بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم
قراءات قرآنية - الدرس : 22 - من سورة النحل - الآيات الكونية.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التفكر في خلق السموات والأرض عبادة من أرقى العبادات :
من أكثر السور في القرآن الكريم إشارة إلى آيات الكون هي سورة النحل ، وذكرت لكم سابقاً أنه من أرقى العبادات التفكر في خلق السموات والأرض ، ونحن بعد أن ننهي هذا الدرس القصير ؛ بعضنا يجلس في المسجد ، وبعضنا في البيت يجلس ويذكر الله عز وجل ، ومن أرقى أنواع الذكر التفكر في خلق السموات والأرض .
هناك موضوع فكرت فيه البارحة أن هذه التعييرات الدقيقة في الجسم من يعيرها ؟ يوجد عندنا دليل من أكبر الأدلة على وجود الله ، وعلمه ، وحكمته ، اسمه : دليل الترجيح ؛ فلا ترجيح بلا مرجح ، هذا الدليل ملخصه أن بإمكانك أن تضع مفتاح الكهرباء في أي مكان في الحائط ؛ ممكن أن تضعه في أعلى الحائط ، أو في أسفله ، أو في منتصفه ، أو في ارتفاع يساوي ارتفاع الإنسان ، ما دام كان من الممكن أن يوضع في أي مكان ، لماذا وضع في هذا المكان المناسب ؟ لو وضع في أعلى الحائط ، لاحتجنا إلى سلم لإغلاق المصباح ، ولو وضع في أسفل الحائط ، لاحتجنا إلى أن ننبطح كي نغلق هذا المصباح ، ولكن وضع المصباح في مكان مناسب ، هذا المكان يجب أن يكون مناسباً لطول الإنسان ، ويسهل استعماله ، إذاً : هذا المكان فيه ترجيح ، فيه عدة احتمالات ، فنختار ما يناسبنا .
انطلقت في هذه الفكرة من أن الإنسان أحياناً يأخذ دواء ، هذا الدواء يسبب له جفافاً في حلقه ، هو حينما كان هذا اللعاب ينطلق بنسب معيرة تعييراً دقيقاً يجد نفسه مرتاحاً تماماً ، أي إذا اختلف عيار كمية اللعاب بالفم ، الإنسان يشعر بضيق ، يقول لك : لساني مثل الحطبة، يكون اللعاب قد خف قليلاً .
فأردت أن أعمم هذه الفكرة : هذه التعييرات دقيقة ، اللعاب له تعيير ، بدليل أن بعض الأدوية تحدث في الفم جفافاً .
الآن العين ؛ كلكم يعلم أن فيها قرنية ، وقزحية ، وجسماً بلورياً ، وخلطاً مائياً ، هذا الخلط المائي يجب أن يتجدد ، إذاً : توجد غدة تفرز هذا الخلط المائي ، فإذا جددناها ، وما صرفنا منه تنفجر العين أول شيء ، إذا وجد الطبيب في العين نفخة حمراء ، يفحص ضغط العين ، ضغط العين غير ضغط الدم .
يقول لي طبيب : أحياناً شاردة من البروتينات تغلق مصرف العين ، إذا أغلقته ، هذا الوارد الجديد على العين يجعلها تزداد ضغطاً ، يرتفع ضغط العين ، وهناك خطر على الرؤية ، فالإنسان من حين لآخر يفحص ضغط عينه ، من عيّر هذا الضغط بحيث أن هذه المادة التي تجدد الخلط المائي في العين يجب أن تصرف أو أن تخرج منها كمية بالقدر الذي دخل إليها ؟
تعيير الضغط ، إذا الضغط الأدنى نزل عن ست درجات لأربع ساعات ، تتوقف الكليتان عن العمل ، معنى هذا أن الضغط دقيق جداً ، و إذا ارتفع فوق خمس عشرة درجة أيضاً حالة صعبة ، يجوز أن ينتشر الشريان بالدماغ ، أي ارتفاع الضغط أحياناً يسبب أمراضاً خطيرة جداً ، أقلها الشلل أحياناً ، من عيّر الضغط ؟
مرة طبيب قال لي : كنت في بلد أجنبي ، وأجريت عملية قلب إسعافية لمريض ، لكن هذا المريض يتناول الأسبرين فالعملية كادت أن تنجح و لكن بعد أن أغلقنا القلب لم يتوقف الدم ، ما السبب ؟ يأخذ حبة أسبرين في اليوم ، صار الدم عنده ميوعة فلم يلتئم الجرح ، والدم انحبس في القلب ، خرج من الجروح ، فمات المريض ، مات من حبة أسبرين ، من عيّر الدم هذا التعيير الدقيق ؟ هناك هرمون التجلط ، وهرمون التمييع ، من التوازن بينهما يكون الدم في حالتين ؛ لا هو من الميوعة ليخرج من جرح بسيط ، ولا هو من التجمد ليصبح كالوحل في الطرقات ، من عيّر ذلك الدم ؟ نسبة الملح من سبعة إلى ثمانية بالألف بالدم ، لو زادت بالحالتين ؛ الزيادة والنقص تسبب الوفاة ؛ إما أن تنكمش الكريات ، وإما أن تنفجر ، تعيير الملح في الدم دقيق جداً .
