُخلق الأعذار،أن يعجنها صلصال بين كفيّه،يُصيّرها بالشكل الذي يُرخي عقله ويكبح أفكاره الغازية قلبه بلا رحمة..،

توقفت سيّارته في موقفها في باحة المنزل..،نزل منها حاملاً التذكرتان في يمينه..و يساره اختبأت في جيب بنطاله الخلفي،يخفي البوّح الذي قد تُترجمه خطوطها على شكل كلمات تُسطَر في الصفحة الخاطئة..،دقائق و أصبح أمام باب جَناحه الخاص..فتحه بهدوء، تحركت عينيه على المكان الساكنة حركته..،بحث عن أثر لها في غرفة الجلوس لكن لم يَجد شيء...كالعادة !

توقع أنها في الغرفة..لذلك تحركت خطواته ناحيتها..لكن عينيه تحسست ضوء ينبعث من غرفة أخرى..ارتفع حاجبيه بعدم تصديق و التوت شفتيه بإبتسامة ذات معنى،همس لنفسه وقدمه تحركت إلى هناك..

،:و أخيــراً !



انتهت من ترتيب ما اشترته قبل أيام مع حــور..تراجعت للخلف قليلاً و يدها اليُمنى مُستندة على حافة خزانتها و اليُسرى استقر ظاهر أصابعها على خصرها النحيـل..مدت شفتيها للأمام و رأسها يميل ليسارها و نظراتها تتحرك على ملابسها المُكدسة بترتيب..تحتاج إلى خزانة أكبر..،

أغلقت باب الخزانة و ابتعدت لمرآتها..رتبت ملابسها البسيطة..ملابس منزلية ناعمة،بنطال ضيّق أبيض يصل حتى أسفل ركبتيها تُزينه نقشات لزهور صغيـرة وردية فاتحة كلون سترتها الخفيفة ذات الأكمام القصيرة..رفعت شعرها حتى قمة رأسها وثبتت خصلات غُرَّتها الطويلة بعد أن طوت طرفها القريب من مُقدمة رأسها في جهتين مُتفرقتين ليُضفي على وجهها طفولية تُناقض تضاريس جسدها الأنثوية..

خرجت من غرفتها ليستقبل أنفها رائحة الطعام الشهية..ابتسمت بحنان لوالدتها التي كانت تَهُم خارجة من المطبخ وفي يدها الطبق لتضعه على السفرة فوق الأرض..انضمت لها تُساعدها في نقل بقيّت الأطباق..،جلست معها على الأرض بعد أن وضعت الماء و الكأسان..سمّت بالله و قرّبت الشوكة من فمها تمضغ قطعة الدجاج الغارقة بالجبن السائل..سمعت صوت والدتها وهي تزدرد اللقمة

،:شصار على سُميّة..صح هذا اسمها ؟

هزت رأسها بالإيجاب،:ايي سُمية "اتبعت جوابها بتنهيدة ثمَّ واصلت" ما صار شي،البنت مو راضية تتكلم

وهي تأكل،:زين يا بنتي يمكن البنية عندها ضغط أو صادها عدم فهم للمقرر خلى نتايجها تنزل

حركت رأسها بالنفي وهي تقول بثقة،:لا يُمـه انا متأكدة الشي ماله دخل بفهمها و بالمقررات.. الموضوع سببه شي ثاني

ابتسمت لها ورأسها يميل وبمُزاح،:و شنو هالسبب يالمُحامية ملاك ؟

ردّت لها الإبتسامة و برفعة حاجب نطقت بكلمة واحدة،:ابــوها

بتعجب،:ابوها ؟! و شفيه ابوها ؟

تربعت في جلستها وهي تقول،:الله يسلمش انا لحقت على اختها الا اكبر منها بسنتين..و كانت مثلها شاطرة و متفوقة،بس كانت غير عن سُمية فيها شطانة"ضحكت بخفة ثم أردفت" وعلى قولة بعض المُعلمات فيها هبالة شوي ..كانت كله تردد أن نهايتها البيت مقابلة زوجها و اولادها لا جامعة ولا هم يحزنون !

و بلَبابَة قالت والدتها،:يعني ابوها من الرافضين لفكرة الجامعة

اتسعت ابتسامتها،:بالضـــبط..و انا اقول ملاك طالعة على من ذكية

ضحكت على ابنتها،:كملي كملي

ضربت بخفة على فخذها براحة يديها،:المهم..انا شاكة ان البنت جاها نوع من التَبلُد من رفض والدها..فعقلها قام يقول لها شالفايدة من الدراسة ما دام نهايتها البيت ؟..ما دام مافي حلم ليش التعب اللحين ؟ لا تقدير ولا اهتمام ولا تحفيز،ففضلت الاستسلام و لا انها توصل للنهاية و تصطدم بالرفض الأكيد

تناولت لُقمة ثم قالت،:زيـن وانتِ شنو بتسوين "و بتحذير وهي حافظة لتفكير ابنتها" ملاك ارجوش لا تتدخلين بين البنت و ابوها..سوي الا تقدرين عليه بس بدون مشاكل

إبتسامة جانبية ذات معنى ظهرت على شفتيها وهي تقول بثقة،:لا تخافين يُمه ملاك تقدر تحلّها بهدوء و بدون مشاكل

بتنهيدة،:اكلي يُمه و الله يسهل امورش



تغسل صحنها بعد أن أفرغت نصف مُحتواه في سلة المهملات..،لم يستطع حلقها تقبل الطعام الذي أعدته،فلسانها استطعم مرارة الضيق الذي شاركها إعداد العشاء..،كُلّما زارها الملل و ترك مُخلفاته في روحها الوحيدة عاد شعور الندم و استحوذ عليها..،ليتها أكملت دراستها الجامعية و تخرجت بشهادة تُساعدها على العمل الذي قد يشغلها لنصف يومها بعيداً عن فوضى المشاعر التي تنتصر عليها في وحدتها...مالت شفتيها للأسفل وهي تُفكر في اقتراح ملاك الذي عرضته عليها قبل فترة وصمتت عنها بعد أن واجهتها بالرفض..حالياً هي تحتاج لمُحرّك يزيد من سرعة حياتها المُتأرجحة على ظهر سُلحفاة تجاوزت المئة عام ! و الدراسة أقرب مُنقذيها..و في الدراسة فوائد جمَّة...عشرون في واحد ! و العشرون تتعلق بذلك المُسَمَّى شريكها..

ارتفع حاجبها عندما لمحتهُ بطرف عينيها يدخل المطبخ،ابن حلال !

سمعت همس سلامه وردت هي بذات همسه..جففت الصحن الذي استغرق غسلها له أكثر مما يحتاج..،وضعته في مكانه ثم ابتعدت عن المغسلة مُشغلة نفسها في تجفيف يديها..،نبضها تحفز لحركته،و نَفَسها بدأ مقطوعته المُزعجة..،كانت تشعر بخيال طيفه المُتحرك بسرعة في المطبخ،تناول المغلاة وغسلها..وضعها على الفُرن وهو يتلفت يبحث عن شيء ما..تراجع مُبتعد واصطدم بمنضة المطبخ..رفعت عينيها ليتضح أمامها بكامل هيئته..تجاهلت حديث نفسها و بدأت بالتركيز على حركاته الغريبة..،

فتح الثلاجة مواصلاً بحثه..حاستها الأنثوية التي ظلّت تُراقب تصرفاته الخارجية طيلة سنوات زواجهما همست لها مُفصِحَة عن الذي يبحث عنه..تنهدت وهي تقترب خطوة وبصوت احتواه هدوء مهزوز نطقت

،:في الباب..على يمينك

استدار لها بحركة مُفاجأة جعلتها ترجع الخطوة التي تقدمتها..تنفست بثقل وهي تُعيد جملتها و اهتزاز صوتها فُضِح..

،:على يمينك

أعاد رأسه للأمام وهو يستدير بنصف جسده لباب الثلاجة المُتعدد الأرفف..،تناول الحليب وأغلقه وهو يعود إلى الفُرن..،ملئ المغلاة بيّد انعقد لرجفتها حاجبيها المرسومين..،حاول ان يُشعِل النار لكن انسلال القوة من أصابعه لم يُساعده...
اقتربت منه ببطئ..مدت يدها عندما توقفت بجانبه،تُفصلهما خطوتان من غُربة و ذكريات !
و بضغطتان أشعلت النار..

،:مشكورة

لم تُعَقّب على شُكره الهامس،نبرة الصوت العزيزة على قلبه..فعيناها تعلقتا بوجهه المُتصلّب،لا أثر لخطوط تتبعها لعلَّها بقرآتها لها تستيطع استنباط سرّ من أسراره..عينيه بهما ذبول مُوحِش،يعيشان فصل جفافهما ببؤس جليّ..أهدابه تنسدل بنُعاس أشبه بهروبٍ من الواقع إلى حُلم قابع في ذاكرته...لم تستطع رؤية عدسته،فجفناه انحازا لصالحه و اختارا أن يُخفيا انعكاس دواخله وهو في غُمرة أفكاره..جبينه يخلو من تقطيبة حلَّ مكانها بُقعة لونها بين الأزرق و الأخضر واضحة على طرفه.. !
رفعت حاجبها وعيناها واصلتا بحثهما لتتوقفان هذه المرة على شفتيه..مائلتان للأسفل بضيق تقوده فكرة تبدو مُسيطرة كُلياً على عقله،السب الأول في رجفته و انحسار سيطرته على تحركاته..عادت عيناها و ارتفعت إلى عينيه...،

تصلّب فكها وحـرارة التهمت تفاصيل وجهها المُتَيَقنة بأنه أصبح كلون ثوب نومها الأحمر..تضارب شهيقها بزفيرها و عيناه الناعستان مُتعلّقتان بعينيها ببرود..رمشت بارتباك لم تُطِق أن يظهر مواجهاً بروده المُستَفز..ازدردت ريقها و عيناها تهربان من جليده

،:حــور

تحمحت ويدها ارتفعت تُرجِع خصلات وهمية خلف أذنها أسيرة احتلال احمرار خجلها الفضيع..ببحة أجابته

،:نـ ـ احم نعـ م

رفع ذراعه أمامها،:مُمكن ؟

انتبهت للمكان الذي أشارت إليه إصبعه..ابتعدت بجسدها للخلف وهو تقدم خطوة مُتناولاً كوبه ليُفرِغ فيه حليبه الساخن..كان ظاهر يده اليُسرى المُمسكة بالكوب أمامها..انعقاد قريباً سيُنحَت أثره بين حاجبيها ظهر و و هي تُلاحظ آثار جراح بدأت بالإلتئام على مفاصل أصابعه،بسرعة ارتفعت عيناها لجبينه.. و عقلها يُخبرها بأن صلة قرابة تربط بين الأثرين !

انتبهت إليه يبتعد إلى الباب ليَخرج..بسرعة تقدمت و لسانها نطق بإسمه قبل أن يتلبسها التردد

،:يــوسف لحظة

توقف ثم استدار لها بذات البرود..نظرت إليه وهي تُقابله..ارتفعت ذراعيها لتنعقد فوق صدرها الذي يترفع وينخفض بارتجاف تُوَلّده نبضاتها..رفع حاجبيه و رأسه ينخفض قليلاً يحثّها على قول الذي استوقفته من أجله..

ازدردت ريقها قبل أن تقول،:شفيها يدك،وو و جبينك بعد ؟

نــار اشتعلت في حدقتيه المُتوسعتين..،أو ذلك ما خُيّل لها ؟! اشتدت ملامحه ناشرة الفزع داخلها..أطبق شفتيه حتى استوت خطاً يحكي مدى حَنَقه من تساؤلها وقبضة يده الحُرَّة تزداد في تكوّرها..

بدأت قدميّها في التراجع للخلف و ريح أنفاسه المُتقدة افلتت عُقدة ذراعيها لتحتضن رجفة جسدها..ازدردت ريقها و هي تشتم نفسها داخلها على فضولها..و ما دخلها هي وإن اختفى جسده بأكمله تحت الجراح..ليموت ولتصمت هي عنه !

التوت عضلة في بطنها وعينيها برمشيها المضطربين تنظران برُعب للكوب الذي يقترب من الإنكسار في يده النافرة عروقها..،اصطدم ظهرها بطاولة الطعام الصغيرة وتوقفت قدماها عن إنقاذها من خَطر الذي أمامها..عضت على طرف لسانها تُؤنبه..تَوجَعه ليتذكر الألم مُستقبلاً اذا أراد يوماً التدخل في هذه الزوبعة المُحتدمة أخطارها...،

خفف من قبضته وأرخى أصابعه نافراً خاطر وسوَسَهُ لهُ عقله الغامض..

احمرّت أطراف أصابعها لضغطها على ذراعها وصوته الهامس يصلها من خلف ظهره الذي قابلها..

،:حـادث بسيط..تصبحين على خير

تنفست الصعداء وجسده بتناقضاته التي تُخلخل كل خلاياها الساكنة في غيابه يترك المكان..حُضوره يُربِك أضعف عِرق نابض في قلبها..بهمسه الفحيحي و تحركات جسده الرجولي المَنسية رائحته الطبيعية فوق أريكة ذات فجرٍ احتوت جسده المُرتعش،الغارق في بحرٍ من العرق بعد إنهاكٍ كان نتَجاهُ صَدمة و ذكرى مبتورة الألوان !

مسحت على وجهها وأصابعها تخللت خصلاتها لتُحَرّر شعرها من ربطته الصغيرة..نثرته ببعثرة..حركت يدها أمام وجهها تُخفف الاشتعال الذي أوقده ويدها الأخرى استقرت على خصرها المائل..استنشقت نفس عميــق مُغمضة عينيها لوَهلة لتفتحها و زفيرها يُحرّر معه شحنات سلبية اجتذبتها روحها من ماء نهره العكر..المُتَوَحِلة فيه أتربة إن تراكمت على القلب أوقفت نبضه..و إن اختزلتها الروح لتَقوى على حَملها أخنَقَتها،فلا ثَغرة تتلصص منها ذرة هواء هربت قبل أن يُوقِظ مَجهول سِرّه..

أعادت ربط شعرها ببطئ ثمَّ أرخته على كتفها..اقتربت من المغسلة بعد أن تناولت المغلاة وهي تتذكر رَجفة يده المجروحة..،زمّت شفتيها و الـ "حادث بسيط" لم يَتقبلها عقلها الحاضر..،رفعت كتفيها للأعلى بخفة وهمست تُنَحي فضولها و شيءٌ آخر لم تُترجمه..

،:يمــوت..مالي دخل فيه



ماضٍ

أدخل آخر قميص...كان هدية منها،نظر لهُ قبل أن يُغلِق الحقيبة..ابتسم ابتسامة أقرب لليأس ولون القميص ينعكس في عينيه التي بدأت تظهر أمامها ذكرى ليلة اكتمال القمر...،يعلم انها كانت مُتقصّدة ان يكون لونه كلون السماء في الليلة التي اعترف لها بحبه المجنون..حُب لم يعلم أنه سيكون أشد وجعاً من الموت،بل أن الموت ليس موجع أبداً،هو راحة و خلاص من حب يطعن القلب ليلاً ونهارا،يستل سيفه كُلّما بانت عينيها أمامه ليقطع عِرقاً آخر كان ينبض باسمها...

زفر بضيق و أغلق الحقيبة ولون السماء تلاشى من عينيه،أنزلها على الأرض مع دخولها،تأمل وجهها الشاحب كغيمة أفرغت حمولتها و سقت أرضها امطاراً،احمرار واضح يُحيط بعينيها،انقبض قلبه عندما استوعب عقله ان تلك العينين سيُحرم من رؤيتهما كيفما شاء،ستغيبان عنه،ستظلان في خياله فقط...لن ينام وهما آخر ما يراه ولن يستيقظ وهما أوّل ما يراه،كانتا البداية و النهاية في كل شي في حياته..

عقّدت حاجبيها الخفيفين عندما انتبهت للحقيبة قُربه،خرج صوتها مبحوحاً مُغلَّفاً بنغمة بكاء،:وين رايح ؟ ليش الشنطة ؟!

ماذا يقول ؟ فتح فمه أراد أن ينطق لكن الحروف تبعثرت على لسانه المُتَلَعثم..أنزل عينيه يهرب من عينيها المتفحصتين اللتان تبحثان عن جواب يُحلّ المعادلة المعقدة في عقلها المُتعب..استدار ليُلقيها ظهره،رفع معطفه الأسود و ارتداه وبذات الحركة الآلية أخذ شاله الصوفي كلون رماد حريقٍ سيشتعل قريباً،أحاط به عُنُقِه ليصله صوتها و البحة تبدلت الى حدة تجرح حبالها الصوتية..

،:اكلمك..ليش شايل هالشنطة وين رايح ؟!

شعر بيدها الناعمة تُمسك معصمه بقوة أنثى يعشقها..استدار لها بنفسه،فهي وان حاولت لن تستطع ان تُديره اليها...تركت معصمه و أعادت سؤالها ولكن هذه المرة الحدة كان بها انكسار..غياب صوتها وراء حشرجة البكاء أوجعته بشدة،شعر بنَفَسه يتخبط في صدره،أخرجه بارتعاشة وهو يقترب منها وعينيه تستقر على ذقنها الذي يهتز بضعف...أنزل رأسه و بخفة أراح شفتيه على جبينها طابعاً قُبّلة يُصاب بالقشعريرة كُلما تذكرها،صوت بكاءها الذي ارتفع ورجفتها التي باتت واضحة جعلته يرفع رأسه بسرعة قبل أن يضيع في رائحة أنفاسها ...نظر وعينيه في عينيها و إبتسامة حُب مقتول على شفتيه..بهمس كان كزلزال أصمّ أذنها،كرصاصة غدر استقرّت في قلبها


،:انتِ طـــالق



حاضر

قبل ساعات

انتهت من صلاتها ثم انصرفت لتجفيف شعرها المغسول قبل ساعة..كانت تتحرك بملل و عيناها تنظران لإنعكاسها ببرود..،منظرها بعيــد جداً عن منظر عروس ! تأفأفت وهي ترمي ما بيدها على تسريحتها..التقطت عدستاها مساحيقها المصفوفة بترتيب يعكس شخصية والدتها..ابتسمت وهي تتذكر حديثهما قبل أيام،تناولت بطرف أصابعها كحلها الأسود..فتحة قارورته الصغيرة وهي تسحب الفرشاة بخفة لتضعها أمام عينيها..رفعت نظرها للمرآة تتأمل رسمة عينيها الواسعتين..آخر مرّة وضعت الكحل قبل أسبوع،ليلة زفافها المشؤوم !

حركت رأسها بخفة تُبعِد الأفكار عن عقلها و بسرعة قبل أن تتبدد رغبتها قرَّبت وجهها من المرآة وبدأت برسم عينيها بدقة..،دقيقتان و انتهت..ابتسمت برِضى للسواد المُلتوي نهاية جفنها ببراعة..التواء كَيد أُنثى في داخلها تفجرت رغبة بفرض ذاتها..،رفعت حاجبها المرسوم و يدها تُشاركانِها الرغبة و تناولت أحمر شفاه داكن بلون دم غزال يقفز برشاقة على أوتار قلب رَجُل يعيش قصة هو بطلها..بَطل يَجهل مدى إمكانياته القادرة على جَبر كَسِر أُنثى..! ابتسمت بسخرية بعد أن انتهت من شفتيها اللتان اشتلعتا إثارة و إغراء..تأملت فستانها..أسوّد يضيق على جسدها كاشفاً عن إنحناءَته الأنثوية..تَوَرَّدَ خديّها بخجل..لا تستطيع أن تجلس أمامه بهذا الفستان..بل لا تتخيل أن تقع عيناه عليها وهي ترتديه..اتجهت إلى غُرفة الملابس وأبدلته ببنطال أسود و قميص ذهبي أنيـق و واسع أكمامه تضيق حتى نصف ذراعيها...عادت إلى مرآتها واضعة يدها في شعرها تُحرّك خصلاته تُضفي عليها الحيوية..رشت عطرها الخفيف و توجهت إلى الباب قاصدة غرفة الجلوس...،

رفعت حاجبيها و الغرفة أمامها لا يُشغل حيّزها ذاك الذي اتخذ من عقلها الحيّز الأكبر ! حرّكت فمها بعدم اهتمام وهي تمشي مُبتعدة..توقفت و أربعة أبواب تُقابلها..للتوّ انتبهت لوجودهم،ابتسمت لغبائها وهي تتقدم للأولهم..فتحته كانت الغرفة مُظلمة..رفعت يدها للجدار بجانب الباب من الداخل تتحسسه..أضاءت المصابيح لتتضح لها غرفة خالية سوى من مكتبة تبدو قديمة تنحشر في أرففها صناديق ورقية اختفى لونها من الغبار..أغلقت الباب بعدم اهتمام و اتجهت للغرفة الأخرى..كانت مجلس كبير نسبياً..بأثاث حديث الطراز ألوانه ما بين العنابي و الفضي..الملاحظة الجديدة التي ضمتها الى قائمة مُلاحظاتها المُستَهلة بعنوان "بسـام و حقائقه"
أن ذوقه راقـي جداً في التأثيث..إلى الآن لم تعثر على خطأ في الجناح على الرغم أنها تتصيد منه أي هَفوة !

بَقِيَ لها بابان..وضعت يدها على مقبض الثالث منهم..فتحته و بأصابعها أضاءت الغرفة ليسقط الضوء على عينيها مُسبباً احتراق ضخ الدمع فيهما..

رائـحة ماضٍ أريجه حبات سُكر ناعمة تذوب على لسانها..حلوى "غزل البنات" و عطر العود المُشَبع بالبخور الأصيل..ضحكة أنثوية سعيـدة تعبرها هتافات تشجيع وتصفيق صداه يتردد بحماس..ثَقَل نَفسَها وارتعش لِتَكَسُّر الأُكسجينات في صدرها المرتفع و المنخفض برجفة..،قاومت الدمع و شهقة مُتَعثرة باغتت حنجرتها ورجليها تتحركان الى الداخل،تغوصان في الذكرى و شعورها يتخذ من اسمها معناه..

انعكست صورتها على الجدار المُصَمم على شكل مرآة كبيــرة..رفعت يدها تتحسس العمود المصنوع من خشب القَيقَب المُثبت على المرآة بطريقة عرضية..تتحسس ملمسه الناعم و أعصاب حسها تستذكر الإحساس الأشبه بنسيم بـارد كان يُرجِف أوصالها توتراً قبل كُل مُسابقة..ابتسمت و رأسها يرتفع للإضاءة الصفراء الخفيفة..و أحذية من الحرير تتدلى من السقف بجمالية مُتناهية..

توقفت قدماها أمام جدار أبيض..محفوف بإطارات احتوّت ما التقطته عدسة الذكرى..،تشابكت أصابعها ليستقر فوقهم ذقنها المُهتز من زعزعة المشاعر..تنفست بعُمق و الشهيق أذهله روعة الماضي البريئ..عيناها تتأملان الصور المُنتشرة بفوضوية مُبدعة..هُنا كانت مُسابقتها الأولى..و فستان الباليه الأول..كانت ترتدي البحر و اللؤلؤ يُعانق معصمها الصغير..ابتسامتها واسعة تشق وجهها من الخد الأيمن إلى الخد الأيسر..طريـق إبتسامة بمقاس طريق قصدته دَمعة من عينيها..إحدى الصور وهي تُكرَّم لفوزها بالمركز الأول،ضحكت بدموع فالدرع كان ثقيلاً و أكبر من حجم يدها ذات الستّ سنوات...،جالت عينيها على الصور و مع كل صورة تنخرط دمعة جديدة مُحَمَّلة بمذاق اللحظة التي التُقطت فيها..غابت على سَحابة إلى سماء شمسها تتراقص أشعتها على موسيقى بُحيرة البجع راسمة في الهواء حلقة تدور داخلها الشمس مُحتَكِرة الربيع ليكون فصلها الأوحد..،

،:عجبتش الغرفة ؟

استدار رأسها لصوته الذي أسقطها من سَحَباتها..صوتاً احتواه حائط قديم، زاويته ابتلعتها خيوط عنكبوت تفصل ماضٍ كان فيه الصوت العُنصر الصامت عن حاضرٍ لم يستفق من الصدمة بَعد..،انفصلت أصابعها ويديها تنحفضان للأسفل..أنزلت عينيها وهو يتقدم منها بخطوات ثابتة..يد في جيبه و الأخرى مُمسكة بشيء لم تُمَيزه..سأل مُجدداً

،:عجبتش ؟

رفعت رأسها و عينيها على صدره و ببرود مُتقن،:ايــي "و تساءلت" انت مسويها ؟

فَتحَ فمه ليُنطق لكن أغلقه للحظة ثم فتحه مُجدداً و نطق لسانه وعيناه تبتعدان عن زينة مُقلتيها للصور،:فكرة عمي و عمتي،و أنا وافقتهم عليها

همهمت بتفهم دون جواب..اقترب هو أكثر و رفع يده أمامها ليقول،:هذي تذاكر..عقب يومين سفرنا

عقّدت حاجبيها وعيناها ارتفعتا بحدة له مُتحررة من برودها..رددت كلمته الأخيرة بعدم فهم،:سفرنا ؟!

