منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، يكثف جيش الاحتلال من عدوانه على مناطق الضفة الغربية، مُستهدفاً القرى والمخيمات بالدرجة الأولى والتي باتت تشهد بشكلٍ يومي اقتحامات واسعة يُنفذ بها عمليات اغتيال وقتل، واعتقالات جماعية يتخللها التنكيل والتعذيب، فضلاً عن تدمير محتويات المنازل والمحال التجارية.
وبشكلٍ فعلي شهدت الضفة الغربية مثل هذه الحملات قبل حرب الإبادة على قطاع غزة، في حين تصاعدت بعد معركة طوفان الأقصى، وتصاعد قوة المقاومة وعلى وجه الخصوص في شمال الضفة الغربية.
ومن خلال المتابعة اليومية للأحداث التي تشهدها مناطق الضفة، يمكن القول إن الاحتلال ينطلق بحملاته العدوانية لعدة أهداف، تجتمع على ضرورة إلحاق أكبر قدرٍ ممكن من الأذى والدمار ضد الإنسان الفلسطينيين في جميع أماكن تواجده، نسعى في هذا التقرير لتفصيلها.
محاولات إضعاف المقاومة وضرب حاضنتها الشعبية
كانت بداية عهد الاقتحامات الواسعة وعمليات القتل الواسعة التي ينفذها جيش الاحتلال، في شمال الضفة الغربية، وعلى وجه التحديد محافظة جنين عام 2022، بعد اشتداد قوة المقاومة هناك، والإنطلاق بعمليات نوعية نُفذ بعض منها في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، كعملية الشهيد ضياء حمارشة، والذي رد الاحتلال على عمليته باقتحام بلدته يعبد وتنفيذ حملة اعتقالات عشوائية وتفتيش المنازل وتخريب محتوياتها، ثم عملية الشهيد رعد خازم من مخيم جنين والذي تصرف الاحتلال في أعقاباها على غرار ما قام به بعد عملية حمارشة، في حين ارتفع معدل الاقتحامات للمخيم وإطلاق الرصاص بشكلٍ مباشر على السكان ما أدى لارتقاء عدة شهداء.
ومنذ ذلك الحين بات الاحتلال بجيشه وأجهزته الاستخباراتية يعمل ما بوسعه لإنهاء ظاهرة المقاومة العسكرية، من خلال عمليات قتلٍ واسعة تطال المقاومين وحتى المدنيين من المسنين والأطفال، عند كل اقتحام، كاقتحام البلدة القديمة في مدينة نابلس بتاريخ 22 شباط/فبراير 2023، والذي أسفر عنه 10 شهداء دفعة واحدة منهم طلفين ومسنيين إضافة لمقاومين، مع قصف وتدمير منزلٍ في البلدة القديمة.
فيما تكررت مثل هذه الأحداث في مخيمات محافظة طولكرم التي شهدت دماراً كبيراً في المنازل والمحلات التجارية والبنية التحتية، ووُثقت حالات إحراق مباشر وهدم للمنازل والمحلات.
الاعتقالات والتحقيق الميداني.. حرب نفسية لا تتوقف
منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، بدأ جيش الاحتلال بتنفيذ عمليات اقتحام واعتقال واسعة طالت كافة مناطق الضفة الغربية دون استثناء، تخللها تنكيل وتعذيب جماعي وتدمير لمحتويات المنازل، فيما تم تحويل منازل في كافة القرى والمخيمات إلى مراكز تحقيق ميدانية، مع حرص الاحتلال على تنفيذ مظاهر الحرب النفسية، كرفع أعلام دولته والشعارات العنصرية الصهيونية على بعض المنازل.
وعند كل عملية اقتحام كانت عدد المعتقلين يصل إلى أكثر من 40 معتقلاً ، يتم التنكيل بهم أمام ذويهم وسكان المنطقة، فيما شهدت بعض الحالات هدم منازل أو محلات تجارية لأسرى محررين، كتدمير محل تجاري في قرية جفنا شمال رام الله بواسطة جرافة إسرائيلية تعود ملكيته لأسير من مخيم الجلزون، تم اقتياده ليشاهد عملية التدمير بعينه.