الغدة النخامية هذه ملكة الغدد ، تفرز اثني عشر هرموناً ، أحد هذه الهرمونات لو اختل يختل بالإنسان نظام توازن السوائل ، يصبح يشرب حوالي عشر تنكات ماء ، ويطرحهم ، لم يعد عنده عمل إلا أن يجلس جانب المرحاض ، وجانب الحنفية ، انتهت حياته من هرمون واحد إذا اختل إفرازه .
أنا والله الآن لا يحضرني كل الموضوع ، لكن موضوع التعيير إذا الإنسان فكر بموضوع التعيير ، من عيّر لك سعة الشرايين ؟ أحياناً الإنسان يخاف ، يصفر فجأة ، ما القصة؟ لأن الشيء المخيف انطبع على شبكية العين ، وهذه الشبكية نقلته إلى المخ إدراكاً ، والمخ ملك الجهاز العصبي ، أعطى توجيهاً لملكة الجهاز الهرموني (الغدة النخامية) ، أنه يوجد خطر تصرفي ، الغدة النخامية أعطت توجيهاً إلى الكظر ، الكظر أعطى خمسة أوامر هرمونية؛ أول أمر إلى الشرايين كي تضيق لمعتها ، لأن الخائف لا يلزمه شكل جميل ، يلزمه أن يهرب ، يلزمه أن يتقي الخطر ، فالدم الذي يجول في الجلد ، ويجعل هذا اللون زهرياً لسنا الآن بحاجة إليه ، يأتي الأمر إلى كل الأوردة المحيطة ، تضيق لمعتها حتى يتوفر الدم للعضلات ، وأمر للقلب تزداد ضرباته ، حتى ينتقل الدم بسرعة إلى العضلات ، وأمر للرئتين يزداد وجيبهما ، وأمر للكبد بطرح كمية سكر إضافية ، وأمر للكبد أيضاً لرفع هرمون التجلط ، حتى لو جرح المريض لا ينزف دمه كله ، ما هذا الذي يجري بثوان ؟ الخائف أولاً يصفر لونه ، يدق قلبه ، يلهث ، لو فحصت قلبه ، تجد عنده سكراً زائداً ، وهرمون التجلط زائد ، تعيير هذه الأشياء بدقة بالغة .
هذه المفاصل تتلقى مادة زيتية ، من أجل أن تضعف الاحتكاك بشكل مستمر ، بعد ذلك أرقى أنواع السيارات مهما كان الشركة عالية المستوى ، يقول لك : بعد عشرة آلاف غير الزيت ، بعد ثلاثين ألفاً غير الكوليات ، هل من الممكن أن تستخدم السيارة من دون تبديل بعض السوائل فيها ، أو قطع الغيار ؟
أصل المرض خروج عن منهج الله :
طبعاً هناك أمراض ، الأمراض موجودة ، لكن الله عز وجل أشار إلى المرض بآية واحدة . يقول :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
[سورة الشعراء:78-80]
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾
المرض عزي إلى الإنسان ، لأن أصل المرض خروج عن منهج الله . وأحياناً الإنسان يعتني بصحته تماماً ، إلا أن هناك أمراضاً أسبابها خطأ عام في العصب.
أحياناً الإنسان يعتني بصحته تماماً ، إلا أن هناك أمراضاً أسبابها خطأ عام بالعصر ، تلوث مثلاً ؛ تلوث الجو ، الضجيج ، المواد الكيماوية ، الأدوية الكيماوية ، هذه كلها خلاف منهج الله ، فهناك خطأ بالعصر ، كل أدويتنا مواد كيماوية ، والجسم نباتي ، عندما صمم ربنا هذا الجسم ، صممه على أساس يتعالج بالنباتات ، أما شركات الأدوية فقد قال لي أخ : شركة أمريكية تبيع بأربعين مليار دولار كل سنة ، ليس لها مصلحة أن تتكلم بالأعشاب إطلاقاً ، لو تكلمت تخسر ، لأن كل دواء كيماوي عندها له بديل عشب لطيف ، ولا يؤذي ، لكن ليس لها مصلحة ، دواء معقد ، تركيب كيماوي .
نحن هكذا تعلمنا في الكليات أن أفضل شي الدواء الأجنبي ، مع أن هناك أدوية نباتية فاعليتها جيدة ، وتضمن سلامة المريض ، لا يوجد دواء كيماوي إلا معه مضاعفات خطيرة ؛ إذا أنت فكرت فقط موضوع التعيير ؛ تعيير ماء العين ، تعيير الدمع . الله عز وجل قال:
﴿تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾
[سورة المائدة:83]
ليس معنى هذا أن الدمع عندما يسيل على الخدين أثناء البكاء أنه لم يكن هناك دمع وصار دمع ؟ لا ، الآن : فاض الدمع ، لأن هناك دمعاً يأتي بشكل مستمر ، وهناك قناة تصريف دقيقة جداً ، هذه القناة تستخدم لتصرف الدمع الذي استخدم في وقاية العين ، حتى لا يحدث احتكاك بين القرنية والجسم ، فهناك مادة تسهل الحركة ، وهذا الدم نفسه عمل لك بالأنف منطقة رطبة ، إذا دخل غبار للأنف يعلق بالطبقة المخاطية المحيطة بتجويفات الأنف ، أنت لو فقط فكرت بتعيير الدم ، مع تعيير ماء العين ، مع تعيير لعاب الفم ، مع تعيير هرمون التجلط والتمييع ، مع تعيير الملح في الدم ، مع تعيير زيت المفاصل ، ترى العجب العجاب .