هزّ رأسه بالإيجاب،:اي سفرنا..أو مثل ما يقولون شهر العسل

صدر من أنفها صوت ساخر وهي تقول،:شهـر عسل ؟! شهالتفاهة !

ضاقت عينيه من كلمتها،:عفــواً !

كتَّفت ذراعيها وهي تُقَلب عينيها بملل مُتجاهلة نبرته،:آسفة بس ما ابي اسافر

اقترب خطوة لم تُحرّكها..لكن قشعريرة باغتت فقرات ظهرها حتى عُنُقِها وهي تشعر بإبهامه تحت عينها اليُسرى.. ارتفعت عيناها باتساع إلى وجهه و إبهامه يتحرك بخفة على طرف جفنها السفلي،يمسح آثار كحلها الذي بعثرته الدموع وهو يهمس و عيناه مُركزة في عملها..

،:أنا الا آسـف لان بتسافرين..انا جاي اعطيش خبر مو آخذ رايش

ركز عيناه في عينيها بعد أن أبدل إبهامه بالسبابة و الوسطة ، رَبَّت بخفة على خدها و كأنه يُحادث طفلة بإبتسامة خفيفة شدت شفتيه بنفور،:مفهــوم بابا ؟




يتبع



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:54 am

الثانية عشر و الربع بعد منتصف الليل..

مُستسلمة لبرودة الماء المُتدفق على جسدها بجريان سُرعته ترادفت مع سُرعة سنوات عمرها الثلاثون..أحداث كثيرة ملأت حياتها..تركت آثار نفسية و جسدية،أبقت عقلها محصور وسط دوامة الماضي لفترة طويلة،استطاعت بعد حربٍ شنتها هي و شخصيتها القوية أن تنتصر عليها..كفكفة دموع و اختناق نحيب..صرخة أولى و انقطاع نفس لم يُلَوث..طيراً يُحلق في السماء بجناحين يحملان فُتات قلبها مُهاجراً إلى جنة عَرضُها السموات و الأرض..،و ثم عاد النبض و الوَله..استرجعت الروح توأمها و غدت الأنفاس عَطِرة..طغت الضحكة على الدمعة،و باتت عيناها تلتمعان سعادة،بعد أن انطفئ بريقهما بِرَّمَد العَوِيل..

أوقفت تَدفق الماء،ارتدت رداء استحمامها القصير الكاشف عن نصف فخذيها وساقيها الطويلتين.. خرجت من دورة المياه و خصلاتها تُفرِغ دموع لم تجد في مُقلتيها القَرار..توقفت أمام مرآتها الطويلة وأصابع يُمناها أرادت أن تختبر صلابتها..أن تتأكد من خُلوها من أي شروخ تصل من خلالها سيول أغرقت روحها ذات زمن..حررت عقدة رداءها لينكشف جزء من جسدها...انتفاضة نَفَس كانت الشرخ الأول،زَفرت وهي تُغمض عيناها تستمد من قوتها..فتحتها ليسقط نظرها مُباشرة على بطنها،مررت أصابعها على الأثر الذي أصَمَتت وجعه في قلبها..اخنقت الأسى و لطمت خد البوح ناهيةً قلمه عن تلويث صفحتها البيضاء بسواد حبر رائحته طاغية، تغشى الروح قبل العقل..تحركت أصابعها إلى فخذها الأيمن مواصلة اختبارها،خَمسُ غُرز انعقدت كسنين عُمر واسمة ذكراها عليه..مسحت بأصابعها عليه وفي عينيها رفيف انتقام تقوده أنثى تناست الجزء الأصعب،واحتفظت بالجزء الذي يرسم إبتسامة تَشَفِي على شفتيها المُغريتين..

قطع استغراقها صوت رنين الهاتف..تحركت إليه بإبتسامة ناعمة..تعلم أنه هو..لا يتصل غيره في هذه الساعة..تنهدت ويدها تتناول الهاتف،شدت رداءها على جسدها وفي داخلها راحة يشوبها استغراب طفيف..فأحمد لم يسألها عن أسباب هذه الآثار..الأمر مُريح..لكن الحـاء أحياناً تُستَبدل بباء الرَيبة التي تُخلّفها رياح الشك العابرة سماءها في ليالٍ تكون فيها نتيجة اختبارها الرسوب..،!



،:ماشا الله عقلش حاضر على طول !

ابتسمت بخجل لكلمات الإطراء التي بدأت بالإنهمار عليها منذ تشخيصها لحالة المريضة التي ترددت عليهم لشهر تشتكي من دم يُصاحب تَبولها..كان الجواب عليها من أحد الأطباء أنه التهاب عادي و أعاطها بعض الأدوية و بالطبع الدواء المحبب لهم،الدواء المُعجزة "البانادول" دون فحص أو أخذ عَيّنة من الدم !

هي لم تقتنع بالتشخيص و تواصلت مع المريضة عن طريق رقمها المُسَجل في ملفها..و اتضح لها انها تُعاني أيضاً من آلام في الظهر وتورم في القدمين تمنعها من النوم و أداء أعمالها الروتينية..لذلك طلبت منها القدوم مجدداً وبعد فحص دقيق و أخذ عيّنة خزعة حيوية من الكلى تبين أنها تُعاني من التهاب في كُبيبات الكلى،مثلما توقعت هي،و تم نقل حالتها للطبيب فهد لأخد العلاج اللازم..هي لم تفعل ذلك الشيء الكبير جداً،فقط حاستها الطبية لم تقتنع بالإلتهاب العادي المُعَالج بأقراص البانادول..أي طبيب آخر ذو ذمة سيفعل مثل ما فعلت

،:المريضة ان شاء الله تحتاج فترة و تتحسن حالتها.. "و أردف بإبتسامة فخر" احسنتِ دكتورة نور

احمرَّ وجهها من كلماته و إبتسامة الفخر الجلية على وجهه،قالت بضحكة خفيفة،:عادي دكتور ما سويت الا شغلي،انت لو مكاني بعد بتسوي الشي نفسه

هز رأسه بالإيجاب،:حتى لو،خطوتش الا اتخذتينها في التواصل مع المريضة و فحصها من جديد ما نقدر نتغاضى عنها..تدرين لو ما هالخطوة المريضة ممكن تتدهور حالتها اذا اعتمدت على الأدوية الا اخذتها من فحصها الأول..و هذا قد يسبب مُشكلة للطبيب و المستشفى بما ان شَخَص حالتها بطريقة خاطئة

،:الحمد لله الامور تحسنت

شعرت برأس صديقتها يقترب منها ليصلها همسها الخبيث،:ما بيسكت لعقب شهر بيظل يعيد السالفة،هو اساساً يدور له اي حجة عشان يعطيش جم كلمة مديح مني مناك، "و أردفت بمكر" وراه شي هالفهد

نظرت لها بعينين متسعتين من أفكارها و تلك حركت لها حاجبيها بإغاضة..هزت رأسها بقلة حيلة منها..العقل في جهة و هي في جهة..لا تدري كيف أصبحت طبيبة وهي بهذا التفكير ؟!

همست لها،:والله انتِ عقلش ما ادري شلون يشتغل،اقوم امشي احسن لي

ضكت بخفة،:لا انا بقعد شوي باستمع للمُعلقات الا بيلقيها عنش

أرجعت نور ذراعها للخلف لتضرب خصر سارة بكوعها و نظراتها التهديدية تلتهمها..وقفت بسرعة قبل أن تزيد كلمة غبية أخرى..وضعت يديها في جيب معطفها وهي تستأذن منهم، وقبل أن تمشي أوقفها صوت إحدى الطبيبات الجالسة معهم في الغرفة التي عادة ما يجتمعون فيها

،:على وين دكتورة ؟

فتحت فمها تُريد أن تجيب لكن الطبيب فهد قاطعها مُجيباً عنها،:خلص دوامها..بعد لازم تروح ترتاح بعد هالإنجاز

ابتسمت له مُجاملة، بدأت تشعر بضيق من تهويله للأمر..و كأنها طفلة يُريد تشجيعها،و يذكرها بين الحين و الآخر بإنهائها لطبق طعامها الصغير !

قالت ببرود مُتجاهلة نظرات صديقتها،:تصبحون على خير

خرجت وهي تزفر ضيقها..لا داعي لكُل ما يقوله،الأمر عادي جداً و أي طبيب مارس مهنته لسنوات سيعتبر الموضوع سخيـف جداً ! ،فهي لم تكتشف الشيء الكبير الذي يدفعه لإطلاق مديحه كُل ما سنحت له الفرصة..عقدت حاجبيها،أيعقل انهُ مثل ما تقول سارة ؟! زمت شفتيها ويدها ترتفع لتضرب رأسها توبخ نفسها على الفكرة..ستكون غبية و ساذجة اذا سمحت لأفكار سارة ان تسيطر عليها..

فتت باب مكتبها التي تتشاركه مع سارة و طبيبة أخرى،خلعت معطفها و رمته بإهمال على الكرسي،اتجهت لمُبَرّد الماء تملأ لها كوب ورقي ..وهي تشرب سمعت صوت الباب الذي أغلقته بعد دخولها..أدارت رأسها ظانة أن الداخلة سارة..فغرت فمها و شهقة عبرت حلقها جعلتها تشرق بالماء..أنزلت الكوب بسرعة وهي تسعل و أطراف جفنيها وأنفها يحمرَّان..نطقت ببحة ويدها تضع الكوب برجفة على المكتب..

،:ليش جاي اهني ؟

أغلق الباب و قفله على مرآى من عينيها المُضطرب بؤبؤها..كان يقترب منها بوجه غير مقروءة ملامحه..جمــود أُطبق على عروق وجهه،و نقيضاً له لهيبٌ حارق يشتعل في عينيه..توقف أمامها..سحب نفس عميق وهو يُغمض عينيه و شفتيه مزموتان بقلة تماسك،فتح موقد اللهب و هي همست و إصبعها يرتفع بتهديد وقدمها تتراجع خطوة

،:عبد الله بلا جنون

شهقت بفزع و يده القوية أحكمت قبضتها على معصم يدها المرفوعة..حركته تحاول أن تتخلص منه لكنه كان أقوى،يضغط بأصابعه على رسغها،حيثُ موقع النبض فيه،يُكبِح لجام صرخات قلبها المُعتصر..همست لهُ برجاء و الألم واضح على ملامحها

،:عبد الله هدني الله يخليك،لا تلمسني

همس بفحيح خرج من بين أسنانه،:ليـش ؟ تبين تروحين لحبيبش فهد ؟

توسعت عيناها بصدمـة..أسقط حجارة كلماته على قلبها،بنتوءاتها الخشنة لتجرح روحها،و تختزن بقايا دمائها في جوفها و تُصيّره وَحلاً مُسوّد لهُ رائحة نَتنة تُصيب أنفها بمرض مُزمن لا شفاء منه..

،:تكلمي..تبين تروحين له ؟

ارتفعت كفها الحرة بقهر تُريد أن تهويها على خده القريب لكن يده التقطتها بذات القوة،لوى يدها لتتأوه مُتوجعة..طفرت من عينها اليُسرى دمعة تَعَلَّقت فيها أشواك القهر التي جرَّحت نعومة خدها همست بحَنَق
،:حقيــر

كان ينظر لخط الدمعة العابرة صفحة وجهها الأملس..اصطدمت بجانب شفتها العلوية،ظلّت مُعلقة هُناك تنتظر فرجة في فمها تسحبها لتعود إلى مَقرَّها حيث نَحيب الروح،لكن يده كانت الأسرع..ترك يدها المُتألمة وارتفعت إلى شفتيها،يمسح بإبهامه الدمعة،ينقذها من الإنتظار..

ارتعشت هي من لمسته..جاهدت أنفاسها العابرة رئتيها بنشيج،حرّكت وجهها و شعور خدر استحوذ على المنطقة التي أشعلها..ثوانٍ ويديه تتمكنان من ذراعيها ليُقَرّبها أكثر...قُربه قاتــل،سَيفه تم نَقعه في سُم يُميت العِرق الضاغطة عليه أصابعه..يُمرر يده و يُلغي اتصال عروقها بعقلها..يَضعف القلب و يبدأ بإنكماشه ليحمي نفسه من الموت..

زاد من اقترابه وعقله قد استولى عليه شيطانه..همست برجفة و الخوف دب في أوصالها،:عـ ـ ــبد الله اتركني ماني زوجـ ـتك للحين "شهقت ببُكاء" اوعـــ ـى

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:54 am

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله




،


فَقدُ ذّات

السواد تعاضد مع خُيوط البؤس و أحاكوا مِعطفاً يكتنز فيه دفئاً لا يُغني و لايسمن من جوع..فالروح جمَّدتها الغُربة.. و الحنين بات يَتَسَرَّب فيضه أُجاجاً إلى عينٍ انقلبت خارطة دمعُها و تاهت عن وَطنُ البُكاء..وَطَنُ النشيج و التَغَنِي بالنحيب،حيثُ للشهقات طَرَبٌ لحنهُ جَرُّ الأنين..،

أخفى يديه في قفازه الأسود،يطمس خطوطاً إن نُسيت آثارها فُضِحَ..ثَبَّتَ قُبعته الصوفية على رأسه،تُغطي مُقدمة رأسه حتى أعلى حاجبيه وتمتد لتخفي أذنيه المُتصلة مسامعها بحديثٍ يَبعُد شارعان عن موقعه...رفع شاله حتى أعلى أنفه لتظهر عيناه فقط،تتسكعان على المكان بحَذَر.. أغلق سَحاب معطفه يَخفت من ضرب نبضاته المُتَقدة،رفع قُبعة المعطف الجلدي لتعكس ظلالها على وجهه الهادئ..ضروبٌ من الفزع و الهَلع أسكن صُراخها تحت قناع من جُلْمُود تَعَلَّم أن يرتديه مُنذ أعوام،أن يتلَّبَسهُ مقاساً على وجهه،ليخفي ذاتٌ استوت حُطاماً اختلط بغبار زمن لا رجعة له،زمن كُلَّما سيقت ذكراه عبداً إلى عقله انشطر القلب و اختُزِلَت ذاكرة الروح المَحْنيِ ظهرها من ثقل وجوه صدى ضحكاتها تلسع جراحاً مكشوفة،لم تظفر بضمادٍ أبيض يَستُر عَيبها..

مَسَّ طرف قُبَعَتِه بأطراف أصابع يُمناه..أنزلَ رأسه وخَطَتْ قدماه بثبات على الأرض و يُسراه تَغَشَّت مُختبِئة في جيبه..كان يتلفت بعينيه دون أن يُحرّك رأسه،ينظر من طرفهما يُراقب المكان بعينيّ الذئب المُتمَرس..كان الليلُ هادئاً،فالجو أحكم إغلاق أبواب المنازل بعد أن تدنت درجة الحرارة إلى تحت الصفر..الأضواء نِصفها يَعمل و النصف الآخر تناَسته الحُكومة في آخر صفحة احتياجات الحيَّ..،زَفرَ إرتباكه المُتَدَثِر في جَوفه،ارتفع بُخاراً تلاشى قبل أن تلتقطه يَد السُماء العارية من النجوم...

توقف عند أحد المصابيح الطويـلة،استند عليه بكتفه يتفقد المكان الذي قصدتهُ قدماه..استند بظهره و أرجعَ رأسه للخلف،أغمض عينيه،استنشق بعُمق ثمَّ زَفرَ مُتخلصاً من أعباء الرجفة الساكنة عظامه القابعة في صناديق احتوت تذكارات تناسبت بين الحُزن و الفرح..

واصل مشيه بعد أن استحكم زمام أموره..شد أزر نفسه،و أغلق آخر ثغرة يتسرب منها الخوف..،إبتسامة سُخرية لوت شفتيه وهو يقف أمام السور المُنخفض..لو كان يعلم صاحب المنزل بما ينتظره مُستقبلاً،لطلب من المهندس أن يزيد من ارتفاع سوره...تراجع ثلاث خطوات للخلف..تقدمت رجل و تأخرت الثانية،عدَّ في داخله للثلاثة ثمَّ تحركت قدماه يجري على أطراف أصابعه ليقفز برشاقة مُتمَسِكاً بالسور بكلتا يديه القويتين..ثوانٍ و حطَّ على أرضية المنزل الخارجية..

مَشى وقدماه تحتكان بالعُشب مصدرتان صوت يُشوش عُتمة السكون المُبتلعة الليل بشراهة..تجاوز الزراعة و أشجار البُرتقال و الليمون..رَكِبَ العتبات الثلاث ليتوقف مواجهاً الباب الخشبي..أخرج من جيبه أداة حديدية ضعيفة جداً تُشبِه العود،جلس القُرفصاء و أدخلها في قفل الباب..بدأ بتحريكها ببطئ بحركات خبيرة،ينظر بيساره و يمينه أغمضها للتركيز..ثلاث دقائق و أخرجها من القفل..وقف على رجليه،مدّ يده إلى المقبض وحَرَّكَهُ للأسفل..،

نظرة غُرور مرّتَ و عانقت عينيه للحظة و جزء من داخل المنزل يتضح له بعد ان فَتحَ الباب..تقدم للداخل مُغلقاً إياه من خلفه..توجه إلى السلالم بثقة دون أيّ إلتفاتة..رَكبه مُتَجاوزاً عتبتان إلى أن أصبح في الطابق الثاني..

استدار إلى يمينه..ثانيتان و استدار إلى يساره حيثُ باباً أبيض مُغلَق..مشى بتباطئ مُتَعمد، خطواته مدروسة و قدماه تتركان آثارهما على الأرض بثقة..رجله اليُسرى انطوت رُكبتها بخفة،ظهره مُستقيم و انفراج بين رجليه..تحرَّكت يده إلى ظهره،ثوانٍ و بانت من خلفه و بين أصابعها شيٌ أسود لامع..لم يَكن سوى سلاح نـاري !

فتح الباب دون إصدار أيّ صوت،فيَدُه تعلمت الخفة حتى امتهنتها.. تذكر بإبتسامة ساخرة جُملة هاينز المُعتادة "أخَفُّ من يديّ أمهر سارق في بَرْلِين ! "

غُرفة جُدرانها تلونت بالبيجي المحروق..أثاثها من خشب الماهجوني الأفريقي..خزانة ملابس كبيــرة..ثُرية تتدلى منها كرستالات تَعْكُس الضوء الأصفر..أريكتان لشخص من الجلد الفاخر تتوسطهما طاولة خشبية دائرية فوقها مزهرية تخلو من الأزهار..و سرير يتسع لأربعة أشخاص ارتفع عن الأرض عشرين سانتيمتر،يحتضن فوقه جسداً عريـض تكسو عظامه أرطال من لحمٍ تغذى على لُقمة نُهِبت ذات ليلٍ شَهِدَهُ قمر احتفظ في قارورة ضوئه بدموع هربت من عين مكسورة..

اقترب من السرير..تجاوز الأرضية المُرتفعة..أصبح أمام الجسد النائم بارتياح وشخيره في مكان آخر يُرعِب نوم أجساد ترتجف برداً وجوع..قَرَّبَ السلاح منه لتستقر فوَّهَتِه على جبينه العريض..ضغط بقوَّة أزعجت نومه..فَتح عينيه و عقله لا زال غائباً في نُعاسِه..ابتسم هو لهُ ابتسامة أخفاها شاله،صَغَرَّت من عينيه الناظرتين بمَكر..بدى مُخيــفاً و في عينيه سوادٌ قاتل !

ثانية ، ثانيتان..،ثلاث..أربع..

شهقة بعثرت أنفاس ذلك المُستلقي قطعت الثانية الخامسة و عينيه تتسعان بصدمة..ارتعش جسده بأكمله و عُرُوقِه أرسلت إشارات الخوف إلى مُخه..حرَّك ذراعيه بتخبط يُريد أن ينجو بنفسه لكن السلاح أحبط مُحاولاته و يد ذاك الواقف بظله الثقيل تضغط به على رأسه..

نَطَقَ هو ببرود مُستَفَز،:

Das Ende





الجزء السابع

تجلس بأريحية على الأريكة البيضاء المُسْتَشعِرة خَوَاطِرَها العابرة مملكتها الأنثوية التي تعيش عيدها الأوحد..عيدُ قُربِه،

كان مثلما يكون وهو كائِنٌ أمام أوراقِه المُتشَبعة برائحة دائماً ما ينفثها عِرقاً يَنبض في رسغه..بين السبابة و الوسطى ينحشر قلمه الأسود..هديتها له قبل أعوامٍ كانت فيها فتاة في مُنتصف عتبات المُراهقة...،نَظَّارَته المُتَكِئة على أنفه الصغير زادته وسامة..يَكتُب بحواسه..أنفه تَسكُره رائحة الحِبر،و أذنه تنصت لإحتكاك رأس القلم بالورق و لسانه يتذوق كُلَّ حَرفٍ يَمرُّ من قلبه عابراً حلقه قبل أن يُصَيّره كلمة على الورق..فالكتابة أنثاه الأجمل التي دائماً ما تشعر بالغيرة منها..فهي تُشاركها التَمَيُز نفسه..كِلاهما يُحلقان به فوق سَحابة خفيفة إلى سماء يكون فيها هو القمر...

قرَّبت يدها النحيـلة المُزيَّن معصمها بإساورة ناعمة ذهبية إلى ذراعه..و هي لا زالت على وضعيتها..ظهرها مُستَنِد على الأريكة وبطريقة أقرب إلى الإستلقاء،رجل على الأخرى،يد في حضنها و الأخرى امتدت مُعانقة ذراعه..ضغطت عليها بأصابعها..تحسستها بنعومة وهي ترفع عيناها لوجهه..ابتسمت لإندماجه،عادت ببصرها إلى تلاحم يدها و ذراعه..كانت بشرته أفتح من بشرتها بدرجتين..رفعت حاجبها بغرور فهي تعلم إلى أي مدى يعشق لونها المُثير..دائماً ما كان يتغزل به..

ارتفعت أصابعها إلى معصمه ترسم عليه بسبابتها حلقات مُفَرَغة أدارت مُحَرّك ذاكرتها الغافية...هَمْس ناريّ باغت السنيـن و اخترق ثغرة الزمن ليجئ مُلهِباً سَمعها

،:مثل لون الخَمر لكن حــلال

ضغطت بقوة على ذراعه مُهاجمةً الذكرى المُباغتة..لم تشعر أنها تُألِمه مانعةً إياه عن الكتابة..فمُقلتيها انطوت الصورة أمامهما لتنعكس أوهام حرَّضت إنتقامها..

،:جنـان ألمتيني

رفعت عيناها للصوت..رعشة أرجفت أوصالها و ملامح وجه أسود مرَّت بسرعة البرق امامها..تركت ذراعه بنفور و الإسترخاء غادر جسدها مُنذ أن هاجمها الهمس البعــيد..أبعدت يدها بتيه لتصطدم بالكوب الذي وقع على الأرض مُحدِثاً ضوضاء إنكساره التي أنجتها من غَرق الماضي..

التقطت ذرات الهواء بعنف ويداها تحتضنان وجنتيها برعشة..نظرت له وصوته المتعجب يُبدد الهَمْس

،:بسم الله شنو صار ؟ شنو في فيش؟

أغمضت عيناها براحة..ليس حقيقة تخيلات فقط..ازدردت ريقها ويمينها انتقلت فوق صدرها تُطَبطب على دقاتها تُطَمئِنها..زَفرت وأصابعها تخللت خصلاتها بوَهن حتى استقرت خلف عُنُقِها..رفعت عيناها إليه ببطئ..كان ينظر لها و عقدة بين حاجبيه الخفيفين..ابتسامة مرتعشة تكونت على شفتيها لم تَتَسَتر على الخوف السابح في مُقلتيها..تساءل بشك

،:شنو فيش ؟

هزت رأسها بالنفي،:و لاشي،مافي شي كنت سرحانة و صدمني صوتك

وقفت بهروب وعيناه ارتفعت لوقوفها..تناولت قطعة مناديل ثُمَّ انحنت تلتقط القطع المكسورة..بهدوء مهزوز قالت
،:بروح ارمي القطع و بجيب شي امسح الأرضية عن الجاي

ابتعدت عنه بخطوات سريعة..دخلت المطبخ القريب،ألقت القطع في القمامة ثُمَّ توجهت للمغسلة..غسّلت يديها..جَمعت الماء في باطنهما ورفعتهما تَرشَح وجهها..أعادت الكَرَّة لتُزيل بقايا الرَوع الذي أسقطته غيمة سوداء على روحها..أغلقت الماء..اتكأت بذراعيها على المغسلة..رفعت يدها إلى جبينها الذي انحنى رأسهُ بتعب..هَمست بضياع شتت نبضاتها

،:ياربــي شصاير فيني ؟!

