أدى تعطيل المجلس التشريعي –برلمان فلسطين- عن العمل في العام 2007 لأسباب سياسية عديدة أهمها اعتقال عدد كبير من النواب من قبل الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة الى الانقسام الفلسطيني بين حركتي فتح وحماس، الكتلتين الأكبر في المجلس، إلى وجود حالة تشريعية استثنائية بحيث تمارس السلطة التنفيذية التشريع عوضا عن السلطة التشريعية، وذلك استنادا إلى المادة 43 من القانون الاساسي الفلسطيني، والتي تنص على منح الرئيس صلاحيات تشريعية في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي وأثناء حالة الضرورة التي لا تحتمل التأخير.
وبات الطابع الغالب في القرارات بقوانين التي يصدرها الرئيس أنها تُقر بشكل سريع وفي حالات تبدو غير ضرورية وتحتمل التأخير، نذكر منها -على سبيل المثال- القرار بقانون رقم 4 لعام 2020 الخاص بتعديل قانون مكافات ورواتب اعضاء المجلس التشريعي واعضاء الحكومة، والذي تم إلغاؤه وتعديله بموجب قرار بقانون آخر حمل الرقم 12 لعام 2020، والقرار بقانون رقم 6 لسنة 2020 بشأن التربيةوالتعليم، والقرار بقانون رقم 3 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون المرور، وغيرها العديد من القرارات بقانون الأخرى، على غير فحوى المادة 43 سابقة الذكر، والتي تنص على أن:
لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون...".
وكان آخر هذه القرارات بقانون، القرار بقانون بشأن ديوان الرئاسة الفلسطينية، والذي حمل الرقم 5 لسنة 2020، ونشر في الجريدة الرسمية في العدد 165 بتاريخ 19/3/2020، وهو موضوع هذا المقال حيث لقي معارضة من شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنه يمثل توسعا غير مبرر في صلاحيات مؤسسة الرئاسة على حساب صلاحيات الحكومة، مما يعني تحويل النظام في فلسطين إلى نظام رئاسي، وهو ما يمثل خرقاً كبيرا بحق القانون الأساسي الفلسطيني.
لقد برزت إشكالية تضارب الصلاحيات حد الصدام وخلقت أزمات بين الرئيس والحكومة مرتين؛ الأولى في العام 2003 عندما تم تعديل القانون الأساسي الفلسطيني إبان حكم الرئيس عرفات، حيث لم يكن هناك منصب رئيس وزراء في النظام السياسي الفلسطيني حتى ذلك الحين، وكانت الحكومة تتبع مباشرة لرئيس السلطة. فتم استحداث منصب رئيس الوزراء،
ومنحه العديد من الصلاحيات مستقلا عن مؤسسة الرئاسة. بائت التجربة حينذاك بالفشل، حيث استقال محمود عباس، رئيس الحكومة في حينه، بسبب تنازع الصلاحيات مع مؤسسة الرئاسة. أما المرة الثانية فكانت عندما شكلت كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة في العام 2006، بعد فوزها بأغلبية برلمانية، واصطدمت حينها بالرئيس محمود عباس في تداخل الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة.
غير أن القرار بقانون رقم 5 لسنة 2020، موضوع هذه الورقة البحثية، يقضي بشكل فعلي على أية صلاحيات للحكومة تكون مستقلةً بها عن مؤسسة الرئاسة، مما يعني وجود "حكومة ظل" تحت مسمى "ديوان الرئاسة"، بحيث تتبع الرئيس مباشرة وتأخذ معظم الصلاحيات الممنوحة للحكومة بموجب القانون الاساسي، أي أن هذا القرار بقانون يعود عملياً إلى نقطة الصفر ما قبل العام 2003، من حيث تركيز الصلاحيات بيد الرئيس، مع فرق واحد وهو وجود رئيس وزراء.
يأتي التوقيت الذي وقع فيه الرئيس القرار بقانون رقم 5 لسنة 2020 بشان ديوان الرئاسة الفلسطينية في وقت إعلان حالة الطوارئ، أي في الوقت الذي تم فيه تعليق العمل بالقانون الأساسي، وانشغلت كافة شرائح المجتمع الفلسطيني بأزمة كورونا وآثار حالة الطوارئ. ويقول مراقبون إن اختيار هذا التوقيت بالذات وفي ظل تصاعد شعبية الحكومة الفلسطينية ورئيسها على حساب الرئيس الفلسطيني واللوبي الحاكم حوله هو ما دفع الى استحداث صلاحيات جديدة لرئيس ديوان مؤسسة الرئاسة على حساب الصلاحيات الممنوحة للحكومة بموجب القانون الأساسي. في كل الأحوال هذا رأي سياسي في تحليل خلفيات القرار، وقد لا يكون دقيقاً، فيما مهمة هذه الورقة هي الخوض في قانونية إقرار القرار بقانون ومدى التزامه بالقانون الأساسي، والإشكالية الدستورية التي ينشئها هذا القرار.
