مألوف في ليبيا أن يأتي أنصار النظام السابق على سيرة الرئيس الراحل معمر القذافي، لكن الذي بات ملحوظاً، هو استحضار أطياف متباينة ومن أعمار مختلفة، ذكرى رئيس ربما قُتل قبل أن يعاصروا حكمه ويشهدوا أيامه.
مكث القذافي في الحكم قرابة 42 عاماً، وقُتل إثر اندلاع ثورة شعبية عام 2011، ورغم مرور 13 عاماً على إسقاط حكمه فإن شرائح مجتمعية كثيرة تتذكره، وهو ما أرجعه أستاذ القانون والباحث السياسي الليبي رمضان التويجر إلى «حالة الإحباط العام التي تشهدها ليبيا منذ رحليه».
وفجأة وعقب خروج جمهور كرة القدم الليبية من «استاد طرابلس الدولي» بعد هزيمة المنتخب أمام نظيره البنيني في تصفيات التأهل لـ«أمم أفريقيا»، استحضر الهتاف الشهير: «الله ومعمر وليبيا وبس».
وجاء هذا الهتاف على خلفية خسارة كروية. لكن هتافات أخرى كثيرة انطلقت في مناسبات سياسية مختلفة، عدّها متابعون استحضاراً لروح «الزعيم والرمز المخلص».
وإذا كان التويجر، ربط هذه الهتافات للقذافي بـ«حالة الإحباط الراهنة»، فإن آخرين يعزونها إلى «الشعبية الكبيرة التي لا يزال يحظى بها القذافي، خصوصاً بين الطبقات التي تعاني من الوضع الاقتصادي الذي ازداد سوءاً بعد رحيله». وربما هو ما يفسر مغزى هذا الهتاف الآن.
وتعاني ليبيا منذ إسقاط نظام القذافي، وضعاً سياسياً واقتصادياً متأزماً. وأمام تمسك ساستها الجدد بما يرونه مناسباً، فشلت البلاد في عقد انتخابات رئاسية ونيابية. ودفع الجمود في البلاد المبعوث الأممي السابق عبد الله باتيلي إلى القول إن الأمم المتحدة «لا يمكن أن تتحرك بنجاح لدعم العملية السياسية، في مواجهة قادة يضعون مصالحهم الشخصية فوق حاجات البلاد».
ويرى أكاديمي ليبي، أن الطبقات الاجتماعية الرقيقة اقتصادياً في البلاد «تبحث دائماً عن منقذ في ظل ما تشاهده من استشراء الفساد والمحسوبية ونهب المال العام منذ إسقاط القذافي... وهناك من كانوا يأملون بعد الثورة في قيام دولة مختلفة وعادلة».
ويعتقد أيضاً بأن «رمزية القذافي طاغية، وقد تحتاج البلاد إلى مزيد من الوقت للخروج من هذه الحالة (...) ولن نغادرها إلا برمز جديد يقبله الشعب ويلتف حوله».
ورغم ما وصف به نظام القذافي بأنه «قمعي وديكتاتوري وأقصى معارضيه»، فإن هناك من يرى أنه أبقى على ليبيا «موحدة»، ولم يستشر «الفساد» بين المسؤولين وفي المؤسسات العامة مثلما يحدث منذ سنوات. وهنا يلفت الأكاديمي الليبي حافظ الغويل، وهو زميل أول بمعهد الدراسات الدولية في جامعة «جونز هوبكنز» الأميركية، إلى هذه النقطة، ويقول: «أعتقد بأن التاريخ سيذكر معمر القذافي، بغض النظر على رأيك فيه، على أنه آخر رئيس وحاكم لدولة ليبيا الموحدة».
وتعاني ليبيا بشكل لافت من انتشار الفساد، فمنذ عام 2012 تراجع ترتيبها إلى الأسوأ، وصولاً إلى تصنيفها من بين «الدول العشر الأكثر فساداً»، وفقاً لـ«مؤشر مدركات الفساد»، الصادر عن «منظمة الشفافية الدولية» هذا العام.
وباستثناء التيار الداعم لسيف الإسلام القذافي لخوضه الانتخابات الرئاسية، لا توجد روافع داعمة لعموم النظام السابق، سواء من قبائل أو تكتلات سياسية مؤيدة، بل على العكس، ظهر مؤخراً ما يشبه انقسامات مكتومة بين المؤيدين لسيف، وبين كتلة الداعين لعموم النظام السابق.
وأمام الخيبات التي مني بها الليبيون، وحالت دون عقد الانتخابات المؤجلة من نهاية 2021، لا يزال البلد النفطي يتخبط سياسياً، واقتصادياً في ظل مساعٍ أممية للوصول إلى محطة للتوافق تنهي المرحلة الانتقالية.
وتضررت فئات اجتماعية كثيرة خلال السنوات الماضية، من قلة الدخل، ومحدودية الرواتب وارتفاع أسعار السلع الغذائية، لذا ربط محمد الكميشي أحد المؤيدين لـ«ثورة 17 فبراير» بين هتاف الجماهير في استاد طرابلس، وبين ما تشهده ليبيا من تراجع راهناً.
ووجه الكميشي حديثه لأقطاب السلطة دون أن يذكر أسماء: «سيخرجون يوماً ما إلى الشوارع ويهتفون هذا الهتاف، انتقاماً لما فعلتم بالشعب. كل سيناريو له نهاية، وسيناريو ظلمكم للناس (حيولي) عليكم، هذا ما جنيتم علينا».
ومن بين الكيانات التي تتحدث باسم سيف القذافي، حراك «مانديلا ليبيا» الذي يترأسه الناشط عبد المنعم أدرنة، الذي أيد هذه الهتافات، معتقداً بأن «الخلاص في ليبيا يكمن في انتفاضة مسلحة».
وكان موالون لسيف القذافي بالزنتان قد نظّموا استعراضاً عسكرياً، وأكدوا تمسكهم مجدداً بدعمه للترشح في الانتخابات الرئاسية المقبلة.