زَفَرت تَطرُد أسراب الخيالات المُعانقة مركز ذاكرتها منذ فترة..قرأت المعوذتان ومسحت على صدرها قبل أن تُجَفف يديها و وجهها لتخرج إلى زوجها..

مع خروجها كان يُنهي مكالمة و إبتسامة على شفتيه..وقف عندما انتبه لقدومها..اقترب منها وهو يقول
،:جنان ما بتغدا اهني
قطبت جبينها،:ليـش؟
مسح بظاهر يده على خدها بعد أن وقف أمامها،و بهدوء،:ريم بنتي مصرة تبيني اتغدا عندهم،و ما قدرت ارفض طلبها
كتفت ذراعيها و ببرود،:و الأكل اللي طبخته ؟ مستأذنة من الدوام عشان اجي اتغدى وياك
ابتسم لها،:ما عليه حبيبتي خليه للعشا ما اقدر ازعل ريم
تنهدت فهي تحتاج للجلوس وحدها تُعيد ترتيب أفكارها،لن تُجادله أكثر..ردت بكلمة واحدة،:زيـــن
قبّل خدها،:بروح اتسبح بسرعة ماابي اتأخر عليها



زاوية غرفتي الصديقة.. قبل موتي سوف اكتب لكِ رسالة شكر أعَبّر فيها عن امتناني الكبير لكِ،لاحتضانكِ الدائم لي.. أُفكر في التقاط صورة لكِ ووضعها في برواز أنيق يليق بمكانتك.. مستودع أسراري و متنفس لي عند ضيقي واكتئابي.. سأضع توقعي أسفل جدارك الأبيض دليل على ملكيتي واستحقاقي بك.. ربما قبري يُنقَل عندك بعدما يفنيني العذاب الصامت..!

رَفعت يدها تُبعِد غشاوة الدمع عن عينيها..تحسست جفنيها و أصابعها تستشعر انتفاخ تشرب جوفه الدمع مُنذ البارحة..لا زالت الرجفة تسكن جسدها،وعطره القوي يستحوذ على حاستها الشُمية،استنشاق هواء يعني الإختناق ببقايا رائحته..أحنت رأسها مُمَررة يدها على ذراعها المكشوفة..أصابعه لساعات انطبع احمرار بصماتها على ذراعها..اقترابه يترك أثراً..ينحت أوجاعه في الروح و الجسد،يُوسِمها بذكرى كُلّما تناسته عادت و جددت الألم.. وسؤال مكتوم تبعثرت حروفه على لسانها .. متى الشِفــاء ؟!

إلى الآن عاصفة البارحة تُزَعزعها كريشة خفيفة..

،

زاد من اقترابه وعقله قد استولى عليه شيطانه..همست برجفة و الخوف دب في أوصالها،:عـ ـ ــبد الله اتركني ماني زوجـ ـتك للحين "شهقت ببُكاء" اوعـــ ـى

انطفأ بريـق من عينيه..ارتخت يداه عن ذراعيها و قوَّته سراب تلاشت بين فراغات أصابعه،تركها بـعنف جعلها تتخبط في مكانها،تماسكت و يدها ترتفع للجدار القريب..تراجعت للخلف بصعوبة من قيد رجفة أحاط كاحليها..اصطدم ظهرها بزاوية الجدار و انكمشت على نفسها فيها،ارتفع كفيّها إلى فمها تُكبِح صوت تكسر الشهقات ..أنينها كان أزيز يخترق أُذنه..عضَّ على شفته السفلى حتى استطعم دمه،رجله اليُمنى تحرَّكت بغضب ترجمته بضربة للكرسي أمامها..

زادت من إنكماشها و شهقة حـادة باغتت حاجز يديها..رفع رأسه لها ويده تمسح على وجهه ،زَفَرَ جنونه وهو يستغفر مُتعوذاً من شيطان سيطر عليه..اقترب خطوة لكن خوفها الذي صرخ في وجهها أوقفه..زمَّ شفتيه وهو يَغمِض عينيه للحظة،هَمسَ بصدق

،:آســف

آسف على ماذا ؟ على تفتت قلبي قِطعاً من وقع كلماتك الجارحة ؟ أم آسف على قُربِك المُحرَّم ؟ القُرب المُتَوَشح بموَت بــارد..قُربك كَفَن أستُر بهِ عُري روحي المُنسَلخة من أنفاسك..أُخفي فجيعتي عند حضورك..أُخَفف الفقد الذي يحاصرني باغتراب و انا أرى عينيك بعيـدة..فَقدتُ الطريـق لها و أنا في غُمرة أحلامي..،

أبعدت وجهها عنه،خَبأته في الجدار وهي تقول بصوت مكتوم،:اطــ ـ ـلع..لا يجي احـ ـد و يشوفك اهني "ضحكت بسخرية مريرة و رأسها تحرَّك قليلاً مُرسلة نظرة تأنيب،و أردفت" بيقول هذي شنو تسوي ويا طليقـ ـها برووحـ ـهـ ـم "و بتقرف" طبعاً إذا كان مثل تفكيرك

أنزل رأسه يُخفي خيبته..جنـونه صعَّبَ الأمر..سمع صوتها من جديد يقول بحدة مبحوحة

،:اطلع بــرى

استدار وتقدم ببطئ للباب..فتحه ثُمَّ همس

،:آســف والله آسف

و خـرج !


،

و أفرغت دموعها عند زاوية مكتبها و ها هي تُفرغ الباقي من حمولة عينيها هُنا..رفعت رجليها تحتضنهما و رأسها ينكب بإعياء على ركبتيها..غرقت في بحر الدموع و الأنين شاطر الشهقات جُرَحَ روحها..ذلك الرَجُل خلال سنة علَّمها كيف لا تعرف ذاتها..كيف تنسى أن تكون هي.. وكيف أن لا تكون هي !




ماضٍ

استيقظت من نومها فَزِعَة من صوت صراخ أصبح يتكرر كُل ليلة مُنذ شهر..جلست على السرير وهي تفتح الضوء بجانبها،باغتتها دمعة هربت من مُقلتيّ أمَّ ذُبِحَت روحها..كان يُقاتل على السرير،يردع بيديه الصغيرتين أجساد تجسدت حقيقة في عقله الباطن..رأسه يتحرك ينفي واقعاً افتعل فجوة في قلبه الصغير..يبكي بهيستيرية لو كان واعياً لأستعصاها على نفسه..اقتربت منه تحتضنه بذراعيها و لسانها يلهج تَسميةً..قبَّلت رأسه ويد انمدت تُفرغ ماءً نثرته على وجهه وهي تُناديه

:ماما يُوسف قوم ماما قوم،بسم الله عليك يا ولدي قوم يا بعد عمري

ضربت بخفة خده،و أصابعها بارتعاشة بؤس تتحرك على وجهه،بأطرافها المدميتين تبحث عن خيط نجاة يُنقذه من كابوسه المُتَجَرع عقله الصغير بقسوة..نادته برجاء

،:يـوسف حبيبي قوم،كابوس يا ماما قوم اسم الله عليك

صوتها الدافئ تخلل عقله،قطع الكابوس إلى نصفين،فصل الأصوات و أخمد الرائحة..فتح عيناه و أهدابه كأوراق زهرٍ بللها الندى..لكن نداه كان حــارق..احمرار عينيه يدفعك إلى البكاء،فيهما شيء من الضياع والحزن الدفين،أنفاسه الملتهبة متقطعة ومتوترة و كأنه نسي كيف يتنفس..نظر لها بأسف فقد أيقظها من نومها مثل كل يوم..احتضنها مُلقيّا ثِقلَ رأسه في حضنها الحنون،يُريده أن يجتذب أحلامه المريضة،أن يُحَرره من القيد الذي آلم جسده الصغيـر...بكاؤه أصبح واقعياً أكثر،حــاد يضرب قلب والدته بقسوة،تبلل صدرها بدموعه الساخنة فاحترقت هي فوق احتراقها القديم...ذابت بأكلمها..لم يبقَ سوى روحها تائهة مابين السماء والأرض !

أما هي..في طرف السرير تُخَبِئ وجهها في صفحة وسادتها المُتشبعة دموعاً،تحبس صوت شهقاتها المخنوقة،دموعها تُعاضِد دموع أخيها الأكبر،لا تقوى على الإمساك بها،تسقط لتشاركه الحزن وتواسيه،تواسي روحه التي أصبحت هشَّة بعد انكسارها الذي لم يُجبر بعد..



حاضر

قبل أيــام

توقفت السيارة في مواقف أحد الفنـادق الفخمة في بَرْلِن..نزل منها ليقف بطوله المُميز،عضلات جسده القوية تُغلفها بذلة رسمية سوداء..استراحت على كتفيه بأناقة مُفرَطة..أغلق زراً واحداً من المعطف،رتب ربطة عُنُقِه السوداء المُناقضة لبياض قميصه الناصع..وضع كفه الأيمن في جيب بنطاله القماشي ثُمَّ مشى بخطوات واثقة و قصيرة إلى بوابة الفندق..

أومأَ برأسه للبواب بإبتسامة خفيفة..قصد المصعد متوجهاً للطابق الأرضي،دقيقة و أصبح أمام ممر طويـل،أرضيته تُغطيها قطعة سجاد فاخرة حمراء يتداخل فيها اللون الذهبي على الأطراف..كان ينظر إلى اللوحات المُعلَقة على الجدران الذهبية..صور لأشخاص لا يعرفهم في احتفالات تبدو خاصة بالفندق..رسومات تَتَذَيَّلَهَا توقيعات لرسامين شهيرين ليسوا من اختصاصه..

صوت الموسيقى الهادئة أزعجت مسامعه..رفع يده لربطة عُنُقِه،حركها بخفة وهو يتنفس بوضوح،باتت المُهمة تقترب من جزءها الخانق..توقف أمام الباب الخشبي الكبير..بُني داكن مفتوح على مصراعيه،قُربه تقف فتاة طويـلة ترتدي فستان أحمر،لم يُطيل النظر إليها،أخرج بطاقة ذهبية مُستطيلة تناولتها منه بإبتسامة و هي تقول بترحيب،

،:تفضل سيدي،اتمنى لك الاستمتاع

لم يُعَقب على ترحيبها و واصل مشيه ببطئ،عيناه تتحركان على الأشخاص،تحفران في الوجوه بحثاً عن ملامح احتفظ بها عقله خلال الشهر الماضي..ارتفع حاجبه الأيسر و عينيه تلتقي بالوجه الذي التصقت صورته على لوحته الخاصة لأسابيع..اقترب بهدوء برأس مرفوع..توقف بجانبه وهو يُخرج كفه من جيبه..أدخل أصابعه في كُم معطفه ساحباً قميصه بخفة و رأسه ينحني جانباً ليهمس بالألمانية..

Gute evening

التفت له الرجل..نظر له باستغراب فهو لأول مرة يراه..رد بهدوء بالجملة نفسها

،:مسـاء الخير

ابتسم هو و عينيه تتحركان على المدعوين،لم يلتفت لنظرات الرجل بجانبه..كان في منتصف عقده الخامس..طوله يصل إلى كتفيه العريضين،شعر أبيض خفيف لا يُخفي صلعته المنتشر فيها بقع نمش بأحجام متفاوتة..جبهة صغيرة انطوى جلدها بعشرات التجاعيد.. حاجبان غليظان يعتليان عينان كبيرتان زرقاوتان يفصل بينهما أنف أفطس من تحته شفتان صغيرتان تبدوان داكنتان من السجائِر..وجهه يخلو من الشعر،أملس كوجه صبي في العاشرة..كان يرتدي بذلة رمادية قميصها أزرق داكن..و حول عنُقُه التفت ربطة على شكل "فيونكة" بيضاء..و ارتدى في قدميه حذاء رسمي من الجلد البُني ..من الواضح أن ذوقه رديئ جـداً في الملابس !

اقترب منه أكثر،حرَّك كتفه الأيسر للأمام وهو يستدير ليُقابله بنصف جسده..رفع الرجل العجوز رأسه إليه بنظرات تعجب..ابتسم هو لهُ ثُمَّ همس

،:هديتك قد وصلت..

اتسعت عينا الرجل،تلفت بسرعة يتأكد ان لم يسمعه أحد..تنفس بارتياح فلا أحد قريب منهما،و الجميع مُنشغل بالحديث و آخرين بالرقص و التصوير....نظر له،اقترب أكثر و امسك معصمه وشدّه إليه..همس و خوف يُقَرقِع بين كلماته

،:وو أيـ ـن هي ؟

كان ينظر للعجوز بشفتان مائلتان للأسفل،يُقَيّم خوفه الجليّ على ملامحه..أخفض بصره ليديه المضطربتين،تتصافقان حيناً و تنفران بارتجاف حيناً آخر..أعاد عينيه إلى وجهه و الإستخفاف أغرق نظراته..جديــدٌ هو على هذه الأعمـال ! بلل شفته العلوية بلسانه الذي استقر طرفه في زاوية فمه من الخارج يُخفي ضحكة آلَمَهُ فكه وهو يحاول إخفائها..

تحمحم و ظاهر سبابته يَمس أنفه للحظة..بذات الهمس قال وهو يُبعد عينيه للأمام،:هنـا في إحدى غُرف الفندق

فَغَرَ فاهه و خطُ دم قطع ناصية وجهه الذي احتقن ربكةً حتى انفجر العرق سيولاً..شهقة اعترضت أنفاسه بددت الهواء عن رئتيه..دوار باغت عقله و شعور بغثيان ارتفع حتى حلقه..

رفعَ هو يده إلى كتفه،ربَت عليه بخفة وهو يقول ببرود،:لا تخف وصلت دون أن يعرف أحد..انت في امان

ارتفعت يده إلى ربطة عُنُقِه..شدها عن رقبته و هو يزدرد ريقه..تنفس بارتياح و كفه ارتفعت بارتجاف تمسح جانب وجهه..قال له قبل أن يستدير

،:لنذهب إذاً

مشى العجوز و هو من خلفه..انتبه لهُ يُشير بيده إلى أحدهم و اليد الأخرى تعبث بهاتفه ..تعرف إليه مُباشرة.."بيمي" مساعد العجوز و يده اليُمنى..خرجا من القاعة التي احتوت جسد ذاك المُرتَعِب بطريقة مضحكة،و جسده المُنتَحر في جُبٍ لا قاع له..انتحار لا مُنتهي،ينتظر فيه الخلاص و انقاطع النفس و تبدد الإحساس..لكن المُعادلة تصبح عكسية..و الناقص تستوي جَمعاً مُزدوج..يُضرَب مرتين في الروح..فالخلاص غُباراً يتلاشى في الهواء لتحتضنه كُثبان ترتفع حتى تستوي هضبة تتعرى فوقها أشعة الشمس باعثة حرارتها لتصهر دماءً لم يتوقف غليانها بَعد..و النَفَسْ تُلحَم حَوافُه ليستوي سَهماً يخترق القلب مع كُل انقباضة لحجابه الحاجز..أما الإحساس،فيَنسلخ عنهُ الغشاء و يستبدلهُ جداراً بُصٍقَت عليه ألوانٌ تُشَرِبهُ التبلد ! إحساس ينطوي على نفسه ألف مرة بعيداً عن فوضى الشعور..

استقلا المصعد حتى الطابق الرابع..و هناك عند الغرفة 407 أخرج بطاقته..مررها أمام شاشة أسفل المقبض ليظهر فيها لوناً أزرق،فتح الباب و دخلا وهو يتقدم العجوز..كان جناح مُتكامل،راقي كرُقي الممر و قاعة الاحتفالات..استدار له و يديه في جيبه

،:انتظرني هنا سوف أعود بعد دقيقة

دَخل إحدى الغُرف،أقفل الباب بهدوء لم ينتبه له الجالس خارجاً..اقترب من النافذة..أبعد الستائر الثقيلة بأطراف أصابعه،نظرَ للخارج بعين واحدة..سيارة سوداء تقف على بُعد شارع عن الفندق..أنزل الستائر ثَمَ تراجع للخلف..رفع كُمَه ينظر لساعته،كانت تُشير إلى التاسعة و الرُبع..نظر إلى الباب و يده ارتفعت ببطئ يفتح زر معطفه..خلعه و ألقاه على الكرسي..بالبطئ نفسه فكَ ربطة عُنُقه و عيناه لم تبتعدان عن الباب،و كأنهما اخترقتاه إلى الخارج..رمى الربطة على المعطف..فتح زِر قميصه عند معصمه وبدأ بِطَيّه حتى كوعه كاشفاً عن ذراعه بارزة العضلات..صلبة كروحه المُصَنَعَة !

استدار للسرير،انحنى قليلا ثُمَّ رفع مرتبته بسهولة بكلتا يديه..ابتسم وهو يتناول سلاحه..رفعه بالقرب من وجهه..ينظر إلى فوَهته..فَوَهة المــوت...،

،

في الخارج

كان العجوز يتحرك ذهاباً و إياباً يُفرغ شحنات التوتر الغازية جسده..و في داخله تجري وعود مع ذاته انها المرة الأخيرة و لاعودة لهذا العمل..لكن و إن كان الربح كما المرة الأولى ؟..ربحاً يملئ خزانات أمواله حتى الزُّبا !
ازدرد ريقه و كَفِه ارتفعت إلى ذقنه تتلمسه تُسبِر جواباً لِأسئلة تصادمت بباب الرهبة المقفول في صدره...رفع رأسه ينظر للباب الذي دخل منه ذاك الغريب..اللا مُبالاة التي تنضخ من عينيه اصطدمت مع شرار خوفه..استفَزهُ ببروده و كأن شيئاً لم يَكُن..
رفعَ يديه يمسح وجهه وهو يزفر دقائق الإنتظار المُنعَقدِة حلقات تضيق بين عروقه..تُعَسِر مجرى الدماء إلى قلبه

صوت طَرِق قوي على الباب أرجَفَه..اختل توازنه و فكرة واحدة سقطت صَخرة على عقله، لقد كُشِفَ امرهم..! تمسك بالأريكة القريبة بيده المرتعشة..فتح ربطته و أزرار قميصه العلوية..مسح على عُنُقِه يبحث عن الهواء..تلفت بضياع ينظر للباب المُوصَد بريبة

،:ديريك افتح الباب بسررعة

هَمسَ بتعجب بصوت بُحَ هلعاً،:بيـ ـمي

مشى بخطوات مُتعَثرة إلى الباب،فتحه و صوت أنفاسه يتعالى بوضوح..تساءل بذهول و هو ينظر لرجلان من رجال أمن الفندق يقفان مع بيمي

،:ماذا هناك ؟ ما الأمر تكلم ؟

اقترب منه وهو يهمس بعد ان دفعه ليدخل،:ليس هو انه كاذب

استدار له و ثورة الخوف لا زالت مُسيطرة على عقله،:عن من تتحدث ؟..تكلم بوضوح

وهو يتلفت باحثاً،:الرجل الذي احضرك إلى هنا،انه كاذب،فالرجل الذي اتفقنا مع مجموعته قد أتى بعد خروجك مباشرة

بانت عروق عيناه المتوسعتان من إشارات الفاجعة التي استقبلها عقله..بشهقة نطق،:مُستَحيــل

،

داخل الغرفة

وصلته الجَلبة في الخارج..تحرَّك بسرعة إلى الباب و السلاح أرجعه خلف ظهره..وضع أذنه يسترق السمع..أصوات همهمات لم يستطع أن يُميزها..وضع يده على القفل ليفتحه لكن اهتزاز هاتفه في جيبه أوقفه..أخرجه و هو يتراجع للخلف..وضعه في أُذنه دون أن يتكلم وصوت يصرخ اخترق مسامعه

،:موهاميـــد اهرب لقد اكتشفوا أمرنا !



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:55 am

بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله



،


فَقدُ ذّات

أصبحت لُغَتَه الألمانية جَيّـدة..من السهل عليه الآن أن يُحادث بائع الخضروات وأن يستفسر من موظف المكتبة عن أحد الكتب التي يحتاجها للدراسة..

كانت الساعة تُشير إلى الثامنة و جليد !

ابتسم بخفة و عيناه تتركان الصفحة ثلاثة و عشرون من الكتاب إلى النافذة يساره..قبل ساعتان كانت ملامح المنطقة واضحة و جليّة..لكن الآن معطف قطني أبيض يغشاها بأكملها مُخفياً لون الأرض الرمادية و هياكل السيارات المتوقفة على جانب الطريق..،

حَنيـنٌ داعب أهداب عينيه الواقفتين على ناصية وطنه و هو يتذكر طلب أخته المُضحِك

"،:ابي تحمل لي ثلج وتجيبه وياك اذا رجعت،ترى بزعل اذا حقرتني و ماجبت"

تلك الشَقِيَّة اشتاق لها قلبه العائش على الصور و المُكالمات التي لا تُشبِع رغبة شوقه..مرَّ على رؤيَتَهُ لها ولأهله ستة أشهر..و لا يستطيع أن يذهب لهم في العُطَل،يُريد أن يُكمِل دراسة اللغة سريعاً ليتفرغ لهم بعد ذلك.. و قبل موعد سفره سَيُفَكِر كيف سيحمل الثلج إلى شقيقته !

Hallo

استدار للصوت و للكلمة الألمانية الأولى التي تعلَّمها..وقعت أنظاره على شاب يبدو في مثل عُمرِه..قصيـر نسبياً ذو بشرة قمحية بإحمرار أعطاه طابعاً طفولياً..شعر ذهبـي قصيـر لا يُغَطي أذنيه القابع في إحداهما قرط على شكل حلقة صغيرة..يرتدي سترة بيضاء من فوقها معطف جلدي و سلاسل فضية بأحجام مختلفة تتدلى من عُنُقِه إلى صدره المكشوف أعلاه..