وعلى مدار أكثر من عام من الحرب، تستمر هذه الحملات إلى يومنا هذا، يستهدف الاحتلال بها الأسرى المحررين بالدرجة الأولى، الذين يتم اقتحام منازلهم بشكلٍ متكرر وتفتيشها، إضافة لعملية تحقيق ميداني مع الأسير وأسرته وتهديدهم بالتصفية والاعتقال الطويل، ففي بلدة جماعين جنوب نابلس، شهد منزل أحد الأسرى المحررين اقتحامات بشكلٍ أسبوعي على مدارة فترة، في حين تطور إجرام الاحتلال ليطال منازل جيرانه وينالوا من القمع والاعتداءات ما يناله الأسير المحرر الذي يسكن بجوارهم.
يسعى الاحتلال في هذه الحالات، لخلق حالة من الإرهاب النفسي والإرهاق الذي يستهدف الأسرى المحررين ومحيطهم العائلي والاجتماعي، وإنهاكهم من خلال الاقتحامات الليلية، وتدمير محتويات منازلهم، وترهيب الفلسطينيين من فكر المقاومة.
تعميق الأزمة الاقتصادية
وتشهد الضفة الغربية حالة من أزمة اقتصادية عميقة، تكونت نتيجة عدة عوامل، أبرزها أزمات السلطة الفلسطينية المرتبطة بالفساد الداخلي من جهة، والتضييقات الاقتصادية التي يقوم بها وزير مالية الاحتلال بتسلئيل سموتريتش ضد السلطة، كاحتجاز أموال المقاصة بشكلٍ متكرر، وتعطيل تعامل بنوك الاحتلال مع البنوك الفلسطينية، في حين بدأ هذا الارتباط الاقتصادي مع اتفاقيات أوسلو في تسعينيات القرن الماضي، وتعمق مع حكومة سلام فياض عام 2008.
وفي خضم ذلك سعى الاحتلال لتدمير مصادر رزق الفلسطينيين، والمشاريع الصغيرة كالمنشآت الصناعية المحدودة، التي يتم هدمها وتدميرها خاصة في ضواحي القدس، وتدمير المحلات التجارية، على غرار ما شهده مخيم الفوار جنوب الخليل خلال الأيام الأخيرة، وقرية برقة شمال نابلس، والتي تشهد اقتحاماً واسعاً منذ أمس الأربعاء تخلله مصادرة لمفاتيح المحلات التجارية ومفاتيح سياراتٍ للفلسطينيين، إضافة لإحكام الحصار على القرية من خلال إغلاق مداخلها.
ولعل حصار البلدات الفلسطينية، وتقطيع أوصال الضفة الغربية بالحواجز ونقاط التفتيش، وتركيب بوابات يتحكم جيش الاحتلال بفتحها وإغلاقها، جزء من المشهد السائد في الضفة الغربية، والذي بات يؤثر بشكلٍ متصاعد على الشعب الفلسطيني هناك.
السيطرة الإسرائيلية.. تطبيق قبل الإعلان الرسمي
تتصاعد هذه السياسات الإسرائيلية بالتزامن مع تصريحات وزير مالية الاحتلال المتطرف بتسلئيل سموتريتش، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، واللذان أكدا بعدة تصريحات على ضرورة فرض السيطرة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية، وتهجير أكبر قدرٍ ممكن من الفلسطينيين بعدة وسائل، إضافة لمصادرة المزيد من الأراضي لصالح المستوطنات والمعسكرات، وشق الطرق الخاصة للمستوطنين.
وفي الوقت الذي أعلن فيه سموتريتش قبل أيام عن نية الاحتلال بفرض السيطرة على الضفة بحلول عام 2025 القادم، فإن السيطرة تجري بشكلٍ فعلي من خلال الاعتداءات المتكررة التي تنفذها مليشيات المستوطنين بشكلٍ موسع بات طال المدن، كمدينة البيرة الأسبوع الماضي، وإجراءات جيش الاحتلال الواسعة داخل المدن والمخيمات والقرى، مع عدم وضع أي اعتبارٍ لسيادة السلطة أو بنود الاتفاقيات الموقعة معها.