نجد ابتداء أن القانون الأساسي ينشئ مؤسسة الرئاسة ويعطيها صلاحيات على سبيل الحصر، وذلك في الباب الثالث منه، حيث نصت المادة 38 من القانون الأساسي على أن الرئيس يمارس مهامه وصلاحياته على الوجه المبين في هذا القانون؛ بما يعني أن صلاحيات الرئيس ومهامه جاءت على سبيل الحصر في القانون الأساسي الفلسطيني، ولا يوجد أي قانون آخر ينص على صلاحيات غير تلك الواردة في القانون الأساسي. ومن صلاحيات الرئيس المنصوص عليها: تعيين ممثلي الدولة، واعتماد القوانين بعد إقرارها من المجلس التشريعي، ونشرها في الجريدة الرسمية،وصلاحية العفو الخاص، وإعلان حالة الطوارئ، وصلاحية إصدار قرارات بقوانين في حالة الضرورة وعندما لا يكون المجلس التشريعي منعقدا، وغيرها...أما ما تبقى من صلاحيات، فهي من صلاحيات الحكومة الفلسطينية، والتي وردت في الباب الخامس من القانون الاساسي، حيث نصت المادة 63 من القانون الأساسي على أنه:
"فيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية يحددها القانون الأساسي، تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية من اختصاص مجلس الوزراء".
وهكذا، نجد أن الباب الثالث من القانون الأساسي قد حدد صلاحيات الرئيس على سبيل الحصر، وجعل صلاحيات الحكومة مفتوحة في كل ما عدا ذلك. وفي ضوء ذلك، نجد أن إقرار هذا القرار بقانون مثل تعديا وانتهاكا للقانون الأساسي الفلسطيني ما يجعل منه معيبا بعيب عدم الدستورية. فبعيدا عن أن القرارات بقوانين التي صدرت على مدار الأعوام الماضية لا تتمتع بمعظمها بالشرعية الدستورية، بسبب خلوها من شرط الضرورة المنصوص عليه في المادة 43 من القانون الأساسي، ما يجعل إصدارها على هذه الصورة تعسفاً في استخدام نص المادة 43، إلا أن هذا القرار بقانون بالذات يخالف جوهر كافة أحكام القانون الأساسي، وهو معيب بعدم الدستورية، حيث لا يجوز –وفقا لمبدأ تدرج القوانين- أن يخالف القانون الأدنى منزلةً، قانوناً يعلوه منزلة. بمعنى أن القرار بقانون، كما القوانين التي تصدر عن المجلس التشريعي، لا يجوز لها أن تخالف القانون الأساسي.
وبات الطابع الغالب في القرارات بقوانين التي يصدرها الرئيس أنها تُقر بشكل سريع وفي حالات تبدو غير ضرورية وتحتمل التأخير، نذكر منها -على سبيل المثال- القرار بقانون رقم 4 لعام 2020 الخاص بتعديل قانون مكافات ورواتب اعضاء المجلس التشريعي واعضاء الحكومة، والذي تم إلغاؤه وتعديله بموجب قرار بقانون آخر حمل الرقم 12 لعام 2020، والقرار بقانون رقم 6 لسنة 2020 بشأن التربيةوالتعليم، والقرار بقانون رقم 3 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون المرور، وغيرها العديد من القرارات بقانون الأخرى، على غير فحوى المادة 43 سابقة الذكر، والتي تنص على أن:
لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون...".
وكان آخر هذه القرارات بقانون، القرار بقانون بشأن ديوان الرئاسة الفلسطينية، والذي حمل الرقم 5 لسنة 2020، ونشر في الجريدة الرسمية في العدد 165 بتاريخ 19/3/2020، وهو موضوع هذا المقال حيث لقي معارضة من شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني، على اعتبار أنه يمثل توسعا غير مبرر في صلاحيات مؤسسة الرئاسة على حساب صلاحيات الحكومة، مما يعني تحويل النظام في فلسطين إلى نظام رئاسي، وهو ما يمثل خرقاً كبيرا بحق القانون الأساسي الفلسطيني.
لقد برزت إشكالية تضارب الصلاحيات حد الصدام وخلقت أزمات بين الرئيس والحكومة مرتين؛ الأولى في العام 2003 عندما تم تعديل القانون الأساسي الفلسطيني إبان حكم الرئيس عرفات، حيث لم يكن هناك منصب رئيس وزراء في النظام السياسي الفلسطيني حتى ذلك الحين، وكانت الحكومة تتبع مباشرة لرئيس السلطة. فتم استحداث منصب رئيس الوزراء،
ومنحه العديد من الصلاحيات مستقلا عن مؤسسة الرئاسة. بائت التجربة حينذاك بالفشل، حيث استقال محمود عباس، رئيس الحكومة في حينه، بسبب تنازع الصلاحيات مع مؤسسة الرئاسة. أما المرة الثانية فكانت عندما شكلت كتلة التغيير والإصلاح المحسوبة على حماس الحكومة الفلسطينية العاشرة في العام 2006، بعد فوزها بأغلبية برلمانية، واصطدمت حينها بالرئيس محمود عباس في تداخل الصلاحيات بين الحكومة والرئاسة.