أعاد ظهره للخلف مُستنداً إلى الكرسي و بهدوء ردَّ التحية
،:مرحباً
أشار الشاب بإصبعه إلى الكرسي أمامه مُستأذِناً الجلوس..هزَّ هو رأسه،:تفضل

جَلسَ و قابله بإبتسامة واســعة استنبط فيها شيءٌ من الغبــاء ! تحمحم يُخفي ضحكة باغتت حلقه وهو يُغَيِر من وضعية جلوسه ليستند بذارعه اليُمنى على الطاولة الخشبية مُتَقدماً بظهره..و بتساؤل

،:هل تعرفني ؟

ضحك ذاك مُحَرِكاً رأسه بالنفي،:لاا لا اعرفك.."استراح في جلسته و أردف" لكن أردت منك بعض المساعدة..بالطبع ان كنت تستطيع

عَقَّدَ حاجبيه باستغراب..أيُّ مساعدة يحتاج منه هذا الشاب الغريب..لا يعتقد أن بقدرته تقديم مساعدة له وهو ابن البلد ! لكنه ردَّ مواصلاً معه ليعرف ماهو نوع المساعدة
،:بالطبع..ان كنتُ استطيع

رَفعَ ظهره واعتدل في جلسته..قرَّب جسده للطاولة وشبك أصابع كفيه..ضمَّ شفتيه للحظة قبل أن يقول
،:لاحظت أنك تترد على المكتبة منذُ أكثر من شهر..و رأيت أنك تقرأ العديد من الكتب..على الرغم أنهُ يبدو من خلال قراءتك للكتب الخاصة باللغة الألمانية أنك جديدٌ عليها

و صَمَت

ابتسم بخفة ليقول حاثاً إياه على الإكمال،:حــسنـاً ؟!
ابتسم لهُ و أكمل،:والدي يُحِب القراءة،بل يعشقها..وأنا كما هو واضح لست ممن يستمتع عند قراءته لكتاب.."تنهد ليُردِف" لذلك أردت منك أن تُحببني في القراءة..بأي طريقة..فوالدي لن يهدأ إلا وإن رأى كتاباً في يدي "ابتسم بسعة" هذا كُلَّ شيء
كان ينظر للشاب بحاجبين ارتفعا تَعجُباً من هذا الطلب الشبيه بصاحبه..،لم يتوقع أن تكون هذه المساعدة ! بالمناسبة..،هل هناك طريقة تُحَبب المرء في القراءة ؟ أليس الأمر فطرياً ؟! أو أن اعتقاده خطأ ؟! انتبه لصوته
،:أنت تفهمني صحيح ؟
هزَّ رأسه،:نعم أفهمك لكـن "بلَّلَ شفتيه قبل أن يُكمل" لكن لماذا تطلب مني أنا ؟
بصـدق قال،:لأن شخصاً مثلك على الرغم من أنها لغة جديدة وغريبة عليه إلا انه لم يجعلها مشكلة بالنسبة له..فأنت تقرأ كُتب في شتى المجالات،فأنا اشعر ان شغفك الواضح بالقراءة سوف يساعدني
ضحك بخفة،:يبدو أنك راقبتني جيداً ؟
رفع حاجبه،:بالطبع،لم اطلب منك المساعدة الا بعد أن تأكدت من جاهزيتك
تساءل،:بما انك لا تحب القراءة..لماذا انت هنا ؟
مدَّ شفتيه بضيق وهو يقول،:مُهِمة قسرية
بعدم تأكد تساءل،:تقصد بالقوة ؟
هزَّ رأسه بالإيجاب،:نعم..فوالدي خصص ساعة كل يوم لأقضيها في المكتبة..
حرَّكَ رأسه بخفة،:هذا من دواعي سروري يا

و قبل أن ينطق الشاب قاطع حديثهما صوت أمينة المكتبة وهي تهمس بحدة
،:أيها الشابان،اخفضا صوتكما قليلا أو اخرجا للشارع..انها مكتبة

هزَّ رأسه باعتذار،:عُذراً سيدتي

رمقتهما بنظرة ضائقة و ابتعدت..عضَّ على شفته السُفلى وهو ينظر للشاب بطرف عينه..انتبه لهُ يمدُّ يده..نظر لها ثُمَّ رفع عينيه لوجهه المُبتسم منذ قدومه..ردَّ الإبتسامة و يده امتدت تُصافحه..يده السمراء تناقضت مع يده الفاتحة..سمع همسه

،:اسمي هــاينز،و أنت ؟

ابتسم لهُ و فخر عانق عينيه قبل أن ينطق بإسمه الغريب على مسامع هاينز

،:مُحَـــمَّد





الجزء الثامن

،: مثل لون الخَمر لكن حــلال

ضغطت على رأسها بأصابعها المُتَألمة الأطراف من فرط ضغطها المُستمر منذ ساعتان..عانق الهَمْس مسامعها بإكراه حتى سبب وَجعاً لا يُطاق في رأسها..مثل شريـط احتفظ بهذه الجملة فقط،يُعاد مراراً لِيَنحَر أنفاسها المُنتظمة قُبَيل احتلال الذكرى

همست بتعب يستنجد و رأسها يميل بإعياء على الوسادة،:ياربــي

الصوت لم يصمت،يزداد ضجيجه في قلبها الذي تكاد حُجَراته أن تنفصل و تتبدد قوتها،نبضة غَدَّارة التوت بلؤم شلَّتهُ لثوانٍ كانت كفيلة بأن تَهدُم بُنيان خمس سنوات..،رفعت ذراعها بوَهن، استكانت صفحة كَفَها على بطنها المُسَطَّح..حرّكتها بخفة..تُبعثر غُبار الزمن عن كتابها الأسود الذي أغلقته بعد أن اختتمتهُ بتوقيع كان حِبرُهُ دماً...

أيُعاد الجُرح مرَّتين ؟!

تنتهي صلاحية وَجَعُه بعد أن يَجرَع إكسير الروح و يُفنيها فوق أرضٍ ابتلعت تُرابها شفقةً لهذه الروح المُحَطمة،لتوسدها قبراً انجلت عنهُ شمس فجرٍ جديد..يصبح الظلام اللغة و الكلمات ريحٌ صرصر تلتف على الأعناق حبلاً من جليد يقطع بقايا عُروق لم يُكمَل مسير دمائها..

و بعـد أن يُعثَر على الضوء،و يجيئ الرَبيع مُلَوِحاً ببتلاته،فارشاً فُستانه الأحضر مُشَيِعاً تابوت الحُزن على أمطار عينٍ مُوَدِعة.. لا تلبث الزهرة أن تتعرى تحت أشعة الشمس الدافئة إلا جاء صيفٌ حــارق يَبصُق حُمَماً تُذيب الجليد المُتَكَتل على جسدها..يُلغي خدمة غُرَزِهَا و يبدأ باستقبال سيل الدماء و الرقص بقسوة على جراحها العارية..

سقطت من عينيها دمعة،شقت طريقها حتى وسادتها التي تشربتها بِرَحَابة..مسحتها بقوَّة و هي ترفع جسدها عن السرير..لن تستلقي كمسكينة هُضِمَ حقها..لن تستسلم لدوامة الذكريات..اكتفت أوجاع..نهضت مُتوجهة إلى دورة المياه..فتحت الماء تملأ حوض الإستحمام،ولَيتَ الروح تُملأ بعد تَسَرُّب جَفَّفَ بَحرَها..خَلعت ملابسها وألقتهم بإهمال في سلة الملابس المُتَسِخة..ففي باطن عقلها ملابسها قد اتسخت من استفراغ ذاكرتها المُقرِف..،

استرخى جسدها..أخفت رغوة سائل الإستحمام الكثيفة جِرحَ فخذها..أسندت رأسها للخلف و يُمناها ارتفعت تتكئ برأسها عليها..أغمضت عيناها ببطئ ونفس عميق تَجَرَّعَتهُ رِأتيها..لا بُدَّ أن تبتر يد الماضي الطويـلة قبل أن تسرق ما نَمى من فَرَحٍ في قلبها..!

طَرقات على الباب أيقظتها من محاولتها،فتحت عينيها بكسـل و عُقدة خفيفة بين حاجبيها..سَمعت صوت والدتها

،:جنـان بتتأخرين؟

رفعت ظهرها قليلاً و هي تُجيب ببحة،:اللحين طالعة ماما

اغتسلت بسرعة عن الصابون،لم يُسعِفها الوقت لتغسل شعرها الذي ظلَّ مرفوع دون أن يُصيبه الماء..ارتدت رداء الإستحمام و خرجت لتُقابل والدتها تقف وسط غُرفتها بتشابك كفين أوجسها.،

تساءلت وهي تَشد الرداء على جسدها،:شصاير ماما؟

تنهـيدة فَرّت من صدرِ أمٍ تراكم البؤس على قلبها..تقطع طُرقاً غير مُعّبَدة،تنجرح بصخور يُلقيها عقلها الضائـع عند قدميها،بتَيه تمشي و ذراعاها تتخبطان تُريدان ان تهتديان للحقيقة بعد أن غاب النور عن مُقلتيها...،جلست على السرير بظهر انحنى من حملٍ وَرَثَته إكراهاً عن ابنها الأكبر، ضغطت على كفيها تُصَبِر علَّة التوتر..

هي جلست بالقرب من والدتها،و يدها امتدت تحتضن كفيها..غصَّة باغتت قلبها و كفيها ترتعشان بين يدها مثل طَير انقطح جناحه أثناء بحثِه عن لُقمة تَسد جوع روحه..
،:ماما حبيبتي شنو فيش ؟
استدارت لها و خطوط انتظار على وجهها أضناها السَهر حتى اشتدت خوفاً،:اخـوش قال بس أربعة أيام و بيرجع من السفر..اللحين صار له اسبوع .. و من سافر ما اتصل
سحابة الجليـد التي تمنَّت أن تستشعر سقوطها قبل زمن جاءت لها و ألقت حمولتها حتى تأكدت من تَجَمُّد أقسى عِرق في قلبها لتهمس بسُخرية لاذعة أحرقتها قبل أن تحرق والدتها
،:يمكن اختفى مرة ثانية
انتفضت بذُعر و هي تُنفِر يدها بعيداً عنها..عيناها احتوت دمعاً عقد صفقته معها لثلاثة عشرَ عاماً..ضرب على صدره و أقسم أن لا يَترُك ليلاً إلا و هو سارقٌ من عينيها الوَسَن..بتَهَجد همست
،:الله لا يقوله عشان اموت مرة وحدة
احتضنت كتفيها بذراعها،:مامااا ليش هالكلام اسم الله عليش بعد عمرٍ طويل
بتأنيب،:انتِ ما سمعتين شقاعدة تقولين ؟
قبَّلت كتفها،:آسفة ما كان قصدي
رفعت يدها تمسح خيالاتٍ أغشت ملامحها بزفيـر راجف أوجع رئتيها..طبعت جنان قُبلة على خدها قبل أن تهمس،:خلاص ماما والله آسفة "وأردفت" يمكن انشغل و ماصار عنده وقت يتصل
نظرت لها والدتها لتبتسم إبتسامة واسعة تُخَفف من وقع جملتها الغير مدروسة التي أطلقها لسانها "المتبري منها" على حد قول والدها..ابتسمت لها والدتها إبتسامة اختلت من جميع المشاعر و تقيَّدت بشعور الحيـرة المُنغرز شوكها في الروح..أخفضت بصرها لفخذ ابنتها الواضح جرحه..همست بقهر استوطنها و نشر أجنحته حاجباً عنها قطرة مطر تروي التياعها
،:كل واحد منكم خاش عني اشياء الله اعلم شنو حقيقتها
استشعرت ذراعها الخطر،تركت كتفيّ والدتها بهروب صريـح حرَّكت منهُ والدتها رأسها بأسى لتُكمِل،:ادري مافي فايدة و لا بتقولين الصدق
أبعدت وجهها بضيـق..يكفيها ما عاشته من زعزعة مشاعر قبل ساعات،همست،:ماما قلت الصدق من زماان
أمسكت ذقن ابنتها بقوّة و أدارت وجهها ليقابلها و بحدة نطقت،:شايفة عقلي عقل طفل عشان اصدق انه جرح عادي هاللي في فخذش ؟ "تراجعت يدها عن ذقنها حتى فخذها لتتحسس الجرح و أكملت" لو كان عادي ما احتاج أنه يتخيط بخمس غُرز
زمَّت شفتيها و أهدابها انسدلت تُخفي ما التمع من ذكرى في عينها..اكملت والدتها بحرَّة أحرقتها،:الله يستر من الا خاشينه يا اولاد امكم



رمالٌ تجمعت ذراتها على أطراف قدمها،و بأصابع يدها النحيـلة تُمَسّد عليها بخفة،يدها الأخرى التفت ذراعها على رجليها المُرتفعتان..خصلاتها مثلَ حُلم تتطاير بنعومة..بين حينٍ و آخر تُميل رأسها لتُبعدها عن عينيها السابحتين في بحرٍ تَخافُه،و في جوفها قلبٌ يتمنى لو تُبَلِلَهُ قطراته المالحة...

تنهيـدة فارغة من المشاعر خرجت من أنفها المٌرتفع بغـرور فِطري،مالت شفتاها الصغيرتين بإبتسامة مُتَمَلمِلة،رأسها انخفض ليستقر ذقنها فوق رُكبتيها..أغمضت تلك العسليتين،الصافيتين كسطح نهرٍ عذب..نسيــم البَحر و قرقعة أمواجٍ استوطنت أُذُنها موسيقى كلاسيكية يدور جسدها حول نفسه على أنغامها الحالمية..فتحت عينيها بكسـل و رأسها يميل على رُكبتيها،منظر شاعِري ينتظر عِناق أنثى و رَجُل تُلهِبهما قُبلة..

ضحكت بسخرية وهي تقف بتمايُل..أيُّ قُبل يُفَكِر فيها عقلها؟..هو و إلى الآن لم يُقرِّبها إليه كزوجة،و هي مُرتاحة لهذا البُعد..لا تستيطع أن ترتبط بعلاقة تَجهل عواقبها..لا مجال لِكَسرٍ جـديد..و إن اختلف السقــوط ! حرَّكت أصابعها على فستانها الأبيض من الخلف تُبعِد ما عَلِقَ من رمال..،استدارت وبأصابعها أرجعت خصلاتها خلف أذنها..رفعت عينيها بهدوء و هي تخطو بقدمها لتصطدم بهِ يقف على بُعد خطوتان من مكان جلوسها..،ارْتَدت في مكانها و وجوده صدمها.. لم تشعر به ! مُنذ متى كان واقفاً ؟!

نطقت بما في خاطرها،:من متى وانت اهني ؟

ابتسم لها بخفة وهو يُلغي الخطوتين..رفعَ يده لشعرها يُزيل بعض الرمل الذي علق بين خصلاتها..تراجعت للخلف وهي تُرمِقه بنظرة ضيـق لِلَمسَتِه..تجاهل ما تُرمي إليه عينيها الجميلتين و همس
،:من زمـان..
زمَّت شفتيها..لم يُعجِبها الجواب..فهذا يعني أنه تأملها لفترة طويـلة،و عيناه تَنَبَهت لسكناتها و حركاتها..ليـس هذا البُعد الذي هي راغبة فيه ! زَفرت و قدماها تحركتا..و قبل أن تتجاوزه شعرت بملمس يده على معصمها..ارتعشت من قبضته،يده كانت دافئة بطريــقة غريبة،غرابة أشعرتها للحظة بإرتخاء بغــيض..رفعت عينيها له و عُقدة رافضة بين حاجبيها..حرَّكت معصمها دلالة على عدم ارتياحها،خفف من قبضته و بخفة سحبها وهو يُديرها حتى أصبح ظهرها مُقابلاً له..

تَصَلَّبَ جسدها و حرارة صدره ينسلخ منها جلدها الرقيـق..ذراعاه التفا حول خصرِها ويديه تشابكتا مع يديها المُتَجَمِدة الأطراف..أصابعه ضغطت بخفة تستنبط حديثاً من خطوط كفها غاب عن لسانها المُنعَقِد،أخفض رأسه إلى رأسها وهو يزيد من احتضانها و بتطارد تزداد دقاتها المضطربة،هَمَسَ عند أُذنها باعثاً مع كلماته أنفاسه الدافئة ليُرسِل شرارات نَمَّلت أُذُنِها وجانب عُنُقِها..

،:ليش دائماً تهربين ؟

رَفَعَ رأسه قليلاً ينظُر إلى جانب وجهها المُتَشنج،احمـرار شديد كان يُعانقه،خجل زَيَّن أنوثتها الفريـدة،ابتسم و رأسه يعود لمكانه..و هذه المرة اقترب حتى لامست شفتاه أُذُنها
،:الى هالدرجة قُربي يضايقش؟

أنهى جُملته بقُبلة خفيـفة خلف أُذُنِها،ناعمة مثل وقع نسيم دافئ على موجات البحر..استنشق بعُمق عَبَقها الأثيري..رائـحة باردة يتعرف عليها للمرة الاولى،مُثيرة أسكرت عقله في ثوانٍ..،أراد أن يتعرف على المزيـد ،أن تنتشي روحه أكثر و تغيب في عالمها الأنثوي،تحرَّكت شفتاه بجرأة إلى وجنتها القريبة..طبع قُبلات بطيئة و مُلهِبة،طرف شفتيه لا يَكاد يلمس وجنتها و كأنهُ يُقَبلها هَمساً ! عَبرَ طريق وجهها لتنحرف شفتيه عند انحناءة عُنُقِها،انجرف مع التيار و واصل طبع بصماته،يستنشق عطرها و يُزفِر عطره ليُسيطر على أماكن النبض في جسدها..

،:بـ ـ سـ ـااام
خَرَجَ صوتها مُهَيجاً من نيران قُبلاته،ازدردت ارتباكها الفظيع..حالة استنفار تعيشها عروقها،حرَّكت رأسها بِخَدر تُريده أن يَعتق عُنُقِها..بتهجد نطقت راجية
،:بـسـ ـ ـام بس خلاااص

خفف من وطأة ذراعيه لكن جسدها لا زال في حصاره..رفع رأسه وصوتها أفاقه من سَكرته..ازدرد ريقه بصعوبة وهو يُديرها إليه..لم تستطع أن ترفع عينيها إلى عينيه،مراسم الخجل أغشت ملامحها و شفتيها تميلان برعشة بُكاء..رفع كفيّه يحتضن وجهها البَدِر،مسح بإبهاميه أسفل عينيها..و بهمس مُبتَسِم

،:و لا يهمش خلاااص "و أردف بمزاح" ساعات اقول من هالرفض الا اشوفه هذي اهلها غاصبينها على الزواج

تَصلَّبت ملامحها و جُملته خرجت من حلقه تقطع بنصلها مجرى النفس..تجمَّدت عيناها على صدره و ارتعاشة البُكاء استوت رعشة خوف من نبشٍ طالته كلماته...،هو استشعر التَغيّرُ الذي طرأ عليها.. تقلَّصت إبتسامة المُزاح و عيناه تلتهم ملامحها التي بدأ يتلبسها سوادٌ قضى على ملامح الخجل..أرجع رأسه للخلف،تركت كفيه وجهها ببطئ مُتَحفز..تَمَسَّكَ بكتفيها،ضغط و بحذر يخشى الحقيقة سأل

،:حنـين..انتِ مغصوبة على الزواج ؟



حَملَ ابنته ذات السابعة إلى غُرفتها بعد أن غطَّت في نوم سَبَقَهُ حديـث متواصل أفصحت فيه عن كُل ما في قلبها البريء..أنزل جسدها على السرير،غطاها و بحنان امتدت يده الكبيرة تمسح على شعرها القصير..
تصافق رمشيّه يقتنصان الثواني لإلتقاط صورة تحتفظ بها عيناه في قلبه..اشتاق لهذه الصغيـرة التي من فرط حبها استنسخت طِباعه و ما يُحب و مايَكره،حتى أن ملامحهما الطفولية غدت تشبَهه كُلَّما تقدم بها العُمر..طَبع قُبلة على جبينها قبل أن يغلق الضوء و يخرج بهـدوء..،
تقابل مع ابنته الكُبرى وهو متوجهاً إلى غرفته..ابتسم لها بحب وهي اقتربت تُقَبل رأسه..تساءل،:وين اخوش ؟
،:نام من عقب العشا،تعرفه ما يحب السهر ايام الدوام..يله بابا تصبح على خير
،:و انتِ من اهل الخير

دخل غرفته..أغلق الباب من خلفه و رأسه يطل للداخل بعينيه يبحث عنها..تجاوز دورة المياه وغرفة الملابس....،اهتزاز وَتَرْ نتج عنه نغمة تراقصت عليها نبضاته..كانت هي المُسبب لهذه النغمة..على السرير يجلس جسدها المُنتمي إليه منذ سبعة عشرَ عاماً..تُرَّطب ذراعيها الناعمتين مثل القُطن..و ساقيها مائلتان بجانبها،قطعة ألماس لامعة تنتظر وقع أصابعه عليها..اقترب منه ببطئ،اقتراب الأسد من لبؤته..انتبهت له،نبهها عطره أم شيءٌ آخر اخفاه القُلب..!

نظرت لهُ ببرود على مشارف الذوبان.. بــاذخة الجمال ! يعترف أن جمالها لم تلتقِ عيناه بمثله أبداً، و لا حتى خيالاً بين سطور قصصه..أدارت وجهها عنه تُكمل عملها...هو جلس مسحور على الأرض قُبالتها..أتَخرج الحوريات من البحر ليلاً ؟! تتلصص باحثة عن رَجُل لترمي بشباكها على قلبه.. أمسك قدميها..حرَّكهما بخفة حتى استقامت ساقيها أمامه..بأطراف أصابعه تناول قليلاً من "اللوشن" ذو الرائحة الخفيفة و بدأ بتحريك أصابعه بتمرُّس عاشق على ساقها..ببطئ تنزلق يده إلى الأعلى و الأسفل..تُثير أعصاب حسّها الغافية في غيابه..هَمَسَ و عيناه لم ترتفع لها

،:من جيت للحين ما كلمتيني !

أغلق علبة اللوشن بجانبها و جواباً منها لم ينطقه لسانها..و عيناه بعيدتان،اتكأ بباطن كفيه على السرير الفائز باحتضان جسدها وهو الذي تجاهل عبور مدينته بعد إهداره لتذكرتها المُلَوّحة بها بين أصابعها..رفع جسده بخفة حتى أصبح قُبالتها،استلى على يديها المنقطعة عنهما الحياة فترة بُعده..ببطئ مُخيـف..حد الموت مُخيف،ينظر للقلب بعيني حمراوتين،فيهما شيءٌ من الغُربة و انكسار حُب طاهر،قبَّل باطنها،يُرَبت بقبلته على زعل كفيها..يغسل بقايا الفراق ويلتهم بأنفاسه غُبار اليُتم الذي أحدثه هو...هو بنفسه..بذاته الضائعة بين البينين..

بين حُب امرأتين يتخبط..و هل يعشق قلب الرجل امرأتان في الوقت نفسه ؟

عَشَقَ أولى مُراهقة طائشة..قادتها إليه جُرأتها و فقدها لعضيدٍ كسر قيد الحماية الرابط بينهما وجعلها تائهة تبحث عن وجهه بين الرجال..و كان هو ولا يدري كيف أصبح هو ذاك المُغترب ؟! بنظرة وابتسامة تناقضت فيها البراءة بكَيْد أنثى لم تتعدى السادسة عشر..كيدهن عظيم و هن في المهد ينادونك لتطبع قُبلة على رأسٍ لم يتجرع سُماً من الحياة بَعد !

و الثانية..كان عُشقها سلس خفيف و هادئ..صيبٌ رقيق نسماته الباردة المرافقة للسحاب تملئ جوف صدره..ليبقى داخله فــراغ،إلا من صدى دقات قلب تذرف من شدتها مسامات جلده عَرقاً حفزته أنثى ضاعفت العذاب عليه..

يُحبها و يُحب تلك..أحب تلك و يُحب هذه..أحب مراهقة و عاشر امرأة حتى امتلكت قلبه..و تلك الجريئة باغتت سنينه بعد انقطاع ظن فيه أن قلبه نسيَّ كيف ينبض لأجلها و انعقد اسمه بإسمها..حلالٌ هي أصبحت،لهُ وحده،مثلما تمنى عندما رآها بثوب مدرستها الأزرق..!
لم تُقاوم عيناه..رفعهما إليها،كاشفاً ستار بَصَره ليلتقي بفيض أغرق وجنتيها..نَفَسَها لنظرته اضطرب و صوت حاد بحشرجة اخترق أذنه..امتعض من شهقتها،تُجاهد النَفَس بصعوبة..فتحت فمها مُحركة لسانها تُفَرِغ شكوى قلبها..بتقطع خرج صوتها

،:شنو تبيني اقول و انت غايب عن البيت خمسة ايام ؟
ضغطت على يده بوَهَن ترتجي منهُ إنكار وهي تُردف،:كنت عندها صح ؟
أطبق جفنيه و تنهيـدة غادرت صدره المُثقَل..تركت كَفيه وارتفعت يديها لصدره تقبض على قميصه..تهزه تُريد أن ينفلت من لسانه تكذيب لظنها..تتمنى أن تكون قد أساءت الظن ليُطفئ غليان روحها المُسعر.. ارتفع صوتها بصراخ مبحوح استقبلته أُذنه عالياً و حاداً صَلَّب قلبه..
،:تحجى أحمد كنت عندها..نايم عندها صح ؟ قوول و ريحني قــ ـ ـو

بُتِرت كلماتها،و غاب صوتها في نحيـب مريـر استطعمهُ لسانها..بضُعف التجأ رأسها إلى صدره..أحاطت ذراعاه بوقاحة لم يُنَكس رأسها الندم جسدها المُرتعش خيبةً من استيلاء أنثى على زوجها..لسنين ظلَّت تتأمل بوادر فَقدها بين عينيه و في حركاته وشروده الواضح..إحساسها الخاص هَمَسَ لها بوجود امرأة أخرى ذات مرة أخطأ و نادى ابنته الكُبرى باسمها لتتيقن هي و تبدأ رحلة عذابها..أخفض رأسه لرأسها،يستمع لبُكائها بصمت أسود..خبَّأ وجهه في شعرها،يُخفي خطيئته النكراء..خيانة مفضوحة لم يتستر عليها..يُداوي آثارها و يُضَمد ما سببته من جراح لايدري هل ستلتئم،ام أن خلاياها قد أحرِقَت.. وأصبح موتها مُؤبداً...و لا فائدة من أي دواء !



تفاقمت الأفكار في عقلها،غسيلٌ للمخ أجراه الخط الأحمر الذي أوجده ذلك المُتَقلب بينهما،رسمهُ بدمٍ نَضَخَ من قلبها في ليلتهما الأولى،الليلة التي انتظرتها أنوثتها على جبلٍ أخضر زُرِعَت فيه بذورها الجنينية حتى أنبتتها الأرض أنثى طاهرة،يكسو البياض روحها البريئة،جسدها العُذري ارتعش خَجَلاً لِقُربه من الاعتناق مع جسد رجولي يطوي بين كفيه دفئاً لم يُذيب جليد نفثته أنفاسه بقسوة..

