قال العجوز الحكيم :
- أخطر شيء يا صاحبي هو تبسيط المسائل وتلخيص الحياة في نقطة والسعادة في مطلب ..
يقول الواحد منا لنفسه .. لو أني كسبت هذه الورقة اليانصيب لانتهت جميع المشاكل ..
لو أني تزوجت هذه المرأة لأصبحتُ أسعد إنسان ..
لو أني هاجرت إلى أمريكا لحقّقت كل أحلامي .. لو أني تخلصت من هذا المرض المزمن الذي ينغص حياتي لصنعت من نفسي رجلاً عظيماً .. لو .. لو .. لو ..
ودائماً تتبسط المسألة في نقطة واحدة وقديماً تصور فرويد تبسيطاً شديداً للنفس الإنسانية فقام بتفسير حوافزها وعقدها وانحرافاتها بالحافز الجنسي
وأخطأ فرويد ..
وكان سبب الخطأ أن الحياة لا تقبل التبسيط و أنها نسيج معقد متداخل من عدة عوامل ..
وإذا حاولت أن تبسطها فإنك تمزقها في نفس الوقت ..
ولا شك أن كل الكائنات الحية هي في النهاية وبتبسيط شديد " ماء و تراب " ..
ولكن هل هي هكذا ؟؟ .. أبداً
إن التبسيط قتل للحقيقة .. وهذا ما يقع فيه كل إنسان منا حينما يتصور أن كل حياته تبدأ وتنتهي عند الحصول على هذه المرأة .. إذا فقدها ضاعت حياته و إذا فاز بها فاز بنعيم الدنيا والآخرة ..
ونتيجة هذه الرؤية التوحيدية المركزة تتوتر أعصابه فلا يعرف طعماً لأكل أو نوم أو راحة ويسقط عليلاً مثل مجنون ليلى .. وقد يبتلع أنبوبة أسبرين ليتخلص من عذابه ..
ولو أنّ مجنون ليلى حصل على محبوبته ليلى وتزوجها وتحقق له ما كان يحلم به لأفاق من جنونه تماماً ولعاد له عقله من أول لكمة في الفراش من ليلاه العزيزة وهي تقول له : "إبنك عنده إسهال .. وبنتك تقيء طول الليل .. وأنا طهقت .. روح شوف أمك تشيل عني العلل دي .. أنا قرفت منك ومن ولادك"
قطعاً كانت جميع الرؤى الشعرية والأطياف الملائكية ستتبخر من دماغه ويلعن اليوم الذي نظم فيه قصيدة أو كتب موالاً .. ولربما قام وهو يبرطم ويسب وجلس على باب الخيمة وأنشد قصيدة يلعن فيها القمر والشجر وحياة مثل حياة البقر.
ولكنّ الله لم يبلّغهُ مراده لأنه أراد أن يكون للوهم ملوك يفتنون الناس ..
كما أراد أن يكون للحقيقة ملوك يوقظون الناس ..
ليجري امتحان النفوس في عدالة بين شدّ وجذب الفريقين!
-
د. مصطفى محمود رحمه الله
من كتاب: المسيخ الدجال