الآن : كل التحاليل أساسها كشف التعيير ، أحياناً تجري خمسين تحليلاً ، الأسيد أوريك ، والشحوم الثلاثية ، والكوليسترول ، وسرعة التسفل ، كلها تعييرات دقيقة ، فأي خلل بالدم تجد له مضاعفات في الصحة ، هذا الخلق هو خلق المولى سبحانه .
آيات أخرى متعلقة بعظمة الخالق :
كل سؤالنا : لا ترجيح بلا مرجح ، ما دام هناك احتمال أن تكون النسب عديدة ، وهناك نسبة نظامية ، طبيعية ، صحية ، من وضع هذه النسبة بالذات ؟ الله رب العالمين ، الله عز وجل هنا يقول :
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾
[سورة النحل:66]
هل تستطيع أن تنكر أن مشتقات الألبان أحد أكبر الأغذية في الحياة ؟ الحليب أساسي ، اللبن أساسي ، اللبن المصفى ، الجبنة ، السمنة ، الزبدة ، القشطة ، هذه كلها أشياء أساسية في الحياة ، من هذا اللبن الذي تنتجه البقرة ، وهي لا تعلم ، لا تعلم أن هناك أربعمئة ، أو ستمئة ليتر دم تجول في غدد البقرة الثديية ، كي تصنع كلها لتر حليب واحد .
والذي يلفت نظري أنه أحدث كتاب في هذا الموضوع ، يقول المؤلف : حتى هذا التاريخ لا يعلم أحد طريقة عمل هذه الخلايا الثديية ، إن الذي نعرفه أنها تأخذ حاجتها من الدم ، وترشح الحليب فقط .
خلية على شكل قبة ، في أعلاها أوعية دموية ، ومن أسفل القبة يرشح الحليب ، يوجد الآن بقر يعطي ستين كيلو في اليوم – بقر مهجن - :
﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾
[سورة النحل:66]
أنا لفت نظري ، وأنا أعطي الدرس بهذا الموضوع أن كل سورة النحل تقريباً معظمها آيات كونية ، هذه الآيات لنا ، والله عز وجل ما أعطى التفصيلات ، أعطاك العناوين ، قال لك: هذا الموضوع فكر فيه ؛ فكر بالحليب ، فكر بالعين ، فكر بالدمع ، فكر بخلقك ، فكر بالطير ، هذا الطير الذي يطير سبعة عشر ألف كيلو متر ، أطول رحلة يقطعها طائر .
يوجد عندي موسوعة عن الطيور ، بالمقدمة يقول الكاتب : أعظم طائرة صنعها الإنسان سرعتها فوق سرعة الصوت ، إذا الإنسان قرأ عن الطير، شيء لا يصدق ، فالقضية لا يوجد معها مزح ، خمسمئة وخمسون راكباً ، هناك طائرة يوجد فيها ستمئة وخمسون راكباً ، على ارتفاع أربعين ألف قدم ، أي خلل ، يقول لك : قد مات جميع ركابها ، لا يوجد معها مزح ، فأعلى درجات الدقة والإتقان في الصناعة في الطيران ، ويقول لك : أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر .
يقولون : أرقى أعضاء أعضاء الإنسان ، الطائر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، حسناً : ما الحكمة ؟ لأنه يحلق على ارتفاع شاهق ، يريد أن يأكل ، وجد صحراء ، صعد ، ثم نزل ، وجد بحراً ، صعد ، ثم نزل ، فيجب أن يرى هو في أعلى ارتفاع غذاءه على الأرض ، فالله زوده بقدرة على الإبصار تفوق الإنسان بثمانية أضعاف ، الطائر عندما يتنفس ، الحركة المستمرة تعمل حرارة بجسمه ، فيجب أن يكون هناك تبريد .
الآن : كل آلة معقدة جداً فيها حركة دائمة ، ومعها تبريد دائم ؛ الكمبيوتر معه مروحة ، السيارة معها راديتير دائماً ، فهذا الطائر يطير في الجو بشكل مستمر ، أحياناً يطير سبع عشرة ساعة بلا توقف ، يقول لك : تعبنا ، ذهبنا لأمريكا تسع ساعات طيران ، الطائر يطير سبع عشرة ساعة بلا توقف ، فالهواء الذي يستنشقه يصل إلى كل خلايا جسمه ، القصبات الهوائية في الطائر موزعة في كل جسمه ، بحيث أن الهواء يمرن كل عضلاته ، ولو درسنا ريشة الطائر ، طيران الطائر ، تحديد جهة الطيران ، شيء لا يصدق ، لذلك الآية الوحيدة في القرآن التي عزي فيها العمل إلى الله مباشرة . قال :
﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾
[سورة الملك:19]
فالطيران آية ، هذه سورة النحل مباركة يا أخوان ، بعد رمضان إذا الإنسان قرأها بعناية ، أمسك آية آية فكر فيها ، اشترى كتاباً متعلقاً بهذا الموضوع وقرأه ، لا يوجد مانع ، ليعرف ما هذا الخلق المعجز ؟ إنك أنت على قدر معرفتك بالله تخشاه :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
فالآيات اليوم كلها متعلقة بخلق الإنسان ، وبعظمة الخلق .