حول سبابتها تُدير خصلتها الفاتحة التي اصتبغت بلون كستنائي التمس شيئاً من شعاع الشمس في ساعات الغروب الأخيرة،ليمتزج بحريرٍ ينساب بسحرٍ على كتفيها و انحناء ظهرها المُثير..شاردة بتحليق مُضطرب الجناحين بين مُستقبل زاهر و حاضر يتدثر خوف في قلبها من انقطاع طريق مُستقبله المجهول !
زَفَرت فكرتها المترددة بين سقوط و البقاء مُتَعَلقة في جوف غيمة باردة،تخاف أن تسقط و بدلاً ان تتشربها زهرة يانعة أن يلتهمها بحراً يسوقها بُخاراً بمبلغٍ بخس إلى سماء واسعة تتخبط بين هبات رياحها الشديدة..

نهضت من جلوسها الأقرب من الإنسلاخ على موقد اللهب،رفعت شعرها ذيل حصان بالربطة المطاطية الخفيفة التي تسكن معصمها طوال يومها،رتبت ملابسها،خطوة تعيسة لمرآتها تَتَبِعَها كلما أرادت أن تُقابله..ملابس نوم بسيطة،سروال بحري ضيق يرتفع عن كاحليها بشبر،أطرافه من الدانتيل الرقيـق أُحيط مثله فتحة صدر قميصها الأبيض..خرجت من غرفتها الصديقة،خَطَت الأربع خطوات الفاصلة بين غرفتها و ساحة معركته السرية..تنفست بعمق،سمت بالله ومدت يدها تطرق بابه الموصد..دائماً !

انتظرت بعد طرقتها اليتيمة أذن بالدخول،أصابعها تتجاذب بتصادم لم تشعر بوجعه من تخدير الخوف لأطرافهم..شَجَّعت نفسها و قَرَّبت رأسها من الباب تحاول التقاط همس كسـول قد يكون لسانه قد نطقه..رفعت يدها بتردد لتطرقه ثانية..لكن انفتاحه المفاجئ جعل خطواته ترتد بفزع للخلف..

عـاري الصدر و شعرُ رأسه غارق في الماء دليل عل استحمامه القريب..تقطيبة مُغالية لمشاعرها تَلَبَّست ملامحه،نومٌ يبدو في عينيه المُنسَدِل نصف جفنيهما..يده اليمنى مبسوطة على طرف الباب ويُسراه اختفت وراءه..بهمس مُعدَم الشعور

،:نعــم ؟

رفعت كفيها تتلمس أطراف شعرها،حبلُ إعانة و إنقاذ لمقابلة الجمود الذي أمامها..ازدردت ريقها تُهَيئ أحبالها الصوتية..و بصوت منخفض نطقت
،:بغيت اكلمك في موضوع

ضمَّت شتفيها و هاجس حام فجأة فوق رأسها..أتُفتَح المواضيع بين الأزواج بعد الثانية عشرة صباحاً ! ..أليست فظاظة أن تُقاطع نومه ؟ لكنه لم ينم..مُقبِل على النوم،لكن هي تعتقد أن رجلاً مثله لا بُدَّ انه يرفض المُناقشات الليلية..فهو لم يترك طبعاً غريباً إلا و تشَبَعه ! لا خبرة لديها في العلاقات بين الأزواج..،

قاطع هواجسها سؤاله،:شنـو ؟

تنهيدة باطنية..إذاً لا يُمانع النقاش..تقدمت خطوة و كلمته الوحيدة رشت قليلاً من الجُرأة على روحها المُتَخَوفة..

،:كنت ابي اقول لك ان قررت بعد تفكير أسجل في الجامعة

و قَبلَ أن تميل زاوية فمها لتكشف عن إبتسامة تُكمل بها حديثها نطق هو،:سوي الا تبينه،شي ثاني ؟

لو كان عالماً بأسرارها عند الغضب و الحَرج لرأت عيناه معالم الإنفجار التي أحدثها تعليقه المَنتَقِص لإهتمام فُغِرَ فم روحها المُتَعطشة للإرتواء منه..قبضة يدها أحمَّرت من شدة ضغطها و شاركها الإحمرار وجهها المُنصَعق من ردّه المُحرج..أرني اهتماماً ولو تَصنُعاً..اسألني عن التخصص الذي قضيت أسابيع أفكر فيه..تحقق عن الجامعة التي سأقضي نصف يومي بين جدرانها..تكلم..أنطق..فالحروف لا تُشترى و إن بيعت فهي لا تُكلف المرء شيئاً..متوفرة بلا انقطاع في سوق الكلام..فرّحني بكلمة..هديتك لي ولو كانت بغلاف أسود،فلا عليك سَأُلَوّنه داخل قلبي بألوان اُسعِد نفسي المسكينة بها،أكذب بها على روحي..اُصمِتُها و أسد فوهة حسرتها..سأخبرها همساً أن رَجُلـ ـ ..لا لن انسبك لذاتي..فأنت لم تكن أبداً لي ..سأخبرها أن يُوسُف قد ابتاع أخيراً حديثٌ مُستَهَلَّه الإهتمام...،

أنزل عينيه عنها و أدار نصف جسده مُستعداً لأن يُغلِق الباب..لكن صوتها المُتَحد بهجوم أوقفه

،:انت ليــش ما تحس ؟!

التفت لها بقوَّة..عقَّد حاجبيه ..تساءل و كأنهُ لم يسمع،:نعـم ؟!
ارتفع صوتها بحَرقة،:ليــش ماتحس..باارد ما تقدرني..ماتقدر اني زوجتك تهتم لي و تشاكرني الكلام
بذات البرود الذي الهبها،:اللحين شنو يدخل هالحجي ؟
رَفعَت تلك الغارقتين،:اقول لك ابي اسجل في الجامعة ما سألتني ولا شي بهالخصوص،ما اهتميت ما كأنه هالشي مُستقبلي !
اقترب منها مُبتعداً عن الباب،:يعني شنو تبيني اقول ؟ تبيني اعارضش مثلاً ؟ هذا انا عطيتش الحرية بالتصرف مثل ما تبين
اقتربت هيَّ تمشي على جمر،:اسألني عن التخصص الا اخترته،الجامعة اللي ابي اروحها.."رفعت يدها إلى صدرها تُشير" حسسني اني زوجتك خلني اشوف اهتمامك..مابي منك شي صعب..بس ابي احس ان في رجال يساندني

رفع يده إلى خصره يقف بميلان و الأخرى ارتفعت لشعره تُرجعه للخلف وهو يهمس بتأفأف،:استغفر الله ياربي
أكملت بيأس و قلة حيلة قيَّدت أطرافها،:مافي أمل منك "حرَّكت كتفها و هي تُردف باستهزاء" انا الغبية كنت انتظر تفاعل من واحد مثلك "ارتفع صوتها بقهر" شنو متأملة من واحد ثلاث سنين عايشة وياه في بيت واحد و ما اعرف عنه ولا شي..مختفي كأنك مجرم مادري شقصتك و شنو بلاويك.. انــاني ما يهمك الا نفسك تجيني وقت حاجتك بس "تَهَجَّدَ صوتها و رأسها يميل لكتفها" وبعدين ترميـ ـ ـني بدون أي ذرة احساس..لو كنت ادري انك انـ ـ ـاني هالكثر ما تزوجتـ ــ ـك

رَفَع رأسه لها..احتدت نظراته لكنها لم تخف و لم تتراجع خطواتها كالعادة،فهي حالياً غريقة في بحرٍ اختلطت فيه جميع المشاعر المُتعِبة..و لا مجال لشعور آخر..بفحــيح كان سُمه مُوجع أكثر مما توقع عقلها

،:يعني أنـا الا تحسبين سعيت عشان اتزوجش ؟

ذراعها بدفاع ارتفعت تُحيط بها جسدها..درعٌ تصد كلماته القادمة بسرعة السهم قبل أن تخترق قلبها..و لكنها أسفاً ارتعشت لتأوه روح استشعرتهُ عروقها..كلماته أصابت القلب و واصلت حتى انغرست في الروح..دون رحمــة !

اقترب منها و هو يهمس من بين أسنانه يُواصل ذبحها حيَّة،:لعلمش،طول هالثلاث سنين اللي تتكلمين عنهم انا كنت انتظرش تتعبين و تطلبين الطلاق

وَقفَ أمامها و أكمل مراسيم ذبحها،:اذا تبين الطلاق ترى انا جاهز في اي لحظة...انا رجال ابي اشتري راحتي

أنهى فيضانه المُدّمر و استدار عائداً إلى قصره الذي يُحيك فيه شره..أما هي و آه منها هيَّ..لو تشعر الجدران لبَكت شفقةً و رأفةً على حالها..قدماها تَرجُفان بضُعف،للحظة نسيت كيف تقف..اضطربت عضلاتها،اقتربت من الهوان وموت الإحساس..سقطت بانجذاب مؤلم فاقه ألم روحها..اجتذبتها الأرض الخالية من دفئ يُسنِد كَسرَها..بباطن يدها تَمَسَّكت بالأرض تحبو طفلةً سُلِبت منها عروستها..تزحف لتنجو بنفسها من قصفٍ أودى بحياة قلبها..على الأرض خلَّفت عيناها بُقعاً شفافة انعكست فيها صورتها المُفجِعة..شهقات مُتتالية آلمت صدرها..تتنشق بارتعاش و النحيبُ يَرتفع عابراً حَلقها بعبرة ماراً بأنفها ليُحرِقه ليتوقف عند مَحطة عينيها التي تفتح أبوابها مُفرِجة عن قطرات تُنحِت أثرها على خدها الناعم..

وَصَلت غُرفتها القريبة المفتوح بابها،دخلتها و أغلقته،تتوحد بنفسها،تنطوي مع بُكاءها،تعقد صداقة جديدة مع الأنيـن،استندت على الجدار قُربَ الباب،رفعت ساقيها تحتضنهما لتتوسد قساوة رُكبتيها،خبأت وجهها فيهما،تُخفي جرحها..تَستَتِر على نَفي أنوثتها..

حَطَّمَها..ألغى وجودها بكلمات لم يحسب لها حساب..لم يُفكر قبل أن ينطقها لسانه،نَسيَ أنها تحمل في جوفها روح رقيـقة هَشَّة تنحني بمُجَرد أن يصطدم بها هواءٌ قاسي..نَثرَ أنوثتها على الأرض و بقدمه وطأها يُبَعثِرَها مازجاً إياها بتراب تراكم على رئتيها يمنعها من جَر نَفَس جديـد..أهداها إلى الموت بسخـاء..كَفَّنها بكفن التحقير..دفنها دون أن يُصلي عند قبرها..أشعرها بحجم مكانتها لديه..وضيعة هي بالنسبة له..هُناك بالقرب من قدمه،مُهَمَّشة مثل ورقة مُصفّرة جعدتها قسوة الزمن بعد أن سقطت من غُصن شجرة بَخُلَت عليها بظلٍ يقيها حريق شمس لم تهتدي إلى قلبها قط..

أنهاها..أنهى الحُــور التي انتظرته لزمن على باب جنتها الأنثوية !







يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:55 am

ساهرٌ برفقة هاينـز الذي تَمَنى لهُ عدة مرات أن تكون سهرته مع امرأة حسناء تُراقبه و تطمَئن على وجع كَتِفه..مرت ثلاثة أيام على ما حدث،المُهمة و لله الحمد تكللت بالنجاح..في النهاية تم القبض على المُتَهَمِين من قبل الشرطة، و كما أخبره آستور أنه بعيد كُلَّ البُعد عن القضية..حتى الآن
استنشق من سيجارته و ذاكرته تعود للأيام الماضية،بالتحديد بعد الإتصال الذي وصله من آستور..تحت ضوء القمر المُتَوَسط سماء الريف المُرَصَّعة بالنجوم، وعلى كُرسي خشبي بجانب كُرسي هاينز المُندمج في غناء اغنية أضاع لحنها،مُشاركاً إياه الإستنشاق وبين اصبعيه تتكأ من يحترق بها ولو القليل من ضيق الروح..قفزت ذاكرته إلى الغُرفة 407


،

وصلته الجَلبة في الخارج..تحرَّك بسرعة إلى الباب و السلاح أرجعه خلف ظهره..وضع أذنه يسترق السمع..أصوات همهمات لم يستطع أن يُميزها..وضع يده على القفل ليفتحه لكن اهتزاز هاتفه في جيبه أوقفه..أخرجه و هو يتراجع للخلف..وضعه في أُذنه دون أن يتكلم وصوت يصرخ اخترق مسامعه

،:موهاميـــد اهرب لقد اكتشفوا أمرنا !

اتسعت عيناه بصدمة..لم يكن يتوقع أن يُكتَشف الأمر..فسذاجة هذا العجوز و رُعبه الواضح جعله يجلس على كُرسي الراحة،فهو لم يتوقع للحظة أن يشعر بغرابة الوضع..تحرَّكت عيناه للباب،و بسرعة أقفله.. ثوانٍ و مقبضه يتحرَّك في محاولة لفتحه..التفت بسرعة يبحث عن مخرج،نظر إلى النافذة من بعيد..تقدم خطوة لكنه توقف و هو يتذكر أنه في الطابق الرابع..عضَّ طرف إبهامه بقهر،لن يستطيع أن يقفز..هو قادر لكن حتماً سيجذب الناظرين..بدأ يمشي ذهاباً و إياباً يحاول أن يتصيد فكرة تنقذه..المحاولات تطورت إلى محاولة كسر الباب.. صوت بيمي الصارخ يصله بوعيـد..وضع يده في جيبه بعد أن أقفل الهاتف،اصطدمت أصابعه المحشورة في جيبه بشيء معدني..تحسسه..ثوانٍ و ابتسامة مَكر حاذق تكونت على شفتيه..رفع بصره للأمام و بهدوء تقدم..

في الخارج

بيمي و رجال الأمن يحاولون كسر الباب..لا بُدَّ أن يُقتل هذا الكاذب..لن تُكشَف خطتهم..لا يدري كيف استطاع هذا الرجل أن يعرف بها،باحتراف خدعهم..لن يجعله يفلت من يده
واصل رفس الباب بقدمه..كان يقترب من الإنفتاح..لكن صوت حاد قاطع مُحاولته..وضع يده على الباب و الأخرى رفعها أمام الرجلان يوقفهما تحت أنظار رئيسه..نظر للمبقض،أخفضها إليه بخفة أغمض عينيه و أنزلها ليتفاجئ بالباب يُفتَح..نظر بصدمة لديريك،ابتسم بعدم تصديق وهو يفتحه بخفة..انفتح بأكمله لتتراءى أمامه النار وهي تأكل الغرفة..صرخوا بفزع وهم يتقدمون للداخل..النيران التهمت أطراف الستائر الفخمة،و تنتنشر على دعائم السرير الخشبية..همس ديريك بأسى
،:غُرفة فُندقي
تقدموا أكثر في الغرفة محاولين إخماد النيران..صوت إغلاق باب قوّي نبههما ليصرخ ديريك بقهر
،:لقد هرب
ركض بيمي بسرعة فاتحاً الباب ليسقط بصره على طيف جسد يخرج من الجناح..صرخ بأعلى صوته
،:أوقفـــووه

هُوَ

يجري بأقصى سُرعته،فوق رأسه وضع معطف بذلته و سلاحه أخفاه تحت بنطاله أسفل ساقه بعد أن ثبته حولها بربطة عُنُقِه..كان يجري بين ممرات الطوابق مُستخدماً السلالم و لسانه يصرخ مُحَذرا بكلمة واحدة

..feuer..feuer

كان مقيمو الفندق يخرجون من غرفهم بهلع،بعضهم صدق و البعض حَسِبَها خدعة قبل أن يصدمهم بالواقع جرس الإنذار..تجاوز الناس وهو ينظر بعين واحد من تحت معطفه و لم يتوقف عن الصراخ بكلمة حريق..وصل الطابق الأرضي..تجاوز الرُدهة وهو يَنسل من بين تَجَمع المُقيمين المُرتبك..خرج من باب الفندق الدوار ليُرادف خروجه دخول رجال الشرطة بأسلحتهم بعد أن وصلهم بلاغ قبل نصف ساعة عن وجود اتفاقية مواد ممنوعة في الفندق !

تجاوز الشارع المُقابل للفندق.. وعيناه التقطتا خُلو الموقف من السيارة السوداء..أخرج هاتفه من جيبه وفتحه وهو في غمرة جريه،ضغط الاسم المطلوب و رفعه لأُذنه،ثوانٍ و جاءه الرد..
،:قُربَ المطعم الفرنسي في الساحة الكبيرة
،:انا في الطريق ســـو
سيارة مُسرِعة بتهور شقت طريقها و صدمت جانب جسده المُنهَمك في هُروبه..سقط على الأرض و تدحرج جسده ثلاث مرات حتى اصطدم كَتِفه بعمود إنارة..تأوَّه و صوت فرقعة يرتفع من كَتِفه.. رفع رأسه بملامح منكمشة يبحث عن هاتفه،كان مُلقى على بُعد اربع خطوات عنه..ابتسم بسخرية،مُحال ان تنتهي مُهمة و لا يُصاب فيها !
وضع باطن يده على كَتِفه وبرجليه اتكأ على الأرض ليقف..تناول هاتفه و ابتعد عن السيارة التي خَرَج منها رَجُل لم يرى ملامحه يصرخ بغضب بكلمات لم يُفَكر أن يسمعها..رفع الهاتف و الخط لا زال مفتوح..
،:موهامــد أين انت ماذا حدث موهاميـد تكلم موهامـ
،:انا بخير لا تقلق،انتظرني و لاتتحرك دقيقتان و انا عندك

،

رافق هاينز بعد أن وصل محل وقوف السيارة..حاول معه ليقله المُستشفى ليفحص كتفه..لكنه رفض بشدة و أمره بالذهاب مباشرة لكوخه..و هُناك وضع فوقه قطعة قماش مُبللة بعد أن استلقى على أريكته الواسعة..وصل هاينز اتصال من آستور ليُخبره بنجاح المهمة في اللحظة الأخيرة..فالعضو الذي كان يحمل البضاعة و الذي هو تنكر بشخصيته قد تم القبض عليه أثناء محاولة هروبه من الفندق..و بعد تحقيق اعترف هو و العجوز الجبان..حالياً هو بعيد عن القضية..و لا يدري هل سيمر الامر مرور الكرام أم ان رسماً تَخَيُلياً سيفضحه !



صباحاً..يوم جديد و خطوة جديدة بالنسبة لملاك..على كُرسي مكتبها الخاص تجلس..رافعة سماعة الهاتف الأرضي تضغط أرقام تنقلها من دفتر كبير بجانبها يحوي أسماء و أرقام تخص الطالبات..وضعت السماعة على أذنها و يدها ارتفعت ليستقر ظاهر أصابعها على شفتها..ثوانٍ وجاءها صوت رجولي رخـيم
،:الـو نعم
،:السلام عليكم،صباح الخير
،:و عليكم السلام،صباح الخير
،:الأخ ابو غازي ؟
،:اي نعم،من على الخط ؟
بثقة نطقت،:عمي وياك الإستاذة ملاك مُشرفة مدرسة بنتك سُمية
،:يا هلا..شصاير يابنتي سُمية فيها شي ؟
،:عمي بغيت اكلمك في موضوع بخصوص سُمية..اذا تقدر تشرفنا المدرسة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:55 am


السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

صباحكم/مساؤكم دعوات مُستَجابة يـــارب

الجزء التاسع في الطريق..
دقائق وبيكون موجود ان شاء الله..

*انتهبوا للجزئية الأخيرة

قراءة مُمتعة


،


اشركوني في دعواتكم
بسم الله الرحمن الرحيم

توكلتُ على الله




،


فَقدُ ذات

التذكرة بين يده..ترحاله الجديـد و فصل لا يعلم خباياه إلا الله...أرسلها آستور مع هاينز،التذكرة في اليمين و اليسار انطوت تُخفي إسماً أُجبِرَ على أن يحمله زوراً..تأمل الاسم بإبتسامة أصبحت جزءاً لا فِرار منه في شخصيته المُصَنَّعة..

ديميتري موريـس

التقطوا لهُ صـورة بعد أن رآها هو نفسه لم يعرف نفسه ! شعره تم حلقه بأكمله ليس واضحاً منه سوى شعيرات قصيرة تشبه الشوك..شاربه تمت إزالته بأكمله وبه أُزيلت الرجولة من فِطرته..و كان للحيته المصير نفسه..جرَّدوه من اسمه..و ابتاعوا لهُ جسداً آخر روحه فيها غريبة..أصبح ديميتري الشاب الروسي ذو الواحدة و العشرون عاماً..عميـل سري يتنقل بين موسكو و بَرلين..و الإنتقال الأول يبدأ غداً..،

ثقل جسد هاينز شاركه الأريكة..رأسه اقترب منه ينظر للذي بين يديه سمع صوته مُتعجباً

،:يا إلهي كُل مرة انظر للبطاقة انصدم..و كأنك لست انت !

ببـرود نطق،:لأنني لستُ أنا "نظر له بنظرة ميَّتة" ذاتي أضعتها

أخفض هاينز بصره هارباً عن نظرات مُحَمد القاتلة..تأنيب ضميـر يُخالجه وهو يراه ينسلخ شيئاً فشيء عن مُحَمد الذي تعرف عليه أول مرة..الإبتسامة تحورت إلى سُخرية مريــرة و النظرات أغشاها جليـد لهُ حواف حادة تجرح عندما تلتقي بها..انتبه لصوته ويده التي شدها على فخذه

،:انا لا ألومك هاينز "مُحاولاً تغيير الموضوع" قٌل لي هل شقتي في موسكو جاهزة ؟

هزَّ رأسه بالإيجاب ثُمَّ التفت بجانبه..ثوانٍ وبانت يده تحمل ملفاً كبيراً..فتحه و أخرج منه بعض الصور وهو يقول،:هذه صور الشقة و التقاطات للحي الذي ستسكنه و ما يجاوره من محلات و مطاعم

تناول الصور وبدأ يتصفحها بسرعة دون تدقيق..وضعها بعد أن انتهى على الطاولة الصغيرة أمامه وهو يسمع هاينز

،:هناك شيء آخر أيضاً

نظر إليه وهو يُخرج كتاب سميك لونه خليط من الأحمر و الأزرق و الأبيض وحروف غريبة مطبوعة على غلافه إلى جانب حروف إنجليزية..رفع عينيه له بتساؤل و أجاب هاينز

،:مُعجم روسي..عليك أن تتعلم بعض الروسية و أنت في الطائرة ستحتاجها عند وصولك

رفع حاجبيه وفمه يميل..يتعلم الروسية !

يعني أن تنحشر لُغة جديدة في قاموس لسانه المُلتوي من حروفهم الخالية من التعبير و البلاغة..نَطق وفقد جديـد يلوح في الأفق

،:أخشى أن أنسـى العربية و أنا ضائع بين اللغات !

،


الجزء التاسع

اختار البحر ليكون شاهداً على لقائهما المُنسى بين كفي ليلتهما الأولى..لا زالت تهرب و لا زال هو حائـر..يُتابع بدقة التقاء أهدابها و حركة عدستها الشفافة التي حاول ذات مرة وهو واقف أمامها أن يغرس عقله فيها و يُسبِر أغوارها المُتَدَثِرة تحت أكوامٍ من الأتربة..يحفر ليتخلص من بعضها لكنها تتزايد و كأنها نبعٌ لا ينضب..

بالأمس عندما استشكف من ردة فعلها الواضحة التي نَشَّطتها جُملته المـازحة أنكـرت..بفم مملوء دحضت الحقيقة الجليّةَ على ملامحها..قالت لهُ بأنه يَتَوَهم و أضافت كلمة "اوووف" مدت شفتيها من أجل أن تُنطِقَها..تلك الصغيرتين،هاوية الخطر و الإنجراف إلى الخَدَرَ الحلال..الى الآن هي بخيــلة لم تتصدق عليه بقُبلة ينقطع فيها نَفَسه لثانيتان فقط..لا يُريد أكثر..يُريد فقط أن يستطعم شفتيها،حتى اذا جاء يوم و نَسِيَّ أنها زوجته يستذكر لذاذة هذه القُبلة !