غير أن القرار بقانون رقم 5 لسنة 2020، موضوع هذه الورقة البحثية، يقضي بشكل فعلي على أية صلاحيات للحكومة تكون مستقلةً بها عن مؤسسة الرئاسة، مما يعني وجود "حكومة ظل" تحت مسمى "ديوان الرئاسة"، بحيث تتبع الرئيس مباشرة وتأخذ معظم الصلاحيات الممنوحة للحكومة بموجب القانون الاساسي، أي أن هذا القرار بقانون يعود عملياً إلى نقطة الصفر ما قبل العام 2003، من حيث تركيز الصلاحيات بيد الرئيس، مع فرق واحد وهو وجود رئيس وزراء.
يأتي التوقيت الذي وقع فيه الرئيس القرار بقانون رقم 5 لسنة 2020 بشان ديوان الرئاسة الفلسطينية في وقت إعلان حالة الطوارئ، أي في الوقت الذي تم فيه تعليق العمل بالقانون الأساسي، وانشغلت كافة شرائح المجتمع الفلسطيني بأزمة كورونا وآثار حالة الطوارئ. ويقول مراقبون إن اختيار هذا التوقيت بالذات وفي ظل تصاعد شعبية الحكومة الفلسطينية ورئيسها على حساب الرئيس الفلسطيني واللوبي الحاكم حوله هو ما دفع الى استحداث صلاحيات جديدة لرئيس ديوان مؤسسة الرئاسة على حساب الصلاحيات الممنوحة للحكومة بموجب القانون الأساسي. في كل الأحوال هذا رأي سياسي في تحليل خلفيات القرار، وقد لا يكون دقيقاً، فيما مهمة هذه الورقة هي الخوض في قانونية إقرار القرار بقانون ومدى التزامه بالقانون الأساسي، والإشكالية الدستورية التي ينشئها هذا القرار.
نجد ابتداء أن القانون الأساسي ينشئ مؤسسة الرئاسة ويعطيها صلاحيات على سبيل الحصر، وذلك في الباب الثالث منه، حيث نصت المادة 38 من القانون الأساسي على أن الرئيس يمارس مهامه وصلاحياته على الوجه المبين في هذا القانون؛ بما يعني أن صلاحيات الرئيس ومهامه جاءت على سبيل الحصر في القانون الأساسي الفلسطيني، ولا يوجد أي قانون آخر ينص على صلاحيات غير تلك الواردة في القانون الأساسي. ومن صلاحيات الرئيس المنصوص عليها: تعيين ممثلي الدولة، واعتماد القوانين بعد إقرارها من المجلس التشريعي، ونشرها في الجريدة الرسمية،وصلاحية العفو الخاص، وإعلان حالة الطوارئ، وصلاحية إصدار قرارات بقوانين في حالة الضرورة وعندما لا يكون المجلس التشريعي منعقدا، وغيرها...أما ما تبقى من صلاحيات، فهي من صلاحيات الحكومة الفلسطينية، والتي وردت في الباب الخامس من القانون الاساسي، حيث نصت المادة 63 من القانون الأساسي على أنه:
"فيما عدا ما لرئيس السلطة الوطنية من اختصاصات تنفيذية يحددها القانون الأساسي، تكون الصلاحيات التنفيذية والإدارية من اختصاص مجلس الوزراء".
وهكذا، نجد أن الباب الثالث من القانون الأساسي قد حدد صلاحيات الرئيس على سبيل الحصر، وجعل صلاحيات الحكومة مفتوحة في كل ما عدا ذلك. وفي ضوء ذلك، نجد أن إقرار هذا القرار بقانون مثل تعديا وانتهاكا للقانون الأساسي الفلسطيني ما يجعل منه معيبا بعيب عدم الدستورية. فبعيدا عن أن القرارات بقوانين التي صدرت على مدار الأعوام الماضية لا تتمتع بمعظمها بالشرعية الدستورية، بسبب خلوها من شرط الضرورة المنصوص عليه في المادة 43 من القانون الأساسي، ما يجعل إصدارها على هذه الصورة تعسفاً في استخدام نص المادة 43، إلا أن هذا القرار بقانون بالذات يخالف جوهر كافة أحكام القانون الأساسي، وهو معيب بعدم الدستورية، حيث لا يجوز –وفقا لمبدأ تدرج القوانين- أن يخالف القانون الأدنى منزلةً، قانوناً يعلوه منزلة. بمعنى أن القرار بقانون، كما القوانين التي تصدر عن المجلس التشريعي، لا يجوز لها أن تخالف القانون الأساسي.