خطر في بالي خاطر لأخواننا الكرام الذين يجلسون للذكر والتفكر ؛ إذا فكرت في آيات الله ، و ظهر معك شيء لطيف من خلال هذا التفكر ، وسمعناه منك ، ستشجعنا .
أحياناً يكون مثلاً أخ طبيب أسنان ، عنده معلومات دقيقة عن الأسنان ، بحكم دراسته الجامعية أن هذا ميناء السن مثلاً يعد ثاني أقسى عنصر بالعالم ، الألماس رقم واحد ، و ميناء الأسنان رقم اثنين ، هذا كان ماء مهيناً ، من أين جاءت القساوة ؟ إذاً هناك عملية معقدة هي الترسيب ، لولا عملية الترسيب الكيماوية لم يكن هناك سن قاسية من نقطة ماء مهين .
فلك هيكل عظمي متين ، هذا عظم عنق الفخذ من أجل أن يكون الإنسان شكله جميل ، حوضه يوجد له مكان ، لكن عظم الفخذ ليس مستقيماً . لأن الضغط كله على عنق الفخذ ، هذا يتحمل ضغط يقدر بمئتين وخمسين كيلو ، والآخر يتحمل ضغطاً يقدر بمئتين وخمسين ، إذا نزل فوق الإنسان خمسمئة كيلو أي نصف طن ، العظم يتحمل هذا الضغط ، هذا كان من نقطة ماء مهين ، كيف صار العظم يتحمل خمسمئة كيلو ضغط ؟ هناك حكمة بالغة .
ورد سؤال : كنت أقرأ بعض الأسئلة بالعلوم الطبيعية : لماذا هناك عصب حسي في نقي العظام ؟ هناك حكمة بالغة أن الإنسان عندما تكسر رجله -لا سمح الله- تسعة أعشار العلاج أن يبقيها على حالها ، ما الضمانة ؟ الألم ، فربنا عز وجل جعل في نقل العظام عصباً حسياً ، بحيث لو أن الإنسان كسرت رجله أو شعرت يتألم ألماً لا يحتمل ، فمن شدة ألمه يبقيها على حالها ، وهذا تسعة أعشار العلاج ، لو لم يكن هناك عصب حسي ، لمشى عليها ، وتعقد الأمر ، وتمزقت الشرايين ، وانقطعت الأعصاب ، إذاً هناك حكمة بالغة ، أما بالشعر فلا يوجد عصب ، بالشعر ، بالأظافر لا يوجد عصب ، لو كان للشعرة عصب لاحتجت إلى عملية كل أسبوعين في المستشفى ، من أجل أن تحلق تحتاج إلى تخدير، لا يوجد حل ثان ، في الشعر لا يوجد عصب ، أما بنقي العظام فهناك عصب ، شيء دقيق جداً ، فالموضوع واسع جداً .
الكون أوسع باب لمعرفة الله عز وجل :
لكن أنا الذي ألح عليه مرة ثانية أن هذه الآيات الكونية التي وردت في كتاب الله هي عنوانات وليست موضوعات ، عليك أن تتقصى دقائقها ، وتفاصيلها، وحكمها ، وأحكامها ، من أجل أن تزداد معرفتك بالله عز وجل ، هذا الكون باب واسع ، أوسع باب لمعرفة الله ، وأقصر طريق لمعرفة الله ، والله جعله مظهراً لأسمائه الحسنى . أي لا يوجد أخ معه اختصاص إلا عنده آيات كونية رائعة ، الآن مثلاً أنت تحتاج إلى معالجة ربط حديد بحجر ، ما الطريقة ؟ تصور أنه لا يوجد رصاص ، يجب عليك أن تعمل حديقة ، وتعمل لها سوراً من حجر ، يكون لها قطعة حديد تجميلية ، أو للصيانة ، أو قطعة تمنع النظر ، تمنع الدخول ، تعامل الحديد مع الحجر كيف يتم ؟ ينصهر الحديد بدرجة ألف وخمسمئة فيزداد حجمه ، فأنا مرة لفت نظري لاحظت حديقة ، ألغوا حديقة ، يمكن رأوا أن تزويد الحديد بالأوكسجين أهون من قلعه بالحجر لأنه ثبت .
الآن هذا الرصاص من خلقه ؟ خلق للإنسان خصيصاً ، تعامله سهل ، ينصهر على نار خفيفة ، يصبح مائعاً ، تصبه بمكان له شكل إجاصة ، يتمدد ، فلا نستطيع بعد ذلك أن نزيله أبداً ، إذاً : الرصاص دقيق .
لو أخذت موضوع الفيزياء والكيمياء ، هناك أدلة رائعة جداً ، أخذت موضوع الطب، أنت محاط بملايين الآيات الكونية ، وكلها تدل على الله ، وتشير إليه ، فأنت كلما كان معرفتك بالله كبيرة جداً تجد أمره و نهيه غالياً عليك .
أحد أسباب التفلت من منهج الله أن المعلومات عن الله ضعيفة جداً ، لأن خلق السموات والأرض هذه لا تكفي :
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد:4]
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
[سورة الزخرف:84]
أردت أن يكون هذا الدرس آيات كونية ، لأن السورة كلها آيات كونية ، وينبغي أن يتفكر الإنسان في خلقه ، وهذه أرقى أنواع العبادات .
قراءات قرآنية - الدرس : 22 - من سورة النحل - الآيات الكونية.