نَظَرَ من نافذة غُرفته المُطلة على جزء صغير من البحر..غُرفتها كان نصيبها نافذة بحجم الحائط جعلت من البحر صورة حيَّة أحاطتها بإطاراتها البيضاء السميكة..يعلم جيداً مدى عشقها للبحر..ابتسم بمكر و محبة البحر يُقَسِمُهَا الى نصفين خوف طفولي ازداد نُضجُهُ مع مرور السنين..استدار عن النافذة و خاطرٌ ما استحكم عقله،ابتعد للخزانة التي أفرغ فيها ما يحتاجه من ملابس..ارتدى بسرعة قميص دون أكمام أسود على صدره من جهة اليسار علامة لماركة رياضية مشهورة،أبدَلَ سرواله الرياضي القطني بـ"شورت" أسود أيضاً يصل إلى رُكبتيه..أرجع للخلف خصلات شعره التي جفت سريعاً بعد استحمامه،ارتدى نعليه و خرج من الغرفة..،

تجاوز الممر الجامع لغرفتهما..أصبح في غرفة الجلوس..رفع حاجبيه بتعجب و جانب جسدها يتراءى أمام عينيه المُتلصصة أصلاً بحثاً عن وجودها،مُسترخية أمام التلفاز بجلوس أقرب الى الإستلقاء،جانب رأسها الواضح لديه مُستَند على يد الأريكة،ساقيها مُرتفعتان و مطويتان أسفلها،ذراع تحت رأسها و ذارع نائمة على ساقيها المكشوفتين..تقدم أكثر مُنبهاً عن وجوده..فزَّت هي لرؤيته و اعتدلت من إستلقائها،مَسَّت شعرها بربكة سكنت يدها التي انتقلت إلى فستانها القصير تَشده للأسفل على ساقيها..

سلَّم بهمس و ردَّت التحية بمثلها..قابلها بظهره مواصلاً مشيه للباب تحت نظراتها،وقف فجأة و كأنه تذكر شيء..أدار رأسه و هي هربت بعينيها لحظنها،بصوت عـادي لم يتلبس شعور محدد قال

،:بروح اسبح،تبين تجين تسبحين ؟

تَسْبَح ! يعني أن ترتفع قدماها عن الأرض..أن تتهادى بين الأمواج دون أن تستطيع السيطرة على جسدها،سبـاحة يعني غَرق ! دخول الماء إلى حلقها و إختناقها إلى أن ينقطع النفس عنها و تمووت..يطفو جسدها بعد ارتفاع ثقل الروح عنه،زُرقَة تغشى لونها وبرودة موت تُكَبل أطرافها...،شهقت بهلعَ زرعته تخيلاتها المُحاكة بخيوط ابتاعها عقلها الطفولي عندما تعرف لأول مرة على خوف جـديد..الخوف من الغرق !

حرَّكت رأسها بالنفي مرات مُتتالية وهي تقف قائلة،:لا لا مابي اسبح اصلا بروح غرفتي
استدار بكامل جسده ليواجهها،:انتِ من كل شي تخافين ؟!
نظرت لهُ بامتعاض،أسنانها احتكت مُصدِرَة صوت مُزعج من نبرة السخرية في صوته،بحدة قالت،:ما اخــاف
رفع حاجبه مواصلاً بنفس لحنه المُستَخَف،:من الكلام تخافين وبعد من البحر طلعتين تخافين،ما يندرى شنو الشي الثالث بعد !
بقهـر من نبرته الساخرة التي لم تستوعب تَعمُدها،:قلت لك ما اخااف،اروح عنك احسن

تابعتها عيناه وهي تبتعد للغرفة..أغلقت الباب لتتكون إبتسامة على شفتيه..همس لنفسه وهو يفتح
الباب،:بنشوف تغيرت لو لا ؟

،

في غرفتها

واقفة أمام نافذتها الكبيرة..ذراع مُستَقرة أسفل صدرها و الأخرى استقر كوعها على الأولى..إبهامها وسبابتها يَمسان شفتيها وذقنها بتفكير وهي تنظر لهُ يسبح بمهارة أجَّجت قهرها و أحْنَت غرورها الذي لا يُكسَر !

سبـاحة..مُجرد تحريك رجلين و ذراعين..بلا صعوبة،لكن الخوف من الغرق ! تشجعي حنيـن لا تكوني طفلة يسخر منها..تناسي رُعب طفولتك،كُنتِ أقصر و أصغر حجماً..الآن تستطيعين أن تتبللي بالماء بأكملك وقدماكِ تُلامسان الأرض..حسناً لا داعي للسباحة،فقط دعي جسدك يحظى بدقائق من الشعور الجميـل و الأمواج تُدَغده..لكن و إن تعرقلت قدماها بإحدى الصخور و انقلب جسدها رأساً على عقب و ظلَّت تتخبط بذراعيها تحاول النجاة و لكن لا أحد قريب و تموت !

ضربت رأسها تُبعد الأفكار الغبية و ارتفع صوتها تؤنب نفسها،:حنيــن بلا غباااء شيلي هالأفكار

ارتفع صدرها وهي تتأفأف و داخلها يعض على إصبعه من إغاظة بسام..استطاع و بجملتان أن يُثير غرورها و و يُوَتر أفكارها..لا لن تسمح له أن يتحكم بانفعالاتها..هي فقط من يتحكم بها و لا غيـر ! ضمَّت شفتيها وهي تتراجع للخلف..فتحت حقيبتها التي لم تُفرغها و غاصت يدها في كومة الملابس تبحث و هي تقول بوعيـد

،:ما عليه يا بسام اللحين بتشوف الا قلت عنها تخاف

،

في البحر

لم يبتعد كثيراً عن الشاطئ..وكل خمس ثوانٍ يلتفت إلى الباب متوقعاً قدومها..يعتقد أنهُ ضغط على وَترٍ حسـاس...وتر غرورها !

غرورها فائض إلى الحد الذي قد ينزعج منهُ الرَجُل..لكن هو و ياللغرابة انحرف عن القاعدة و تناول هذا الغرور و جعلهُ موضع اهتمامه..اكتشفه و انغرس فيه حتى بات يستشعره ،يستمع لنبضاته و يقيس مدى خطورته ليعلم موعد انفجاره القريب..غرور يراه لذيــذ في شفتيها اللتان تميلان لليسار مثل طفلة لم تُشترى لها حلوياتها المُفَضَّلة..مُثير في تَسارع أهدابها المُطلِقة سهاماً يشعر بها تُداعب جانب عُنُقِه النافر فيه عِرقاً اقترب من الإنقطاع من فرط نبضه..مُضحِك في ارتفاع يدها إلى خصرها و اتضاح أنفاسها المُثقَلة بقهر..جمــيلٌ هو غرورها و منبعاً لانفعالات تجذب روحه قبل عينيه..،

التفت مُجدداً...و بانت سَيدة الغـرور !

ابتسم بمُشاكسة وهي تقترب منه بخطوات قرأ التردد فيها..أبدلت ملابسها ببنطال ضاغط يصل إلى كاحليها..و في الأعلى ارتدت قميص أحمر ذو أكمام قصيرة جداً يمتد ليُغطي حتى نصف فخذيها..سَبَح ببطئ حتى اقترب من المكان الذي وقفت عنده..تساءل بابتسامة بريئة
،:غيرتين رايش ؟

لم تُجيبه و أبعدت عينيها عنهُ بعدم اهتمام..ركزت بصرها على الماء..ارتجفت و هي تتخيل جسدها يرتفع عن الأرض..لا تتوتري حنين لن تسبحي فقط ادخلي الماء..استشعري البلل..
خلعت نعلها الناعم...رفعت قدمها اليُمنى و بإبهامها تحسست الماء..كان دافئاً يُغري الى الغرق فيه..ابتسمت في داخلها،لنبتعد عن الغرق..تشجعت مُتَقَدمة بخطواتها..مشت بخفة و الماء يرتفع مع مشيها..توقفت عندما وصل إلى بطنها..سمعت همسه القريب

،:واصلي

لم تنظر لهُ و مشت من ذاتها حتى غطى الماء صدرها..توقفت و نبضها تحفز عندما شعر بقدميها ترتفعان قليلاً..أرادت أن تتراجع خطوة لكن ذراعه التي أحاطت خصرها منعتها..استدارت لهُ باعتراض وهو دون أن ينظر لها شدها بخفة معه لتصرخ وهي تشعر بابتعاد الأرض عنها و شجاعتها المزعومة تلاشت سراباً

،:بسااام وقف لا لا خلني خلني مابي اروح

واصل سباحته،ذراع تُحيط خصرها وذراع تتحرك في الماء..شعر بكلتا يديها تضغطان على ذراعه من الأعلى ووخز أظافرها آلمهُ قليلاً..سمع رجاءها

،بسام الله يخليك رجعني مابي اسبح

توقف لا لطلبها،و لكن لأنه علم أن في هذه البقعة سيستطيع السيطرة عليها..فهي مُستسلمة لخوفها كُلياً..استدار لها بكامل جسده وهي تمسكت بسرعة بكتفيه..أحاطت ذراعيه خصرها وقربها منه حتى لامس صدره صدرها...أنفاسها اللاهثة هلعاً تصطدم بوجهه،هفيف أنقى من هفيف الرياح..نادها بهمس

،:حنــين

كان ردها رجاء،:رجعني
،:مو قبل ما تجاوبين على سؤالي
أغمضت عينيها وهي تخفض رأسها..دوار البحر حاصرها..فتحتهما بوهن دون أن تُعير سؤاله أي اهتمام و أعادت طلبها بخفوت
،:رجعني
تركت ذراعه اليمنى خصرها وزادت هي من تمسكها بكتفيه لإنحسار طوق النجاة،أمسك بأصابعه ذقنها رافعاً وجهها إليه
،:حنيـن أرجوش احتاج توضيح واللي يرحم والديش
همست اخيراً،:مو اللحين بسام مو اللحين
رفع حاجبيه، اذاً هنالك شيء فعلاً تُخفيه..تساءل،: انزين مــتى ؟!
أغمضت عينيها بقلة صبر،:وقت اللي احس اني ابي اتكلم،ارجوك لا تضغط علييّ

تنهد برضا..لن يضغط عليها أكثر..ما دام انها ستتكلم،ليتركها الى حين ما أرادت التكلم..ابتسم لها بخفة وذراعه عادت لخصرها..شدّها إليه بحنان حتى لامس طرف أنفه أنفها المرفوع..همس
،:عندي سؤال غير اذا جاوبتين عليه بنرجع
بسرعة سألت،:شنوو ؟
اتسعت ابتسامته وهو يقول وعينيه تنظران لترقب مُقلتيها،:من متى ما رقصتين باليه ؟

خَرجَ همسه حميمياً..ارتعشت منه أطراف أصابعها على كتفيه..تمنت أن لا يكون قد شعر بالرعشة..على الرغم أنه وان لم يشعر بها فانتشار اللون الأحمر جانب وجنتيها أعلمهُ بمدى تأثير همسه..

زفرت قبل أن تُجيب بشرود تَلَقَّفَ يَدُ الماضي،:من بعد وفاة خالوو شريفة
همس و يده تمسكت بالماضي نفسه،:يعني قبل احدعشر سنة

ارتفعت عيناها إلى عينيه تُريد أن ترى تأثير كلماتها..عيناه تنظر للفراغ و صدى ذكرى فرَّ منهما ليتردد وقعه بين الأمواج..أخفضت بصرها عندما عادت عينيه لها ليتساءل
،:و ماتفكرين ترجعين مثل قبل ؟
رفعت كتفها وفمها يميل للأسفل،:مـادري..اذا افكر في الباليه افتقدها زوود خصوصاً انها كانت أكثر شخص يشجعني
وصلها صوته وهو يبدو مُبتسماً،:زين و اذا طلب ولدها منش الرجعة ؟"رفعت رأسها إليه وهو أردف بثقة" صدقيني بشجعش بمثل تشجيعها..ها شنو قلتين ؟
أبعدت عينيها عن إبتسامته الواثقة و بهدوء نطقت،:يصيـر خير

و الشمس مُستقرة فوقهما تلتقط اللحظة وهما مُتلاحمان..هبات نسيم دافئ تُحرك خصلاتها ليرتطم طرفها بنعومة بخده القريب..و النسيم مواصلاً تعذيبه حاملاً معهُ رائحتها الخفيفة..اقترب وصوت الأمواج ثالثهما..أحد شاهدي الطبيعة على القُبلة التي طبعها على جبينها..مثل وقع رفرفات فراشة داعبت دقاتها..استنشقت بعمق باحثة عن هواء لتصطدم رئتيها بغزو رائحته الرجولية المُختلطة برائحة عطر خفيفة..ابتعد عنها يُتيح لها فرصة استرداد وعيها..ازدردت ريقها قبل أن تهمس

،:خل نرجع

ابتسم قبل أن يهمس ليُنقِذَها من خوفها،:زيـــن



غادرَ المُستشفى و ضيقٌ لم يَبرح مكانه مُتكِأً على قلبه،هو المغادر الأوحد،غـادر حياتها..غادر جسدها..غادر الارتباط بروحها..غادر مدينتها التي نُصّبَ عليها ملكاً..طُرِدَ على غفلة من عِشق ! كان في السماء طائراً كَسَتهُ بريشٍ تَشَبعَ من رائحتها الخاصة..وهو في غُمرة تحليقه فصلت جناحيه و نَتَفَّت ريشه تاركةً إياه صريعاً على أرضٍ قاحلة من وجودها...،اشتاقها..و الاشتياق كان المُسَبب الأول لجنونه.. عقله لم يستوعب أنها بين يديه..و أن نَفَسَها عاد و اختلط بأنفاسه المتروكة ببعثرة مُهمَلة..اصطدم زفيره بشهيقه و استوى النَفَس اختناق مُزمن..لا شفاء منه..،

رَكِبَ سيارته بثقل مُسِن،رمى معطفه على الكرسي المجاور بإهمال،نظر الى المرآة وهو يمسح على شعره المبعثر كبعثرة دواخله..تبادل النظرات هو وعينيه،كلاهما يبحث عن إجابة،يبحثان بين الناس،بين النار والرماد،يحفر في فجوة الماضي بيديه المقرحتين،الداميتين بقطرات تهطل كدمع أطفال..

تنهد تنهيــدة طويلة مشتتة.. حتى المرايا لم تعطه الإجابة،

هو متعب والانهاك واضحٌ على وجهه..لم ينم منذ أكثر من أربعة عشر ساعة،ثلاث عمليات خلال عشر ساعات ظل فيها واقفاً على رجليه ولم يذق سوى لوح من الشوكلاتة وكأس ماء..

حرَّك السيارة مُبتعداً عن مبنى احتفظ ببعض من استفراغات روحه..ابتسم بسخرية،فالمباني كانت أحنّ عليه،احتوته جسداً و روحاً..فتحت ملفاً في ذاكرتها حَفظته بإسمه و دونت فيه ما عَجِزَ لسانه عن الإفصاح به..هو أعزل أمام امرأة غزت شعبه الفقير،بلا سلاح و لا جيش..ثائـر يقف على أرضٍ شُقَّت إلى نصفين..نصف يحمل جسدها و نصف يحمل رُفاته !

هل تعيش يومها كما يعيش هوَ ؟ هل تُباغتها الذكرى ليلاً سارقة بيد قاسية النوم من ليله الموحش..تنثر من عبوَّتها الصمَّاء سُهاداً يرتسم كُحلاً تحت عينيه..يتحسس جانب سريره..بأصابع ترتعش ارتعاشة وداع الحي لميته..و ما أكبر الأسى عندما يُوَدَّع الحي،مثل الضوء تراهُ أمامك و لاتستيطع أن تلمسه..مثل ماء يُغرقك و حُرّمَ عليك الإرتواء منه..هي حُلم أصبحَ مُستحيلاً بعدما كان قطعة لؤلؤ يتلقفها من كف إلى الأخرى..بعــيدة عن عينيه و هي جُزءاً من قلبه..و هل يُفَرّط القلب بإحدى حُجراته ؟!

أوقف السيارة في باحة منزلهم..خَرجَ يحمل معطفه الأبيض،بياض ليتهُ يستطيع أن يرتديه نفسياً..تجاوز الحديقة الصغيرة و تغافل عن اهتزاز أغصان الشجرة..صاماً أُذنيه عن حفيف أوراقها المُنتظرة منذ عام همسات غزل تسهر عليها..دخل المنزل لتصله أصوات ألِفتها مسامعه..وضع يده في جيب سرواله الأزرق و إبتسامة مُصطَنعة أمالت شفتيه و لم تُجَّعد حول عينيه الرافضة خطوطها أن تُشاركه الكَذِب..

،:السلام..صباح الخير

بإبتسامة واسعة و ترحيب،:هــلاااا عبــووود صباح الخيرات شلونك شخبارك

ضحك بخفة على ترحيبها،داعب ابنتها ذات الأربع سنوت المُنهمكة في لَعِبَها قبل أن يجلس بجانبها على الأريكة..أسند ظهره لها و تنهيدة طويلة خرجت من صدره زافرة معها أوشحة تعب تَلبَسها قلبها الشقيق..ابتسمت لهُ بحنية وهي تتأمل وجهه القريب..عيناه مغمضتان..تقطيبة عانقت جبينه اللامع فيه بعض زخات العَرق..عقدت حاجبيها وهي تلتفت للمُكيف،دفعهُ جيداً و الجو هُنا بارد لا حرارة ! عادت أنظارها لأخيها و عقلها لم يستوعب أن مساماته تُرَشِح ما بداخله من سموم..كُل مافيه ينطُق و ما خُلِقَ لينطق أبكم !

همست لهُ بيد ربتت على فخذه حانية،:تعبــان ؟

فتح عينيه و رأسه يميل لينظر لها..ابتسم بخلو مشاعر وهو يجيبها، هامساً:الحمد لله على كل حال

،:حبيبي جيـت ؟

استدار لصوتها..أقبلت تمشي إليه بإبتسامتها المعتادة..وصلت عنده و يدها ارتفعت لرأسه تمسح عنه أسى التقطته عينا الأُم المُبصرة ذات أبنائها دوماً..قبَّلَ كفها الأيسر احتراماً ثُم ابتعدت لتجلس أمامهما..

تساءلت وهي تضع ساق على الأخرى،:ها حبيبي شخبار الشغل ؟
تقدم بجسده للأمام واتكئ بكوعيه على فخذه وهو يقول،:الحمد لله تمام..اليوم كان عندي ثلاث عمليات الحمد لله كلهم نجحوا
،:الحمد لله الله يوفقك يا ولدي
،:موفق عبوود
،:ان شاء الله وياش خووش
،:تبي احط لك ريوق ؟
،:لا يُمه مو مشتهي "رفع يديه لوجهه بتثاؤب ثمَّ قال قبل أن يُخفضهما" نــور عطيني ماي

عضت على شفتها و ملامحها تليـن بشفقة عليه..نظرت بطرف عينها لوالدتها..جمـود استفحل ملامحها لتنطق بحدة،:اسمها غيداء يا عبد الله

أبعد يديه و نظر لها بعدم فهم،همس،:شنو ؟

وقفت غيداء و ضحكة مُرتبكة تنفلت منها بحجة تضييع الموضوع لكي لا ينحرف إلى مُشكلة هُم في غنى عنها..سكبت له في كأس من الماء بجانبها،:عبوود اشرب ماي و روح ريح كلش رايحة عليك من التعب
تناول الكأس منها و شربه دفعة واحدة،أرجعه لها قبل أن يقف و يقول..،:هذا انا رايح قعدوني قبل أذان الظهر
،:ان شاءا لله حبيبي روح ريح

نظرت لوالدتها بعد ذهابه..اقتربت منها و التأنيب في كلماتها،:يُمه ما كان له داعي الا قلتينه
وضعت يد على يد وهي تقول باعتراض،:ما سمعتينه شلون نطق باسمها
هزت رأسها،:ما عليه بالغلط ما كان حاس بنفسه
،:مو هذاا الا قااهرني..بدون مايحس نطق باسمها اكيـد بعده يفكر فيها
بتفهم،:شي طبيعي،ما بينساها بسرعة..سنة كاملة مملوج عليهم و سنة وشوي زواج شلون بينساها بسهولة؟
بتصميم قالت،:لازم بينساها..اللحين لو بعدين بينساها،ما كفاه الا سوته فيه خلته يطلقها غصب و تركته مثل المجنون وهو بعده متعلق فيها،ما تستاهل يضيع عمره عشانها و من اليوم بدور له بنية تنسيه طوايفها



يختلي المكان و تضغط جدران الشقة على أنفاسها بعد أن تخرج ابنتها للعمل..تظل وحيـدة تُتابع بعينين أحرقتهما نيران ماضٍ كانت فيه ذات الجناحين الكبيرين تُخَبئ تحتهما صغيريها العابرين أسوء طريق..وَعِر به نهرٌ من دم لَطَّخَ برائتهما..طريق لا تزور سماؤه شمس دافئة و قمره مُعتم دوماً..

هي كانت الخاسر الأكبر..بعد أن كفنت زوجها و أودعتهُ أرض لا ترحم بدأت مُعاناتها مع الزمن..و بدأت نفثات الناس المسمومة..قالوا مُجرم..و آخرون قالوا تاجر مخدرات..البعض قال أنه أراد ذبح ابنه..و الأخيرة كانت الأقسـى..بكل ما لقلبها من قوة حاولت أن تلتقط الكلمات لتُجَمدها..تجعلها صلبة لتستطيع أن تكسرها..و ترى فُتاتها يغرق في بحرٍ انجلى ماؤه و تراكم البوح مكانه..تتخلص من ضيق و تنثره بعيداً مثلما تعتقد..لكن البُعد ليس إلا روحها..هي البحر الذي جَف و ما بقي منه يتوسد جراحها المُنَصّبة نفسها حاكماً على حياتها..لليالٍ تستيقظ مفزوعة من نومها لترى بجانبها طيرٌ يرتعش محاولاً الفرار من كابوس أصبح وسادته و غطائه عند النوم..و تلك الطفلة تحسبُ أنها لا تستمع لشهقاتها المُنفلتة عنوة..و أن دموعها لا تتحسسها أصابعها في الصباح عندما تأتي لتُوقظها لمدرستها..هي تُبصِر ما يحسبون أنهم يُخفونه..ما استوى من تَصدعات خلفتها الدموع على وجوههم تَرَسَّبَ بإمتلاء أحاط قصبتها بحلقة تضيق لِتُعَسر عليها جَرَّ النفس..

كانت عائدة إلى غرفتها من المطبخ الصغير بعد أن انتهت من إعداد الطعام وتركته على النار ينضج..استحمت سريعاً..فهي ليست ممن يهوى المكوث طويلاً تحت الماء..ارتدت ثوب نسائي ناعم مُريح لحركتها في الشقة..وضعت قليلاً من البخور تُصَفي المكان عن رائحة الطبخ..تحرَّكت بخطوات آلية تُعيد نفسها قبل أعوام،جلست على السرير المُتَسع لشخصين كُتِمَ صوت أحدهما و بَقي صوت الآخر يصرخ بصمت أرمل !

مدت يدها للدرج جانب رأسها..فتحته تبحث فيه عن شيء ما..رفعت ما كان مدفون فيه من حاجيات لتلتقط أصابعها ورقة مطوية مرتان..على عكسها هي التي انطوت سنينها بالعشرات حتى أوصلتها إلى بؤرة العذاب..فتحتها تستقبل حبراً سال على قلبها مُخلفاً بُقعة تقرحت أصابعها وهي تُحاول محوها..

تعلَّقت دمعة على أهدابها السُفلى،تطل من عينها تقرأ ما خُطَّ من حروف سوداء شوهت بياض الورقة،تتزود بالسواد و تتلبسه لتسقط ناعية جسداً حقيقة موته دُفِنَت معه في القبر..استنشقت الهواء العابر من بين كلمات الماضي التي تشربتها روحها و جرَّدتها من قُلنسوة الإخفاء..أمحت نقاط و خطَّت حروف أخرى علَّها تحل اللغز الذي استعصى على قلبها جوابه منذ عشرون عاماً..

رفعت أصابعها تتحسس الورقة..تُعيد إحياء همساً رُبما نطقه لسانه وهو يكتب رسالته الغريبة..إعوجاج بعض الأحرف شلَّ عِرقاً توجس من رجفة قد تكون سكنت أصابعه وهو يَكتُب،بـاء البسملة المُبتدأ بها رسالته تبعثرت نقطتها من بقعة دمع التهمت أسرارها العظيمة..

انهمرت كلماته باشتياق مُعَذَب و اسم يُوسف وملاك يُذكَر بانعقاد و تلاصق يوحي باشتداد الدمع في مُقلتيه و ارتفاع أنين الشهقات..رَبَّتَ على قلقه عليهما بواو التوصية،طلب و تمنى ودعى حتى وصل إلى مُنتصف الصفحة..لينصرف في نصفها الآخر بخط كلمات كُتِبَت لها و لأجلها فقط..كُلَّما تقرأها عيناها العاكسة طلعته البهيَّة يرتفع داخلها هواء بارد أوجدته رياح روحها..يرتفع إلى قلبها مُحفزاً نبضاته التي تضرب بقوة قفصها الصدري ليبدأ وَخز الألم مُذكراً حواسها أن من تنتظره لا رجعة له..

