الجش (بالعبريَّة: גִ'שׁ/גִ'ישׁ أو גּוּשׁ חָלָב) هي مجلس محلي تقع في الجليل الأعلى، ويقع على المنحدرات الشمالية الشرقية لجبل الجرمق، على بعد 13 كم (8.1 ميل) شمال مدينة صفد، في المنطقة الشمالية شمال إسرائيل. في عام 2018 بلغ عدد عدد سكانها حوالي 3,090 نسمة، البلدة ذات أغلبية مسيحية على مذهب الكنيسة المارونية وكنيسة الروم الملكيين الكاثوليك (63.5%)، إلى جانب أقلية كبيرة من المسلمين العرب (حوالي 36.3%). البلدة هي مركز لإحياء اللغة والثفافة الآرامية، وهي مبادرة بدأت من بعض الموارنة المحليين، تمولها الآن وزارة التعليم الإسرائيلية رسميًا حتى الصف الثامن في المدرسة الحكومية المحلية. وتعتبر الجش البلدة الوحيدة في إسرائيل ذات الأغلبيَّة المارونيَّة.
تشمل الاكتشافات الأثرية في الجش اثنين من المعابد اليهودية التاريخية، وضريح وكهوف خاصة للدفن تعود إلى العصر الكلاسيكي. وفقًا للمؤرخ الروماني يوسيفوس فلافيوس، كانت جسكالا آخر مدينة في الجليل تسقط على يد الرومان خلال الحرب اليهودية الرومانية الأولى. تصف المصادر التاريخية والتي يرجع تاريخها إلى القرنين العاشر والحادي عشر الجش (غوش حالاف) بأنها قرية ذات وجود يهودي قوي. في أوائل الحقبة العثمانية، كانت الجش قرية مُسلمة بالكامل. في القرن السابع عشر، كانت القرية مأهولة بالموحدون الدروز. في القرن الثامن عشر كانت الجش قرية ذات أغلبية مسيحية مارونية وملكانيَّة إلى جانب أقلية مسلمة سنيَّة. في عام 1945، تحت الحكم البريطاني، بلغ عدد سكان الجش حوالي 1,090 نسمة وبلغت مساحتها 12,602 دونماً. تم تهجير سكان القرية إلى حد كبير خلال الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948، ولكن تم إعادة توطينها بعد الحرب ليس فقط من قبل السكان الأصليين الذين كانوا من المسيحيين الموارنة على نطاق واسع، ولكن أيضا من قبل بعض المسيحيين الموارنة الذين طردوا من القرى المهجرّة مثل كفر برعم ومن قبل بعض المسلمين الذين تم تهجيرهم من دلاتة.
التسمية
الجش هي موقع لقرية جسكالا القديمة. الاسم العربي للجش هو تحريف لإسم الموقع القديم غوش حلاف باللغة العبرية، والتي تعني حرفيًا "وفرة الحليب"، والتي قد تكون إشارة إلى إنتاج الحليب والجبن، حيث اشتهرت القرية بها على الأقل منذ العصور الوسطى المبكرة أو بسبب المناطق المحيطة بها الخصبة. يعتقد باحثون آخرون أن اسم غوش حالاف يُشير إلى اللون الفاتح للحجر الجيري المحلي، والذي يتناقض مع الصخور الحمراء المُظلمة للقرية المجاورة، رأس الأحمر.
تاريخ
العصور القديمة
يعود تاريخ الإستيطان في الجش إلى حوالي 3000 عام. ذُكرت القرية في المشناه بإسم غوش حالاف، ووصفت بأنها مدينة "مُحاطة بالجدران منذ زمن يوشع بن نون". تم العثور على بقايا كنعانية وعبرانيَّة تعود إلى العصور القديمة البرونزية والحديدية.
الحقبة الكلاسيكية
بقايا آثار لمعبد يهودي قديم في جوش حالاف.
خلال الحقبة الكلاسيكية كانت المدينة معروفة باسم جسكالا، وهي تحريف يوناني للإسم العبري غوش حالاف. يذكر كل من يوسيفوس فلافيوس ومصادر يهودية لاحقة من الفترة الرومانية البيزنطية زيت الزيتون الفاخر الذي كانت القرية معروفة به. طبقًا للتلمود عمل السكان أيضًا في إنتاج الحرير. وكان العازار بن شمعون، والذي وُصف في التلمود بأنه رجل كبير جدًا وله قوة جسدية هائلة، كان من سكان البلدة. تم دفنه في البداية في غوش حالاف، لكن أعيد دفنه لاحقًا في ميرون، بجانب والده شمعون بار يوشاي. سجلّ جيروم أن بولس الطرسوسي عاش مع والديه في "غيسكاليس في يهودا" قبل انتقالهم إلى طرسوس، وهو ما يُفهم أنه عاش في جسكالا.
بعد سقوط جمالا، كانت غوش حالاف آخر معقل لليهود في منطقة الجليل والجولان خلال الثورة اليهودية الأولى ضد روما بين عام 66 وعام 73م. كانت جسكالا موطن ليوحنان من غوش حالاف، وهو تاجر زيت زيتون ثري أصبح قائدًا رئيسيًا في الثورة اليهودية الكبرى في الجليل ثم القدس لاحقًا. في البداية كان يوحنان معروفًا كمعتدل، لكن غيرّ يوحنان موقفه عندما وصل تيتوس إلى أبواب جسكالا برفقة 1,000 من الفرسان وطالب باستسلام المدينة.
بالإضافة إلى مواقع الدفن والمعابد اليهودية التي يعود تاريخها إلى القرنين الثالث والسادس، تم اكتشاف تمائم يهودية مسيحية في مكان قريب. وتم العثور على قطع أثرية مسيحية تعود إلى الحقبة البيزنطية في نفس الموقع.
الحكم العربي والصليبي والمملوكي
اكتسبت الجش اسمها الحديث في العصور الوسطى. ووصفتها المصادر التاريخية من القرنين العاشر والحادي عشر بأنها قرية يهودية كبيرة، وقد ذكرها الجغرافي العربي شمس الدين المقدسي في القرن العاشر. الحياة اليهودية في القرية خلال القرنين العاشر والحادي عشر تشهد عليها وثائق في جنيزا القاهرة. في عام 1172، وجد الرحالة اليهودي بنيامين التطيلي وجود عشرين يهوديًا يعيشون في الجش.
الحقبة العثمانية
كنيسة مار بطرس وبولس للروم الكاثوليك في الجش.
في عام 1596 ظهرت الجش في سجلات الضرائب العثمانية في ناحية جيرا من سنجق صفد. وكان عدد سكانها يتكون من 71 أسرة وحوالي 20 من العُزاب، وكان جلهم من المُسلمين. وبحسب السجلات دفع القرويون ضرائب على الماعز وخلايا النحل، ولكن معظم الضرائب كانت في شكل مبلغ ثابت، وبلغ إجمالي الضرائب 30,750 آقجة.
في القرن السابع عشر، كانت القرية مأهولة بالموحدون الدروز. وكتب الرحالة العثماني أوليا جلبي، والذي مر على القرية في عام 1648:
ثم تأتي قرية الجش، مع مائة منزل من الملعونين المؤمنين في انتقال النفوس (tenāsukhi mezhebindén). ومع ذلك ما أجل الفتيان والفتيات لديهم! ويا له من مناخ! كل واحدة من هؤلاء الفتيات لديها عيون ساحرة تشبه الغزال، والتي تجذب الناظر - مشهد غير عادي.
تسبب زلزال الجليل في عام 1837 في أضرار واسعة النطاق والذي أدّى إلى أكثر من 200 حالة وفاة. بعد ثلاثة أسابيع، أفاد المعاصرون إلى ظهور "انشقاق كبير في الأرض ... بلغ طوله حوالي 50 قدمًا". وكانت جميع قرى الجليل التي لحقت بها أضرار جسيمة في ذلك الوقت، بما في ذلك الجش، تقع على سفوح التلال شديدة الانحدار. وحقيقة أن القرية بُنيت على سفوح منحدرة تتكون من حجر الأساس الناعم والتربة مما جعلها أكثر عرضة للانهيارات الأرضية. وفقًا لأندرو طومسون، دُمرت جميع المنازل في الجش، كما وانهارت كنيسة القرية، مما أسفر عن مقتل 130 شخصاً وانهارت جدران المدينة القديمة. توفي ما مجموعه 235 شخصًا وبقيت الأرض متشققة. في ذلك الوقت، أُشير إلى القرية كقرية مسلمة ومارونية مختلطة في منطقة صفد. ولم ينجُ الا الكاهن يوسف دخّول وطفل رضيع من عائلة شقير، وبحسب هذه الرواية فقد لقي تُسع السكان الموارنة في القرية حتفهم الكنيسة آنذاك. ووفقاً للباحث إدوارد روبنسون "كان المسيحيون وقتئذٍ يقيمون الصلاة في كنيستهم، وقتل الزلزال أكثر من مائة وثلاثين شخصاً، ولم يتصل بالحكومة سوى أسماء مائتين وخمسة وثلاثين شخصاً من الذين قلتوا في القرية".
في نهاية القرن التاسع عشر، وُصفت الجش بأنها "قرية مبنية جيدًا من البناء الجيد" مع حوالي 600 شخص من المسيحيين وحوالي 200 شخص المسلمين. وأظهرت قائمة تعداد السكان والتي تعود إلى حوالي عام 1887 أن تعداد سكان الجش وصل إلى حوالي 1,935 نسمة؛ منهم 975 مسيحي وحوالي 960 مُسلم. في عام 1905 بنيت كنيسة القديس بطرس وبولس للروم الملكيين على أنقاض بناء أثري يعتقد أنه كنيس يهودي أو دير بيزنطي، وما زالت الحجارة الأثرية الضخمة والأعمدة متناثرة في جوار الكنيسة.
الانتداب البريطاني
جانب من بلدة الجش ومسجد الايمان ظاهر في الصوره.
ذكر الكاهن اليسوعي القرية في كتابه "رحلة رسولية في بلاد الجليل الأعلى" عام 1921؛ وقد وصفها بأنها: "قرية تقع في غربيّ صفد تبعد عنها ساعتين مشياً وهي قرية قديمة فيها آثار نفسية". وقد وصف أوضاع أهل القرية كالتالي: "وأهل الجش يتعاطون الفلاحة ورعاية المواشي وهم رائعون اليوم في راحة عظيمة وفي بحبوبة سلام لم يعرفوهما في عهد التُرك ... ومسيحيو الجشّ أتقياء يحافظون على دينهم وتقاليدهم فإذا قُرع الجرس ترى جمهورهم يؤّمون المعبد المقامة فيه الصلاة سواء كان للموارنة أو الروم الكاثوليك فيشتركون بالطقوس الكنائسيَّة والتراتيل. ولمّا ألقيتُ عليهم عظات الرياضة الروحية رأينا من غيرتهم على الاجتماعات الدينية وتزاحمهم في التقرّب من القربان المقدس".
خلال تعداد فلسطين 1922، بلغ عدد سكان الجش حوالي 721 نسمة، منهم حوالي 380 مسيحي وحوالي 341 مسلم. وكان توزيع المسيحيين طائفياً بين 71% من الموارنة وحوالي 29% من الروم الكاثوليك (الملكيين). بحلول تعداد فلسطين 1931، كان للجش حوالي 182 منزلاً مسكونًا وبلغ عدد سكانها 358 مسيحيًا وحوالي 397 مسلمًا.
في تعداد عام 1945 بلغ عدد سكان الجش حوالي 1,090 نسمة؛ كان منهم حوالي 350 مسيحيًا وحوالي 740 مسلمًا، وامتلكت القرية حوالي 12,602 دونمًا، ومن بين هذا، كان 1,506 دونماً من الأراضي المزروعة والأراضي القابلة للري، وحوالي 6,656 دونم كانت تُستخدم لمحاصيل الحبوب، في حين تم بناء 72 دونماً من الأراضي (الحضرية).
استولت القوات الإسرائيلية على الجش في 29 أكتوبر عام 1948، خلال عملية حيرام، بعد "معركة ضارية"." أفاد بيني موريس عن مزاعم بأن عشرة من أسرى الحرب، تم تحديدهم كمغاربة يقاتلون مع الجيش السوري، إلى جانب عدد من القرويين، بمن فيهم امرأة وطفلها، قُتِلوا خلال العملية. أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي، دافيد بن غوريون، بالتحقيق في الوفيات ولكن لم يتم تقديم أي جنود من جيش الدفاع الإسرائيلي للمحاكمة.
كتب إلياس شقور مطران أبرشية عكا وحيفا والناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك سابقاً، والذي استقرت أسرته في الجش، أنه عندما كان في الثامنة من عمره، اكتشف مقبرة جماعية تحتوي على عشرين جثة. اضطر العديد من سكان الجش إلى مغادرة القرية في عام 1948 إلى لبنان وأصبحوا هناك لاجئين فلسطينيين. أُعيد لاحقاً توطين المسيحيين المُهجرّين من قرية كفر برعم القريبة في لبنان والجش، وأصبحوا اليوم مواطنين في إسرائيل، لكنهم ما زالوا يواصلون الضغط من أجل حقهم في العودة إلى قراهم السابقة. في أكتوبر من عام 1950، داهمت القوات الإسرائيلية الجش واعتقلت سبعة مهربين مشتبه بهم تم تجريدهم وتقييدهم وضربهم، لكن تم إطلاق سراحهم لاحقاً دون تهمة.
في ديسمبر عام 2010، تم افتتاح مسار للمشي وركوب الدراجات لمسافات طويلة يعرف باسم مسار التعايش، وربطت الجش بدالتون، وهي بلدة يهودية مجاورة. يقع الطريق البالغ طوله 2500 متر، والذي يمكن للأشخاص ذوي الإعاقة الوصول إليه، على ارتفاع 850 مترًا فوق مستوى سطح البحر ويحتوي على عدة نقاط مراقبة، بما في ذلك منظر لبحيرة دالتون، حيث يتم جمع مياه الأمطار وتخزينها للإستخدام الزراعي.
تُعرف الجش اليوم بالجهود التي تبذلها لإحياء اللغة الآرامية كلغة حية. في عام 2011 وافقت وزارة التعليم الإسرائيلية على برنامج لتعليم اللغة في مدارس الجش الابتدائية. يقول بعض الموارنة في الجش أن الآرامية ضرورية لوجودهم كشعب، بنفس الطريقة التي تكون بها العبرية والعربية لليهود والعرب.