محمد راتب النابلسي
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
التفكر في خلق السموات والأرض عبادة من أرقى العبادات :
من أكثر السور في القرآن الكريم إشارة إلى آيات الكون هي سورة النحل ، وذكرت لكم سابقاً أنه من أرقى العبادات التفكر في خلق السموات والأرض ، ونحن بعد أن ننهي هذا الدرس القصير ؛ بعضنا يجلس في المسجد ، وبعضنا في البيت يجلس ويذكر الله عز وجل ، ومن أرقى أنواع الذكر التفكر في خلق السموات والأرض .
هناك موضوع فكرت فيه البارحة أن هذه التعييرات الدقيقة في الجسم من يعيرها ؟ يوجد عندنا دليل من أكبر الأدلة على وجود الله ، وعلمه ، وحكمته ، اسمه : دليل الترجيح ؛ فلا ترجيح بلا مرجح ، هذا الدليل ملخصه أن بإمكانك أن تضع مفتاح الكهرباء في أي مكان في الحائط ؛ ممكن أن تضعه في أعلى الحائط ، أو في أسفله ، أو في منتصفه ، أو في ارتفاع يساوي ارتفاع الإنسان ، ما دام كان من الممكن أن يوضع في أي مكان ، لماذا وضع في هذا المكان المناسب ؟ لو وضع في أعلى الحائط ، لاحتجنا إلى سلم لإغلاق المصباح ، ولو وضع في أسفل الحائط ، لاحتجنا إلى أن ننبطح كي نغلق هذا المصباح ، ولكن وضع المصباح في مكان مناسب ، هذا المكان يجب أن يكون مناسباً لطول الإنسان ، ويسهل استعماله ، إذاً : هذا المكان فيه ترجيح ، فيه عدة احتمالات ، فنختار ما يناسبنا .
انطلقت في هذه الفكرة من أن الإنسان أحياناً يأخذ دواء ، هذا الدواء يسبب له جفافاً في حلقه ، هو حينما كان هذا اللعاب ينطلق بنسب معيرة تعييراً دقيقاً يجد نفسه مرتاحاً تماماً ، أي إذا اختلف عيار كمية اللعاب بالفم ، الإنسان يشعر بضيق ، يقول لك : لساني مثل الحطبة، يكون اللعاب قد خف قليلاً .
فأردت أن أعمم هذه الفكرة : هذه التعييرات دقيقة ، اللعاب له تعيير ، بدليل أن بعض الأدوية تحدث في الفم جفافاً .
الآن العين ؛ كلكم يعلم أن فيها قرنية ، وقزحية ، وجسماً بلورياً ، وخلطاً مائياً ، هذا الخلط المائي يجب أن يتجدد ، إذاً : توجد غدة تفرز هذا الخلط المائي ، فإذا جددناها ، وما صرفنا منه تنفجر العين أول شيء ، إذا وجد الطبيب في العين نفخة حمراء ، يفحص ضغط العين ، ضغط العين غير ضغط الدم .
يقول لي طبيب : أحياناً شاردة من البروتينات تغلق مصرف العين ، إذا أغلقته ، هذا الوارد الجديد على العين يجعلها تزداد ضغطاً ، يرتفع ضغط العين ، وهناك خطر على الرؤية ، فالإنسان من حين لآخر يفحص ضغط عينه ، من عيّر هذا الضغط بحيث أن هذه المادة التي تجدد الخلط المائي في العين يجب أن تصرف أو أن تخرج منها كمية بالقدر الذي دخل إليها ؟
تعيير الضغط ، إذا الضغط الأدنى نزل عن ست درجات لأربع ساعات ، تتوقف الكليتان عن العمل ، معنى هذا أن الضغط دقيق جداً ، و إذا ارتفع فوق خمس عشرة درجة أيضاً حالة صعبة ، يجوز أن ينتشر الشريان بالدماغ ، أي ارتفاع الضغط أحياناً يسبب أمراضاً خطيرة جداً ، أقلها الشلل أحياناً ، من عيّر الضغط ؟
مرة طبيب قال لي : كنت في بلد أجنبي ، وأجريت عملية قلب إسعافية لمريض ، لكن هذا المريض يتناول الأسبرين فالعملية كادت أن تنجح و لكن بعد أن أغلقنا القلب لم يتوقف الدم ، ما السبب ؟ يأخذ حبة أسبرين في اليوم ، صار الدم عنده ميوعة فلم يلتئم الجرح ، والدم انحبس في القلب ، خرج من الجروح ، فمات المريض ، مات من حبة أسبرين ، من عيّر الدم هذا التعيير الدقيق ؟ هناك هرمون التجلط ، وهرمون التمييع ، من التوازن بينهما يكون الدم في حالتين ؛ لا هو من الميوعة ليخرج من جرح بسيط ، ولا هو من التجمد ليصبح كالوحل في الطرقات ، من عيّر ذلك الدم ؟ نسبة الملح من سبعة إلى ثمانية بالألف بالدم ، لو زادت بالحالتين ؛ الزيادة والنقص تسبب الوفاة ؛ إما أن تنكمش الكريات ، وإما أن تنفجر ، تعيير الملح في الدم دقيق جداً .
الغدة النخامية هذه ملكة الغدد ، تفرز اثني عشر هرموناً ، أحد هذه الهرمونات لو اختل يختل بالإنسان نظام توازن السوائل ، يصبح يشرب حوالي عشر تنكات ماء ، ويطرحهم ، لم يعد عنده عمل إلا أن يجلس جانب المرحاض ، وجانب الحنفية ، انتهت حياته من هرمون واحد إذا اختل إفرازه .