همست بدعاء احتكر لسانها لعقدان من الزمن،:الله يرحمك يا بو يوسف



لبَّ الدعوة أبا سُمية..حَضَرَ في تمام الساعة الثانيةَ عشرة بعد ان طمأنته أن الأمر ليس خطيراً..يجلس على الكرسي المجاور لمكتبها،رجل خمسيني ذو ملامح جدية سمراء بها شيء من القسوة..يرتدي ثوبه وغترته بترتيب و نظافة واضحَين..تتمنى أن يجري حوراهما بهدوء وتفاهم لينتهي بحل مُرضي..،

تقدمت من المكتب شابكة أصابعها قائلة،:والله يا عمي الموضوع اللي بغيت اكلمك عنه هو درجات سُمية
عُقدة استغراب تكونت بين حاجبيه،:شفيهم درجات بنتي ؟
تناولت بعض الأوراق و مدتهم له وهي تقول،:هذي نتايجها في امتحان المنتصف و الاختبار الشهري لمادة الأحياء "وهو يتأملهم بتركيز أردفت" الصراحة مُعلمتها انصدمت من النتايج و صدمتني بعد،ابداً ما توقعت أن سمية في يوم من الأيام تنزل لهالمستوى
أنزل الأوراق على المكتب و انشداد واضح زاد من قسوة ملامحه،:ما كنت ادري بهالنتايج،انا و امها اذا سألناها تقول أن علاماتها ممتازة و دائماً علامات كاملة
بتفهم،:ما الومكم يا عمي على عدم درايتكم بالموضوع،بس كنت ابي اسأل اذا ما تعتبره تطفل،هل في مشكلة في البيت مثلا أدت لهذي النتايج ؟
بثقة نطق،:ابداً الأمور كلها بخير و الحمد لله،مافي أي مشاكل "ضرب الطاولة بباطن يده بخفة و أكمل" على العموم انا بكلم بنتي وبشوف شنو الموضوع ان شاءا لله الامور ترجع مثل قبل و افضل
بسرعة نطقت قبل أن يقف،:و شنو بخصوص الجامعة ؟
نظر لها بعقدة زادت على سابقتها،:أي جامعة ؟!
بوضوح أكملت،:الجامعة ياعمي اللي بتكمل فيها دراستها،بكون صريحة وياك،انا ادري انك من الرافضين لفكرة الجامعة و اذا تبي رايي اتوقع انه هذا السبب الا وصل سمية لهالمستوى
رفع حاجبه و ببرود مُستَخف قال،: و من انتِ عشان تناقشيني في هالموضوع ؟!
تجاهلت نبرته،:يا عمي انا مشرفتها و طول فترة وجودها في المدرسة انا المسؤولة عن أمورها،و اذا شفت شي يدمر مستقبلها طبعاً ما برضى و بحاول قدر المستطاع اساعدها،يا عــ
قاطعها بحدة وهو يقف،:لو سمحتين انا مو جاي اهني اسمع محاضرات و كلام مصفوف،لا تتعبين نفسش لان اللي بتقولينه ما بغير فكرتي،انا اعلم بمصلحة بنتي،خلاص خليتيني في الصورة وعلمتيني بنتايجها مشكورة و ماقصرتين ان شاء الله انا بتصرف،بس شي ثاني ارجوش لا تتدخلين "و أردف باستهزاء" ما بتكونين احرص على مستقبل بنتي أكثر مني !

حاولت أن تتدارك الوضع وهي تقف،:لحظــة يا عمي

لكنهُ خَرجَ دون سلام تاركاً إياها فاغرة فاهها و مُستسلمة لغزو معالم القهر لوجهها..رفعت يديها لوجنتها تتحسس حرارته..أسلوبه أصمتها و قطع كلماتها التي خططت لتُلقيها على مسامعه..لم تتوقع أن يرفض النقاش بكل هذه القوة..توقعت رفض مبدئي لكن كانت واثقة أن حديثها العقلاني و الناصح سيجعله يستمع و يُناقشها بجدية..شعرت برغبة في البكاء زادت من قهرها..و كأنها طفلة تم توبيخها..حُسن نيتها و حبها للمساعدة قاداها للاتصال به،ظنت أنها ستُعيد إنعاش حُلم طالبتها الذكية،لكن صلابة والدها أرطمتها بالواقع المرير لتسقط على كُرسيها غارقة في حَرَجِها..،

ارتفعت يداها لجبينها و رأسها ينخفض..أغمضت عينيها وهي تهمس،:ياربي ليش كلما جيت اسوي شي يتعسر "زَفرت وهي تلتفت يميناً تهرب من شيطانها" استغفر الله ياربي استعفر الله

رفعت رأسها تنظر للأوراق الذي تركها..تناولتها تنظر للعلامات مُتخيلة نفسها في مكان سُمية..ستتحطم مثلها و ستقطع بيدها خيط أحلامها ما دام أن نهاية الحُلم الموت صريعاً بسيف الفكر المُتَحَجر !

تقلَّدت نظراتها بوسام العزيمة..و أفكارها المُتَحمسة تتخلص من ما سببه من حَرج رويداً رويداً و أُذنها تَبتر موجة صوته المُستهزئة و تُبدلها بكلمات تشجيع ينطقها لسان ضميرها الواعي..لن تقف لهذا الحد،ستحل الموضوع عاجلاً أم آجلاً...مهما كلفها الأمر !
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:56 am

مرت سـاعة و هي مُنكمشة على نفسها في حضن والدتها..تهرب من صدمة البارحة إلى حضنها،تتخلص من وجع كلماته و مانفثته أنفاسه من مرض ينهش روحها..تُلقي بثقلها علَّها تسترجع استقامة ظهرها المُنحَني من حملٍ تراكم حتى أصبغ ميلانين شعرها بياضاً أضاف إلى سنين عُمرها عُمراً آخر،حتى غَدت السبعة و عشرون سبعون وجعاً...،

استعادت ما يبعثه جسد والدتها من دفئ عندما كانت طفلة صغيـرة اقتصرت أفكارها و أمنياتها على عُلب الحلوى و فساتين جديدة لعروساتها الجميلات..فارس الأحلام الذي كُن يَحلُمن به بنات أترابها لم يُعانق عقلها صهوة حصانه الأبيض..لم تكن تلك الطالبة المُجتهدة جداً ولم يوصلها عدم اجتهادها إلى الإهمال..كانت مُتوسطة في كل شيء..في درجاتها و حديثها..في طولها المُتناسق مع جسدها الضعيف..عينيها تتوسعان بتوسط،ترنيمة سـاحرة لمعزوفة ملامحها المميزة..

توسطت في كُل شيء..إلا شيئان فاقا التوسط..غِنى والدها و بُعد زوجها..!

لطالما كَرهت مُستواهم الإجتماعي الخارق عن العادة ! أموال أبيها في ازدياد لا يتوقف..عشرات الأراضي في البلد هو يمتلكها..عمارات سكنية في كُل منطقة..ثلاثة فنادق بأربع نجوم و آخرهم فاز بالنجمة الخامسة.. شركات بعدة أفرع..الراعي الأول لأشهر الماركات التجارية..ينام على مليون و يستيقظ على مليون !

وهي من بين كُل هذا الترف الفاحش تعيش في زاوية كئـيبة مُنقَطِعة عن الضوء،تُغَطّي شروخ جسدها بخرقة بالية مُرَقَّعة..لا معطف يقيها شتاء زوجها القاسـي المُرتبط بصفقة أبدية مع غيمة ثلوجها لا نهاية لتساقطها...فقيـرة هي من مشاعر افتقدتها في منزل والدها و ظنت أن عُش زوجها سينهل بها على روحها..لكن رأسها لا يزال ينتظر مسحة يد حانية..و جبينها لم ترتاح فوقه شفتين تطبعان قبلة دافئة..و قلبها يعيش بعثرة نبضاته،إلى الآن لم يأتِ من يُعيد استقرارها..،

لولا والدتها لكانت خرقة جسدها دون رُقَع،تكشف عن بَوح جروحها المفتوحة..!

أصابع يد والدتها الحانية تُفرق خصلات شعرها بخفة وهي تهمس،:ما شبعتين من حضني،صار ساعة !
انكمشت أكثر بعينين مغمضتين وكفيها تزيدان من اقترابهما لقلبها وبهمس،:بعد شوي ماما
بمحاولة إحراجها،:الى هالدرجة حضن زوجش ما يكفي ؟
مالت شفتيها تتصنع الخجل ويدها امتدت تشد ذراعها عليها،:حضنش غـيـــر
مسحت على بطنها و بتساؤل،:مافي بيبي جاي ؟
فتحت عينيها و دموع البارحة تشوش عليها الرؤية أجبرتها على البقاء داخلها..نطقت بكلمة واحدة،:لا
مسحت على خدها،:حــور حبيبتي ليـش ما تروحون تفحصون في مستشفى ثاني ؟
رفعت جسدها تبتعد عن حضن والدتها قبل أن تُفضَح ارتجافة جسدها..أعطتها ظهرها تُشغِل نفسها في ترتيب ملابسها و شعرها،:ماله داعي يُمه،المستشفى الأولي قالوا لنا اثنينا سليمين و التأخير من الله..وقت الا الله يكتب بيجي البيبي
رفعت يدها تدعو،:ان شاء الله يارب الله يرزقكم الذرية الصالحة قريـب
همست بشرود و أصابعها تعبث بملابسها،:ان شاء الله

لم تستمع لكلمات والدتها قبل أن تخرج من الغرفة و تتركها..غاب عقلها في الدوامة التي حُشِرَت فيها..كُل يوم تزداد اتساعاً و تزداد فيها عواصف الكَذِب..تُريد والدتها منهما أن يذهبان لمستشفى ثانٍ للفحص..على الرغم انهُ لا يوجد مُستشفى أول !

صحّياً لا تُعاني من مُشكلة..من ناحيتها طبعاً هي واثقة..أما هو لا تدري عنه..هي واثقة من قدرتها على الإنجاب..صحياً و نفسياً..تُريد طفل تحمله بين ذارعيها،تغمر أنفها في شعره تستنشق رائحته الطبيعية..تسهر على صوت بكائه و تنام بعد أن تسقيه من ثديها حليبٌ يروي عطشه الصغير..كلمة ماما يتفتت قلبها لسماعها..تُريد أن ترى انتفاخ بطنها و تستشعر حركته في رَحمِها..تحفظه بين ظُلُماتٍ ثلاث بعيداً عن ضوء الحياة المُثير لفيض العيون..،

رفعت رأسها للمرآة البعيــدة،لم تستطع أن ترى وجهها جيداً من غشاوة عينها و من بُعد المرآة..لكن الألم الذي سببه انشداد شفتيها الجافتين من ملح دموع بإبتسامة ساخرة أشعرها بملامحها..تَسخر من أحلامها هي وطفلها الوهمي ...،

فهي ليست مريم العذراء لتَحْمَل بجنينيها دون أن يَمسَسها رَجُل قط !



رَفَعَ الثقل للمرة الثانية و الخمسون..أنزله على صدره،تنفس بعمق ثُمَّ رفعه وهو يعد الثالثة و الخمسين..أنزله مع انفتاح الباب ليرفعه مُجدداً و الداخل يقترب منه..أخفضه مُكتفياً بأربع و خمسين مرة..

جَلس الداخل على الطاولة أمامه وهو يقول بإبتسامة مَرِحة،:صبــاح الخير يالنشيط

اعتدل جالساً رافعاً ظهره عن المرتبة الرفيعة الخاصة بتمرينه الرياضي..ابتسم له و يده تمسح وجهه بالفوطة الصغيرة المُستقرة على عُنُقِه..بهدوء قال،:صبــاح الخير يالكسول
ضحك وهو يضرب كتفه بخفة،:ياخي انا انسان احب الراحة و النوم،مالي خلق اقعد من صباحة الله عشان العب رياضة..ما استجنيت للحين
اتكئ بباطن يُمناه على فخذه و يسراه ارتفعت في الهواء يُعَدد،:أولاً الساعة احدعش و شوي يعني مو تونا الصبح على قولتك،ثانياً اذا ظليت على هالنوم و الأكل جسمك أبداً ما بيتعدل..و ثالثاً و الأهم قعدة الصبح و الرياضة فوائدهم واجد "ضرب بسبابته جانب رأسه و أردف" أولها المخ النظيف
أبعد يده عن رأسه و بسخرية،:جان صرت دكتور عشان كل يوم تقول هالحجي لمرضاك
رمقه بنظرة ثُمَّ أبعد عينيه عنه وذلك ارتفعت ضحكته..يستمتع عندما يعبث معه..تساءل،:ليش جاي اللحين ؟ جان كملت نومتك ؟
تقلصت ضحكته لإبتسامة وهو يقول بتمثيل،:جـاي اشبع منك قبل لا تسافر
ابتسم له بصدق،:والله بفقدك سلمانوو وبفقد جنونك
رفع ذقنه بغرور مصطنع،:احسن عشان تعرف مقداري

ابتسم له ثُمَّ أبعد عينيه للنوافذ الكبيرة المُنتشرة في النادي..اليوم الشمسُ سَخية،تُريد أن تودعه في آخر أيامه هُنا..تُطَهر بشعاعها الخفـيف ما دنسته الأيام من أتربة قذرة في روحه..قذارة للأسف اشتاقها..وهو عائد ليتشبع منها،مُثير للشفقة هو..يشتاق لقذارة لا يزال مُتَنَجساً منها..قلبه نتن يعشق الغرق في بحر الخيانة..،

همس و بصره يعود لرفيقه،:باقي يوميـن
،:اييي عاد يبي لك برنامج طويل عريض عشان تودع لندن عدل
ابتسم وهو يُخفض رأسه ينظر لإلتقاء أصابعه و بتساؤل،:تتوقع شنو بتكون ردة فعلهم ؟
شعر بيد سلمان على كتفه،رفع رأسه و ظهره مُنحَني..ابتسم له يُطمئنه،:اتكل على الله و ان شاء الله الامور بتكون تمام " وأكمل بمُزاح وهو يتصنع الجدية ويده تتراجع عن كتفه ليبسطها فوق صدره" فيــصل ياخوي اذا تبيني اجي وياك اساندك انا جاهز ترى

اتسعت ابتسامته بصمت..تخلص صدره من تنهـيدة حائرة تبعثرت في الهواء ناشرة رائحة تأنيب ضمير يوسوس لهُ ثأر مُنتقم..همس بتوجس

،:اهلي مقدور عليهم،بعرف شلون اواجههم،بس مواجهة اللي في بالي الله يستر منها

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
جواد فلسطين

جواد فلسطين


الدولة : فلسطين
المساهمات : 35
تاريخ التسجيل : 09/05/2020
العمر : 22

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/1/2020, 7:56 am

بسم الله الرحمن الرحيم

تَوكلتُ على الله




،


فَقدُ ذات

مالت شفتيه بإلتواء ماكر يحترف إسراع نبضات أي أُنثى تُواجهه..أزاح جفنيه عن السوداوتين القابعتين خلف ستار اقتُلِعَت مفاتيحه و بَقيَ مُصمَتاً عن أي حقيقة أو انكشاف..رفع ذراعه مُقَرّباً حبيبته الأولى إلى شفتيه،يمتص بَوحَهَا الضبابي ليُغشي به دواخله،حاجباً عن ما اغرق روحه من فيض الطريق المُتَخذه إلى بوابة النُطق و الاعتراف...،نَفثَ حروفه حتى تمازجت مع ما تم زَفره من غاز ثاني أكسيد الكربون..احتوتها الأشجار المُتَنَصتة عليه،و غَزلت خيوطها بين جذوعها ثُمَّ نَحتت فوقها تُكبِح لجام صوتها عن آذان لم يشأ أن تَسمعه..

اقترب خطوة..قصَّر المسافة الفاصلة بينه و بين من ارتجفت هَيبةً من حضوره..،كَفه اليُمنى انطوت في جيب بنطاله،رفع اليُسرى و بأطراف أصابعها حكَّ جانب ذقنه المنتشرة فيه شَعيرات قصيرة نَمت بعد نزعٍ مُستَبِد هَجَّرها بعيداً عن أرضه..هَمس و عينه تَرَكزت على مُقَدمة رأسها النائمة فوقها خصلات غرَّتها الخفيفة..

،:انا أعتذر..و لكنني اشعر بعدم توافقنا

ارتفعت ذراعيها في الهواء تَتَخبطان بتوتر أعزل..نَطَقت بتأتأة،:و و لـ ـكن كيف ؟.. "بنبرة بُكاء أردفت" لقد أحببتـــ ــ ــك

أخفض رأسه مُغمِضاً عينينه بِبطئ أوهمها بالندم.. مَشهَده الثاني..،هَمسَ بصوت أضعفهُ عمداً،:و أنا آسف لم استطع أن أحبك "رفع رأسه وهو يُديره جانباً " حاولت و لكنني فشلت

سَقَطت بخيبة على الأريكة خلفها..حنجرتها أصدرت آه تَكَسَّرَ أنينها في صدرها...بعد أن تَمَكَّن حُبه في قلبها يأتي و يصدمها بخسارتها أمام قلبه..!

أزهاره التي اتخذت حيزاً من منزلها و أريجها خالط أنفاسها أوحت لها بألوانها الزاهية بحُبه..كيف يَهدي رَجُلاً الورد امرأة لا يعشقها ! هل تَبَدَّل عَملُ الورد ؟ بات يُهدى حتى إلى من لا يسكنون القلب ؟ زهوره قد اخطأت العنوان وهي بِبَلاهة لَبَّت نداء الجرس و استقبلت هديته المُشوشة هويتها..

ترادفت الدمعات على صفحة وجهها الأملس..شعرها الأشقر تُلامس أطرافه الأريكة لِمَيلان جسدها المُتأنق للإستقابله بأجمل فساتينها الغالية..أصفر فاقعٌ لونه..مثل زَهرة مُتَفَتِحة ابتاعها لها ذات صباح ممُطر..و لم يَكن تَفَتُحها سوى مَعبَر لحقيقة مُخذِلة..و المطر غادر سَحابته ليكون ضيف عينيها..الجار الوفيّ المُشارك في الأحزان و الأفراح..،

خَرَجت كَفه من جيبه كاشفة عن تَجَمُعات ألوان جميلة و كما يقولون في بلده "اللي يزيد عن حده ينقلب ضده" فَنَتَاج امتزاج تلك الألوان لون باهت يرتدونه المُعَزون في ديانتها عند وفاة أحبائهم..ألقى الزهرة البيضاء في حضنها..نَطقَ بأسف لا يُجبِر كَسرها و لا يُغنيه من سدود..

تَركها تنوح حُبها..تودعه،تشم ما احتفظ به من رائحة،تُقَبله و هي التي تَمنت أن تَفوز بقبلة من ذاك العاشق لسيجارته فقط..تَوَسدت أريكتها لدقائق..تُفرغ في جوفها حُطامها الأنثوي..قبل أن يُقرَع بابها و ينطفئ شُعاعها الأخير..فمشهد الأخير كان السيف القاطع نَحرَها..،

،

تجاوز الشارع المُقابل لمنزلها،بملامح هادئة لم تتأثر من تَحَطُم حُب أنثى عَشِقته..،

أغلق سحاب معطفه الأسود جيداً عن برد برلين القارص..يهوى جسده الدفئ و حرارة الأمان،لكن هاتان هما و الحلم واحد بالنسبة له،رفع القبعة الى رأسه لدرجة أن نصف ملامحه اختفت..

وصل أخيراً الى مقهاه المعتاد و أراح جسده على كرسيه في زاوية المقهى..أنزل قبعته وهو يبتسم بخفة لأصوات سيارات الشرطة،رفع يده يُشير للنادل الذي ابتسم وأسرع لتحضير طلبه المعروف..أخرج هاتفه وضغط بعض الأرقام..

ثوانٍ وأتاه الرد..
:Hallo maestro
:هلوو،كيف هي الأمور؟
:كل شيء تحت السيطرة،أشكرك جزيلا
ابتسم:لا داعي،حسناً أراك قريبا؟
:نعم سأكون عندك غدا في المنزل
:هذا جيد الى اللقاء

رفع عينيه للنادل وهو يخرج سيجارة ويرميها الى فمه يشعلها،يسحب نفساً عميقاً و كأنه يستنشق عبير حديقة أنبتت ازهارها في بداية فصل الربيع اللطيف !
نفث الدخان ليختلط مع ضباب عمره وذكرياته،تحدث بهدوء صاخب في ثناياه:كيف حالك ستون؟هل كل شيء على ما يرام؟
هز رأسه وهو يبتسم:نعم سيدي كل شيء على ما يرام
:ممتاز
:استأذنك الآن
ابتسم له وظل يتأمل الفراغ بعد رحيله..

نادل..رائحة القهوة عطره الصباحي يتجمل بها ليستقبل محبوبته في موعد غرامي يُزَيَّن ببعض رشات من السكر حسب الطلب ! وُجِهَت لهُ أوامر أن يتلون كل يوم بالأبيض و الرمادي بأناقة تافهة تتعب أعين الزبائن وتجبرهم على العيش في رمادية مشوشة حتى عند طلب قهوة تزيل بقايا تعب الحياة المتشعب في الأرواح قبل الأبدان..

أصعب مواقفه هو الحصول على تسهيل للتسجيل في الجامعة،و القهوة مصدر رزقه ليدفع تكاليف دراسته للهندسة، و اليوم بقي شهران حتى يتخرج و يكتب قبل اسمه المهندس ستون !

ارتشف من قهوته و نظراته تتحرك الى جانبه الأيمن حيث شحنات تأمل قريبة منه،كنّ أربع فتيات ينظرنّ له ويتهامسنّ بإبتسامات،ابتسم بثقة فهو يعي حجم وسامته و جاذبيته..

أعاد نظره الى قهوته..ألا يَكفن النساء عن النظر!!
اتوقع أن لكل أنثى على الأقل عشر نظرات خاصة بها عن كل إناث العالم
وعليك أن تعشقها حتى تكتشف هذه النظرات!

ضحك بصوت عالٍ جعل كل من في المقهى يلتفت له باستغراب،أنزل رأسه يحاول السيطرة على ضحكته..يبدو أن ضباب المدينة أغشى عقله وأصبح فيلسوفاً في النساء!

،


الجزء العاشر

خمسةٌ و عشرون عاماً من العمل في البنوك و الإرتقاء من منصب إلى آخر بكد و جهد و إصرار شهدوا عليه جميـع من مرَّوا عليه..اليوم و بعد هذه السنين الإستاذ صـالح الصـالح فعلاً سيتعاقد..خَلقاً طيب لا تشوبه شائبة..كان نِعمَ الزميـل.. و الصديق الذي لا تنحسر كفه عن عضد أصحابه..كان أباً لمن يصغرونه سِناً..أحبوه جميعاً و احترموه حتى بات الأغلب يُناديه بـ "عمي" احتراماً له و لعُمره القريب من الستين..

