بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
قراءات قرآنية - الدرس : 11 - من سورة المائدة والأنعام - مصائب الكفار ومصائب المؤمنين.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أيها الأخوة الكرام ، عطفاً على آية البارحة :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[سورة النساء:147]
أي أن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون تسخيرين ؛ تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، ردُّ فعل التكريم عند المؤمن أن يؤمن ، ورد فعل التسخير أن يشكر ، تسخير التعريف أن يؤمن ، تسخير التكريم أن يشكر ؛ فإذا آمن وشكر ، توقفت المعالجة ، لأنه حقق الهدف من وجوده ، يؤكد هذا المعنى اليوم قول الله عز وجل :
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
بالقياس : ولو أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أقامت القرآن ، وسنة النبي العدنان في حياتها :
﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
بالقياس ، الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
[سورة الأنفال:33]
من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :
النبي -عليه الصلاة والسلام- له عمر محدود ، سيموت عليه الصلاة والسلام ، وقد مات ، لكن الآية تتلى إلى يوم القيامة ؛ ما دامت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياتنا ، في أعمالنا ، في بيوتنا ، في حركاتنا ، في سكناتنا ، في نشاطاتنا ، في علاقاتنا ، في احتفالاتنا ، في أحزاننا ، في أفراحنا ، في بيعنا ، في شرائنا ، في سفرنا ، في إقامتنا ، ما دامت في علاقاتنا الزوجية ، في تربية أولادنا ، ما دامت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- قائمة فينا، فنحن في بحبوحة من أن نعذب ، والتفسير واضح ؛ الله عز وجل خلقك لتعبده ، ورسم لك هذا المنهج ، فإذا سرت عليه انتهى الأمر :
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
هذا كلام خالق الكون :
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
[سورة المائدة:67]
أي الله عز وجل حينما يرسل النبي عليه الصلاة والسلام ، لا بد من أن يعصمه من أن يُقتل ، الأنبياء قتلوا ، لكن الرسل معهم رسالات ، فإذا قتلوا قبل أدائها ، فهذا لا يتناسب مع شأن الخالق جل وعلا ، فالله سبحانه وتعالى طمأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعصمه من الناس ، يقاس على هذا المعنى بشكل مصغر إذا كنت أنت على الحق ، الله لا يتخلى عنك ، لا يسلمك إلى عدوك ، لا يخذلك ، لا يضعفك ، لا يقوي الكفر على الإيمان ، فالإنسان حينما يسلك طريق الحق ، هو في ظل الرحمن ، في ضمان خالق الأكوان ، إذا سار في طريق الحق ، الله جل جلاله لا يتخلى عنه ، أي الإنسان بحاجة إلى معنويات مرتفعة :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة آل عمران:139]
﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
[سورة النساء:141]
هذه كلها آيات تؤكد أن الإنسان المؤمن الله جلّ جلاله لن يتخلى عنه .
من يتاجر بالدين لا شأن له عند الله :
هناك شيء ثان : الإسلام له نشاطات كثيرة ؛ بإمكانك أن تزين بيتك بآيات قرآنية ، بإمكانك أن تردد أذكاراً نبوية ، بإمكانك أن تفعل كل شيء يؤكد انتماءك للدين ، جيد ، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول - أيضاً بالقياس- :
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾
[سورة المائدة:68]
أي هناك مشاعر إسلامية ، عواطف إسلامية ، فن إسلامي ، احتفالات إسلامية ، فكر إسلامي ، مكتبة فخمة إسلامية ، تقاليد إسلامية ، عادات إسلامية ، و لكنكم أيها المسلمون لستم على شيء حتى تقيموا القرآن ، ثلاث آيات وراء بعضهم :
﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾
[سورة المائدة:68]
أي لست شيئاً يذكر ، لا وزن لك عند الله ، لا شأن لك عند الله ، لهذا الإنسان الذي يتاجر بالدين :
﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام:124]
﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
[سورة المائدة:68]
أيها الأخوة ؛ هذه الآية :
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ﴾
[سورة الأنعام:65]
أي أن يخسف الله الأرض ، سماها الله آية ، أن يرسل صاعقة ، سماها الله آية ، أن يرسل فيضاناً ، سماها الله آية ، أن يرسل خسفاً ، سماها الله آية ، و هذا دليل على ماذا؟ على عدالة الله ، وعلى أن الانحراف عن منهج الله له عاقبة وخيمة .
بلاد تتمتع بأعلى دخل في العالم ، بضاعتهم غزت العالم كله ، وفي أرقى مدنهم الصناعية ، وفي أعلى مستويات إنتاجهم ، ثلاث شركات تعد أكبر شركات بالعالم ، بثوان معدودات ، بزلزال سبعة ريختر ، أصبحت هذه المدن كلها أنقاضاً :
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
صواعق ، الصواعق من الله مباشرة ، أو الصواريخ :
﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
الزلازل أو الألغام :
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
الأمور لا تستقر إلا على الحق :
الإنسان عندما يُسلط على إنسان ، هذا التسليط من الله عز وجل :
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾
[سورة النساء:90]
هكذا الآية ، تسليط ؛ يوجد عندنا عذاب ، عذاب من الله مباشرة ، ويوجد عذاب عن طريق البشر هو التسليط ، لهذا من أدعية النبي - عليه الصلاة والسلام- ، أو من أدعية القرآن :
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
[سورة يونس:85]
وهذه الآية نراها كل يوم ، أمطار من مئة عام لم يشهدها الغرب ؛ أطاحت بمدن ، وبسواحل ، أناس مشردون ، فهذه الآيات تقع ، أما الآية الجامعة المانعة لهذه الآيات :
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾
[سورة الإسراء:58]
أية قرية ، أو أي بلد ، أو أية قرية ، أو أي مجتمع انحرف عن طريق الحق، انحرف عن منهج الله ، اعتدى ، أكل المال الحرام ، فسق وفجر ، الله عز وجل ولو كان في أعلى درجات الأمن والاستقرار ، يزلزل من تحته الأرض ، كما نرى ونسمع كل يوم :
﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾
[سورة الأنعام:67]
ائت بكرة ، ضع بها قطعة رصاص من الداخل ، ودحرجها ، تتدحرج ، تتحرك ، لكن لا تستقر إلا على حالة واحدة أن تكون هذه القطعة الرصاصية في الأسفل ، مركز ثقل ، مهما حركتها ، والباطل يتحرك ، الأمور لا تستقر إلا على الحق .
هناك تعبير آخر يقوله بعض الناس : (لا يصح إلا الصحيح) .
الأمور تضطرب ، تموج ، أناس يصعدون ، أناس يهبطون ، لكن في النهاية :
﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾
[سورة الأنعام:67]
الأمور لا تستقر ، ولا تستقيم ، ولا تستمر إلا على الحق ، فهنيئاً لمن كان مع الحق .
الابتعاد عن الجاهلين و عدم الخوض معهم في الأحاديث :
كلمة (يخوضون) أهل البلاغة يتذوقونها ، أحياناً إنسان يخوض بنهر بشكل أعمى، بشكل عشوائي ، فالجاهل إذا تكلم بموضوع ديني ، لا يتناول هذا الموضوع تناولاً ، لا يبحث فيه بحثاً ، لا يدرسه دراسة ، بل يخوض فيه خوضاً ، تعبير له ظلاله ، ربنا عز وجل قال :
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾
[سورة الأنعام:68 ]
أحياناً يتكلمون بالدين كلام الجهل والاستهزاء ، أحياناً يدلون بآراء مضحكة . .
شخص كان في الحج ، عاد بالطائرة ، يحتل منصباً رفيعاً في بلد عربي ، في شمال إفريقيا ، قال : والله هناك ازدحام شديد ، لو عملوا الحج على مدار العام لكان أسهل ، لا يعرف ربه ، أي هناك خوض أحياناً .
يقول لك : لماذا خلق الله الشيطان ؟ لماذا أودع فينا الشهوات ؟ هو السبب .
أحياناً يقول لك : إن الله جميل يحب الجمال ، فالإنسان إذا نظر إلى النساء هل يحاسب ؟ هذا جاهل ، هذا الخوض ، ما قال : يبحث ، يدرس ، يتناول قضية ، يتأمل ، يستنبط، يحاكم ، انظر لكلمات الفقه ؛ يحاكم ، يستنبط ، يتأمل ، يدرس ، يبحث ، يسأل ، يحاور ، يناقش . قال :
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾
[سورة الأنعام:68]
أنت أعظم ، وأكمل ، وأرقى من أن تخاطب هذا الإنسان الجاهل الأحمق .
كلمة (يخوضوا) لها ظلال خاصة :
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾
[سورة المدثر:45]
هذا يقول لك : أخي أنا مع المجموع . قال الله :
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام:116]
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾
[سورة يونس:36]
فأنت كن مع القلة الواعية ، مع القلة الملتزمة ، مع القلة المؤمنة ، مع القلة الصافية .
كشف حقيقة الغرب و واقعهم الإجرامي :
إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
الآية التي فيها جواب لتساؤلات الناس : أكثر الناس إذا ذهبوا لبلد غربي ، يعود ناقماً على بلده ، يقول لك : غير نظام ، غير حياة ، حدائق ، محلات بيع ، ميكرو مثلاً ، أدراج متحركة ، يا أخي كيف نعيش نحن ؟ لكن الله عز وجل قال لك : هؤلاء القوم ، هؤلاء لا خير فيهم :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
ما قال : فتحنا عليهم باباً ، وما قال : أبواباً ، لم يقل : باب كل شيء ، أو قال : أبواب شيء . قال :
﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
لا أعتقد أنه يوجد في القرآن آية فيها شمول أوسع من هذا الشمول ، باب : أبواب ، وشيء كل شيء ؛ مال ، على جمال ، على غنى ، على جبال خضراء ، على تكنولوجيا ، على كمبيوترات ، على خيرات ، أي :
﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
لكن :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[سورة النحل:21]
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
[سورة الروم:7]
حياتهم كلها جنس ومخدرات فقط ، لا يفقهون شيئاً . قال : هؤلاء من جلس معهم، فقد برئت منهم ذمة الله . من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله.
يموت كما هم ميتون ، يضحي بأولاده ، يضحي بأسرته ، يضحي بمستقبل بناته ، الله عز وجل قال :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
تصور أنه ترك عشرة ملايين ، وترك ولدين ؛ الولد الأكبر اغتصب هذا المال كله، واشترى بيتاً ، وأسسه ، وزينه ، وزخرفه ، دخل إنسان على هذا البيت ، يوجد عندنا عواطف سطحية ، وعواطف عميقة ؛ العواطف السطحية أن تؤخذ بهذا البيت ، وهذه الزينة ، وهذا الأثاث، أما العاطفة العميقة فأن تحتقر اغتصابه لهذا البيت ؛ فأنت عندما ترى شعوباً تعيش برفاه منقطع النظير ، على حساب شعوب أخرى تموت من الجوع ، مثلاً الشعب الأسترالي أعدم عشرين مليون غنمة قبل عامين ، أعدمهم بالرصاص ، ودفنهم في الأرض ، ليحافظ على سعر اللحم المرتفع ، وحوش ، وحوش ، كم شعب يموت من الجوع في العالم ؟
في أمريكا مزارع البرتقال توضع في مكان كي يتلف المحصول ، حفاظاً على سعره المرتفع ، فصار الزنوج يتسللون من تحت الأسوار ، ليأكلوا البرتقال مجاناً ، فلما فعلوا ذلك ، في العام القادم سمموا هذا المحصول ، وحوش ، لذلك : لن تؤمن بالله حتى تكفر بهم ، والآن وحشيتهم واضحة تماماً .
قبل خمسين سنة ، كان قلة من المثقفين ثقافة عالية ، يكشفون وحشية الغرب ، أما في الظاهر فالقيم ، والعلم ، والفهم ، والتقدم ، أما الآن والحمد لله فقد كُشفوا على حقيقتهم ، أي طفل الشارع ، الإنسان الجاهل ، كشف حقيقة الغرب :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[سورة النحل:21]
((من هوي الكفرة حشر معهم ، ولا ينفعه عمله شيئا))
[الطبراني عن جابر بن عبد الله ]
يروون قصة تمثل واقعهم الأسري ؛ هناك شاب أحب فتاة ، فسأل والده ليتزوجها : قال له : لا يا بني ، هذه أختك وأمك لا تدري ، -لا حول الله- ، ثم أحب فتاة أخرى ، فلما استشار والده ، قال له : لا يا بني ، هذه أختك وأمك لا تدري ، فلما أحبّ الثالثة ، قال له ذلك أيضاً ، عندئذ ضجر هذا الشاب ، وشكا إلى أمه هذا الذي جرى ، قالت : تزوج أياً شئت ، إنك لست ابنه وهو لا يدري .
هذا الغرب ، هذا هو الغرب .
من نعم الله أن يكون الإنسان ضمن العناية الإلهية :
لذلك :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[سورة الأنعام:44]
فإذا كان هناك شخص لا خير فيه ، يمده الله ، هذا في النهاية له ضربة ساطور واحدة وينتهي ، عذابه القصم ، أما عذاب المسلم فعلاج ؛ أي يكبو وينهض ، يكبو وينهض .
فإذا الإنسان ضمن المعالجة ، ضمن العناية الإلهية ، ضمن التأديب الإلهي ، فهذا من نعم الله عز وجل .
من سمع الحق فليس أمامه إلا أن يسير في درب الإيمان :
ولكم بشارة ثانية ؛ الله عز وجل قال :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
[سورة الأنفال:23]
كان ممكن لأحدنا أن يكون قد ولد بشيكاغو مثلاً ، ولد بقرية بجنوب إفريقيا بعيدة عن الحق ، لكن لأن الله عز وجل سمعنا الحق ، هذه بشارة :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
[سورة الأنفال:23]
ما دام نحن سمعنا الحق ، ليس أمامنا إلا أن نسير في درب الإيمان ، والأمر ضمن إمكانياتنا :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
[سورة البقرة:286]
((عبدي كن لي كما أريد ، أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد ، كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد))
[ورد في الأثر]
قراءات قرآنية - الدرس : 11 - من سورة المائدة والأنعام - مصائب الكفار ومصائب المؤمنين.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أيها الأخوة الكرام ، عطفاً على آية البارحة :
﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ﴾
[سورة النساء:147]
أي أن الله سبحانه وتعالى سخر هذا الكون تسخيرين ؛ تسخير تعريف ، وتسخير تكريم ، ردُّ فعل التكريم عند المؤمن أن يؤمن ، ورد فعل التسخير أن يشكر ، تسخير التعريف أن يؤمن ، تسخير التكريم أن يشكر ؛ فإذا آمن وشكر ، توقفت المعالجة ، لأنه حقق الهدف من وجوده ، يؤكد هذا المعنى اليوم قول الله عز وجل :
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
بالقياس : ولو أن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم- أقامت القرآن ، وسنة النبي العدنان في حياتها :
﴿لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
بالقياس ، الله سبحانه وتعالى يقول :
﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾
[سورة الأنفال:33]
من طبق سنة النبي في حياته فهو في مأمن من عذاب الله :
النبي -عليه الصلاة والسلام- له عمر محدود ، سيموت عليه الصلاة والسلام ، وقد مات ، لكن الآية تتلى إلى يوم القيامة ؛ ما دامت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- في حياتنا ، في أعمالنا ، في بيوتنا ، في حركاتنا ، في سكناتنا ، في نشاطاتنا ، في علاقاتنا ، في احتفالاتنا ، في أحزاننا ، في أفراحنا ، في بيعنا ، في شرائنا ، في سفرنا ، في إقامتنا ، ما دامت في علاقاتنا الزوجية ، في تربية أولادنا ، ما دامت سنة النبي - صلى الله عليه وسلم- قائمة فينا، فنحن في بحبوحة من أن نعذب ، والتفسير واضح ؛ الله عز وجل خلقك لتعبده ، ورسم لك هذا المنهج ، فإذا سرت عليه انتهى الأمر :
﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ﴾
[سورة المائدة:66]
هذا كلام خالق الكون :
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ﴾
[سورة المائدة:67]
أي الله عز وجل حينما يرسل النبي عليه الصلاة والسلام ، لا بد من أن يعصمه من أن يُقتل ، الأنبياء قتلوا ، لكن الرسل معهم رسالات ، فإذا قتلوا قبل أدائها ، فهذا لا يتناسب مع شأن الخالق جل وعلا ، فالله سبحانه وتعالى طمأن النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يعصمه من الناس ، يقاس على هذا المعنى بشكل مصغر إذا كنت أنت على الحق ، الله لا يتخلى عنك ، لا يسلمك إلى عدوك ، لا يخذلك ، لا يضعفك ، لا يقوي الكفر على الإيمان ، فالإنسان حينما يسلك طريق الحق ، هو في ظل الرحمن ، في ضمان خالق الأكوان ، إذا سار في طريق الحق ، الله جل جلاله لا يتخلى عنه ، أي الإنسان بحاجة إلى معنويات مرتفعة :
﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
[سورة آل عمران:139]
﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾
[سورة النساء:141]
هذه كلها آيات تؤكد أن الإنسان المؤمن الله جلّ جلاله لن يتخلى عنه .
من يتاجر بالدين لا شأن له عند الله :
هناك شيء ثان : الإسلام له نشاطات كثيرة ؛ بإمكانك أن تزين بيتك بآيات قرآنية ، بإمكانك أن تردد أذكاراً نبوية ، بإمكانك أن تفعل كل شيء يؤكد انتماءك للدين ، جيد ، ولكن الله سبحانه وتعالى يقول - أيضاً بالقياس- :
﴿قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾
[سورة المائدة:68]
أي هناك مشاعر إسلامية ، عواطف إسلامية ، فن إسلامي ، احتفالات إسلامية ، فكر إسلامي ، مكتبة فخمة إسلامية ، تقاليد إسلامية ، عادات إسلامية ، و لكنكم أيها المسلمون لستم على شيء حتى تقيموا القرآن ، ثلاث آيات وراء بعضهم :
﴿ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ﴾
[سورة المائدة:68]
أي لست شيئاً يذكر ، لا وزن لك عند الله ، لا شأن لك عند الله ، لهذا الإنسان الذي يتاجر بالدين :
﴿صَغَارٌ عِنْدَ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام:124]
﴿لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾
[سورة المائدة:68]
أيها الأخوة ؛ هذه الآية :
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ﴾
[سورة الأنعام:65]
أي أن يخسف الله الأرض ، سماها الله آية ، أن يرسل صاعقة ، سماها الله آية ، أن يرسل فيضاناً ، سماها الله آية ، أن يرسل خسفاً ، سماها الله آية ، و هذا دليل على ماذا؟ على عدالة الله ، وعلى أن الانحراف عن منهج الله له عاقبة وخيمة .
بلاد تتمتع بأعلى دخل في العالم ، بضاعتهم غزت العالم كله ، وفي أرقى مدنهم الصناعية ، وفي أعلى مستويات إنتاجهم ، ثلاث شركات تعد أكبر شركات بالعالم ، بثوان معدودات ، بزلزال سبعة ريختر ، أصبحت هذه المدن كلها أنقاضاً :
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
صواعق ، الصواعق من الله مباشرة ، أو الصواريخ :
﴿ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
الزلازل أو الألغام :
﴿ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 65 ]
الأمور لا تستقر إلا على الحق :
الإنسان عندما يُسلط على إنسان ، هذا التسليط من الله عز وجل :
﴿وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ﴾
[سورة النساء:90]
هكذا الآية ، تسليط ؛ يوجد عندنا عذاب ، عذاب من الله مباشرة ، ويوجد عذاب عن طريق البشر هو التسليط ، لهذا من أدعية النبي - عليه الصلاة والسلام- ، أو من أدعية القرآن :
﴿رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾
[سورة يونس:85]
وهذه الآية نراها كل يوم ، أمطار من مئة عام لم يشهدها الغرب ؛ أطاحت بمدن ، وبسواحل ، أناس مشردون ، فهذه الآيات تقع ، أما الآية الجامعة المانعة لهذه الآيات :
﴿وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَاباً شَدِيداً كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُوراً﴾
[سورة الإسراء:58]
أية قرية ، أو أي بلد ، أو أية قرية ، أو أي مجتمع انحرف عن طريق الحق، انحرف عن منهج الله ، اعتدى ، أكل المال الحرام ، فسق وفجر ، الله عز وجل ولو كان في أعلى درجات الأمن والاستقرار ، يزلزل من تحته الأرض ، كما نرى ونسمع كل يوم :
﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾
[سورة الأنعام:67]
ائت بكرة ، ضع بها قطعة رصاص من الداخل ، ودحرجها ، تتدحرج ، تتحرك ، لكن لا تستقر إلا على حالة واحدة أن تكون هذه القطعة الرصاصية في الأسفل ، مركز ثقل ، مهما حركتها ، والباطل يتحرك ، الأمور لا تستقر إلا على الحق .
هناك تعبير آخر يقوله بعض الناس : (لا يصح إلا الصحيح) .
الأمور تضطرب ، تموج ، أناس يصعدون ، أناس يهبطون ، لكن في النهاية :
﴿لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ﴾
[سورة الأنعام:67]
الأمور لا تستقر ، ولا تستقيم ، ولا تستمر إلا على الحق ، فهنيئاً لمن كان مع الحق .
الابتعاد عن الجاهلين و عدم الخوض معهم في الأحاديث :
كلمة (يخوضون) أهل البلاغة يتذوقونها ، أحياناً إنسان يخوض بنهر بشكل أعمى، بشكل عشوائي ، فالجاهل إذا تكلم بموضوع ديني ، لا يتناول هذا الموضوع تناولاً ، لا يبحث فيه بحثاً ، لا يدرسه دراسة ، بل يخوض فيه خوضاً ، تعبير له ظلاله ، ربنا عز وجل قال :
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾
[سورة الأنعام:68 ]
أحياناً يتكلمون بالدين كلام الجهل والاستهزاء ، أحياناً يدلون بآراء مضحكة . .
شخص كان في الحج ، عاد بالطائرة ، يحتل منصباً رفيعاً في بلد عربي ، في شمال إفريقيا ، قال : والله هناك ازدحام شديد ، لو عملوا الحج على مدار العام لكان أسهل ، لا يعرف ربه ، أي هناك خوض أحياناً .
يقول لك : لماذا خلق الله الشيطان ؟ لماذا أودع فينا الشهوات ؟ هو السبب .
أحياناً يقول لك : إن الله جميل يحب الجمال ، فالإنسان إذا نظر إلى النساء هل يحاسب ؟ هذا جاهل ، هذا الخوض ، ما قال : يبحث ، يدرس ، يتناول قضية ، يتأمل ، يستنبط، يحاكم ، انظر لكلمات الفقه ؛ يحاكم ، يستنبط ، يتأمل ، يدرس ، يبحث ، يسأل ، يحاور ، يناقش . قال :
﴿وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ﴾
[سورة الأنعام:68]
أنت أعظم ، وأكمل ، وأرقى من أن تخاطب هذا الإنسان الجاهل الأحمق .
كلمة (يخوضوا) لها ظلال خاصة :
﴿وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ﴾
[سورة المدثر:45]
هذا يقول لك : أخي أنا مع المجموع . قال الله :
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾
[سورة الأنعام:116]
﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنّاً إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً﴾
[سورة يونس:36]
فأنت كن مع القلة الواعية ، مع القلة الملتزمة ، مع القلة المؤمنة ، مع القلة الصافية .
كشف حقيقة الغرب و واقعهم الإجرامي :
إن الله يعطي الصحة والذكاء والمال والجمال للكثيرين من خلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين .
الآية التي فيها جواب لتساؤلات الناس : أكثر الناس إذا ذهبوا لبلد غربي ، يعود ناقماً على بلده ، يقول لك : غير نظام ، غير حياة ، حدائق ، محلات بيع ، ميكرو مثلاً ، أدراج متحركة ، يا أخي كيف نعيش نحن ؟ لكن الله عز وجل قال لك : هؤلاء القوم ، هؤلاء لا خير فيهم :
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
ما قال : فتحنا عليهم باباً ، وما قال : أبواباً ، لم يقل : باب كل شيء ، أو قال : أبواب شيء . قال :
﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
لا أعتقد أنه يوجد في القرآن آية فيها شمول أوسع من هذا الشمول ، باب : أبواب ، وشيء كل شيء ؛ مال ، على جمال ، على غنى ، على جبال خضراء ، على تكنولوجيا ، على كمبيوترات ، على خيرات ، أي :
﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ ﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
لكن :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[سورة النحل:21]
﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾
[سورة الروم:7]
حياتهم كلها جنس ومخدرات فقط ، لا يفقهون شيئاً . قال : هؤلاء من جلس معهم، فقد برئت منهم ذمة الله . من أقام مع المشركين برئت منه ذمة الله.
يموت كما هم ميتون ، يضحي بأولاده ، يضحي بأسرته ، يضحي بمستقبل بناته ، الله عز وجل قال :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً﴾
[ سورة الأنعام: 44 ]
تصور أنه ترك عشرة ملايين ، وترك ولدين ؛ الولد الأكبر اغتصب هذا المال كله، واشترى بيتاً ، وأسسه ، وزينه ، وزخرفه ، دخل إنسان على هذا البيت ، يوجد عندنا عواطف سطحية ، وعواطف عميقة ؛ العواطف السطحية أن تؤخذ بهذا البيت ، وهذه الزينة ، وهذا الأثاث، أما العاطفة العميقة فأن تحتقر اغتصابه لهذا البيت ؛ فأنت عندما ترى شعوباً تعيش برفاه منقطع النظير ، على حساب شعوب أخرى تموت من الجوع ، مثلاً الشعب الأسترالي أعدم عشرين مليون غنمة قبل عامين ، أعدمهم بالرصاص ، ودفنهم في الأرض ، ليحافظ على سعر اللحم المرتفع ، وحوش ، وحوش ، كم شعب يموت من الجوع في العالم ؟
في أمريكا مزارع البرتقال توضع في مكان كي يتلف المحصول ، حفاظاً على سعره المرتفع ، فصار الزنوج يتسللون من تحت الأسوار ، ليأكلوا البرتقال مجاناً ، فلما فعلوا ذلك ، في العام القادم سمموا هذا المحصول ، وحوش ، لذلك : لن تؤمن بالله حتى تكفر بهم ، والآن وحشيتهم واضحة تماماً .
قبل خمسين سنة ، كان قلة من المثقفين ثقافة عالية ، يكشفون وحشية الغرب ، أما في الظاهر فالقيم ، والعلم ، والفهم ، والتقدم ، أما الآن والحمد لله فقد كُشفوا على حقيقتهم ، أي طفل الشارع ، الإنسان الجاهل ، كشف حقيقة الغرب :
﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ﴾
[سورة النحل:21]
((من هوي الكفرة حشر معهم ، ولا ينفعه عمله شيئا))
[الطبراني عن جابر بن عبد الله ]
يروون قصة تمثل واقعهم الأسري ؛ هناك شاب أحب فتاة ، فسأل والده ليتزوجها : قال له : لا يا بني ، هذه أختك وأمك لا تدري ، -لا حول الله- ، ثم أحب فتاة أخرى ، فلما استشار والده ، قال له : لا يا بني ، هذه أختك وأمك لا تدري ، فلما أحبّ الثالثة ، قال له ذلك أيضاً ، عندئذ ضجر هذا الشاب ، وشكا إلى أمه هذا الذي جرى ، قالت : تزوج أياً شئت ، إنك لست ابنه وهو لا يدري .
هذا الغرب ، هذا هو الغرب .
من نعم الله أن يكون الإنسان ضمن العناية الإلهية :
لذلك :
﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ﴾
[سورة الأنعام:44]
فإذا كان هناك شخص لا خير فيه ، يمده الله ، هذا في النهاية له ضربة ساطور واحدة وينتهي ، عذابه القصم ، أما عذاب المسلم فعلاج ؛ أي يكبو وينهض ، يكبو وينهض .
فإذا الإنسان ضمن المعالجة ، ضمن العناية الإلهية ، ضمن التأديب الإلهي ، فهذا من نعم الله عز وجل .
من سمع الحق فليس أمامه إلا أن يسير في درب الإيمان :
ولكم بشارة ثانية ؛ الله عز وجل قال :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
[سورة الأنفال:23]
كان ممكن لأحدنا أن يكون قد ولد بشيكاغو مثلاً ، ولد بقرية بجنوب إفريقيا بعيدة عن الحق ، لكن لأن الله عز وجل سمعنا الحق ، هذه بشارة :
﴿وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ﴾
[سورة الأنفال:23]
ما دام نحن سمعنا الحق ، ليس أمامنا إلا أن نسير في درب الإيمان ، والأمر ضمن إمكانياتنا :
﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا﴾
[سورة البقرة:286]
((عبدي كن لي كما أريد ، أكن لك كما تريد ، كن لي كما أريد ، ولا تعلمني بما يصلحك ، أنت تريد وأنا أريد ، فإذا سلمت لي فيما أريد ، كفيتك ما تريد ، وإن لم تسلم لي فيما أريد ، أتعبتك فيما تريد ، ثم لا يكون إلا ما أريد))
[ورد في الأثر]