أنا والله الآن لا يحضرني كل الموضوع ، لكن موضوع التعيير إذا الإنسان فكر بموضوع التعيير ، من عيّر لك سعة الشرايين ؟ أحياناً الإنسان يخاف ، يصفر فجأة ، ما القصة؟ لأن الشيء المخيف انطبع على شبكية العين ، وهذه الشبكية نقلته إلى المخ إدراكاً ، والمخ ملك الجهاز العصبي ، أعطى توجيهاً لملكة الجهاز الهرموني (الغدة النخامية) ، أنه يوجد خطر تصرفي ، الغدة النخامية أعطت توجيهاً إلى الكظر ، الكظر أعطى خمسة أوامر هرمونية؛ أول أمر إلى الشرايين كي تضيق لمعتها ، لأن الخائف لا يلزمه شكل جميل ، يلزمه أن يهرب ، يلزمه أن يتقي الخطر ، فالدم الذي يجول في الجلد ، ويجعل هذا اللون زهرياً لسنا الآن بحاجة إليه ، يأتي الأمر إلى كل الأوردة المحيطة ، تضيق لمعتها حتى يتوفر الدم للعضلات ، وأمر للقلب تزداد ضرباته ، حتى ينتقل الدم بسرعة إلى العضلات ، وأمر للرئتين يزداد وجيبهما ، وأمر للكبد بطرح كمية سكر إضافية ، وأمر للكبد أيضاً لرفع هرمون التجلط ، حتى لو جرح المريض لا ينزف دمه كله ، ما هذا الذي يجري بثوان ؟ الخائف أولاً يصفر لونه ، يدق قلبه ، يلهث ، لو فحصت قلبه ، تجد عنده سكراً زائداً ، وهرمون التجلط زائد ، تعيير هذه الأشياء بدقة بالغة .
هذه المفاصل تتلقى مادة زيتية ، من أجل أن تضعف الاحتكاك بشكل مستمر ، بعد ذلك أرقى أنواع السيارات مهما كان الشركة عالية المستوى ، يقول لك : بعد عشرة آلاف غير الزيت ، بعد ثلاثين ألفاً غير الكوليات ، هل من الممكن أن تستخدم السيارة من دون تبديل بعض السوائل فيها ، أو قطع الغيار ؟
أصل المرض خروج عن منهج الله :
طبعاً هناك أمراض ، الأمراض موجودة ، لكن الله عز وجل أشار إلى المرض بآية واحدة . يقول :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾
[سورة الشعراء:78-80]
﴿وَإِذَا مَرِضْتُ﴾
المرض عزي إلى الإنسان ، لأن أصل المرض خروج عن منهج الله . وأحياناً الإنسان يعتني بصحته تماماً ، إلا أن هناك أمراضاً أسبابها خطأ عام في العصب.
أحياناً الإنسان يعتني بصحته تماماً ، إلا أن هناك أمراضاً أسبابها خطأ عام بالعصر ، تلوث مثلاً ؛ تلوث الجو ، الضجيج ، المواد الكيماوية ، الأدوية الكيماوية ، هذه كلها خلاف منهج الله ، فهناك خطأ بالعصر ، كل أدويتنا مواد كيماوية ، والجسم نباتي ، عندما صمم ربنا هذا الجسم ، صممه على أساس يتعالج بالنباتات ، أما شركات الأدوية فقد قال لي أخ : شركة أمريكية تبيع بأربعين مليار دولار كل سنة ، ليس لها مصلحة أن تتكلم بالأعشاب إطلاقاً ، لو تكلمت تخسر ، لأن كل دواء كيماوي عندها له بديل عشب لطيف ، ولا يؤذي ، لكن ليس لها مصلحة ، دواء معقد ، تركيب كيماوي .
نحن هكذا تعلمنا في الكليات أن أفضل شي الدواء الأجنبي ، مع أن هناك أدوية نباتية فاعليتها جيدة ، وتضمن سلامة المريض ، لا يوجد دواء كيماوي إلا معه مضاعفات خطيرة ؛ إذا أنت فكرت فقط موضوع التعيير ؛ تعيير ماء العين ، تعيير الدمع . الله عز وجل قال:
﴿تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ﴾
[سورة المائدة:83]
ليس معنى هذا أن الدمع عندما يسيل على الخدين أثناء البكاء أنه لم يكن هناك دمع وصار دمع ؟ لا ، الآن : فاض الدمع ، لأن هناك دمعاً يأتي بشكل مستمر ، وهناك قناة تصريف دقيقة جداً ، هذه القناة تستخدم لتصرف الدمع الذي استخدم في وقاية العين ، حتى لا يحدث احتكاك بين القرنية والجسم ، فهناك مادة تسهل الحركة ، وهذا الدم نفسه عمل لك بالأنف منطقة رطبة ، إذا دخل غبار للأنف يعلق بالطبقة المخاطية المحيطة بتجويفات الأنف ، أنت لو فقط فكرت بتعيير الدم ، مع تعيير ماء العين ، مع تعيير لعاب الفم ، مع تعيير هرمون التجلط والتمييع ، مع تعيير الملح في الدم ، مع تعيير زيت المفاصل ، ترى العجب العجاب .
الآن : كل التحاليل أساسها كشف التعيير ، أحياناً تجري خمسين تحليلاً ، الأسيد أوريك ، والشحوم الثلاثية ، والكوليسترول ، وسرعة التسفل ، كلها تعييرات دقيقة ، فأي خلل بالدم تجد له مضاعفات في الصحة ، هذا الخلق هو خلق المولى سبحانه .
آيات أخرى متعلقة بعظمة الخالق :
كل سؤالنا : لا ترجيح بلا مرجح ، ما دام هناك احتمال أن تكون النسب عديدة ، وهناك نسبة نظامية ، طبيعية ، صحية ، من وضع هذه النسبة بالذات ؟ الله رب العالمين ، الله عز وجل هنا يقول :
﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾
[سورة النحل:66]
هل تستطيع أن تنكر أن مشتقات الألبان أحد أكبر الأغذية في الحياة ؟ الحليب أساسي ، اللبن أساسي ، اللبن المصفى ، الجبنة ، السمنة ، الزبدة ، القشطة ، هذه كلها أشياء أساسية في الحياة ، من هذا اللبن الذي تنتجه البقرة ، وهي لا تعلم ، لا تعلم أن هناك أربعمئة ، أو ستمئة ليتر دم تجول في غدد البقرة الثديية ، كي تصنع كلها لتر حليب واحد .
والذي يلفت نظري أنه أحدث كتاب في هذا الموضوع ، يقول المؤلف : حتى هذا التاريخ لا يعلم أحد طريقة عمل هذه الخلايا الثديية ، إن الذي نعرفه أنها تأخذ حاجتها من الدم ، وترشح الحليب فقط .
خلية على شكل قبة ، في أعلاها أوعية دموية ، ومن أسفل القبة يرشح الحليب ، يوجد الآن بقر يعطي ستين كيلو في اليوم – بقر مهجن - :
﴿مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَناً خَالِصاً سَائِغاً لِلشَّارِبِينَ﴾
[سورة النحل:66]
أنا لفت نظري ، وأنا أعطي الدرس بهذا الموضوع أن كل سورة النحل تقريباً معظمها آيات كونية ، هذه الآيات لنا ، والله عز وجل ما أعطى التفصيلات ، أعطاك العناوين ، قال لك: هذا الموضوع فكر فيه ؛ فكر بالحليب ، فكر بالعين ، فكر بالدمع ، فكر بخلقك ، فكر بالطير ، هذا الطير الذي يطير سبعة عشر ألف كيلو متر ، أطول رحلة يقطعها طائر .
يوجد عندي موسوعة عن الطيور ، بالمقدمة يقول الكاتب : أعظم طائرة صنعها الإنسان سرعتها فوق سرعة الصوت ، إذا الإنسان قرأ عن الطير، شيء لا يصدق ، فالقضية لا يوجد معها مزح ، خمسمئة وخمسون راكباً ، هناك طائرة يوجد فيها ستمئة وخمسون راكباً ، على ارتفاع أربعين ألف قدم ، أي خلل ، يقول لك : قد مات جميع ركابها ، لا يوجد معها مزح ، فأعلى درجات الدقة والإتقان في الصناعة في الطيران ، ويقول لك : أعظم طائرة صنعها الإنسان لا ترقى إلى مستوى الطائر .
يقولون : أرقى أعضاء أعضاء الإنسان ، الطائر يرى ثمانية أضعاف الإنسان ، حسناً : ما الحكمة ؟ لأنه يحلق على ارتفاع شاهق ، يريد أن يأكل ، وجد صحراء ، صعد ، ثم نزل ، وجد بحراً ، صعد ، ثم نزل ، فيجب أن يرى هو في أعلى ارتفاع غذاءه على الأرض ، فالله زوده بقدرة على الإبصار تفوق الإنسان بثمانية أضعاف ، الطائر عندما يتنفس ، الحركة المستمرة تعمل حرارة بجسمه ، فيجب أن يكون هناك تبريد .
الآن : كل آلة معقدة جداً فيها حركة دائمة ، ومعها تبريد دائم ؛ الكمبيوتر معه مروحة ، السيارة معها راديتير دائماً ، فهذا الطائر يطير في الجو بشكل مستمر ، أحياناً يطير سبع عشرة ساعة بلا توقف ، يقول لك : تعبنا ، ذهبنا لأمريكا تسع ساعات طيران ، الطائر يطير سبع عشرة ساعة بلا توقف ، فالهواء الذي يستنشقه يصل إلى كل خلايا جسمه ، القصبات الهوائية في الطائر موزعة في كل جسمه ، بحيث أن الهواء يمرن كل عضلاته ، ولو درسنا ريشة الطائر ، طيران الطائر ، تحديد جهة الطيران ، شيء لا يصدق ، لذلك الآية الوحيدة في القرآن التي عزي فيها العمل إلى الله مباشرة . قال :
﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ﴾
[سورة الملك:19]
فالطيران آية ، هذه سورة النحل مباركة يا أخوان ، بعد رمضان إذا الإنسان قرأها بعناية ، أمسك آية آية فكر فيها ، اشترى كتاباً متعلقاً بهذا الموضوع وقرأه ، لا يوجد مانع ، ليعرف ما هذا الخلق المعجز ؟ إنك أنت على قدر معرفتك بالله تخشاه :
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾
[سورة فاطر:28]
فالآيات اليوم كلها متعلقة بخلق الإنسان ، وبعظمة الخلق .
خطر في بالي خاطر لأخواننا الكرام الذين يجلسون للذكر والتفكر ؛ إذا فكرت في آيات الله ، و ظهر معك شيء لطيف من خلال هذا التفكر ، وسمعناه منك ، ستشجعنا .
أحياناً يكون مثلاً أخ طبيب أسنان ، عنده معلومات دقيقة عن الأسنان ، بحكم دراسته الجامعية أن هذا ميناء السن مثلاً يعد ثاني أقسى عنصر بالعالم ، الألماس رقم واحد ، و ميناء الأسنان رقم اثنين ، هذا كان ماء مهيناً ، من أين جاءت القساوة ؟ إذاً هناك عملية معقدة هي الترسيب ، لولا عملية الترسيب الكيماوية لم يكن هناك سن قاسية من نقطة ماء مهين .
فلك هيكل عظمي متين ، هذا عظم عنق الفخذ من أجل أن يكون الإنسان شكله جميل ، حوضه يوجد له مكان ، لكن عظم الفخذ ليس مستقيماً . لأن الضغط كله على عنق الفخذ ، هذا يتحمل ضغط يقدر بمئتين وخمسين كيلو ، والآخر يتحمل ضغطاً يقدر بمئتين وخمسين ، إذا نزل فوق الإنسان خمسمئة كيلو أي نصف طن ، العظم يتحمل هذا الضغط ، هذا كان من نقطة ماء مهين ، كيف صار العظم يتحمل خمسمئة كيلو ضغط ؟ هناك حكمة بالغة .
ورد سؤال : كنت أقرأ بعض الأسئلة بالعلوم الطبيعية : لماذا هناك عصب حسي في نقي العظام ؟ هناك حكمة بالغة أن الإنسان عندما تكسر رجله -لا سمح الله- تسعة أعشار العلاج أن يبقيها على حالها ، ما الضمانة ؟ الألم ، فربنا عز وجل جعل في نقل العظام عصباً حسياً ، بحيث لو أن الإنسان كسرت رجله أو شعرت يتألم ألماً لا يحتمل ، فمن شدة ألمه يبقيها على حالها ، وهذا تسعة أعشار العلاج ، لو لم يكن هناك عصب حسي ، لمشى عليها ، وتعقد الأمر ، وتمزقت الشرايين ، وانقطعت الأعصاب ، إذاً هناك حكمة بالغة ، أما بالشعر فلا يوجد عصب ، بالشعر ، بالأظافر لا يوجد عصب ، لو كان للشعرة عصب لاحتجت إلى عملية كل أسبوعين في المستشفى ، من أجل أن تحلق تحتاج إلى تخدير، لا يوجد حل ثان ، في الشعر لا يوجد عصب ، أما بنقي العظام فهناك عصب ، شيء دقيق جداً ، فالموضوع واسع جداً .
الكون أوسع باب لمعرفة الله عز وجل :
لكن أنا الذي ألح عليه مرة ثانية أن هذه الآيات الكونية التي وردت في كتاب الله هي عنوانات وليست موضوعات ، عليك أن تتقصى دقائقها ، وتفاصيلها، وحكمها ، وأحكامها ، من أجل أن تزداد معرفتك بالله عز وجل ، هذا الكون باب واسع ، أوسع باب لمعرفة الله ، وأقصر طريق لمعرفة الله ، والله جعله مظهراً لأسمائه الحسنى . أي لا يوجد أخ معه اختصاص إلا عنده آيات كونية رائعة ، الآن مثلاً أنت تحتاج إلى معالجة ربط حديد بحجر ، ما الطريقة ؟ تصور أنه لا يوجد رصاص ، يجب عليك أن تعمل حديقة ، وتعمل لها سوراً من حجر ، يكون لها قطعة حديد تجميلية ، أو للصيانة ، أو قطعة تمنع النظر ، تمنع الدخول ، تعامل الحديد مع الحجر كيف يتم ؟ ينصهر الحديد بدرجة ألف وخمسمئة فيزداد حجمه ، فأنا مرة لفت نظري لاحظت حديقة ، ألغوا حديقة ، يمكن رأوا أن تزويد الحديد بالأوكسجين أهون من قلعه بالحجر لأنه ثبت .
الآن هذا الرصاص من خلقه ؟ خلق للإنسان خصيصاً ، تعامله سهل ، ينصهر على نار خفيفة ، يصبح مائعاً ، تصبه بمكان له شكل إجاصة ، يتمدد ، فلا نستطيع بعد ذلك أن نزيله أبداً ، إذاً : الرصاص دقيق .
لو أخذت موضوع الفيزياء والكيمياء ، هناك أدلة رائعة جداً ، أخذت موضوع الطب، أنت محاط بملايين الآيات الكونية ، وكلها تدل على الله ، وتشير إليه ، فأنت كلما كان معرفتك بالله كبيرة جداً تجد أمره و نهيه غالياً عليك .
أحد أسباب التفلت من منهج الله أن المعلومات عن الله ضعيفة جداً ، لأن خلق السموات والأرض هذه لا تكفي :
﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ﴾
[سورة الحديد:4]
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
[سورة الزخرف:84]
أردت أن يكون هذا الدرس آيات كونية ، لأن السورة كلها آيات كونية ، وينبغي أن يتفكر الإنسان في خلقه ، وهذه أرقى أنواع العبادات .