،:خـلاص عمي اللحيـن بترتاح من الشغل و التعب،سوْ كل الا في خاطرك

قالت جُملتها و شفتيها تبتسمان بمُشاكسة اعتادها ولو قابلتهُ يوماً بغيرها سيعلم أن شيء خطأ يحصل..ابتسم لها بحنان أبوي وَقُور وهو يُعَقب على جُملتها بصوت جهـور اختلطت به بحة تراكمُ السنين
،:والله يا بنتي صحيح بروح للراحة و بيخف الضغط بس صدقيني مافي احلى من الشغل،يحرك كل مافي الانسان،العقل و الجسد و القلب
،:الله يخليك ياعمي و يعطيك طولة العمر و الصحة و العافية يــارب
،:وياش با بنتي ان شاء الله

انشغل عنها في حديث مع مجوعة من الموظفين و الموظفات الحاضرين للإجتماع الأقرب لحفلة التوديع المُصَغَّرة له في غرفة الإجتماعات الكبيـرة.. اقتربت من الطاولة الجانبية و تناولت قطعة "كـوب كيك" بنكهة الشوكلاتة..رفعتها لفمها تقضم منها مع وقوف نـدى بجانبها..زَفَرت و ذراعيها تنعقدان على صدرها بعدم ارتياح اتضح من أنفاسها الثقيلة..
تساءلت و هي تنظر لها بطرف عينها،:ليش نافخة وجهش؟
نَطقَت باسترسال سريــع و كأنها كانت تنتظر سؤالاً يُفَجرها،:مقهوورة و ضايق خلقي،اكيد اللحين بيجيبون لنا بدال الاستاذ صـالح شخص شديد و عصبي و مايتفاهم "مدت شفتيها فاغرة عن ضيقها" هووووف
رفعت ذراعها تَمَس فمها برسغها مُحاولة كتم ضحكتها..ازدردت لُقمتها و نطق لسانها مُلتوياً بإستهزاء يُغيظها،:زيـــن ليـش بتصيحين ؟
ضَمَّت شفتيها و أنفها يستنشق نفساً عميقاً يُخَفف قليلاً من استعار قهرها،خرجت كلماتها بهمس من بين أسنانها،:جنـان قسم بالله اذا قلتين كلمة ثانية بتشوفين "رفعت سبابتها تُشير إلى أنفها" ترى واصلة لي لين اهني
رفعت جنان يدها باستسلام،:خلاص خلاص ما بنقول شي آسفيــن مدام نـدى "استدارت لها بكامل جسدها و بباطن كفها تستند على الطاولة لتُردف" كأني سمعت أن بيجي بداله الإستاذ هـاني جان تذكرينه..اشتغل لفترة اهني مُدير مُساعد بعدين انتقل بنك ثاني
حرَّكت رأسها بأسف و ارتخاء خاب أَملُه أخفض حاجبيها،:لو يجي من،محد مثل عمي صـالح "نظرت لها" تتوقعين في احد متعاون و متساهل مثله ؟ كلش لا
رفعت كَتفها وفمها يميل مُصدرة صوت،:طبـعاً مو كل مُدير نفس عمي صالح،بس عــادي ترى اخذيها كتجربة جديدة و تَعَرُف على شخصيات ثانية
أبعدت عينيها بعدم اقتناع لتستقر على الإستاذ أو العم صالح،بأسى قالت و نغمة البُكاء تجانست مع صوتها،:شوووفيه شلون يحاجي الموظفين،كأنه ابوهم مو مديرهم
فتحت فمها جنـان لتنطق لَكن صوت رنين هاتفها قاطعها،نظرت للمُتصل بحاجب ارتفع بتناسُب مع ارتفاع طرف شفتها العلوية بسُخرية ملأت حدقتيها
،:لاا و متصل بعد !
مالت شفتاها للأسفل و بأصبعها حوَّلت الهاتف لوضع الصامت..تساءلت نـدى،:من متصل ؟
أبعدت عينيها بانعقاد ذراعين تُخفيان ضيـق تُنكِرَه،:أحمـد
و كأنها أرادت أن تنتقم من سُخريتها قبل قليل،قالت،:اووه رجع الطير للعش،مبرووك
نَظرتَ لها باستخفاف ثُمَّ أبعدت عينيها بتَمَلمُل و هي تهمس،:بايخة
و هي ترى ضوء الشاشة،:ردي عليه لا يمووت العاشق الولهان
بـبرود مُغتَر،:مابــي مالي خلقه
رفعت حاجب و صوتها التهمهُ الإستفزاز،:ليش مالش خلقه ؟ لأنه راح لزوجته ؟!
اشتَدَّت قبضة يدها و الهاتف ينعصر بينها،اقتربت منها خطوة لتهمس بِحَنَق،:نـدى أرجوش لا تبدين لا تنتهي السالفة بخصام
رَفعت نـدى يدها مُحَرّكة أصابعها بعدم اهتمام مُبعدةً وجهها عن جنان و هي تقول،:كيفش مالي دخل
نفخت خَدَّيها مُفرِغة هواءً تَشَعَّبَ في رئتيها تَوَتُراً..قالت قبل أن تمشي،:بروح مكتبي
ابتعدت عن نـدى التي ظلَّت عينيها تَتَبِعَها حتى خرجت من الغُرفة،حَرَّكت رأسها بأسف و لسانها يَهمُس بنبرة تَمَازَجَ فيها غُبار الماضي بِضَباب الحاضر..

،:غَبيــة

،

جَلست على الكُرسي مُستَنِدَةً بكوعيها على المكتب،إبهاميها مُلتَصِقَان بذقنها بِتَفَرُق و أصابعها تجمعت بالتقاء عند مُقَدِمَة رأسها،حيثُ وُضِعَت سبابتيها...مُغمِضةً عينيها عن تَطايُر أحرف ماكرة تَتَصيد قَهَرها لتُنَشِطه..غارقة في زفيرٍ و شهيق يُجدد دواخلها ليُعيد إحياء نظامها..باغتتها البَعثرة و هي غافلة على سَحابة من حُب بات يُقَربها شيئاً فشيء من هاوية النَدم !

نـدى تعاضدت دونَ أن تعلم مع هلوسات تنهب ببطئ مُوجِع ما اكتنفتها من راحـة خلال الأشهر الماضية..تغيير طارئ اعتلى لسببه صوت جَرس إنذارها الناشر في روحها فَزَعاً جعلها تحوم في دوامة مُعتِمة يتلصص من بين فراغاتها هَمسٌ يُعانِق مسامعها بلؤم استخسر عليها تناسي الماضي...أنزلت يديها و بصرها يتحَرك للهاتف على المكتب،كان قد انقطع للتو اتصاله الرابع..رفعته و قَلَّبته بين أصابعها حتى استقرت به على شفتيها..

قضى يوم و نصف مع زوجته..يوم و نصف اليوم كانا كفيلَين لإيقاظ عِرقَ الغيـرة في قلبها..التقت عدة مرات مع زوجته،لا تعرف بالتحديد عدد المرات و لكن الذي التَفَّ على مركز ذاكرتها مثل أفعى سامة هو وجهها..ملامحها المُبهِرة تَعصف في صدرها،تُهَيج رياح غيرة الأنثى من الأنثى..و ليست أي أنثى..امرأة زوجها الأولى..،
لا بُدَّ أنه قد نَسيَ نفسه في أحضانها و نامت عينيه بعد سَهرٍ طويل على ملامحها..جَسده ارتوى من أرضها التي استطاعت بدَهاء و كَيد أن تَمنع سُقياها عنه لفترة..عند هذه الفكرة ابتسمت بغُرور طَرَفه يَقترب من بُركان لا تُحمَد عُقباه..رفعت الهاتف ضاغطة على اسمه المركون في الشاشة،ثانيتان و جاءها تَلَهفُه ناثراً إرضاءً على ذاتها العمياء..

،:انتِ ويــنش ؟ جم مرة اتصل و لا تردين !
و البرود اتخذ حيزاً من صوتها،:خفت ارد و أزعج لحظاتك مع زوجتك
وصلتها تنهيدته حاملة معها استيعابه،:يا بنت الحلال كلها يوم اللي غبته
رفعت حاجبها و لسانها بدأ بوخز ضميره،:اي ادري يوم،ما اتصلت و لا سألت وحتى الأكل الا قلت خليه للعشا رميته بدون ما ينلمس
هَمسَ برقة مُحاولاً إثارة حنانها،:يا عُمري والله انشغلت مع اولادي،ما صار وقت اكلمش،طول الوقت عندي مساكين وحشتهم جم يوم ما شافوني
بعدم اهتمام قالت،:زيــن خل يشبعون منك،سلااام

أغلقت الهاتف بإبتسامة خبث بات يُجَردها من رداء البشرية..بغرابة روحها تتصلب لتستوي حائطاً يحجب بصيرتها هاربةً من غَزوٍ يُهَدد عَرشها المُتَكَبر...،



مع والدتها تُنَظف الشقة..حَكت لها ما حصل مع أب طالبتها،أوضحت استنكارها و تَعجُبها من ردة فعله القوية.. و أردفت مُعترضةً على تفكيره و مبادِئه..

،:ماني متصور ان في ناس للحين بهالعقلية ! حــرام ذكاء مثل ذكاء سُمية ينحشر في البيت بدون تطوير و لاتنمية
زَفَرت وهي تترك ما بيدها واضعةً كفيها على خصرها..تساءلت بحيــرة،:ماما تتوقعين اللي سويته غلط ؟ و مثل ما قال مالي دخل ؟

انتظرت جواب من والدتها..لم يصلها سوى صوت التلفاز المُنخَفض..رفعت عينيها لها لتجدها شـاردة في أمر بدت قساوته على ملامحها المشدودة..للتو تنتبه لإنتفاخ جفنيها و احمرار خفيف يُحيط أرنبة أنفها..اقتربت منها واضعة يدها على كتفها

،:مـاما

رَمَشت ببطئ أقرب لليأس..نظرت لإبنتها ثانية ثم أبعدت بصرها للطاولة التي تمسحها..بتنهيدة أجابت،:نعم ملاك
تساءلت بِتَوَجس و عينيها تتحركان على وجهها تستشف منه الجواب،:شفيش ؟ يبين متضايقة "أردفت بسؤال مُتَرَدد" ماما انتِ قريتين الرسالة مرة ثانية ؟
رفعت كتفيها بأسى تَرجَمَته أهدابها المُرتَعشة من ثقل دمعة و ببحة أجابت،:وهو في شي غيرها يسكت قلبي ؟!

أنهت جُملتها و ألقت بجَسدها على الأريكة..بتعب السنيـن و ارتجاف العَبرة في الحلق،أخرجت النَفس بضيق أوجعَ قفَصها الصدري،و كأنه سَجِين يَفُر من بين قُضبانه..عندما تغرق في التفكير في زوجها يبدأ موسم الإنخافض للفَرح..تتَقلص الإبتسامة و تجاعيدها تتصير إلى انحناءات حُزن يغدق بفيضه طيات صفحة وجهها.. يبتاع الترح أرض جسدها،تُربةً خصباء يَزرع فيها بُذور يزداد نُموها و تنضج شوكاً يوخز العينين ليَنهَل من نَبعها المالح..

جلست بجانبها ملاك تُحيط كَتفيها بذراعها تمسح تُرابَ الضيق عنه،:ماما حبيبتي جم مرة اقول لش لا تقرين الرسالة لا توجعين قلبش،ليش تحبين الوجع ؟
نظرت لها بتأنيب،:تلوميني و انتِ تلاحقين ورا الوَجع بنفسش ؟!
مالت شفتيها للأسفل و برجاء أرادت بهِ أن تقطع ما ترمي إليه،:مــاما الله يخليش لا تفتحين الموضوع مرة ثانية
استدارت لها بكامل جسدها تواجهها رافعة من صوتها ليخرج حاداً يضرب في قلب ابنتها،:لا بفتحه لو للمرة الألف،يا بنتي انا اذا قريت الرسالة استرجع ذكرى،أحن لكلام ابوش وكأني اذا قريت حروفه اسمع صوته،بس انتِ تنبشين في أشياء ما تسبب الا المشاكل
وقفت بهروب عاقدة ذراعيها على صدرها تُكبِح اعتراضها الفج،:انا واثقة من اللي اسويه "و بحرقة اهتز لإثرها صوتها" لأني ادري أن ابوي لا يمكن ينتحر
بتذكير و لحن أوهنته الحقيقة،: يا بنتي انتِ شفتين بعيونش كل شي كان واضح انه انتحر

استدارت حول نفسها وهي تُغمض عينيها و كفيها ترتفعان في الهواء..تدور في حلقة وَهمية تُبصِق فيها وَحلَ الحقيقة المُرَّة..بكفيها تُحاول صَدَّ الأنصال الحادة القاصدة جَوى القلب المُحطَم..تَغشي بَصرها عن مشهد تَمَسكت جذوره بأرضها الجافة من نهر أب !

،:مُستحيــل ماما مستحيل ابوي ما بينتحر يعرف انه حرام ابووي ما يسوي الحراااام

انتهت جُملتها بصرخة خَرجت من أقصى روحها حاملة معها ثِقل تلك الليلة..اجتذبتها أرض لتُوسِدها غُرفة منزلهم القديم..اختنقت هُناك بين xxxxب الساعة الواحدة مساءً..سيلُ دماء يعبر رِسغَ والدها الأيسر..قطراته تتشربها سجادة الأرض بالتوالي ناشرةً رائحة كممت أنفاسها المُنقطعة من منظر سلب لُبَّها ذو الثماني سنوات..عقلها الصغير لم يستوعب ما يجري.. و أعصابها أرسلت إشاراتها للمُخ ليُعطي تنبيهاته لصوتها الذي ارتفع بفَزَع و الرُعب نَشر مَلامحه على وجهها البريئ..

ذراع والدتها احتوتها تنتشلها من الحفرة المُكدسة فيها ماضٍ لا مَفر منه،مسَحت على رأسها وهي تُقَبله مُحاولةً تهدأة رَوعها،:خلاص يا بعد عمري اهدي

شدت من احتضان ابنته التي اتسعت حدقتيها بانذهال خاطف و في جوفها تراقصت دمعات عَبرت خدها تُيقِظ آثارها من غفوتها القصيرة..تزاحمت الشهقات في صدرها مُسببة جراح في حبالها الصوتية..ازدردت ريقها قَبل أن يخرج صوتها مبحوحاً

،:صـ ـ ـدقيني ذبحـ ـ ـووه



،:خلاص يعني قررتين تسجلين في الجامعة ؟
ابتسمت بفتور،:اي ان شاء الله
و عيناه من وراء النظارة مُركزتان على شاشة هاتفه،:زيــن زين

زَمَّت شفتيها تُخفي ارتسام إبتسامة سُخرية مَريرة..كلاهما لم يهتم،لا عين رُفِعَت تُناشد عينيها،تَشد من أزر ما التمع من طُموح في عدسيتها..و لا لسان تَلَهف مُتسائلاً عن تفاصيل تمنت لو تحكيها لهما..بـرود ينتثر من فوهة اللامُبالاة المُحيطة بهما مثل هالة كُلَّما أرادت أن تقترب من أحدهما تُصعَق من شراراتها الجارحة..تترك آثاراً تَسهر معها ليلاً تُناغيها و تُطَبطب على كَسرِها..

وَضَعت جانباً مَغزلة أفكارها لتُجيب نداء والدتها،:نعم ماما
ابتسمت لها و هي تُشير برأسها،:زوجش وصل

عَقَّدت حاجبيها و هي تلتفت لجهة الباب،متـى أتى ؟! لم تسمع صوت الجرس حتى ! سَحَبت نفس و صوت والدتها يُواصل بهمس،:ما قدر على فراقش

زَفَرت ما استنشقته من ضيق وجوده،أبعدت عينيها عنه عندما اقترب من والدتها يُسَلم،حاولت قدر المُستَطاع تَجاهُل ملامحه و صوته الهادئ..ارتفع حاجبها و ساقها العُليا بدأت بالاهتزاز لصوت ضحكته النادرة جداً..همس والدتها عاد و كوعها يَمس خاصرتها بخفة،:قومي ضيفي زوجش ما يحتاج اعلمش

عَضَّت زاوية شفتها السُفلية و عيناها ترمشان مرتان مُتَتاليتان،وقفت بهدوء..شَدَّت تنورتها الطويلة ذات الكسرات الطولية..ذهبية ناعمة ارتدت فوقها قميص ماروني أكمامه ضيقة لنصف ذراعيها..بتلقائية اتجهت للشاي لتسكب له

،:ابي قهوة

انتقلت يدها للقهوة،سَكَبت لهُ ثُمَّ اقتربت تمد الفنجان إليه دون أي كلمة أو نظرة..تناوله شاكراً..استدارت لتعود لمكانها لكن صوت والدتها عاد مُجدداً،:حـور قعدي عند زوجش

انصاعت لأمرها بصمت وهي تجلس على يمينه تاركة مسافة تكفي لشخص آخر ينحشر بينهما..مثل جلستها قبل قدومه..ظهرها مَحني قليلاً،ساق على الأخرى مُستندة بذراعيها فوقها تعبث بأصابعها بتفكيـر..سارحة بعيـداً عن نقاشه مع والدها الخالي من أي مُغريات تجَذبها هي و والدتها للمشاركة..
لماذا جاء هنا ؟ توقعت أن لا تلتقيه إلا غداً،فهي مُنذ الظهيرة غادرت المنزل دون أن تراه و لاتعلم عنه أي شيء..غادرت هاربة من المحطة المُحتفظة بانكساراتها و كلماته القاسية المُتَخذة من ظُلمة الليل الشيء الكبير..ضَجَرت من نفسها وهي مُنطوية على نفسها في فراشها تبدأ قصة بُكاء و تختم أخرى..كَرِهت الضُعف و الإنهزام..ليست مجبورة لتنساق مع مجرى سيله السام..ليجرح و لينفث حُمَمه..فهي قد أصبحت ذات خبرة..تطورت مع مرور الزمن ستسطيع أن تُجَدد خلاياها و تنسلخ عن نَفسها التي قَتلها و سترتدي نفس جديدة..لامعة تخلو من الخدوش و الشروخ..روح جديدة تنتظر استقبال أعاصير من طُرق تُخالف سابقتها..

،:حــور

نَظرت له وهو واقف،رَمشت ببرود دون أن تُجيبه..أكمل،:قومي البسي عبايتش بنروح نتعشى برا

ارتفع حاجبها الأيسر و رأسها يميل جانباً مع ميلان زاوية شفتها العُليا..أيسخر منها !
البارحة كان جاهزاً للطلاق و اليوم يُغريها بأمسية مُصطَنعة لا طعم لها ولا لون !

صوت والدتها لم يَكُف من تدخلاته،:اي يُمه قومي غيري جو و استانسي يله حبيبتي
هَمسَ لها بإبتسامة زادت من وقع السُخرية داخلها،:يله

حَرَّكت فمها قبل أن تقف مُتجهة الى غرفتها السابقة حيث خلعت حجابها وعباءتها..دقائق و كانت تخرج من الباب خَلفه مُوَدعةً والدتها بإبتسامة مُغتَصبة...

،

لم يكن الطريق طويلاً من منزل والدها حتى المطعم..لكنهُ كان بــارداً و صامتاً عن أي كلمة..هي ابتلعت لسانها و هو كعادته يُمارس عمله الثاني..أبكم تحت الطلب !

كانت جالسة أمامه على الكُرسي الجلدي..بُني داكن تضارب مع لون الطاولة الدائرية الحمراء..عيناها تتحركان ببطئ على المكان..هادئ إلا من أصوات الملاعق و الصحون و صوت الموسيقى المُتَغير كل دقيقتان،عدد روَّاده قليل..هما و ثلاث طاولات اختلفوا عنهما في العدد و الروح و الإبتسامة !

سقطت عيناها في عينيه..عادت و استعانت بسُخريتها،هذه المرَّة تَلَقفت الكلمات بدقة و كفها ترتفع لذقنها تستند عليه،:هالمرة جم الفترة ؟ اسبوع ؟ ولا ثلاث ايام و لا شهر و لا جم ؟! حدد عشان ما انصدم بعدها من تغيرك المفاجئ

تَنَهد من حديثها..و قلبه التوى يلوم نفسه المجبورة..قضى يومه آسفاً على ما نطقه..لم يكن الوقت مُناسب لحديثه بل و لم تكن الكلمات لائقة..أسلوبه همجي يفتقر لأبسط معايير اللباقة و الذوق الرفيع...
هكذا هو بخيل عندما يتعلق الأمر بالكلام.. لا خِبرة لديه مع الحروف..يتكلم ليجرح و يُبكِي و يُنهي آمالاً..ثلاث سنوات وهو مثل نعامة دافناً رأسه فى كومة جُبنه،يُسقِي عقله من نبع التشاؤم..جسده جاذباً ممتاز للشحنات السلبية،يَتلبسها وكما أنها سِتره..تتدثر من تحتها حقائق فَشِل أن يُواجه بها زوجته..أنثاه اليتيمة من خِدره الحلال..يعترف أنهُ لم يكن لها زوجاً أبداً !

شَبك يديه و تحمحم،يتفقد مَؤونته من الكلمات..هَمسَ و عيناه للأسفل،:حــور انا ما كان قصدي الحجي اللي قلته
قطع كلماته ضاماً شفتيه..أرخاهما وهو يزفر و يده ارتفعت تُرجِع خصلات شعره للخلف بحيرة و افتقارٍ لكلمة..هي لم تتخلى عن سُخريتها و أكملت ببرود عاقدة ذراعيها على صدرها،:زيــن و بعدين ؟
نَظرَ لها بضيقٍ أجَّجَهُ برودها..انعقد حاجبيه بخفة و همس،:حــور انا من صدق اتكلم
رفعت حاجبيها وهي تهز رأسها بالإيجاب،:اووكــي و انا قلت لك و بعدين..كمل يعني ؟
زَفَرَ و أكمل مُتجاهلاً نبرتها،:ابيش تشيلين كلام البارحة من بالش مــ
قاطعته هي بحدة تَمَلَّكت صوتها و زاحمت نظراتها المُصَوَّبة عليه،:آســـفة ما اقدر انسى "اقتربت من الطاولة على مرأى من نظراته المُتعَجبة لتُكمل" تدري يُوسف ؟ انت الصراحة وضحت لي اشياء واااجد من كلامك..اشكرك عليها من كل قلبي "رفعت ذراعها تنظر للساعة و أردفت بعدم اهتمام" صار لنا دقيقتين من جينا صراحة جعت
نَطقَ بقهر مُقرباً جسده من الطاولة،:ارجووش خليني اتكلم و اتركي هالأسلوب
رفعت يدها أمام وجهه ببرود،:تفضل قول
أرجع ظهره للكرسي بتنهيدة ثُمَّ تكلم،:شوفي انا صدق ما كنت اقصد الحجي الا قلته،كنت متضايق شوي وحطيت الحرة فيش و حـ

قَطَع كلماته و عُقدة قوية قلَبت ملامحه..رفعت عينيها إليه تستفسر سبب السكوت لكن وجهه المُحمَّر ألجمها..انتقلت عيناها لقبضة يده على الطاولة..أبيضت من فرط ضغطه و أسنانه مارست الضغط نفسه حتى ظنَّت أنها ستتكسر..رَفعَ كلتا يديه لِمُقَدمة رأسه،ضغط برسغيه وصوت أنيــن حــاد دَبَّ الرُعب في قلبها..ماذا حَصل الآن !

نادتهُ بهمس و عينيها مُتعلقتان بارتعاشة كفيه،:يُــ ـوسف
أنخفضت يداه لأُذنه حرَّكهما للأعلى و للأسفل بطريقة سريـعة ثُمَّ وقف فجأة كملسوع من لهب..و إنما حقيقةً كان صيداً غنيماً للسعة ذكرى !
هَمَسَ بلهاث ويده ترتفع لرأسه،:قوومي خـ ـل نمشي قوووومي
بتوسع عينين نَطقَت،:شـصاار ؟
بحدة قال،:قــووومي

تقدم ليَخرج و هي حملت حقيبتها تلحقه بوجه مخطوف و عقلها لم يستطع أن يستوعب أي شيء...وصلت للسيارة القريبة لتراه مُستنداً بجانب جسده عليها..اقتربت منه و أمسكت بكتفه وهي تناديه بقلق،:يووسف شفيك شصار ؟ راسك يألمك تبي تروح المُستشفى ؟
فَزَّ مرعوباً و صرخة انفلتت من لسانه أرجعتها بفَزع للخلف،:لاااا لالا ما يحتاج مُستشفى "وضع يده في جيبه و أخرج مفتاح مدهُ لها" خذي انتِ سوقي ما اقدر انا بسررعة خل نروح البيت

هَزَّت رأسها بربكة وهي تتناول المفتاح من يديه،صعدا السيارة..هو اتكأ بكوعيه على ركبتيه و رأسه بين يديه يُريد أن يستخرج عُصارة الألم..و هي في كُرسي السائق تُتابع الطريق بعين و تُتابعه بعين..كفيها ترتجفان على المقود و غَصَّة بُكاء في حلقها..عدم فهمها لِما يَحصل أرعبها و أشعرها بمدى غُربتها عنه..للمرة الاولى تراه بهذه الحالة و كأن ماساً أصابه..فجأة دون مقدمات انقلب حاله..من شدة ربكتها لم تستوعب انها لم تفتح المُكيف..فهي مع ذلك كانت مُتجَمدة من وضع الغريب المُلقى بجانبها..

ابتسمت بسخرية باكية فتغيره هذه المرة لم يتجاوز النصف ساعة !








\
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
حلاوة روح

حلاوة روح


الدولة : لبنان
المساهمات : 64
تاريخ التسجيل : 07/06/2020
العمر : 23

ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty
مُساهمةموضوع: رد: ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!   ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness! Empty6/8/2020, 7:59 am

شكرا لك على الموضوع الجميل و المفيذ ♥


جزاك الله الف خير على كل ما تقدمه لهذا المنتدى ♥


ننتظر ابداعاتك الجميلة بفارغ الصبر
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
ذَّات مُقَيَّدة حَوْل عُنِقِ امْرأة للكاتبة simpleness!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشمس العمياء للكاتبة / كلوديا جيمسون
» حفيد الشيطان ، للكاتبة/ ورود الخالدي "عراقية" ، مميزة (مكتملة )

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
فلسطين مكس :: نثر القلوب مكس :: روايات مكس-
انتقل الى: